كلنا تقريبا نستخدم أرصفة الطرق التي هيأتها دوائر البلدية في عموم العراق، وهي كما في توصيفها القانوني والإداري مخصصة لسير المشاة عليها، لكننا عند ندقق النظر اليوم للأرصفة، سنلاحظ أنها تكاد تكون مخصصة للباعة ولأصحاب المحال المختلفة والمطاعم والأسواق (المولات الصغيرة)، حيث يعرض هؤلاء بضاعتهم خارج المحل وخارج المطعم وحتى الكازينو أو الكوفي شوب تحتل بمقاعدها الأرصفة كأنها ملك خاص لها، أما المواطن فهو آخر من يستفيد من الرصيف إذا كانت تشمله تلك الفائدة علماً أن الرصيف مخصص للمواطن حصرا.
وبسبب استغلال المطاعم والباعة وأصحاب المحال التجارية للأرصفة بعرض بضاعتهم عليها، فلا يجد المواطن رصيفاً فارغاً يمشي عليه، وتزداد حمى الفوضى في الأرصفة المخصصة للمشاة، نتيجة تسابق أصحاب المحال والبائعة المتجولين، على حجز موضع قدم لعرض بضائعهم، في مشهد يعكس غيابا شبه تام للجهات الرقابية البلدية المعنية بهذه الظاهرة.
إن السماح لأصحاب المحال والباعة المتجولين بهذا الأمر، بدا كأنة إهانة إلى النظام والممتلكات العامة، كما أن تجاهل المسؤولين لما يدور في الأسواق المحلية واستغلال أصحاب المحال والمطاعم لهذه الأماكن وحرمان المواطن منها وتعريض حياته للخطر أحيانا، يبدو كأنه أمر متفق عليه بين الجهات المعنية، وأصحاب المحال والباعة المتجولين.
وهناك أخطار عديدة تسببها هذه الظاهرة، حيث يعيق التجاوز على الرصيف حركة المارة من المواطنين بجميع فئاتهم، ويجبرهم هذا الأمر على نزولهم إلى الشارع للمشي، وهذا خطر عليهم ويؤدي إلى حدوث كوارث أحيانا، وأيضا يعيق حركه سير السيارات والطرق الرئيسية، وكذلك تؤدي هذه الظاهرة إلى تأخير في عمل كوادر الفنية لأعاده تأهيل المدينة، من خلال تنفيذ بعض المشاريع الخاصة بالبنية التحتية.
وهنالك مشاكل أخرى تنتج عن هؤلاء المتجاوزين على الأرصفة، حيث تكثر قربهم النفايات وهذه تؤثر سلبا على البيئة، وتشوّه جمالية المدينة، وهناك حالات أكثر خطرا، وهي الأطعمة الملقاة على الرصيف، والتي تؤدي إلى حالات تسمم تصيب المواطنين بسبب كونها نشكل ملوثات للجو.
من يقف وراء استمرار هذه الظاهرة؟
ولغرض معرفة من يسهم ويشترك في استمرار وتفاقم هذه الظاهرة التي تسيء الى حقوق المواطن وجماليات المدن، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بالتجوال في بعض الشوارع العامة لمعرفه أسباب هذه الظاهرة غير الحضارية والمشوهة في نفس الوقت لمنظر المدن بشكل عام، وقد طرحنا تساؤلات عدة إلى الجهات المعنية ومن يهمه الأمر.
لماذا يتجاوز أصحاب المحال على الأرصفة، مع العلم تم تحريم ذلك شرعياً وقانونياً وعرفياً؟.
أجابنا على السؤال صاحب محل (مهيمن عباس)، قائلا:
إن بعض أصحاب المحال يعلمون بأن التجاوز على الأرصفة، يعتبر محرما شرعيا وقانونا، ولكن لا توجد مساحات واسعة في داخل المحل، ولا تكفي للبضاعة، والسبب صغر المحلات، وأيضا الأسعار والمرتفعة لإيجار المحل، وهذه احدى الأسباب التي دفعت بأصحاب المحال الى القدوم على التجاوز، أما أصحاب (البسطيات) فهم لا يجدون فرص عمل أخرى يعيشون منها، وهذا يقع على عاتق الدولة في مجال توفير فرص العمل للمواطنين.
ثم التقينا بمواطن يبلغ من العمر 52 (عبد الله محمد)، وقلنا له: عندما تجتاز الرصيف وتجد بضاعة لأصحاب المحال تعيق سيرك ماذا تشعر وكيف تتصرف؟.
أجابنا قائلا:
إن هذه الظاهرة تسبب لنا الخوف على الأطفال لأنها تجبرهم على النزول إلى الشارع، مما قد يعرضهم للحوادث، ونشعر بالسوء لسببين، الأول: التأثير على جمالية المدن لوجود هذه التجاوزات، والسبب الثاني: هو أن هؤلاء الأشخاص المتجاوزين تكون عيشتهم على هذه البسطيات وهذه ظاهرة يجب توفر حلول قطعية لها.
وأجابنا المهندس (محمد حسين)، يعمل في شركة أهلية بقوله:
يجب الانتباه إلى أن أصحاب البسطيات، الذين يفترشون الرصيف ويعرضون بضاعتهم، إنهم جميعا من ذوي الدخل المحدود، ومع أنهم من حيث لا يعلمون قد تسببوا بالكثير من الأضرار للمواطن وللنظام المروري وتنظيم الشوارع والمدن، لكن لابد من التفكير بحل لأرزاقهم وعوائلهم.
ويكمل المهندس محمد قائلا: إن الأرصفة تحتوي على أسلاك الكهرباء (أعمدة ودفن تحت الأرض)، وشبكات الماء الصالح للشرب وشبكات الصرف الصحي، بالإضافة إلى أسلاك الهواتف الأرضية، وأن التجاوز عليها يتلف هذه الخطوط، وفي حاله العطل لا تستطيع الدوائر الخدمية أداء عملها بشكل الكامل في الصيانة، وأيضا تعمل على تأخيرهم.
حلول وبدائل قد تكون ناجعة
وسألنا أحد العاملين الحكوميين في هذا المجال وقلنا له: من المعروف أن الأرصفة مخصصة لاستخدام المارة لكن نلاحظ استخدام أصحاب المحال بمختلف أنواعها لهذه الأرصفة وغلقها بأنواع البضائع، ما هي الإجراءات التي تتخذها البلدية من ذلك؟. أجابنا قائلا:
فيما يخص حالات التجاوز على الأرصفة والساحات العامة، هناك محاسبه لهؤلاء المتجاوزين، الذين يفترشون الأرصفة والشوارع المخصصة للبلدية والمارة، وهناك حملات مستمرة لأزالة هذه التجاوزات، وعقوبات صارمة حددتها الجنة الاقتصادية المتخصصة بهذا الشأن، ومنها فرض غرامات مالية تقدر تقريبا بـ500 ألف دينار عراقي.
وأكمل قائلا: دائما تأتي إلينا الكثير من الشكاوي، ضد هؤلاء البائعة وعدم وجود طريق سالك للمواطنين، في السير أثناء تجوالهم في مناطق المدينة والأحياء، مما يضطر المواطن إلى النزول الى حوض الشارع، وهذا يعرضه إلى حوادث قد تكون بعضها، حوادث دهس خطيرة أو ما شابه ذلك، وهذه الشكاوي أخذت بنظر الاعتبار، وهناك قوة عاملة مخصصة لإزالة التجاوزات الموجودة على الأرصفة والشوارع، بالتنسيق مع الجهات المعنية، إضافة إلى ضرورة مفاتحة مجالس المحافظات، لتشريع قانون يخص الغرامات، وقد تم تشريع قانون في السنوات الماضية بغرامات تبدأ بـ 50 ألف وتنتهي بـ 5 ملاين، ولكن إلى الآن لم نستلم التعليمات بالعمل بها، ومن الإجراءات الجيدة التي تأتي من باب إيجاد بعض الحلول لهذه الظاهرة، فقد تم التأكيد والتعاون مع الجهات المعنية لإنشاء 200 محل من (سندويش بنل)، لتأجيره للبائعة المتجولين والمتجاوزين، وتم تخصيص ساحة لعمل لبناء مشروع أسواق مستقبلا، للتخلص من هذا التجاوز على الأرصفة.
وأخيرا طرحنا هذا السؤال على شاب يبلغ من العمر 22 (حسين مهدي)، لماذا تقومون باستخدام الأرصفة، وماذا تطالبون لحل هذه المشكلة؟. وأجابنا قائلا:
اضطررت إلى العمل في هذه المهنة، (أبيع ملابس الأطفال)، في هذه البسطية التي بالكاد أحصل منها على ما يعينني على أعالة زوجتي وابنتي، بعد أن تعبت ويئست من الحصول على فرصة عمل، حالي حال الكثير من الشباب العاطلين، وأناشد المسؤولين والجهات المختصة، لتوفير فرص عمل لنا جميعا، والاهتمام بهذه الفئة من المجتمع التي تكاد أن تندثر وتختفي.
اضف تعليق