q

قبل أكثر من خمس سنوات، وقبل ان تبدأ حُمّى المدارس الأهلية بالتأثير والضغط على تفكير وميزانية الاسرة العراقية، وتثقل كاهلها بمصاريف لم تكن ضمن الحسابات الاستهلاكية المعتادة للعائلة، كان اعتماد الأهالي في تدريس ابنائهم ينحصر بصورة كبيرة، إن لم تكن تامة على التعليم الحكومي، وكانت المصاريف المالية التي يقوم ولي الأمر بتخصيصها للابناء تقتصر على الملابس وحقيبة الكتب وبعض اللوازم البسيطة لجزء من القرطاسية وما شابه.

وسنأخذ محافظة كربلاء المقدسة كنموذج لتحقيقنا هذا، فقد كان تعليم الطلبة الجدد، أي في المرحلة الابتدائية وحتى المتوسطة، يعتمد على المدارس الحكومية بصورة شبه تامة، إن لم تكن بالفعل بصورة تامة، إلا ان هبوط مستوى التدريس واعتماد اساليب تربوية تقليدية، وبعض الاسباب الاخرى، ومنها التغييرات السياسية طبعا، أدى أو ساعد على افتتاح العديد من المدارس الخاصة في المدينة، بل تضاعف عدد المدارس الأهلية بشكل لافت للنظر، خاصة في السنة الدراسية الجديدة 2014- 2015، فقد تم افتتاح مدرسة (الوارث الأهلية) وهي مدرسة تابعة للعتبة الحسينية المطهرة ومجهزة بأحدث التجهيزات الالكترونية، وقد لاحظنا أن ما حققته هذه المدرسة من نتائج ايجابية في نسب النجاح، مقابل تراجع مستوى التعليم في بعض المدارس الحكومية، قد دفع بالعديد من الاهالي الى ارسال ابنائهم للمدارس الخاصة، على الرغم من ارتفاع تكاليفها المادية التي تتعلق بالأقساط السنوية مقابل التعليم الخاص.

وبعد أن لاحظنا هذه التحولات في العملية التربوية والتعليمية، حاولنا معرفة واستقصاء الاسباب التي ادت الى الرغبة المتزايدة للطلبة والاهالي بالدراسة في المدارس الأهلية.

فكانت لـ (شبكة النبأ المعلوماتية) هذه الجولة الاستطلاعية حول هذا الموضوع، وكانت محطتنا الأولى مع (ابو فرزدق) ووجهنا له سؤالا عن الاسباب التي تقف وراء الاقبال المتزايد على المدارس الاهلية، - وهو أب لطفل كان يدرس في احدى المدارس الحكومية لمدة ثلاث سنوات- فأجاب ابو فرزدق قائلا: من اهم الاسباب التي دفعتني لإرسال ولدي الى مدرسة خاصة هو استخدام العنف مع الطلبة الصغار من الكادر التدريسي، فكان ابني يتعرض للضرب من قبل المدرسين، ولاحظتُ انه بدأ يتفوه بكلمات بذيئة اكتسبها من محيط المدرسة الرسمية ومن اقرانه في الصف، واصبح عدوانيا وعنيفا مع اخته الاصغر منه بخمسة اعوام، واصبح مشاكسا في البيت على نحو غير مألوف، وكانت والدته تعاني منه كثيراً بسبب اسلوبه غير اللائق، وايضاً لاحظت تدني مستواه الدراسي ولم يعد يرغب بالذهاب الى المدرسة، بسبب استقبال المدارس الحكومية لأعداد هائلة من الطلاب، بحيث يكون عدد الطلاب في الصف الواحد ما يقارب (٥٠) طالبا، ولا يتمكن المدرس مع هذا العدد الكبير من الطلاب أن يوصَّل المعلومة للطالب بصورة سليمة، كذلك لا يتمكن من السيطرة على الطلبة.

أما محطتنا الثانية فكانت مع المعلمة "ست بشرى" وهي تقدم دروسها لطلبة (مدرسة البشائر) الواقعة في منطقة الجمعية، وكان لها رأي آخر مختلف، إذ قالت: حول اسباب ارسال الطلاب للمدرسة الخاصة او الاهلية، تقف وراؤها جانب السمعة لا أكثر، او ربما تكون الأم موظفة او أمية لا تعرف تقرأ ولا تكتب، فتنقل اولادها للمدارس الخاصة. واضافت ايضاً: من اهم اسباب تفضيل الأسرة للمدارس الاهلية هو قلّة عدد التلاميذ في الصف قياسا للمدارس الحكومية، ولكن مدرستنا –والكلام للست بشرى- على الرغم من أنها (مدرسة حكومية) لكنها ليست بهذا المستوى المتدني، لان كادرها قديم ويمتلك خبرة جيدة في التعليم.

وعندما قلت لها أن الامر لا يتعلق بالخبرة فقط، بل بالعدد المضاعف لطلاب الصف الواحد، وعدم وجود الصف النموذجي من حيث وسائل الايضاح وغير ذلك، وقلة الدعم للمدارس الرسمية بشكل عام، اجابت: القضية تتعلق بطبيعة الادارة ايضا.

وسألنا أحد طلبة المدارس الأهلية (محمد/12 سنة) في السادس الابتدائي، وكان قد امضى بعض دراسته للمرحلة الابتدائية في مدرسة حكومية، عن الفرق بين المدرستين الحكومية والاهلية، فقال، اكثر شيء جعلني اكره المدرسة الأولى (الحكومية)، عنف بعض المعلمين، والألفاظ التي لم اسمعها سابقا، والرَحلات القديمة، وبعض الكتب الممزقة!!.

وأخيرا كانت وقفتنا، مع المدرس الخصوصي (استاذ أبو عباس) وسألناه عن رأيه بتجربة المدارس الخاصة، وهل هو معها أم ضدها؟، فقال: ليس هناك أي مانع من قيام هذه المدارس، وهي تجربة شائعة في الدول المتطورة، صحيح انها قد تكون لبعض العائلات مكلفة ماديا، لكن هذه المدارس تعطي فرصة للناس كي تختار ما يناسبها، كذلك تجعل المنافسة بين القطاع الخاص (الاهلي) والعام (الحكومي) قائمة باستمرار بين الجانبين، وهذا يساعد على تحسين التعليم وتطوير الطرق التعليمية والتربوية، لذلك أشجّع على الاستمرار بهذه التجربة في التعليم بمراحله كافة.

وهكذا نستطيع أن نصل الى بعض الاستنتاجات التي تتيح لنا القول، بأن تجربة التعليم الخاص، تسير بالاتجاه الصحيح، ولا يشوبها معوقات او مشكلات سوى الجانب المادي الذي قد يثقل كاهل الأسرة العراقية، ومع ذلك هناك مثل عراقي معروف، (كلمن يتمدد على كد غطاه)، فمن لا يملك الاجور الكافية بذهب مضطرا الى المدارس العامة، ولكن تبقى المدارس الخاصة عامل تحفيز للجميع، للعائلة كي تبحث لها عن موارد اضافية وتعلّم أبناءها بصورة أفضل، وللمدارس الرسمية كي تضاعف من جهودها حتى تضاهي التعليم والإدارة في مدارس القطاع الخاص وتتفوق عليه.

اضف تعليق