الأسرة اليوم أمام تحدٍ خطر، ومنافس قوي يحاول هدم (اللمة العائلية)، ويجعلها مجرد طقس اجتماعي يقتصر على الجلوس وقت الطعام، وحتى هذا الأخير فان الواجبات السريعة والتوصيل جعله يلحق بركب العالم الافتراضي، ويزيد من سلطته دون ممانعة. أصيبت الزيارات العائلية المتبادلة بالوهن لدرجة أن أول شيء يسأل...
شهد العالم ثورة في الاتصالات لدرجة يظهر كل يوم اختراع جديد يضيف ميزة لما سبق. هذا التطور السريع وغير المتدرج، ألقى بظلاله على العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة؛ فقد قضى على بعضها، وفرض أخرى جديدة تكون علامة مميزة له ودالة عليه.
فرضت الاتصالات الحديثة من موبايل وحواسيب وملحقاتها نفسها في كل بيت. وأصبح من الصعوبة بالإمكان الاستغناء عنها، فهي أداة للمطالعة والاتصال والتصوير والتذكير..الخ مع اختزال مجموعة الأجهزة بجهازٍ واحدٍ، فان بعض العادات الاجتماعية أصبحت في خانة النسيان بعد أن طغى، وفرض عليها عنصر التقدم نفسه بكل ثقة وجدارة.
الإنسان اليوم يقضي ساعات طويلة في عالمٍ افتراضيٍ لا تعرف من أشخاصهِ سوى الأسماء المستعارة لدرجة جعلَ المشاعر الإنسانية تصاب بالفتور والخدر، لان الله سبحانه وتعالى خلق البشر، وزرع فيهم الصفة الاجتماعية التي تستمدُ حقيقتها من العلاقاتِ المتبادلةِ حيث نلمس لهفة المشاعر ونسمُ أريجها في النفوس.
أصبح البيت في حال اجتماع الأسرة عبارة عن زوايا كلُ فردٍ فيه يمسك بجهازه السحري، وعيون مغرورقة وهي تحدقُ بالشاشة لدرجة أن بعض من الأفراد يصابون بداء الإدمان المفرط الذي يجعل بعضهم، وهم في مرحلة الطفولة والمراهقة يقضون ساعات متأخرة من الليل، وقد تمتدُ حتى الصباح منكبين على الأجهزة الاتصال. لعل عذر بعضهم أنها وسيلة للتعليم والدراسة وغيرها من الأعذار التي يمس من بعضها عدم المصداقية.
الأسرة اليوم أمام تحدٍ خطر، ومنافس قوي يحاول هدم (اللمة العائلية)، ويجعلها مجرد طقس اجتماعي يقتصر على الجلوس وقت الطعام، وحتى هذا الأخير فان الواجبات السريعة والتوصيل جعله يلحق بركب العالم الافتراضي، ويزيد من سلطته دون ممانعة. أصيبت الزيارات العائلية المتبادلة بالوهن لدرجة أن أول شيء يسأل عنه الضيف عن طريقة (التكنيك). عندما يُشغل الجميع في عالمه الخاص، والرد على الاتصالات والرسائل التي لا ينقطع سيلها.
ساهمت وسائل الاتصالات الحديثة كثيراً في اختصار بعض العقبات، لاسيما في المجال البحث وسرعة الحصول على المعلومة حتى هذه الأخيرة ألغت متعة البحث المعطر برائحة الكتب ورفوف المكتبة حتى اخُتصر الأمر بوجود البحوث الجاهزة. ربما تكون وسائل البحث التقليدية بما تحمله من ارثٍ قديمٍ جعلها أكثر التصاقاً في الذهن، لأنه يتعاملُ مع الأشياء الملموسة الحسية أكثر رسوخاً في عقلية الإنسان. وأيضاً جاهزية الحلول ألغى البحث الذي يضعُ الدارسُ على اطلاعٍ بالمصدر الأصلي، ويتعامل معه كأنه كائن حي.
الخوف اليوم من تتحول الأسرة إلى مؤسسة اجتماعية صماء تفقد أواصر ارتباطها كما زاد طغيان استخدام وسائل الاتصالات؛ بهذا يصاب المجتمع بحالة التشظي التي تكون عوامل خصبة لظهور الأمراض الاجتماعية التي تنتشر في ظل ضعف رقابة الآباء مع وجود أوجه المراوغة، والتخلص من هذه الرقابة بكل سهولة.
تحولت الأسرة إلى كائن فاقد لصفته الاجتماعية أمرٌ خطر، ويسهم في تفكك هذه المؤسسة الاجتماعية وتحولها إلى كيانات وكابينات فردية لكل منها عالمه الخاص به، مما يولد حالة التمرد والعصيان على كيان الأسرة الجمعي الذي ينسحب على البلد جميعاً، لان إذ صلحت النواة الأولى صلح ما بعدها وعكس هو الصحيح.
الحلول الحالية صعبة في ظل هذا الإدمان المتواصل، والمجتمع يحتاج إلى تعزيز مفهوم العلاقات الإنسانية الحقيقية التي تتأصل جذورها في عالم واقعي أساسه الأسرة وعدم تشتيتها، مع الأخذ ببعض النقاط الايجابية التي جعل من عالم الاتصالات ضرورة حقيقية وحاجة ماسة تسهم في زرع مفهوم الأسرة، وتماسكها مع التأكيد على عنصر الرقابة الذاتية الذي ينجم عن إعطاء الحرية الفردية المقيدة التي تضع كل شيء في موضعه دون تفريط، عندها يمكن خلق الوسطية التي تأخذ الأمور بنوع من العقلانية التي نحتاجها عبر وسائل التوعية المختلفة.
اضف تعليق