انتشار التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي جعل منها منصة لا تعير أي اهتمام للنجاح الفعلي ولا تقييم المنتج الإبداعي، وعلى المثقف وصاحب المحتوى الهادف ان يغير من طريقة طرحه بالشكل لذي يضمن وصول منتوجه الى أكثر عدد من المستخدمين لمواقع التواصل مع الحفاظ على جودته وعدم ابتذاله...
يجتهد الكاتب او المفكر لأيام وليالي لإتمام عمل ادبي او بحث فلسفي، واستكمالا لهذه الفرحة يقوم بنشر منجزه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويصطدم بعدم التفاعل فمن الممكن ان يحظى بتفاعلين او تعليقين، ما يشير الى تراجع مكانة الكتّاب بالنسبة للعامة، يقابله انتشار وصعود رهيب لاصحاب المحتوى الهابط.
عدم التفاعل هو مؤشر خطير وتعبير حقيقي عن تراجع ملحوظ لمكانة الشريحة المثقفة في الأوساط المجتمعية، وعلى الجانب الآخر فلم تعد الامسيات الأدبية تحظى باهتمام كبير من قبل أبناء الوسط أنفسهم، ومن يتصفح صور النشاطات العامة في هذا المجال يجد تكرار ذات الوجوه في كل محفل او نشاط ادبي.
وفي المقابل نجد ابسط منشور لأشخاص تافهين وغير مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، يحصل على عشرات الآلاف من التفاعلات، وملايين المشاهدات والمشاركات، وفي ذلك موضوع يصعب تفسيره او فهمه، مالذي يحصل في المجتمع، ولماذا انحسرت المحتويات النافعة؟
انتشار المحتويات الهابطة في المضمون والهدف يؤدي بكل شكل من الاشكال الى تعميم ثقافة سطحية، ثقافة لا تتمتع بالعمق والهدف الحقيقي لبناء الانسان وفق أسس علمية رصينة، قادرة على إخراج الفرد من وحل الجهل والأفكار المنحرفة الى جادة الصواب والرفعة في الحياة الاجتماعية.
بعض الشخصيات وبصرف النظر عن المحتوى المقدم يحصدون كمية غريبة من التفاعل، ويعود ذلك الى جملة من الأسباب يتصدرها سببان، الأول ربما تكون هذه الشخصية من ذوي النفوذ ومركز مهم في الدولة، وهنا يتحول الى شخصية فريدة ومميزة عن غيرها.
يحظى كل منشور من منشوراته بالاهتمام ناهيك عن كمية التملق الذي يحصل في التعليقات التي تبتغي التقرب زلفة لهذه الشخصية، ينهال الاحترام والثناء على جهودها الواضحة في إعمار المدينة وتصويب الخطأ وتعديل الانحراف الذي لحق بالعملية الإدارية والمالية في مؤسسته الحكومية!
وفي هذا الصدد يروي لي صديق اثق في كلامه بنسبة كبيرة، يقول هذا الصديق ان أحد الضباط المسؤولين في المنطقة الخضراء، يفرغ اثنين من ابناءه خلال عطلة نهاية الأسبوع للإجابة على رسائل مختلفة الأغراض والمضامين.
بعضها يتمنى الخير ودوام التوفيق، وبعضها يتمنى لصاحب هذا المنصب مزيدا من العطاء والتقدم، والبعض الآخر يحاول ان يحظى بشرف اللقاء، ومثل هذه الرسائل يتكرر أسبوعيا دون توقف طالما الشخص يتمتع بالمنصب.
ويُكمل صديقي رواياته، اذ يقول ما ان احيل هذا الشخص على التقاعد حتى بدأت الرسائل تتناقص تدريجيا، وبعد فترة انقطعت بشكل نهائي.
فهل سألت نفسك لماذا هذا الانقطاع؟
الانقطاع يأتي نتيجة طبيعية لما يحصل اليوم في الواقع الفعلي والافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، نحن نعيش اليوم في زمن غريب، زمن تنقلب فيه المعايير، فلا يُقاس النجاح بالفكر العميق أو الجهد المبذول، وأصبح المعيار الرئيس يؤخذ بعدد الإعجابات والتعليقات والمجاملات التي تنهال على الشخص.
المؤلف والكاتب وصاحب المنصب وغيرهم ممن يحسبون على الشريحة المثقفة ربما لا يحتاجون لمثل هذا النوع من الإطراء الخاوي والتبجيل المزيف، فكثيرا من المتصفحين لمواقع الشبكات الاجتماعية لا يفقهون معنى النص الادبي ولا يقدرون على التمييز بين المحتوى الهابط من غيره، ولذلك يكون الاديب كالغريب من بين الملايين المستخدمين لهذه المواقع.
انتشار التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي جعل منها منصة لا تعير أي اهتمام للنجاح الفعلي ولا تقييم المنتج الإبداعي، وعلى المثقف وصاحب المحتوى الهادف ان يغير من طريقة طرحه بالشكل لذي يضمن وصول منتوجه الى أكثر عدد من المستخدمين لمواقع التواصل مع الحفاظ على جودته وعدم ابتذاله.
ولمحاربة هذا الانتشار يجب إعادة التفكير بأساليب تعيد للقراءة مكانها وللكتب رونقها، وحين تُتبع هذه الطريقة يكون من ألسهل إخراج أصحاب الثقافة القشرية من الساحة واحلالهم بمن هم البديل المنطقي والطبيعي وهم العاملين على إحداث نهضة فكرية وثقافية عبر كتاباتهم الهادفة الحاثة على الوعي والتنوير.
اضف تعليق