إنَّ إهمال موضوع الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل مباشر على وسائل الإعلام مهما كانت جودة المحتوى الصحفي الذي تنشره أو تبثه، لذلك لابد من وضعه بعين الاعتبار كونه يعد نقطة انطلاق وبداية لتغيرات جديدة في مجال الصحافة والإعلام سنشهدها قريبًا...
حَظِيَ ما يُطلق عليه (ChatGPT) باهتمام متزايد مؤخرًا، بسبب نتائجه وردوده المثيرة للجدل، فهو برنامج (Software) يعتمد على الذكاء الاصطناعي في مخاطبة المستخدم بالنص (Text) أو عن طريق تحويل النص إلى كلام (Text-to-speech) باستخدام اللغة الطبيعية، معتمدًا على قواعد بيانات مصممة خصيصًا لمحاكاة الطريقة التي يتصرف بها الإنسان، بمعنى آخر هو (بوت) أو (روبوت) يستخدم عمليات رياضية واسعة ومعقدة لتصنيف الكلمات، ومعالجة اللغات الطبيعية، فضلًا عن أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة تعمل على إنشاء ردود وجمل دقيقة وواقعية عن الكلمات التي يقوم المستخدم بإدخالها.
انطلق (ChatGPT) كنموذج أولي نهاية عام 2022م، وسرعان ما انتشر بين مستخدمي الإنترنت محققًا أرقام قياسية، فهناك من استخدمه لكتابة الأغاني وتأليف الموسيقى، أو لكتابة المقالات والقصص القصيرة، أو الإجابة عن أسئلة الاختبارات الصفية، وغيرها الكثير من الاستعمالات، فهو على عكس كل روبوتات الدردشة، يتذكر المحادثات التي أجريت معه مسبقًا.
يتمتع هذا الروبوت بقدرات تتفوق على محركات البحث التقليدية، ويتميز بسرعة الاستجابة ودقة المعلومات والتفاصيل التي يزود بها المستخدمين، لكن هناك وجه آخر يحمل سلبيات في هذا البرنامج، أدت إلى انتقادات ومخاوف، أبرزها استخدامه في مجال التعليم، إذ يستخدمه الطلبة في حل المسائل والمعادلات في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، واستخدامه من قبل بعض الباحثين في كتابة المقالات والبحوث، وهو ما أدى إلى حظره في العديد من المؤسسات التعليمية والأكاديمية.
فضلًا عن ذلك، هناك قلق إزاء استبدال الذكاء الاصطناعي للعديد من الوظائف، مثل عمال المصانع، وخدمات الزبائن، إذ بدأت الشركات الكبرى باستبدال موظفيها بتقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي سواءً في مجال تجميع قطع السيارات أو المكائن، أو الرد على استفسارات الزبائن حول الخدمات أو المنتجات، وغيرها الكثير من الوظائف التي أصبحت مهددة من الذكاء الاصطناعي وبرامجه.
حقق الإعلام تطورات غير مسبوقة عن طريق توظيف التقنيات الحديثة منذ ظهور الإنترنت وحتى يومنا هذا، فظهرت الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، فضلًا عن مواقع الفيديو والبث الحي، واستثمرت وسائل الإعلام هذه التقنيات ووظفتها في صناعة محتوى إعلامي يتميز بالتفاعلية والجاذبية، يواكب حاجات المستخدمين ورغباتهم، لكن اليوم وفي ظل وجود برامج قادرة على جمع البيانات والمعلومات، وكتابة التقارير والمقالات، أصبحت مهنة الإعلام والصحافة مهددة كبقية الوظائف والمهن، وهو ما سيجعل المؤسسات الإعلامية سواءً كانت امتداد لوسائل تقليدية (صحف مطبوعة، إذاعات، قنوات تلفزيونية)، أو وسائل ظهرت في بيئة الإنترنت (مواقع إخبارية، منصات أخبار عاجلة، صحف إلكترونية)، أن تعيد النظر في مسارها المهني، وأهدافها، ووظائفها الاتصالية، وتُعيد ترتيب أولوياتها بما يتماشى مع هذه التطورات الحديثة التي ستفرض نفسها بعد مدة من الزمن على كل مجالات المجتمع، كما فرض الإنترنت نفسه عندما أصبح متاحًا للجمهور العام.
تستطيع الوسائل الإعلامية اليوم أن توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمتها، عن طريق تبني هذه البرامج والتطبيقات داخل غرف الأخبار، وتدريب الصحفيين العاملين فيها على استخدامها، دون التخلي عنهم أو استبدالهم بها، والاستفادة من هذه التقنيات في جمع المعلومات للصحفيين، وتحرير القصص الصحفية وتدقيقها حتى تكون خالية من الأخطاء اللغوية أو الإملائية، فضلًا عن توظيفها في كشف زيف الأخبار والصور التي تُنشر في المواقع والتطبيقات.
إنَّ إهمال موضوع الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل مباشر على وسائل الإعلام مهما كانت جودة المحتوى الصحفي الذي تنشره أو تبثه، لذلك لابد من وضعه بعين الاعتبار كونه يعد نقطة انطلاق وبداية لتغيرات جديدة في مجال الصحافة والإعلام سنشهدها قريبًا.
اضف تعليق