q

بعد التغير السياسي في نيسان 2003 ظهرت الحاجة لكتابة دستور دائم، ينظم شؤون الدولة العراقية بنظامها السياسي الديمقراطي الجديد، وبدافع مخاوف الطبقة السياسية من الجهات الداخلية والخارجية المعارضة للتجربة الجديدة، تم اختيار لجنة لصياغة الدستور وتمت كتابته على عجالة، بسبب الظروف المحيطة حتى قيل أن هناك ثغرات كثيرة وبعضها كبير، في صياغة الدستور، ومنها على سبيل المثال المادة 140 المتعلقة بالأراضي والمناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وظهرت الكثير من الأصوات التي تنادي بتغير بعض فقرات وبنود الدستور بما يستجيب لحاجات البلاد الملحة.

وفي خطوة مفاجئة ومتعجلة أعلن مسعود بارزاني عن عزمه أجراء استفتاء عن انفصال واستقلال كردستان عن العراق، فاندلعت موجة من الاعتراضات والتحذيرات الداخلية والخارجية، كلها بينت إلى بارزاني ومعاونيه النتائج الخطيرة لخطوه الاستفتاء على حاضر ومستقبل العراق والمنطقة، وخصوصا الدول المجاورة للعراق (تركيا، إيران، سوريا)، فضلا عن المخاطر الأكبر التي قد تهدد السلم الإقليمي والعالمي، ولكن مسعود بارزاني كان مصرا على إجراء الاستفتاء والانفصال عن الدولة العراقية، في يوم 25 أيلول الماضي، ولم تثنه عن ذلك جميع المواقف للحكومة العراقية ولا تلك التي أعلنتها الدول الإقليمية رسميا، ولم يؤثر الموقف الأمريكي المعارض ولا مواقف الدول الأخرى التي أعلنت معظمها ضد المساس بوحدة الأرض العراقية.

وعلى الرغم من ذلك كله أقدم بارزاني ومعاونوه على أجراء الاستفتاء في عدة المحافظات الشمالية، ومنها كركوك وبعض مناطق ديالى والموصل، وهي مناطق متنازع عليها وأمرها غير محسوم وفق المادة 140 من الدستور العراقي، ومع ذلك تم أجراء الاستفتاء فيها في مخالفة واضحة للدستور العراقي وإهمال لجميع الأصوات المعارِضة والمحذِّرة.

وبعد إجراء الاستفتاء اتخذت الحكومة العراقية على الفور إجراءات عملية ضد هذه الخطوة المخالفة للدستور، منها وقف جميع الرحلات الجوية من والى المطارات العراقية المتواجدة في المحافظات الشمالية، بعد أن قامت سلطة الطيران المدني العراقية بمخاطبة الجهات المعنية وإصدار إيعاز بوقف الرحلات الجوية باستثناء الحالات الإنسانية، وقد تم تطبيق هذا القرار بصوره فعلية وتم وقف جميع الرحلات في مطارات الإقليم بالإضافة الى تنسيق الحكومة العراقية مع دول الجوار (إيران، تركيا) للسيطرة على المعابر الحدودية البرية وأدارتها من قبل أفراد وموظفين وقوات تابعه للحكومة الاتحادية.

الدخول في دوّامة جديدة

وهكذا دخل العراق (بسبب الاستفتاء) في دوامة جديدة من المشاكل التي شغلته عن مهمته الأولى والكبيرة، وهي تحرير المناطق التي لا تزال في يد تنظيم داعش الإرهابي، كمنطقة الحويجة وبعض المناطق في غرب البلاد، كالقائم حيث أعلنت الحكومة العراقية ومسؤولون من التحاف الدولي، أن هذا الاستفتاء شغل العراق عن مهمته الأولى في محاربة الإرهاب.

وبعد تطبيق بعض الإجراءات التي اتخذته الحكومة العراقية ضد الاستفتاء، انعكس ذلك على السوق العراقية منها ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية ومواد الطاقة التي يحتاجها المواطن البسيط، ولكن حرصت الحكومة الاتحادية وفق إعلان رئيس الوزراء العراقي، بأن الحكومة حريصة على المواطن وسلامته وتوفير احتياجاته، ولكن لا يخفى على الجميع أن خطوه الاستفتاء أحدثت إرباكا كبيرا في الساحة العراقية والإقليمية.

وهذا ما حدا (بشبكة النبأ المعلوماتية) أن تتوجه إلى بعض المختصين والمعنيين بخطوه الاستفتاء، بالإضافة إلى معرفة المواطن العادي ورأيه في هذه الخطوة، وقد طرحنا السؤال الأول على (الكاتب والصحفي المعروف الأستاذ علي الطالقاني مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام)، ومفاده:

هل جاءت خطوة الاستفتاء منسجمة مع الوضع السياسي والأمني الراهن في العراق؟

فأجابنا بالقول:

على الرغم من أهمية قرارات الحكومة بخصوص استفتاء إقليم كردستان، فإن ما تعنيه سياسيا أكبر من ذلك. لأننا نقرأ في قرارات الحكومة العراقية رسالة واضحة للقادة الكرد، بأن الحكومة ستسير في طريق التصدي لكل من يحاول تفتيت الوطن، القرارات التي لن تسمح بأن يقف احد حجر عثرة أمامها. "لقد مر زمن طويل من أعمارنا في انتظار إنهاء هذه المشكلة وتحديد من هو يقف بوجه الإصلاحات وبوجه وحدة البلاد، فهناك من يحاول غلق كل أبواب التفاهمات مما أصاب المواطنين اليأس من كل شيء، وأتت هذه القرارات لتسمح وتعطي الشرعية للدكتور العبادي في إرساء دعائم السلم والوحدة الوطنية. حيث لا يمكن للعراق أن يتبنى رؤية وطنية دون عودة كامل أراضيه على أن يعترف بجميع الطوائف والقوميات شركاء في الوطن، وبقرارات شجاعة تقف أمام المشككين أو أن تحاول إرضاء طرف على حساب طرف آخر، او على حساب الوطن والمجتمع. وعلى مدى سنوات طويلة لم تكن حدود شمال العراق تسير وفق متبنيات الدستور، بل تسير وفق رغبة فئة تحاول اقتطاع جزءا من الوطن وفق أهواء معينة.

وأضاف الطالقاني: إن هؤلاء المتحزبين والطائفيين والقوميين لم يكن لديهم رغبة في إرساء قواعد الديمقراطية وليس لديهم حجج مقنعة، بل رغبة من فئات حزبية متقوقعة أعاقت مسيرة الديمقراطية. من يعارض القرارات التاريخية هم يقعون في اتجاهين الأول، جماعات متقوقعة جبلت على تربية ديكتاتورية تريد المحافظة على مكتسباتها. الثانية، جماعات مسيسة ومجندة خارجيا لم يعد لها مكان وفق أصول العمل الديمقراطي متطرفة لأنها تريد للعراق ان يكون ذيل، لها نوايا تعارض أي خطوة نحو الحرية وامتلاك الإرادة.هذه الفئات ينبغي ان تفهم رسالة اليوم بأنها لن تسمح لأحد يقف حجر عثرة أمام مشروع بناء الدولة.

ضياع موارد المنافذ الحدودية؟

أما السؤال الثاني: كيف سينعكس الاستفتاء الكردي على الوضع الاقتصادي في كردستان والعراق؟

وقد أجابنا عنه الدكتور إيهاب علي النواب، كليه الإدارة والاقتصاد، جامعة كربلاء المقدسة، بقولة: إن تأثير الانفصال سيكون على شاكلتين أولهما فيما يتعلق بالموارد الطبيعية كالنفط والمياه وما شابه.. وثانيهما فيما يتعلق بالموارد المالية من التجارة والمنافذ الحدودية والالتزامات على الجانب الكردي.. إلا انه يجب أن لا ننسى أنّ الانفصال سيقلل من حجم التكاليف على الدولة من خلال إلغاء نسبة 17% من الموازنة العامة وكذلك حجم الرواتب والمدفوعات الخاصة بالجانب الكردي.. هذا إذا ما علمنا أن الإقليم لم يكن يسدد ما بذمته من إيرادات كمركية وضريبية للدولة واصلا هي غير معروفة.. وفي الاخير يحتاج الأمر الى دراسة أكثر من رأي لبيان حجم الخسائر والتكاليف من هذا الانفصال لتكون الصورة أكثر وضوحاً.

وعن الدوافع التي تقف وراء تصويت الأكراد على الاستفتاء في هذا التوقيت تحديدا؟.

أجابنا الكاتب طالب الظاهر بالقول: بدءاً علينا تثبيت حقيقة بأن هناك نسبة معينة من الأكراد قد قاطعوا الاستفتاء الذي أقيم في يوم 25 أيلول 2017 سواء أكانوا قوى سياسية في الإقليم ككتلة التغيير والاتحاد الإسلامي، أو كمواطنين عاديين ضمن النسبة غير المشاركة في الاستفتاء الذي أعلن عن نسبة المشاركة فيه بحدود 92%. إن مشروع قيام دولة قومية للأكراد لا ريب هو حلم قديم يدغدغ مشاعر الكثيرين من مواطني إقليم كردستان العراق، بالرغم من مشاركتهم في الحكومة الاتحادية والمناصب السيادية في حكومة العراق، وبالرغم من كل الحقوق والامتيازات التي حصلوا عليها سيما نسبة 17% من موازنة العراق وهي حقوق وامتيازات لا يمكن مقارنتها بحقوق أكراد أيران وتركيا وسوريا، وهو ما أغرى هذه القوى السياسية للمطالبة بالمزيد.. خاصة من الأجيال الجديدة التي عملت الأحزاب الحاكمة حزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني على تنشئته تنشئة قومية كردية بعيدا عن عراقيتهم. باعتقادي ومن ضمن أهم الأسباب لإجراء استفتاء انفصال الإقليم عن العراق بهذا الوقت بالذات هو رغبة شخصية لرئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البرزاني بشكل منفرد رغم اعتراض الحكومة العراقية بسلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتزامنه مع اعتراض إقليمي ودولي.. لضمان بقاء دفة الحكم بيده ويد حزبه الحاكم، من خلال استغلال نشوة مشاركة قوات البيشمركة بالانتصار على فلول داعش، وانشغال الحكومة المركزية بمطاردة بقايا فلول داعش لتحرير باقي الأراضي العراقية التي تحت سيطرتهم، وهذه الظروف مجتمعة أوحت له بأنها مثالية للمسير قدما نحو الانفصال عن العراق، ومن ثم استغلال والوضع الميداني على الأرض الذي خلفه اجتياح عصابات داعش واحتلالها لثلثي العراق من تمدد لهذه القوات والسيطرة على كركوك الغنية بالنفط وبعض المناطق المتنازع عليها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية لفرض أمر واقع على الحكومة الاتحادية.

سؤالنا التالي: إلى أي مدى سيحدد الاستفتاء مستقبل الوحدة في العراق؟.

أجابنا عنه الدكتور نزار الغانمي، كلية القانون، جامعة كربلاء المقدسة، بقولة: بالنظر للمواقف الإقليمية والدولية الرافضة لهذا الإستفتاء ليس له تأثيره على وحدة العراق، على شرط أن لا يقدم السيد العبادي أي تنازلات للإقليم خارج نطاق الدستور وشرط الحوار بإلغاء الاستفتاء سيكون له تأثير كبير على وحدة الإقليم.

سيناريوهات وخرائط محتملة

السؤال الأخير: بعد أجراء الاستفتاء ما هي ابرز السيناريوهات المحتملة بعد التصعيد بين بغداد وحكومة الإقليم؟.

وقد أجابنا عنه الكاتب مهدي نعمه علي بقوله: بتحليل المعطيات ومجريات الأحداث الخاصة باستفتاء اقليم كردستان العراق، كذلك لطبيعة العلاقة بين المركز وأربيل ومنذ بضع سنوات.. نجد التالي، حالة التوتر الدائم ومحاولة الطرفين لخلق حالة من التحشيد ضد الطرف الآخر، سواء على الصعيد المحلي أم الإقليمي مع محاولات لجعل مواضيع التوتر ذات طابع عالمي. هذا ناهيك عن حالة الضعف المصاحبة للطرفين، نتيجة القوى المستنزفة في حرب (داعش) وقوى التطرف المتواجدة ضمن بعض الأطر "الشرعية. ومن الطبيعي حين يكون وضع الجانبين هكذا منهك.. فستكون محاولات الحسم للخلافات القائمة بينهما اضعف بكثير من أن تحسم بشكل ايجابي، بل المتوقع دائما هم تدخل أطراف إقليمية أكثر قوة وتأثير على هذا الجانب، ومن المؤكد أن التدخل الإقليمي او الأطراف العالمية ستنبني على حجم المصالح المتحققة للوسيط. النتائج المحتملة ربما سيكون من أهمها هو عزل مسعود برزاني ومحاولة لم شمل القوى الكردية الوسطية والمؤيدة لبقاء شمال العراق (كردستان) كجزء وامتداد طبيعي لجمهورية العراق. ذلك عبر الضغط الذي ستمارسه قوى إقليمية وبدعم أوروبي أميركي لوحدة وكيان العراق، ذلك نتيجة لتراخي موضع حسم تواجد (داعش) في المنطقة العربية وكذلك الكردية في شمال سوريا. ونتمنى أن تمر الأزمة على خير.

اضف تعليق