الحياة لا تستحق كل هذا الندب والسخط، كل ما تحتاجه هو الرجوع الى الواقع قليلا والعيش بعيدا عن المغالاة المنتشرة على التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي الذي اخترناه لأنفسنا، اذ يجب أن نتوقف عن إعطاء أهمية زائدة للمظاهر الخارجية والمقارنة المستمرة مع الآخرين لكل منا حياته وعلى الجميع الرضا...
نشعر اننا نظلم أنفسنا بعد تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، والاطلاع على حياة الآخرين ممن يواصلون استعراض تفاصيل يومهم على حساباتهم الشخصية، نرى الأثاث الموجود في المنزل من أفخم ما موجود في الأسواق، والاكل الذي تحضره ربة المنزل من اجود الأنواع وأكثرها شهية، فهل تتفق معي عزيزي القارئ ان هذا المحتوى المقدم لنا غاية في المثالية ويصور لنا حياة مزيفة؟
من بين الأشياء التي يقدم عليها الفرد منذ الصباح هو التصفح لمواقع الشبكات الاجتماعية، وكثيرا ما يصاب الفرد المتصفح بنوع من التذمر بعدما يطل عليه أصحاب الحسابات الذين يتسمون بالمثالية المفرطة في سعي منهم لإبهار المتصفحين ومحاولة البقاء في القمة الاجتماعية، من خلال تصورهم انهم أفضل من الآخرين.
الأفضلية لا تأتي بالصور ولا بالمقاطع المصورة في أحسن الأحوال، وفي ظروف تم تكوينها لتصوير دقائق او لحظات معدودات، وبعدها ينتهي كل شيء، المظاهر البراقة تختفي بعد دقائق ولا يعرف الجمهور المتلقي كيف هي الحياة الحقيقية بعيدا عن الأضواء، فقد تكون حياة مليئة بالمنغصات والممارسات التي تعكر الأجواء الاسرية.
الضحكات العريضة التي تطلقها النساء والرجال في الدقائق المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تشير الى حالة من الاسترخاء والعيش الرغيد الذي هم عليه، وهو ما يولد انطباع سيء لدى المشاهد، بأنه يعيش بدرجة متدنية مقارنة بالأفراد الآخرين، وفي الغالب يكون التمني او الغبطة هما الشعوران الأكثر وضوحا على مزاج الشخصية.
وقد تنشأ المشاكل بين الزوجين نتيجة التعرض للكم الكبير والمشاهد التي تحمل قدر هائل من المثالية، حتى تدخل الحياة الزوجية بمرحلة خطيرة ومعقدة جاءت نتيجة التعرض والتأثر الكبير بكل ما يقدم دون التأن في الحكم او التفكير قليلا بالجوانب الأخرى والخفايا التي غالبا ما تحاول مثل هذه الشخصيات اخفاءها والسماح للجميل القليل بالظهور.
تفوقت الدراما المصرية على نظيراتها في الوطن العربي لنقطة جوهرية ركزت عليها في جميع الاعمال الدرامية، وهي عدم خروجها عن الواقع الحقيقي للحياة الاجتماعية بمجملها، حتى تمكنت الاعمال الفنية من تسويق الشعب المصري وكل ما يتعلق به من عادات وتقاليد ونظم اجتماعية قائمة الى العالم بأكمله.
فالأمر نفسه كان الاجدر بالشخصيات التي اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي وسط مساعد على انتشارها، وهي غير مخطئة في اختيارها لهذه المواقع العالمية في الانتشار والاستخدام، لكنها أخفقت في اتباعها المثالية العالية، ولم تتخذ من الواقعية طريقا تسلكه لقلوب المتابعين.
لا يمكن تجاهل المتغيرات التي يشهدها العصر الحالي الذي يشهد تغيرات جذرية في طريقة عيش الافراد وتفاعلهم مع العالم من حولهم، كتقنيات الاتصال الحديثة، وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح لها تأثير كبير على حياتنا وتصوراتنا للسعادة والنجاح، إنها ظاهرة لا يمكن تجاهلها، وتتطلب منا تأملا جادا في تأثيرها على حياتنا اليومية.
ومن مظاهر التأثير الذي تحدثه الحياة المزيفة المقدمة على الشبكات الاجتماعية هي المعاناة التي نعيشها اليوم المتمثلة في التقلبات الحاصلة بداخلنا وفي حياتنا بشكل عام، فمن الغريب أن نرى علاقات سعيدة ومستقرة، أو أن يكون أي شخص سعيدا بعمله، أو راض بحاله وبما قسمه الله له، فهذا يحدث نادرا، فأصبحنا نعيش بشعور الخوف والقلق تجاه المستقبل طوال الوقت.
المشكلة تكمن إذا في وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت واحدة من أهم أسباب الاكتئاب وعدم الرضا لدى الكثيرين تجاه حياتهم، فطوال الوقت نقارن أنفسنا بأشكال أخرى من الحياة التي تأطرت بغير ظروفنا أو اوضاعنا، فهي بالتأكيد حياة غير واقعية يدّعون فيها المثالية من خلف الكاميرات.
الحياة لا تستحق كل هذا الندب والسخط، كل ما تحتاجه هو الرجوع الى الواقع قليلا والعيش بعيدا عن المغالاة المنتشرة على التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي الذي اخترناه لأنفسنا، اذ يجب أن نتوقف عن إعطاء أهمية زائدة للمظاهر الخارجية والمقارنة المستمرة مع الآخرين لكل منا حياته وعلى الجميع الرضا.
اضف تعليق