q
مكّن الإنترنت الأشخاص حول العالم من التواصل وتشكيل «مجتمعات» بناءً على اهتماماتهم وقيمهم المشتركة، في ما يشبه الترابط القَبَلي الذي يُشعِر الأفراد/ المستخدِمين بالانتماء، عبر التواصل وتبادل المعلومات والدعم. وكون الفرد المستخدم جزءاً من قبيلةٍ، رقمية كانت أم حقيقية، فهذه ليست مسألة سلبية...

مكّن الإنترنت الأشخاص حول العالم من التواصل وتشكيل «مجتمعات» بناءً على اهتماماتهم وقيمهم المشتركة، في ما يشبه الترابط القَبَلي الذي يُشعِر الأفراد/ المستخدِمين بالانتماء، عبر التواصل وتبادل المعلومات والدعم. وكون الفرد المستخدم جزءاً من قبيلةٍ، رقمية كانت أم حقيقية، فهذه ليست مسألة سلبية. ففي حالة التسريبات الأميركية الأخيرة، تسبّبت قبيلة رقمية يَجمع أعضاءها حبّ «الأسلحة والعتاد العسكري والله»، بتسريب مئات الأسرار الاستخبارية.

في عالم منصّات التواصل الاجتماعي المتعدّدة، لن يصعب تمييز قبائل «فايسبوك» وقبائل «تويتر» (معارك طاحنة تدور هنا)، فيما ثمّة منصّات أخرى تحوي بشكل خاص قبائل «الغايمرز» (عشّاق ألعاب الفيديو)، مِن مِثل منصّة «ديسكورد» (Discord). والأخيرة تضمّ، بحسب بياناتها الرسمية، حوالى 150 مليون مستخدم شهرياً، وتختلف طرق عملها عن بقيّة المنصّات، إذ يمكن الأفراد خلْق خادم أو غرفة للتواصل عبر الكتابة والصوت والفيديو، مخصّصة فقط للتحدّث عن شيء مشترك بينهم، مِن مِثل خادم للتطرّق إلى لعبة «Elden Ring»، وكيفيّة القضاء على أعتى المقاتلين الأشرار فيها. ويمكن تلك الغُرف أن تكون مغلقة، بحيث لا تستطاع المشاركة أو معرفة ما يدور فيها من أحاديث في داخلها. كذلك، هناك منصّة أخرى هي «تويتش» (Twitch)، وهي عبارة عن منصّة بثّ مباشر تحظى بشعبية كبيرة بين محبّي ألعاب الفيديو وغيرهم، إذ يمكن اللاعب أن يبثّ لمتابعيه بشكل مباشر لعبة الفيديو التي يحاول كسبها، وبالتوازي يمكن هؤلاء أن يتحدّثوا إليه وأن يتبرّعوا له بالمال (غالباً كي يشتري GPU أحدث)، فيما يتواجد على المنصّة حوالى 31 مليون شخص يوميّاً.

ومع تفاعل قضيّة الوثائق الأميركية المسرّبة، والتي ظهرت للمرّة الأولى في خادم مغلق يحوي 20 شخصاً في منصة «ديسكورد»، كشف تحقيق أجرته صحيفة «واشنطن بوست» ونشرته أمس، وتضمّن مقابلة مع شخصين كانا موجودَين ضمن خادم الدردشة، أن الذي قام بتسريب الوثائق العسكرية الأميركية السرية، هو شابّ في العشرينيات من عمره، كان يعمل في قاعدة عسكرية، وجلب تلك الوثائق منها خلال فترة عمله. كذلك، كان يَنشر بشكل دائم معلومات عن أحداث قبل ظهورها في الإعلام لرفاقه عبر الخادم، والذين يعرفونه تحت اسم «أو جي» (OG). ومع تكرار تسريباته، حظي «أو جي» بهالة من الغموض والاحترام من قِبَل رفاقه المولعين مثله بعالم الأسلحة والعسكر. وكشفت التسريبات أسراراً حول استعدادات أوكرانيا لهجوم مضادّ في الربيع، وتجسّس الولايات المتحدة على حلفائها، مِن مِثل أوكرانيا وكوريا الجنوبية وإسرائيل، والتوتّرات بين واشنطن والعواصم الغربية في شأن تسليح كييف. وتقول الصحيفة إن هناك أكثر من 300 وثيقة تمّ تسريبها، لم تُنشر جميعها، إذ تمّ إغلاق الخادم الذي يجمع هؤلاء الرفاق، فيما بدأ «البنتاغون» تحقيقاً يتعلّق بالأمن القومي على خلفية ما جرى. من جهتها، قالت منصة «ديسكورد» إنها تتعاون مع السلطات، ورفضت التعليق على ما نشرته «واشنطن بوست» كون التحقيقات لا تزال جارية.

وفي وقت متأخّر من مساء أمس، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية اعتقال المشتبه فيه في تسريب الوثائق، وهو عضو الحرس الوطني، جاك تيشيرا.

الجدير ذكره هنا، أن منصّتَي «ديسكورد» و«تويتش» يستخدمهما الجيش الأميركي، بشكل علني، للتجنيد. وهو أمر بدأ في عام 2020، عندما أَطلق كلّ من الجيش والبحرية والقوات الجوية قنوات لحثّ الشباب على الانضمام إليه، وذلك من خلال إجراء مباريات في ألعاب الفيديو. صحيح أن لا شيء قانوناً يمنع الجيش الأميركي من التسويق لنفسه، لكن المشكلة أن هناك مستخدمين على «تويتش» تقلّ أعمارهم عن ثلاثة عشر عاماً، ويجدون أنفسهم منخرطين في محادثات ومباريات ألعاب فيديو مع أفراد من الجيش. كذلك، فإن إيصال مثل هذه الرسائل إلى المراهقين عبر ألعاب فيديو لا يُقتلون فيها، قد يزرع بعض الأفكار الخاطئة عن مهمّة العسكر. وبصرف النظر عن العواقب الاجتماعية، تسبَّب انخراط الجيش بتعاظم شعبية تلك المنصّات، خصوصاً بين محبّي الأسلحة والمحادثات عن الحروب.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها تسريب معلومات حسّاسة على منصة «ديسكورد». فقبلها، في نيسان من العام الماضي، انتشرت وثائق سرّية قدّمت تفاصيل عن مساعدة الولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي» لأوكرانيا، وأدلّة حول الجهود المبذولة لمساعدة الأخيرة في حربها، بما في ذلك هجوم الربيع المتوقّع. وبشكل عام، هناك مواقع إلكترونية باتت تشتهر بكونها ملجأً لمسرّبي المعلومات، مِن مِثل "4chan.org" الذي غالباً ما ينشر عليه أفراد خططهم للقيام بعمليات قتل كتلك التي تحدث بشكل شبه يومي في الولايات المتحدة. وهناك أيضاً موقع "pastebin.com"، المعروف بقيام القراصنة السيبرانيين بنشر محتوى ما قرصنوه عليه.

اضف تعليق