من الظواهر المسيئة للمواطن، ما يحدث له في دوائر الدولة من أسلوب في التعامل معه من قبل القائمين على إنجاز المعاملات الإدارية وسواها، حيث يبتكر بعض الموظفين أساليب ما أنزل الله بها من سلطان، كي يجعلوا المواطن يشعر بالجزع والقهر والألم وعدم الإنصاف، حيث يتم وضع عراقيل كثيرة عجيبة وغريبة تقف في طريق انجاز معاملته، والأسوأ هو طريقة التعامل (الكلام، والتعالي على المواطنين) وابتزازهم بطريقة وأخرى كي يدفعوا (الرشوة)!.
هذا النظام الإداري البيروقراطي ليس وليد اليوم بل له جذوره القديمة، لكنه بات اليوم في ظل ضعف القانون أوسع لدرجة أنه شكل ظاهرة يمكن أن نجدها في دوائر الدولة، حيث نرى في الكثير من الأحيان تعامل الموظفين بصوره سيئة للمراجعين، وعندما يفقد الموظف المؤتمن إنسانيته، وعندما يعطي ضميره إجازة ويكون ديدنه التكشير والتذمر والتكاسل، وقلة الإنتاجية والعصبية وسلاطة اللسان، يقع المواطن تحت رحمة هذه السلوكيات المؤسفة.
وقد يتأخر الموظف عن الحضور الى مقر عمله أو يغيب أحياناً بحجج واهية ويترك الناس بالانتظار في طابور قد يكون طويلا أحيانا، كذلك قد يكون الموظف فظ التعامل، وفي حين أن التطور وإدخال التقنية الحديثة سهلت عمل الموظف، فيجب أن يكون شعار كل موظف (المراجع أولاً)، وهذا الشعار نسمعه كثيرا من الشركات الخدمية الربحية، لكن مازال الموظف يعاني من صداع مزمن وغفلة وتراخ وقد راح في سبات عميق، وهناك فئة من الموظفين خصوصاً في القطاع العام ديدنها مضايقة المراجعين بكل السبل المبتكرة والمتاحة.
تجديد التشريعات الرقابية وصرامتها
لذا يجب وضع الحلول الملائمة لهذه الظاهرة، وذلك بإيجاد طرق وتشريعات جديدة لحلها، ومن أهم الحلول أن تكثف الجهات الرقابية عملها الرقابي، والأهم هو أن يوقظ الموظف السلبي ضميره بعد سباته العميق، ولابد من أن يقوم مديرو الإدارات بالنزول إلى الميدان أولاً بأول، وترك كراسيهم من حين لآخر، ومشاركة الموظف في عمله، ومناقشة المراجعين بشكل مباشر، وحل مشكلاتهم وعدم التهاون مع الموظف المتلكئ بعمله، أو أن يسيء إلى أحد المراجعين وقد فقد التعامل السليم، فالمواطن أولاً، شعار يجب أن يرسخ في وجدان وضمير الموظف ولا يكون كالإنسان الذي فقد الإنسان داخله.
ولتغطية هذه الظاهرة ومعرفة أسباب أكثر حول سوء تعامل الموظفين للمراجعين، وكذلك اخذ حلول، للقضاء على هذه الظاهرة او التقليل منها، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بجولة استطلاعيه كي تأخذ آراء المهتمين والجهات المعنية، من خلال توجيه بعض التساؤلات لهم.
وكان التساؤل الأول: ما هي أسباب سوء تعامل الموظف مع المراجع؟.
أجابنا الدكتور (قاسم رشيد الخفاجي)، قائلا:
إن هذا الموضوع مرتبط ارتباطا وثيقا بعملية الفساد المالي والرشوة، لان قسم من الموظفين يستخدم التعامل المسيء، ويضع العقبات أمام المراجعين، من اجل إجبار الناس على دفع الرشوة، فهذا الموضوع يتضمن جانبين أحدهما التعامل اللا أخلاقي، والثاني الرشوة وخصوصا ونحن مسلمين والإسلام هو حسن المعاملة.
وأضاف الدكتور الخفاجي: كذلك بعض المدراء لهم حصة من الرشوة، وهم يعيثون في الدوائر فسادا ولا يستطيع احد إيقافهم، لأنهم بعيدون عن العقاب وعن الرقابة، مادامت حصصهم تصل إليهم، علما أن الدوائر الرقابية قد فُتح لها باب للفائدة المادية على حساب المواطن الذي همه انجاز معاملته بأسرع وقت واقصر طريق، خوفا من تغيير القوانين والضوابط بسرعة البرق ما شاء الله فكل مدير يجتهد بتطبيق القانون الذي يرغب به وعلى من يريد.
تطوير مؤهلات الموظف الأخلاقية
ويكمل الدكتور قاسم: بأن سوء الأخلاق هذا هو نتاج تنشئة وظيفية واجتماعية خاطئة، وغياب الروادع الأخلاقية والقانونية للموظف المسيء، ولنتذكر أن الأخلاق تنبت كالنبات اذا سقيت بماء المكرمات، فبماذا سقينا أخلاقنا نحن عشنا القهر والعذاب في العقود المريرة، وقد كانت ابرز سماتها الحرب والعنف والتجويع والإذلال والانتقاص من قيمة الفرد العراقي، مع ما يعرف عن تأثيرات هذه الظروف على البناء القيمي للمجتمعات.
وأجابنا الأستاذ (علاء رشيد) موظف حكومي، عن التساؤل نفسه، قائلا:
إن العمر ليس له أي دخل بالتصرفات التي يقوم بها الموظف خلال ممارسة عمله، وبرأيي الخاص أن التعيينات العشوائية والواسطات، جلبت إلى السلك الوظيفي أنواعا وأنماطا من البشر، أصلا هم غير مؤهلين لهذه المناصب لا ثقافيا ولا علميا، أي انه لا يستحق هذا المنصب الذي هو أكثر من استحقاقه، وبطبيعة الحال يصاف هذا الموظف بالغرور والتعالي على الناس، وحتى في حالات كثيرة على زملائه الموظفين الذين يعملون معه، والمؤشر الآخر هو انعدام الرقابة الإدارية ومحاسبة الموظف المسيء، أو الذي يهمل عملة حتى إن وجدت فتلعب الوساطات دورا هاما في كبحها، وأخيرا تبقى هناك مسألة مهمة، ألا وهي التربية والأخلاق التي تربى عليها هذا الشخص، وكذلك تلعب العوامل النفسية أيضا دورا في هذا المجال، لكن حدتها اقل نسبيا من العوامل التي سبق وان ذكرتها.
وطرحنا سؤالا حول كيفية معالجة هذه الظاهرة وما هي الفرص المتاحة في هذا المجال؟.
فأجابنا دكتور في الرقابة المالية فضل عدم ذكر اسمه، قائلا:
إن الحل يكمن في تقليص الروتين، من خلال اعتماد أسلوب النافذة الواحدة، وعدم ترك المراجع على احتكاك مباشر مع العديد من الدوائر والموظفين لانجاز معاملة واحدة، الحل الآخر هو وضع الإجراءات الكفيلة لتخفيف الازدحام وتكتل المراجعين، من خلال تعدد منافذ المراجعة لان ازدحام المراجعين يعطي الفرصة للموظف لابتزاز المراجعين، ثالثا نشر كاميرات مراقبة داخل جميع الأقسام، وضع إجراءات عقابية رادعة ضد الموظف المسيء، وتفعيل نظام صندوق الشكاوى، والزام الموظفين على ارتداء باجات تحمل أسماءهم لتمكين المراجع من الشكوى عليهم بالاسم، وفتح خط ساخن للاتصال بمسؤولية الدائرة مباشرة من قبل المراجعين، وتجول مدير الدائرة ميدانيا في دائرته للاحتكاك بالمراجعين وتشخيص مواطن الخلل، والقيام بحملة إعلاميه لإدانة السلوكيات الغير منضبطة للموظفين، وتجهيز استعلامات الدوائر بآلات حديثة تؤمن عدالة وصول المراجع إلى الموظف المسؤول دون أن يتجاوز على دوره احد، اذ تزوده الآلة برقم مراجعة وتؤشر شاشة وصول الدور له دون أن تعمل الرشاوى والمحسوبيات دورا في مخالفة النظام، وعدم اضطرار المراجع للوقوف في طابور مرهق، ورفد الدوائر والمؤسسات الحكومية بالخريجين الجدد وإلغاء نظام التعاقد بعد التقاعد لأننا نرى في الدوائر الحكومية البعض من المعمرين، ووجود البعض منهم يدفع إلى اليأس من التغيير.
وأجاب الأستاذ (سرمد الربيعي)، حول الموضوع نفسه فقال: إن هذه المشكلة أو هذه الظاهرة لا تقتصر على دائرة دون غيرها، للأسف الشديد والحل يكمن في تأهيل وتدريب الموظفين، على كيفية معاملة المراجعين وفق احترام حقوق الإنسان، كما اعتقد بضرورة تغيير السلسلة الإدارية وكافة الأنظمة القديمة، واستبدالها بما هو حديث ومتطور وفق ما وصلته الدول المتقدمة في هذا المجال.
اضف تعليق