أثارت نسبة النجاح التي حققها طلبة الصفوف المنتهية لمرحلة الإعدادية هذا العام لغطا لا محدود، وردود أفعال مختلفة، وتعليقات ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي والنشر الالكتروني والورقي، وتزايدت موجة التعليقات بين الطلبة بوجه خاص، وانتشرت بين عموم الشرائح خاصة الآباء والعوائل وأوساط التعليم التربوي، وتركزت التعليقات والتساؤلات على الأسباب التي جعلت نسبة النجاح تهبط الى هذا المستوى الصادم، فربما يؤسس بدوره لسلسلة من حالات التدني العلمي قد تستمر لسنوات عديدة قادمة إذا لم تكن هناك مبادرات جادة يطلقها المعنيون والجهات ذات العلاقة، تفاديا لما هو أعظم وأكثر قسوة في إلحاق الأذى بفئة الطلاب بصورة خاصة إذا ما بقيَ التعليم يعاني من مسلسل الهبوط والإهمال.
وتوجد حاجة ماسة للتدقيق في هذه النتائج وما هي الأسباب التي تقف وراءها، وكيف يمكن أن يضع المختصون خططا تكفل وضع حد لمسلسل الهبوط في نسب النجاح، حيث صرح موظف مهم في وزارة التربية قائلا بأن نسبة النجاح الهابطة لم تقتصر على هذه السنة فقط، وإنما هناك هبوط مستمر في معظم السنوات الماضية، أما الأسباب فهي كثيرة ومعروفة، منها مثلا تدهور القدرة العلمية للمعلم وعدم مواكبته لما يستجد في عالم التدريس والطرق الحديثة له، وهناك نواقص تعود الى الطلبة منها عدم التفاعل مع التدريسي ولا الدروس وقلة وسائل الإيضاح وتدهور المناهج العلمية، وهناك انعكاس لما يحدث في الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية على مستوى التعليم.
التأثير النفسي على المعلمين
حملنا هذه التساؤلات والهموم الى من يعنيهم الأمر من أساتذة وموظفين وطلبة، كي نطلع على آرائهم ولماذا هبطت علامات الطلاب الى هذا الحد، وما هي المقترحات التي تسهم في معالجة حالة التدهور في القطاع التربوي بالعراق.
يقول الأستاذ عبد الرسول عبد علي، أحد أعضاء الكادر التدريسي في بغداد، معلقا على التساؤلات الواردة في أعلاه، إن أهم الأسباب تكمن في إهمال المعلم والطالب معاً من الجهات التي يفترض أن تكون داعمة لهما، فعندما يشعر التدريسي بأن مكانته تتعرض للاهتزاز وعدم التقدير سوف ينعكس ذلك نفسيا على رغبته في التعليم الجيد، قبل خمسين سنة مثلا كان معاون مدرستنا هو الوحيد الذي يمتلك سيارة خاصة ويلبس البدلات الفخمة الأنيقة، ويعيش في بحبوحة، أما اليوم فإن الوضع المادي (على الرغم من ارتفاع الرواتب عن السابق)، إلا أن متطلبات الحياة الجديدة (الموبايل وكارتات الرصيد والانترنيت والستلايت والملابس وسواها)، تجعل الراتب قليلا فيشر التدريسي بأنه مهمل وأن الدولة لا تقدم له ما يستحق من مكانة وأتعاب، فأرى أن معالجة وضع المعلم المادي سوف يشترك في معالجة هبوط نسب النجاح لدى الطلبة.
واثق محمد علي، طالب مرحلة إعدادية صف منتهي، يصر على أن المستوى الهابط لدرجات الطالب سببه هبوط المستوى التعليمي للمدرس، ويضيف أن المعلم اليوم ليس هو معلم الأمس، فلا يمتلك الحرص نفسه، ولا يتعامل بالأسلوب نفسه مع الطلبة، وكما يقول علماء النفس إذا فشل المدرب في كسب محبة من يدربهم فإن كل ما يقدمه لطلابه يذهب سدى وكأنه لا يقدم لهم أي شيء، لأنهم لا يحبون درسه، بل منهم من لا يرغب أن يسمع صوته ومفرداته، ويضيف الطالب:
إن الأستاذ لا يكلف نفسه بزرع ابتسامة في وجهه كي يريح أعصاب الطلبة، فالعبوس الدائم يجعل الطالب في حالة قلق ولا يفهم مادة الدرس، صحيح أن ظروف الناس صعبة وما يحدث في البلد مؤلم ولكن من مستلزمات نجاح التعليم وجود الشخصية المتفائلة لأنها يمكن أن تزرع الأمل في نفوس الطلاب فيتفاعلون من معلمهم الشغوف بالحياة، هذا لم نلمسه من المدرسين، لأنهم دائما عبوسين جادين مهمومين، أما نحن الطلبة فنريد معلم نحبه قبل أن نحب درسه.
تطوير المناهج ودعم الكادر التدريسي
طالبة متفوقة في درجاتها ودراستها وحققت نسبة عالية من درجات النجاح، لم تقبل ذكر اسمها، قالت: جزء من هذه المشكلة يعود الى الطالب، وخاصة الذكور منهم، إنهم لا يقبلون على الدراسة، ولا يعيدون دروسهم بعد فترة الدروس، وشغلهم الانترنيت وخصوصا الفيس بوك والموبايل الذي لا يفارق أيديهم وعيونهم، أما نحن البنات فإننا نقرأ أضعاف الذكور فنتفوق عليهم، كما أننا نتعامل مع الدراسة والدرجات بجدية، ونشعر أننا ندخل في سباق مصيري مع الذكور أو حتى الطالبات الأخريات، إننا نريد أن نحقق درجات عالية مهما كلف الأمر، لذلك كنت أقرأ أكثر من 12 ساعة في اليوم قراءة علمية منهجية مدعومة بالملازم ودفاتر الملاحظات، لذلك الطالب وإهماله للدراسة خصوصا في البيت هو السبب الأول لهبوط درجات الطلاب لهذه السنة.
موظف من الجيل الأقدم ينتمي الى مديرية التربية (أبو علياء)، يقترح تطوير المناهج أولا، ومن ثم دعم كوادر التدريس بالدورات التعليمية داخل وخارج البلاد، وإطلاع المدرس على طرق التدريس الجديدة، ويحث الأساتذة على أهمية معرفة كل ما يستجد من معلومات ومناهج وخرائط عمل في هذا المجال، فاعتماد المدرس على نفسه ومثابرته أيضا لها دور في التطوير العلمي له ويجعله أكثر قدرة على التدريس المنهجي المتطور، هذه نقطة أما النقطة الثانية، تقديم حوافز للكوادر التدريسية وتكريمهم وتشجيعهم مثل تقديم كتب شكر لهم أو شهادات تقديري أو حتى مكافآت مادية، فالمهم أن يشعر المدرس أنه محط احترام واهتمام الموظف الأعلى المسؤول عنه.
وأخيرا نلاحظ في جميع ما ورد من آراء أن المسؤولية التي تشترك في هبوط المستوى التعليمي يشترك فيه الجميع تقريبا، المعلم والطالب والمدرسة والدائرة المشرفة، ويمكن أن نضيف الى هؤلاء جميعا، الأسرة، فهي أيضا تتحمل جانبا كبيرا من النتائج المتدنية للصفوف الإعدادية المنتهية حيث يرى أحد المختصين أن التعليم عمليه مشتركة بين الأسرة والمدرسة وتتحمل الأسرة الجانب الأكبر (70%) من خلال متابعه الطالب على مدار العام الدراسي وزيارة أولياء الأمور إلى المدرسة بشكل منتظم خلال العام والابتعاد عن وسائل اللهو (الانترنيت، الموبايل، القنوات الفضائية وغيرها) ومتابعه التحضير اليومي للطالب لأنه ضروري جدا والتحضير اليومي هو وسيله إلى النجاح ، أما المدرسة (المدرسين) فتقع عليهم نسبة (30%)، وطالما تكون الأسرة حريصة على أبنائها متابعة لهم سوف يشعر الطالب بأهميته وأن العائلة توفر له ما يريد وتدعمه وتتابع مسيرته، من المهم أن يتوفر الجانب النفسي الجيد للطالب في البيت، فهذا عنصر نجاح أساسي بالنسبة له.
اضف تعليق