إنَّ المجتمعات الافتراضية لم تكن لتظهر فجأة في فضاء الإنترنت دون أن تمرّ بعدة مراحل حتى أصبحت بالشكل الذي هي عليه الآن؛ لنأخذ – على سبيل المثال – موقع فيسبوك كنموذج لمجتمع افتراضي انطلق ليمثّل حلقة وصل بين شخص وأصدقائه في جامعة، وهي هنا مرحلة التأسيس والتجريب، بعدها توسع نطاق الموقع ليشمل جامعات أخرى...
تمهيد
وُصِفَ الإنسان عبر التاريخ بأنّهُ كائن اجتماعي يعيش في مجتمع يتألف من أفراد يتواصل ويتعايش معهم لتحقيق حاجات بيولوجية وغايات نفسية واجتماعية، إذ إنَّ المجتمعات البشرية تأسست على آليات الاتصال والتواصل وبناء العلاقات بين الإنسان الذي يعد فردًا من أفراد المجتمع وبين باقي الأفراد والجماعات الأخرى فيه، باستخدام الإشارة ثم اللغة والكتابة والطباعة وكل ما ظهر بعد ذلك من وسائل وأدوات اتصالية.
واليوم تعيش المجتمعات الإنسانية تحولات جذرية وتطورات غير مسبوقة، يُمكن عدّها بأنّها نتاج طبيعي لما يشهدهُ العالم من ثورة في مجال التكنولوجيا والشبكات، تمثلت بظهور الإنترنت وانتشاره وتزايد أعداد مستخدميه وهو ما أدى إلى تقارب المجتمعات مع بعضها، وإحداث تغيير في الروابط الاجتماعية والقيم والعادات، والتعاملات السياسية والاقتصادية حول العالم.
إنَّ انتشار الإنترنت أفرز ظهور العديد من المصطلحات والمفاهيم الجديدة، منها مصطلح المجتمع الافتراضي (Virtual Community) الذي ورد لأول مرة عام 1993م في كتاب (الجماعات الافتراضية) للكاتب والناقد الأمريكي هاورد راينغولد (Howard Rheingold)، ناقش فيه تجارب شخصية عن استخدام الحاسوب وشبكة الإنترنت، والدخول لغرف الدردشة الحيّة ومجموعات الأخبار وقوائم البريد الإلكتروني، وطبيعة المستخدمين وردود أفعالهم عما يُنشر من موضوعات وآراء فيها.
وقد أشار المصطلح إلى مستخدمي شبكة الإنترنت على الخط (Online) الذين يتواصلون ويتفاعلون دون وجود حدود جغرافية تقيدهم، أي أنَّ كل ما يحدُث من تفاعل وتبادل للأفكار والمعلومات والآراء والمشاعر هو افتراضي في فضاء الإنترنت ولا يرتبط بمكان معين، حتى أصبح ذلك الفضاء مجالًا جاذبًا تتنافس فيه العديد من الأطراف والجماعات لتسويق أفكار ورؤى ذات أهداف متعددة ومحددة، من هذا المنطلق فإننا سنسلط الضوء على مفهوم المجتمعات الافتراضية، سماتها، وغاياتها، وأنواعها.
أولًا: مفهوم المجتمع الافتراضي
تُشير كلمة (مجتمع) في قواميس ومعاجم اللغة العربية إلى جماعة من الناس تربطهم روابط ومصالح مشتركة، أما كلمة (افتراضي) فهي اسم منسوب إلى افتراض، وهو ما يعتمد على الفرض أو النظرية بديلًا عن التجربة، وترتبط الكلمة أيضًا بما يُسمى الواقع التقريبي أو المحاكاة التي يولدها الحاسوب، وهي مناظر ثلاثية الأبعاد يستطيع المستخدم رؤيتها والتفاعل معها بطريقة تبدو فعلية.
وقد وردت العديد من التعريفات لهذا المصطلح، إذ رأى راينغولد بأنّها "تجمعات اجتماعية – ثقافية تنشأ عبر الشبكات المعلوماتية، وتضم عددًا كافيًا من الأفراد، هؤلاء الأفراد يشاركون في حوارات لبعض الوقت ويساهمون بذلك في خلق شبكة من العلاقات الإنسانية على مستوى فضاء الويب".
وهناك من رأى "أنّها مجموعة من الأفراد، الذين يتشاركون عبر شبكة الإنترنت، لفترة زمنية لتحقيق غاية أو هدف أو هواية، من خلال علاقة اجتماعية – افتراضية تحددها منظومة تكنو – اجتماعية"، ورأى باحث آخر بأنَّ المجتمع الافتراضي هو "مجموعة من المواقع التي تتيح للأفراد التواصل وتكوين علاقات ورأسمال اجتماعي يتبادلون فيه الاهتمامات المشتركة والآراء المختلفة".
ونلاحظ وجود اتفاق على أنَّ المجتمع الافتراضي يُشير إلى تجمعات اجتماعية لا مكانية؛ أي لا يشكل أعضاؤها أي تجمع مكاني ضمن إطار جغرافي، بل تنطلق لتشمل أفراد ينتمون إلى هويات وجنسيات مختلفة تجمعهم اهتمامات مشتركة، مع تعدد آليات التواصل فيما بينهم.
مما سبق يُمكن القول أنَّ المجتمع الافتراضي ينشأ من مستخدمي الإنترنت الذين يتصلون عبر الخط، ويتواصلون ويتشاركون ويتفاعلون فيما بينهم لتحقيق أهداف وغايات نفسية واجتماعية، إذ إنَّ أهم ما يُميز هذا المجتمع بأنَّهُ نتاج تفاعل العقل الإنساني مع الحاسوب أو الهاتف المتصل بشبكة الإنترنت، فمن دون الإنترنت لا وجود للمجتمعات الافتراضية.
ثانيًا: تطور المجتمعات الافتراضية
إنَّ المجتمعات الافتراضية لم تكن لتظهر فجأة في فضاء الإنترنت دون أن تمرّ بعدة مراحل حتى أصبحت بالشكل الذي هي عليه الآن؛ لنأخذ – على سبيل المثال – موقع فيسبوك كنموذج لمجتمع افتراضي انطلق ليمثّل حلقة وصل بين شخص وأصدقائه في جامعة، وهي هنا مرحلة التأسيس والتجريب، بعدها توسع نطاق الموقع ليشمل جامعات أخرى وهي ما يُمكن أن نسميه مرحلة النمو، ثم تدريجيًا بدأ يضم مستخدمين أكثر فأكثر من ولايات أخرى، حتى أخذ الموقع يستقبل مستخدمين من دول أخرى فكانت هذه مرحلة الانتشار والتوسع، وهو الحال لجميع مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل تويتر وإنستغرام وسناب شات وغير ذلك، وعبر هذه المراحل تسعى المجتمعات الافتراضية إلى خلق ما يُمكن أن نُطلِق عليه (الشعور بالجماعة أو الشعور بالمجتمع)، فإحساس المستخدم بمجتمعه الافتراضي ينبع من عدة عوامل هي:
1. الشعور بالانتماء إلى المجتمع الافتراضي، عبر إنشاء حساب في الموقع ومتابعة ما يُنشر فيه، والتفاعل مع باقي المستخدمين.
2. الشعور بالقدرة على التأثير في باقي المستخدمين عن طريق إمكانية النشر ورد الفعل الذي يظهر في الأدوات التفاعلية كالإعجابات والتعليقات وغير ذلك طبقًا لطبيعة كل موقع.
3. تبادل الدعم وإشباع الحاجات النفسية والشعورية الذي يظهر في تبادل التهاني والمواساة في المناسبات والمواقف.
4. التواجد والحضور بصورة فاعلة في المجتمع الافتراضي وهما نقيض للعزلة والغياب التي قد يعاني منها المستخدم في مجتمعه الافتراضي بعد مدة زمنية معينة.
5. الثقة وهي مهمة جدًا في العوالم الافتراضية، وتبدأ بثقة الفرد بنفسه أولًا وبالآخرين ثانيًا حتى يستطيع نشر ومشاركة ما يرغب به من موضوعات وأفكار، وصور ومقاطع.
6. الخلفية المشتركة، إذ تزداد قوة العلاقة الافتراضية كلما تأسست على خلفية مشتركة، وغالبًا ما تنشأ تجمعات صغيرة أو كبيرة داخل المجتمعات الافتراضية حول قضية أو موضوع أو شخصية.
ثالثًا: سمات وخصائص المجتمعات الافتراضية
تتميز المجتمعات الافتراضية بمجموعة من السمات والخصائص هي:
1. الافتراضية: ويُقصد بها افتراضية العلاقة بين الطرفين، فهي ليست علاقة إنسانية كما في المجتمع الواقعي بل مفترضة بين إنسان وإنسان عبر وسيط آلي وبشكل غير مباشر.
2. الخيائلية: غالبًا ما يبحث الإنسان عن الخيال أكثر من الحقيقة، لأنَّ التفاعلات اللامعقولة واللاملموسة تجذب بشكل أكبر، تحديدًا تلك الفئات التي تبحث عن التغيير للخروج من القيود الاجتماعية والدينية، وهو ما يُفسّر أعداد المستخدمين الكبيرة في المنتديات وغرف الدردشة التي يجتمع بها مستخدمون لا يعرف بعضهم بعضًا.
3. اللامركزية: تُشير إلى عدم وجود سلطة مركزية تتحكم في العملية الاتصالية، فالمستخدم داخل المجتمع الافتراضي يمكن أن يكون منتج ومرسل للرسالة الاتصالية ومتلقي في الوقت ذاته، فالتفاعلات الافتراضية داخل المجتمع الافتراضي لا يمكن السيطرة عليها أو احتكارها من قبل شخص أو جهة.
4. الهوية الخفية: يُمكن للأفراد داخل المجتمعات الافتراضية ابتكار شخصيات وهمية غير حقيقية يستخدمونها للتفاعل والاندماج داخل المجتمع الافتراضي، وينتج ذلك لعدة أسباب قد تكون نفسية أو تتعلق بأمور الخصوصية وحماية البيانات من السرقة والاختراق، أو قد يتم استخدام الهوية الخفية لأغراض غير شرعية كالابتزاز والتشهير والتنمر على الآخرين.
5. القلق الإلكتروني: تُنتِج التفاعلات الافتراضية قلقًا مستترًا في نفوس المستخدمين لا يظهر للعلن، وهو ما يتمثل بالفعل ورد الفعل في العملية الاتصالية الافتراضية، فعلى سبيل المثال في الفيسبوك عندما ينشُر أحدهم صورة شخصية له، ينتظر بفارغ الصبر الإعجابات والتعليقات، وإذا ما تأخر ذلك أو لم يتحقق بما يتصوره، يتولد لديه إحساس بالنقص والتهميش.
6. الاختيارية: يسمح المجتمع الافتراضي للفرد اختيار الشخص والموضوع والزمان الذي يريده ويحدده دون وجود محددات تُـفرَض عليه، ودون أن يتعرض لأي نوع من أنواع الضغوط الاجتماعية التي قد يتعرض لها في المجتمع الواقعي.
7. التشاركية والتمرُّد: تظهر هذه السمة بوضوح عندما يتوحد أو يتمرد الأفراد داخل المجتمع الافتراضي حول قضية سياسية أو دينية أو اجتماعية، فيحدث تفاعل يأخذ صدى واسع عبر الشبكة ويرتبط حجمهُ بحجم القضية ذاتها وعدد الأفراد الذين تمسهم، من أبرز مظاهر التشاركية عبر المجتمعات الافتراضية هو إطلاق الحملات المؤيدة والمعارضة باستخدام الهاشتاغات والصفحات عبر مواقع التواصل.
رابعًا: احتياجات الفرد في الوطن الافتراضي
عرّفَ عالم النفس الأمريكي إبراهام ماسلو (Abraham Maslow) الاحتياجات بأنّها "نقصٌ مادي أو نفسي لدى الشخص يجعلهُ يشعُر بضرورة الاستجابة له"، وحدد ماسلو احتياجات الإنسان الأساسية التي تمكنهُ من العيش والانخراط داخل المجتمع في هرم متدرج كالآتي:
1. احتياجات فسيولوجية (التنفس، الطعام، الماء، الجنس، التوازن).
2. احتياجات الأمان (الصحة والسلامة الجسدية، الأمن الأسري والوظيفي، الموارد، الممتلكات).
3. احتياجات اجتماعية (الصداقة، العلاقات الأسرية، الألفة الجنسية).
4. احتياجات نفسية (الاحترام، التقدير، الثقة).
5. احتياجات لتحقيق الذات (الابتكار، تقبل الحقائق، حل المشكلات).
بالمقابل يُمكن أن نُحدد احتياجات الفرد التي من دونها لا يُمكن أن يُصبح مواطنًا افتراضيًا يدخل وينخرط داخل المجتمع الافتراضي، وهذه الاحتياجات هي:
1. احتياجات أساسية (كهرباء، جهاز حاسوب، هاتف محمول، اتصال بالإنترنت).
2. احتياجات الأمان والخصوصية (بريد إلكتروني، حساب في أحد مواقع الحماية، الخرائط والأدوات).
3. احتياجات اجتماعية (مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها للتواصل مع الآخرين).
4. احتياجات نفسية (تظهر في مواقع وتطبيقات مشاركة الصور الشخصية).
5. احتياجات لتحقيق الذات (مواقع التوظيف وإنشاء المحتوى والتجارة والتسويق).
خامسًا: غايات ووظائف المجتمعات الافتراضية
هناك عدد من الغايات والوظائف التي تُحققها المجتمعات الافتراضية وتتحقق فيها، يُمكن إيجازها في النقاط الآتية:
1. غايات إرشادية وأخلاقية: تتحقق عبر الإرشاد والدعوة للالتزام بالصواب، وتتمثل أيضًا في نشر المحتوى الهادف الذي يحمل رسالة توعية بالنسبة للأفراد المستخدمين.
2. غايات سياسية: كالترويج للبرامج الانتخابية، والأجندات، أو قد تكون لغايات تحريض وتحشيد الرأي العام كما حصل في مصر وتونس وبعض البلاد العربية الأخرى.
3. غايات تجارية: أي الإعلان والتسويق التجاري للمنتجات والخدمات بمختلف أنواعها.
4. غايات تعليمية: هناك الكثير من المواقع مخصصة لأغراض نشر البحوث والدراسات، وهناك مواقع أخرى تُعد كمنصات للتعليم عن بُعد، وتظهر هذه الوظيفية التعليمية أيضًا في تبادل الخبرات والمعلومات بين المستخدمين.
5. غايات نفسية واجتماعية: لتكوين الصداقات والتعرف على أفراد جدد، وهي جميعها تلعب دور مهم في إشباع حاجات ورغبات الفرد الاجتماعية.
سادسًا: أنواع المجتمعات الافتراضية
تتعدد أنواع المجتمعات الافتراضية عبر شبكة الإنترنت بما يُلبي حاجات المستخدمين، وأبرز هذه الأنواع هي:
1. لوحات الرسائل أو المنتديات، التي يستطيع المستخدم عن طريقها طرح الموضوعات وعرضها للنقاش والحوار.
2. غرف الدردشة الحية التي فتحت مجالات واسعة لإجراء المحادثات الفورية بين المستخدمين.
3. العوالم الافتراضية، تعد الأكثر تفاعلية لأنها تسمح للمستخدم أن يعيش تجارب افتراضية لم يعيشوها في حياتهم الواقعية.
4. مواقع التواصل الاجتماعي، التي مكنت الأفراد من تكوين الصداقات والتعرف على أشخاص جدد، وساهمت في بناء علاقات اجتماعية وعاطفية غير موجودة في الواقع.
5. أنواع أخرى كالمدونات والقوائم البريدية وغرف الأخبار ومواقع مشاركة الصور والفيديو.
سابعًا: تغيرات أحدثتها المجتمعات الافتراضية
تُمثّل المجتمعات الافتراضية ملاذ آمن لتحقيق إشباعات لا متناهية بعيدًا عن الرقابة والقوانين، والضوابط والقيم التي تحدد المجتمع، فتبرز الذاتية أو الأنانية - وهو ما أدى إلى ظهور مصطلح (الفردانية السيبرانية) - بالتالي فإن القيم والضوابط الاجتماعية تتلاشى داخل هذه المجتمعات الافتراضية وتحل محلها علاقات قائمة على أساس المصلحة لإشباع الحاجات والغايات، وقد يتحول هذا إلى الإدمان ومن ثم العزلة الاجتماعية التي تؤدي إلى توتر العلاقات الحقيقية سواء كانت أسرية أو اجتماعية فيحدث الصِدام والخلاف والتفكك. وقد خلقت المجتمعات الافتراضية تجمعات تكاد تكون أكثر خطورة من التجمعات الحقيقية، أبرزها تلك المتطرفة فكريًا أو دينيًا أو عرقيًا، تنشر أفكار ومعتقدات متطرفة لعبت دور واضح في نشر خطاب الكراهية ودفعت بالكثير من المستخدمين إلى ارتكاب أفعال إجرامية، أبرز الأمثلة على ذلك تحشيد الجيوش الإلكترونية لنشر أفكار عصابات داعش الإرهابية، أو المقاطع الحيّة المباشرة لجرائم القتل والتعذيب، وهو ما قلل من فرص التضامن الاجتماعي.
منحت المجتمعات الافتراضية لمستخدميها إمكانية خلق حياة لا تشبه الحقيقية التي نعيشها فعليًا في العالم الواقعي، ففي العوالم الافتراضية نُظهِر للآخرين ما نراه مثاليًا باستخدام أدوات عديدة مثل إعادة نشر الحكم والأقوال الشهيرة، والتظاهر حول مختلف الأمور والقضايا حتى بما يتعلق في مسألة الطعام والشراب، فظهر مصطلح (التسالبية) وهو نقيض التفاعلية؛ فالتفاعل مع شيء يعني أن ننخرط فيه باختيار الأشياء أو المشاركة في أشياء، أما التسالبية فهي تحدث حين يتأثر هذا الشيء أو يمر بأشياء نيابًة عنا، ويُمكن النظر إلى التسالبية بأربعة طرق هي:
1. إنَّ المجتمع الافتراضي يُمكِنهُ أن يشعر ويعتقد نيابًة عن المستخدم.
2. يتطلب المجتمع الافتراضي نشاطات كثيرة، وكثير من الوقت والجهد عبر الإنترنت.
3. قدرة المجتمعات الافتراضية على عتقنا من واجبات ذواتنا اليومية وحياتنا الطبيعية.
4. وجود أيديولوجية تؤثر بصورة مباشرة على تصرفاتنا عبر المجتمعات الافتراضية.
ثامنًا: : جيل الإنترنت أبناء المجتمع الافتراضي
جيل الإنترنت هو الجيل الذي تسيطر عليه الوسائل الرقمية الحديثة، كأجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة وأجهزة الألعاب الإلكترونية، التي جعلت العالم عبارة عن قرية صغيرة في متناول يديه، وهو ما أعطى شعور للمستخدمين بالوجود الذي يُمكن أن نُطلِق عليه الوجود الافتراضي.
يمثّل جيل الإنترنت الشباب والشابات الذين عاصروا انتشار الإنترنت ودخوله في مختلف المجالات، وهو جيل لا يهتم بالوسائل الاتصالية والإعلامية التقليدية، بل يفضّل الأجهزة والأدوات الحديثة التي تتميز بالسرعة في إنجاز المهام، وقد أشارت العديد من الدراسات والأبحاث إلى عادات استخدام الجيل للشبكة وطبيعة العلاقات الافتراضية التي تتكون بينهم، ورصدت الدراسات أيضًا أنَّ هذا الجيل يُشاهد أكثر مما يقرأ، ولديه القدرة على الابتكار والابداع في مختلف المجالات بسبب كمية المعلومات المتاحة التي يستطيع الوصول إليها بسهولة.
لقد أظهرت الدراسات أيضًا إنَّ أدمغة أبناء هذا الجيل تختلف عن أدمغة الجيل السابق، وأنَّ عقولهم مستمرة في التغير بسبب الزيادة في المحفزات الإلكترونية، فضلًا عن قدرتهم على القيام بأكثر من مهمة في وقت واحد، والتميز بقدرات بصرية مذهلة في التعامل مع الألوان والقراءة على خلفيات ملونة، فضلًا عن سرعتهم في الرد والتواصل والتعبير والتعامل مع مختلف أنواع الوسائط المتعددة. لكن تبقى هناك العديد من المخاوف والانتقادات التي ترتبط بهذا الجيل، فقط رصدت درسات وبحوث أخرى أنَّ أبناء جيل الإنترنت أقل ذكاء من أبناء الجيل السابق، ويواجهون صعوبة في التركيز على الأشياء، ويعانون من الهوس بالجلوس امام الشاشات طويلًا والإدمان على الألعاب ومواقع التواصل الاجتماعي، ويفتقرون للكثير من المهارات الاجتماعية الطبيعية ولا يملكون الوقت لممارسة الرياضة أو الأنشطة الصحية، ولا يملكون أهدافًا واضحة، بل على العكس فهم مشتتون وتائهون ويفتقرون إلى الخجل، ويسرقون وينتهكون القوانين وحقوق الملكية الفكرية.
أضف إلى ذلك، يُعاني أبناء هذا الجيل من مشكلات عديدة أبرزها الفجوة الرقمية التي تتضمن أشكال التفاوت المعلوماتي بين أبناء جيل الإنترنت في العالم الشرقي، وأبناء العالم الغربي، ومشكلة التفاوت الثقافي والسيطرة الرقمية التي تُهيمن عليها مصادر تزويد المستخدمين بالإنترنت، إلى جانب الأنظمة السياسية الحاكمة وجماعات الضغط المحلية وقوة الرأي العام وتأثيره.
اضف تعليق