الحرب الروسية الأوكرانية، لم تقتصر فقط على الجانب العسكري، بل تجري بالموازاة، حرب أخرى بينهما، هي الحرب الإلكترونية، التي دفعت أوكرانيا إلى تشكيل جيش لتكنولوجيا المعلومات، يضم 300 ألف متطوع، للرد على الهجمات الإلكترونية الروسية، في ظل تسجيل 89% من الهجمات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم...
الحرب السيبرانية جزء من الحرب الهجينة ويمكن أن يكون لها تأثير في الحرب الفعلية على الأرض. فتعطيل أو اختراق بيانات وزارات الدفاع قد يغير شيئا من الحرب، لكن نشر المعلومات الكاذبة قد يكون تأثيره أعظم بحسب خبراء.
حرب من نوع آخر اندلعت قبل الحرب الفعلية في أوكرانيا. قبل يوم من الغزو الروسي لأوكرانيا أصاب الشلل مواقع حكومية مهمة في العاصمة كييف، كذلك مقار الحكومة والبرلمان ووزارة الخارجية ومؤسسات الدولة الأخرى.
القراصنة استعملوا ما يطلق عليه بهجمات من نوع "DDos" (الحرمان الموزع من الخدمة)، حيث أغرقت الخوادم بطلبات غير مشروعة، من خلال تحميل البنية التحتية للخوادم بشكل مرتفع، ما أدى إلى توقفها عن العمل. أوكرانيا حملت موسكو مسؤولية الهجوم السيبراني. كما عثر المتخصصون على برامج تسمى "Wiper" (ماسح) وهو برامج ضار يمكنه حذف الكثير من البيانات من دون ملاحظة ذلك. مثل هذا الهجوم الروسي حدث في عام 2017 على أوكرانيا ببرنامج ماسح "NotPetya"، ما تسبب بأضرار اقتصادية كبيرة.
حتى اللحظة، ومع استمرار القتال الفعلي على الأرض في أوكرانيا، يظل الفضاء الإلكتروني على الأقل مسرحا ثانويا للحرب. وأوكرانيا الآن لا تقوم بتعبئة جيشها فقط، وإنما تعبئة خبراء تكنولوجيا المعلومات في البلاد أيضا. فحسب وكالة رويترز للأنباء، كانت الحكومة في كييف تبحث عن متطوعين قادرين على صد هجمات القراصنة الروس والتحضير لهجماتهم الخاصة على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الروسية المهمة.
مساعدة خارجية تحصل عليها أوكرانيا أيضا من مجموعة قراصنة "Anonymous" والتي أعلنت الحرب الرقمية على الكرملين. ومنذ يوم 26 شباط/ فبراير الجاري أغلق العديد من المواقع الحكومية في روسيا، ويعتقد أن قراصنة "Anonymous" وراء ذلك، كما تعرض موقع قناة rt.com التي يتعبرها الغرب أداة بروبوغاندا للكرملين إلى هجمات إلكترونية.
يتساءل البعض إن كانت هذه الهجمات تساعد في تحديد المنتصر في الصراع؟ خبراء الأمن السيبراني يشككون في ذلك. سفين هيربيغ من مؤسسة المسؤولية الجديدة يقول :"نتحدث عن صراع ساخن هنا، حيث يموت الناس بسبب الانفجارات. ولا أدري إن كان تسلل شخص ما إلى بيانات وزارة الدفاع الروسية سيكون حاسما في تحديد مصير الحرب".
لكن من الواضح جدا أن روسيا تستعمل الحرب السيبرانية من خلال أسلوب الحرب المختلطة أو ما يعرف بالهجينة، ليس فقط من خلال توجيه الهجمات إلى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات. بل من خلال توجيه المعلومات الكاذبة أيضا من قبل روسيا نفسها. إذ تصبح الهجمات السيبرانية جزءا من الحرب النفسية الحديثة، ويوضح ذلك هيربيغ بأن "الأمر يتعلق بزعزعة ثقة السكان لتحطيم قدرتهم على المقاومة".
في بعض الحالات يمكن أن يكون للهجمات الرقمية تأثير محدد للغاية على مسار الحرب. لكن كلما زادت رقمنة الجيش، زادت نظريا مساحة الهجوم التي يوفرها. على سبيل المثال، حاول القراصنة الروس اختراق التطبيقات المستخدمة للسيطرة على سلاح المدفعية الأوكرانية. مع مثل هذا الإجراء، بحسب هيربيغ، يمكن للمرء على سبيل المثال الحصول على بيانات جغرافية من أجل قصف مواقع المدافع.
مهاجمة قراصنة Anonymous المواقع الروسية في جميع أنحاء العالم وشلها لمواقع مثل kremlin.ru قد يكون له تأثير دعائي، ورغم ذلك يشكك خبير تكنولوجيا المعلومات هيربيغ في تأثر صانعي القرار الروس بهذا، ويشير إلى أن هجوم القراصنة يلفت انتباه السلطات في روسيا إلى الثغرات الأمنية التي ربما تكون الأجهزة السرية الغربية والأوكرانية تراقبها بالفعل. يقول هيربيغ: "بذلك تكون هذه المنافذ قد احترقت، وهذا يصعب من عمل أجهزة المخابرات، إنه أمر إشكالي".
مع تطور الصراع يتوقع الخبراء تصاعد الهجمات الإلكترونية الروسية مع التركيز على المعلومات المضللة. يوم الجمعة الماضي (25 شباط/ فبراير 2022) أعلنت عدة صحف ألمانية عن وقوع هجمات إلكترونية على مواقعها وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتشتبه في "حملة تضليل موالية لروسيا". فمواقع وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي لصحف ومجلات مجموعة Funke الإعلامية تعرضت لهجوم من قبل ما يسمى بالروبوتات Bots على عدة موجات، بحسب إدارة المجموعة.
هل ستستهدف روسيا أيضا البنية التحتية لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) على نطاق واسع؟ الخبراء يشككون في مثل هذه الخطوة. لأنه لا يمكن استبعاد إمكانية تفعيل المادة 5 (حالة التحالف) في الناتو في حال تعرض دوله إلى هجوم إلكتروني. ويعتقد هيربيغ أنه "إذا كان للعملية الإلكترونية تأثيرات من شأنها أن تكون مكافئة للعملية الحركية، فإن الهجوم الإلكتروني سيؤدي أيضا إلى تفعيل المادة 5. فالأمر كله يتعلق بالتأثير"، وزارة الداخلية الألمانية لا ترى أي خطر محتمل لمثل هذا الهجوم في الوقت الحالي، رغم ذلك فإن السلطات مستعدة، بحسب متحدث باسم الوزارة.
كيف حدث التهديد السيبراني بين روسيا وأوكرانيا؟
في الأسابيع التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، تعرضت الأخيرة لهجمات الحرمان الموزع من الخدمة (DDoS)، حيث أغرقت الخوادم بطلبات غير مشروعة، من خلال تحميل البنية التحتية للخوادم بشكل مرتفع، ما أدى إلى توقفها عن العمل.
وقبل يوم من الغزو الروسي لأوكرانيا تحديدا، أصاب الشلل مواقع حكومية مهمة في العاصمة كييف، كذلك مقار الحكومة والبرلمان ووزارة الخارجية ومؤسسات الدولة الأخرى، وقد حمّلت أوكرانيا موسكو مسؤولية الهجوم السيبراني.
شهدت أوكرانيا هجمات إلكترونية متواصلة على مدار العقد الماضي، ونُسبت العديد من الهجمات إلى روسيا. ففي عام 2020، واجهت أوكرانيا حوالي 397 ألف هجمة ونحو 280 ألف هجوم في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021 وكانت الهجمات واسعة النطاق لدرجة أن الاتحاد الأوروبي أرسل فريق الاستجابة الإلكترونية السريع لتقديم الدعم لكييف.
في عهد الرئيس بوتين، كان لروسيا الفضل في تنفيذ العديد من الهجمات الإلكترونية على مستوى العالم. ويمكن بدء مثل هذه الهجمات بسرعة أو بشكل مستقل أو بالتزامن مع عمليات حركية أخرى. كما أنها أقل اعتمادًا على الوقت والمسافة ورخيصة نسبيًا في التنفيذ. الأهم من ذلك، أنها تمثل تحديا استثنائيا للدفاع لأنها تأتي في أشكال متنوعة. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لترابط الشبكة العنكبوتية، يمكن بسهولة نقل البرامج الضارة دون قصد إلى جهات خارجية لم تكن مخصصة لها.
في يناير/كانون الثاني 2022، مع تعجيل الجهود الدبلوماسية، شهدت أوكرانيا هجوما إلكترونيا واسع النطاق على العديد من الإدارات الحكومية. واتخذ الهجوم شكل رسالة تقول "أوكرانيون! … أصبحت جميع المعلومات المتعلقة بك علنية…"خافوا وتوقعوا الأسوأ".. إنه ماضيك وحاضرك ومستقبلك". وتضمنت الرسالة نسخة طبق الأصل من علم أوكرانيا وخريطة شطب مع إشارة إلى "الأرض التاريخية".
في هذه الأنواع من الهجمات، يتمتع الجاني بميزة غير عادلة (أو غير متكافئة) على الضحية ويمكن أن يكون من المستحيل اكتشافها. وفي كثير من الأحيان، لا يستطيع المعتدي المنافسة في القوة أو العدد، مما يجعل هذا خيارًا شائعًا بين مجموعات الاستخبارات الصغيرة يتم تنفيذ عمليات الهجوم الإلكتروني بشكل أساسي من قبل جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي (GRU) وكيانات غير تابعة رسميا للدولة الروسية، مما يوفر للحكومة جوا من "الإنكار المعقول".
أحد الأمثلة المبكرة على هجوم إلكتروني بقيادة روسيا جرى في ديسمبر/كانون الأول 2015 عندما تم استهداف شبكات أنظمة التحكم الصناعية الأوكرانية ببرامج ضارة مدمرة تسببت في انقطاع التيار الكهربائي في منطقة إيفانو فرانكيفسك الغربية، وانقطعت الكهرباء وقتها عن حوالي 700 ألف منزل لعدة ساعات.
لطالما كانت أوكرانيا ملعبا إلكترونيا لروسيا منذ سنوات، ففي عام 2016، عطلت البرامج الضارة الروسية المشتبه بها شبكة الكهرباء في أوكرانيا وقطعت الكهرباء عن خُمس مساحة كييف في منتصف شتاء قارس. مستوحاة جزئيًا من فيروس (Stuxnet) "دودة" أميركية إسرائيلية مشتبه بها عطلت أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران. وكان الهجوم يستهدف المرحلات الوقائية التي تغلق الأنظمة الكهربائية في ظروف غير طبيعية. بعد ذلك بعامين، قالت أوكرانيا إنها أوقفت محاولة روسية يشتبه في أنها تعطل مصنع الكلور.
شكّل ظهور هذا النوع غير المتماثل من التهديد أُطرا جديدة لإدارة التفاعلات والسياسات بين الدول فهذا الحقل والمجال الواسع من التهديد والذي لا يحتاج إلى تكاليف مرتفعة، فضلا عن صعوبة معرفة مصدر التهديد ولا حتى إمكانية تعقبه، ويبقى هذا النوع من التهديدات المفضلة لدى الدول.
يشير الهجوم السيبراني غير المتماثل إلى الحرب الإلكترونية التي تسبب قدرًا كبيرًا نسبيًا من الضرر مقارنة بالموارد المستخدمة من خلال استهداف الإجراء الأمني الأكثر ضعفًا للضحية. وفي هذه الأنواع من الهجمات، يتمتع الجاني بميزة غير عادلة (أو غير متكافئة) على الضحية ويمكن أن يكون من المستحيل اكتشافها. وفي كثير من الأحيان، لا يستطيع المعتدي المنافسة في القوة أو العدد، مما يجعل هذا خيارًا شائعًا بين مجموعات الاستخبارات الصغيرة.
بات من المعروف أن التهديدات اللامتماثلة هي أحد أهم تحديات الاستقرار في القرن الـ21 والتي أفرزت لاعبين وفواعل أقل قدرة وقوة من الدول، لكنها قادرة على فرض التهديد، فضلاً عن ابتكار مساحات وآليات جديدة لفرض التهديدات ومنها التهديدات الإلكترونية التي أصبحت أحد التحديات الرئيسية، التي فرضت على الدول ضرورة مواجهتها حتى أنها أصبحت أولويات عليا في إستراتيجيات الدول الكبرى، ولا سيما في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والإنترنت والشبكات في إدارة الشؤون العسكرية والأمنية والاقتصادية فإن الحروب الإلكترونية وإمكانية شن الهجمات أصبح أمرا واقعيا، وبالوقت نفسه يمثل تحديا أمام الدول كونه يندرج تحت بند التهديدات اللامتماثلة والتي لا تحتاج إلى قدرات أو إمكانيات من أجل التنفيذ.
أصبحت الهجمات السيبرانية غير المتكافئة أكثر شيوعًا بسبب انخفاض تكلفتها وتوافر المعدات بسهولة وإمكانية حدوث أضرار كبيرة. ومن أجل منع الهجمات السيبرانية غير المتكافئة من الحدوث، يجب أن تكون الشركات والحكومات والشبكات على دراية بنقاط الضعف الخاصة بها وأن تضع إستراتيجيات تعالج نقاط الضعف المحتملة في تلك المناطق. ويجب التعامل مع الهجمات الإلكترونية غير المتكافئة على أنها تهديد خطير لأن الضرر يمكن أن يكون ضارًا ويفتقر إلى الحدود ولا يمكن مراقبته على وجه التحديد.
إن عدم التماثل في الحرب ليس ظاهرة جديدة. تاريخيًا، لوحظ أنه في مناسبات مختلفة كان هناك اختلاف ملحوظ في القوة العسكرية النسبية وإستراتيجية الدول المتحاربة. ومع ذلك، في فترة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، لوحظ أن طابع وطبيعة الحرب نفسها تتغير بشكل خاص وسط الحروب بين الدول والجهات الفاعلة من غير الدول. إن استخدام الأدوات والتكتيكات غير التقليدية، سواء كانت حرب العصابات أو الإرهاب أو الحرب غير النظامية أو أي أشكال أخرى، أصبح مرادفًا للكيانات غير الحكومية. وكل هذا يؤدي إلى حالة حرب حيث تستخدم جهة فاعلة غير حكومية أساليب غير متكافئة لاستهداف نقاط ضعف الدولة لتحقيق تأثير غير متناسب.
ويبقى القول إن "الحرب اللامتماثلة" تقوم على استنزاف قدرات الدولة الكبيرة، عبر استدراجها إلى منازلات محدودة ومتعددة، بغرض إرهاقها، وسلبها تركيزها، ورغم أن هناك من يجادل بالقول إن اللاتماثل في التهديد السيبراني سيكون قادرا على تحديد المنتصر أو حسم مصير الحرب إلا أن المعطيات تؤكد ما قاله يوما الباحث فرنسيس فوكوياما إن العالم قد تغير بعد سقوط برجي "مانهاتن" (في إشارة إلى وسائل الحرب اللامتماثلة)، وهو الذي رأى أن التحدي الرئيسي للعالم، سيتمثل فى مواجهة اضمحلال الدول القومية، عبر "نزعات طوباوية"، تجلب الصراعات والحروب وما ينتج عنها من كوارث ونكبات.
كيف يمكن استخدام السلاح السيبراني في الأزمة الروسية الأوكرانية؟
تعدّ الهجمات الإلكترونية التي تشنّها دولة ضد دولة أخرى سمة متكررة في الجغرافيا السياسية للقرن الـ21، في حين أن الرؤى السابقة لـ"الحرب الإلكترونية" لم تتحقق بعد، فقد استخدمت الحكومات الهجمات الإلكترونية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية على نحو أسرع وأكثر فعالية وبتداعيات أقل مما هو ممكن من خلال الدبلوماسية التقليدية أو العقوبات الاقتصادية أو حتى العمليات العسكرية.
ولطالما أدى استخدام الهجمات الإلكترونية إلى تدهور وتعطيل البنى التحتية الحيوية للعديد من الدول، وإرسال الرسائل السياسية، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية حتى أضحت هذه الظاهرة أكثر شيوعًا في العلاقات الدولية.
حسب المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية (CAPI) فإن لدى روسيا خبرة في الهجمات السيبرانية وبث الدعايات والرسائل التي يمكن أن تؤثر في استقرار الحكومة الأوكرانية، ولطالما استخدمت موسكو المعلومات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي والهجمات الإلكترونية المتقطعة على شبكة الكهرباء الأوكرانية.
اليوم تشهد الساحة الدولية تصاعدا للتوتر في العلاقات الروسية الأوكرانية، وكما هو معروف لقد قُرعت في السنوات العشر الماضية طبول الحرب، بين البلدين تارة، وبين روسيا ومعسكر الغرب الداعم لكييف تارة أخرى، ولكن طوال هذه الفترة ورغم تعظيم إمكانات اندلاع شرارة المعركة، بحكم كثرة الأزمات والتوترات الرئيسة والفرعية فإن المشهد لعمل عسكري حقيقي لم يتطور، في حين كان الأثر واضحا باستخدام هجمات كان هدفها شلّ الأنظمة المالية والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا.
المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية، أو ما يعرف اختصارا بـ"CAPI" -الذي ابتكره أنطون داهبورا المدير التنفيذي لمعهد "جونز هوبكنز" لأمن المعلومات مع خبير الأمن السيبراني والشؤون العالمية تيري طومسون المحاضر في وكالة الاستخبارات الباكستانية- تنبّأ بالهجمات السيبرانية التي شُنّت أخيرا على المصالح الأوكرانية، كما حدث في هجوم "NotPetya" لعام 2017 الذي شنّته روسيا ضد شركة برمجيات أوكرانية تسببت في خسارة المليارات من الدولارات جرّاء الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي.
يعتمد المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية (CAPI) على نظام تسجيل من 5 أجزاء يسعى إلى فهم أفضل لسبب انخراط الدول في الصراع السيبراني ويكون بمنزلة مقياس للتنبؤ بالهجمات الإلكترونية المستقبلية.
مع استمرار نمو الأمن السيبراني باعتباره جانبًا مهمًا من جوانب الأمن القومي، ومع تزايد أهمية الهجمات الإلكترونية كإجراءات هجومية، من المهم بشكل متزايد معرفة كيفية فهم الدول اليوم للإجراءات الهجومية والدفاعية السيبرانية وإعطاء الأولوية لها وآثار هذه الآراء على الأمن الدولي، وفهم كيف تؤثر الأحداث التي تقع في العالم اليوم على احتمال الصراع السيبراني.
وبالرجوع إلى التوتر الروسي الأوكراني، يقوم المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية بفحص وتعيين درجات المخاطر في 5 فئات: وجود قوة سيبرانية منظمة وواعية، الدوافع المحتملة لمهاجمة الهدف، عدم الخوف من التداعيات، اتساق الهجوم الإلكتروني مع إستراتيجية الأمن القومي الشاملة للبلد، نقاط الضعف التكنولوجية في الهدف، والنتيجة كانت ارتفاع درجات الخطر بين روسيا وأوكرانيا إلى أعلى مستوى ممكن، وهي درجة 25 من أصل 25، وتشير هذه الدرجة -حسب المؤشر- إلى التوغل الروسي المحتمل في أوكرانيا وإلى تاريخ روسيا في الهجمات السيبرانية الناجحة على الحكومة الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية، بالإضافة إلى ممارسات الروس المستمرة لتجربة تقنيات القرصنة الجديدة.
السؤال: كيف يمكن أن يبدو الهجوم الإلكتروني الروسي على أوكرانيا؟ وهل هناك سمات مميزة لكيفية استخدام روسيا للحرب الإلكترونية؟
ثمة نموذجان يمكن القياس عليهما لكيفية وقوع هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا: التوغل في جورجيا عام 2008، واحتلال شبه جزيرة القرم عام 2014. وفي كلتا الحالتين، كانت العمليات العسكرية الروسية على الأرض مسبوقة بمعلومات مضللة في وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورة وهجمات الحرمان من الخدمة على شبكات الكمبيوتر. تم تحديد هذا النهج في العقيدة العسكرية الروسية التي تصف الحاجة إلى تنسيق الأنشطة العسكرية وغير العسكرية بما في ذلك الحرب السياسية والاقتصادية وحرب المعلومات، واستخدام قوات العمليات الخاصة لإثارة المعارضة الشعبية لحكومة الخصم. وقد أطلق المحللون الغربيون على هذا النهج اسم "الحرب المختلطة"، واستخدمته روسيا بنجاح في احتلال شبه جزيرة القرم.
وحسب المؤشر التنبؤي للهجمات الإلكترونية (CAPI)، فإن لدى روسيا خبرة في الهجمات السيبرانية وبث الدعايات والرسائل التي يمكن أن تؤثر على استقرار الحكومة الأوكرانية، ولطالما استخدمت موسكو المعلومات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي والهجمات الإلكترونية المتقطعة على شبكة الكهرباء الأوكرانية. لقد شنوا هجمات إلكترونية قصيرة ولكنها خطيرة على شبكة الكهرباء في عامي 2015 و2016، وذلك يشير إلى أنهم يعرفون كيفية استغلال نقاط الضعف في البنية التحتية لأوكرانيا. وفي الفترة التي تسبق التوغل الروسي، من المرجح أن تتسبب الهجمات الإلكترونية في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، فضلًا عن الهجمات على البنية التحتية الحيوية الأخرى التي تدعم حكومة أوكرانيا واقتصادها، وقد وصفت التقارير المنشورة الجهود الروسية لبذر الاضطرابات الشعبية بوسائل مختلفة. كل هذا يشير إلى أن روسيا تستخدم قواعد اللعبة نفسها التي استخدمتها في جورجيا وشبه جزيرة القرم.
المعروف أن القدرات السيبرانية تستخدمها الدول كأداة لإدارة علاقاتها الدولية، وترى أن أهم وظيفتين تؤديهما الهجمات السيبرانية هما: إعادة تشكيل الأوضاع الجيوسياسية عبر تحقيق أهداف الدولة بشكل مباشر، بالإضافة إلى ما يطلق عليه "الإشارة"، أي إرسال إشارات إلى الخصم لدفعه إلى تغيير سلوكه بدلًا من المواجهة العسكرية المباشرة.
ويدرك المختصون أهمية الهجمات السيبرانية في اختراق البيانات وأجهزة الحاسوب المتصلة، ونظم الشركات الإستراتيجية والحيوية للبنية التحتية، كالبنوك وشركات الطاقة والمياه والكهرباء والاتصالات والسدود والقنابل النووية والأقمار الصناعية، فكل ما هو متصل بالشبكة العنكبوتية قابل للاختراق والتحكم، فضلا عن أن أهم ميزات الهجوم السيبراني صعوبة تحديد مصدر الهجمات، وقد تمتد هذه الهجمات لتتعدى مصالح أوكرانيا ودول حلف الناتو، فمجموعة صغيرة العدد من "الهاكرز" أصحاب القدرات العالية يمكنهم فعل ما لا تفعله جيوش كاملة، وقد أظهرت موسكو بالفعل أنها قادرة على شن هجمات لها أثر كبير في الفضاء السيبراني وأرض الواقع في الوقت نفسه.
تعدّ روسـيا من أوائل الدول التي اسـتغلت الفضاء السيبراني في المجال العسـكري، واهتمت بالبحث والتطوير لزيادة قدراتها الهجومية في هذا المجال. وتعتمد الإستراتيجية الروسية في نزاعها مع أوكرانيا على الأسلحة الإلكترونية الهجومية باعتبار أنها قوة مضاعفة في الحروب، بمعنى أنها تزيد من القدرات القتالية للدولة إذا ما استُخدمت إلى جانب قدرات عسكرية أخرى، كما تعتمد هذه الإستراتيجية على محاولة تعطيل البنية التحتية المعلوماتية للخصم والاتصالات المدنية والعسكرية له قبل الشروع في العمليات العسكرية، وأبرز مثال على ذلك تلك الهجمات التي اتهمت موسكو بشنّها في عام 2008 على جورجيا قبل توجيه ضربة عسكرية ضدها.
لقد استُهدفت أوكرانيا أخيرا بهجمات سيبرانية عدة، في ظل تصاعد التوتر بين كييف وموسكو، فالسلاح السيبراني موضوع العديد من الأسئلة لأنه جديد تماما في اللعبة الجيوسياسية، والأخطر فيه أنه على عكس الحروب العسكرية القديمة، لا يعترف بالحدود، ويمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة بسهولة وينتشر بسرعة في جميع أنحاء المعمورة، وذلك قد يتسبب في خسائر بمليارات الدولارات في العالم بأسره.
89 % من الهجمات الإلكترونية تستهدف روسيا وأوكرانيا
الحرب الروسية - الأوكرانية، لم تقتصر فقط على الجانب العسكري، بل تجري بالموازاة، حرب أخرى بينهما، هي الحرب الإلكترونية، التي دفعت أوكرانيا إلى تشكيل جيش لـ«تكنولوجيا المعلومات»، يضم 300 ألف متطوع، للرد على الهجمات الإلكترونية الروسية، في ظل تسجيل 89% من الهجمات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم في 5 مارس الجاري في أوكرانيا وروسيا.
وأبرزت صحيفة «لاكروا» الفرنسية، أن الحرب بين أوكرانيا وروسيا ليست فقط في الجانب العسكري، بل أيضاً بالهجمات الإلكترونية، التي تم تكثيفها منذ بداية الحرب في 24 فبراير، وتستهدف أوكرانيا وروسيا معاً، بقيادة فاعلين حكوميين، أو متطوعين حفزهم الصراع، يهدفون إلى إرباك العدو، من خلال الإضرار ببنيته التحتية، والشبكات الحاسوبية، أو تقويض ثقته من خلال إيقاف تشغيل المواقع الحكومية، والخدمات المصرفية، والإعلامية.
ونقلت الصحيفة عن شركة «أمبيرفا» (شركة أمريكية لبرامج وخدمات الأمن السيبراني، التي توفر الحماية لبيانات الشركات، وبرامج التطبيقات) أن 89% من الهجمات الإلكترونية المسجلة في جميع أنحاء العالم، في 5 مارس الجاري، تتعلق بأوكرانيا وروسيا، وأن 90% منها هجمات تخص حجب الخدمة، وهي السلاح المفضل للهاكرز في جيش تكنولوجيا المعلومات، الذي يكرس أعضاؤه، أنفسهم للهجمات الإلكترونية بنفس قدر نشر الدعاية على الشبكات الاجتماعية. وقبل بدء الحرب في أوكرانيا، أدت العديد من هجمات حجب الخدمة، إلى جعل مواقع العديد من البنوك، والوزارات الأوكرانية، غير متاحة، وشمل ذلك استخدام برمجيات خبيثة جديدة، كُشفت في اليوم السابق للحرب، مصممة لمحو بيانات المؤسسات الحكومية الأوكرانية، ونقلت الصحيفة عن شركة الأمن السيبراني السلوفاكية «Eset» قولها إن تلك الهجمات جرى التخطيط لها منذ عدة أشهر.
وعلى الجانب الأوكراني، أعلنت مجموعة الهاكرز «Anonymous» الحرب الإلكترونية على روسيا، وبعدها يومين، أعلن نائب رئيس الوزراء الأوكراني المسؤول عن التكنولوجيا الرقمية، ميخايلو فيدوروف، عن إنشاء «جيش تكنولوجيا المعلومات»، وهي مجموعة تضم الآن أكثر من 300 ألف متطوع، وتقوم بتنسيق هجمات حجب الخدمة ضد الأهداف الروسية.
ومنذ أحداث عام 2014، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تعرضت أوكرانيا، لهجمات إلكترونية متطورة من روسيا؛ ففي نهاية عام 2015، نجح هاكرز روس في جعل محطة للطاقة في غرب أوكرانيا خارج الخدمة، وهو ما كرروه في عام 2016 في العاصمة كييف. وفي 2017، قام برنامج ضار يسمى «NotPetya»، بتلويث 30% من أنظمة الكمبيوتر الأوكرانية، وشل مؤقتاً جزءاً كبيراً من اقتصاد البلاد، وهو ما ضرب أوكرانيا أولاً، وانتشر إلى دول أخرى، ما تسبب في أضرار بمليارات الدولارات، ما يجعل أوكرانيا مختبراً للحرب الإلكترونية القادمة، وروسيا تهديداً رئيسياً في هذا المجال.
كما نقلت الصحيفة عن خبير الأمن السيبراني، والمدير السابق للمركز الوطني البريطاني للأمن السيبراني، كياران مارتن قوله «الروس لا يرغبون في توجيه ضربات قاسية جداً للشبكات الأوكرانية، حتى يتمكنوا من الاستمرار في التجسس عليها».
وأضاف قائلاً «هناك الكثير من الضجيج والإثارة، ولكن لا ينبغي الخلط بين الحرب الإلكترونية وحرب المعلومات، والهجمات على البنية التحتية الروسية والأوكرانية لا تزال محدودة للغاية، والهجمات التي شوهدت منذ بداية الحرب هي امتداد للتحرش الإلكتروني، الذي تمارسه روسيا على أوكرانيا منذ سنوات، والأداة الإلكترونية ليست «زراً أحمر سحرياً» يكفي الضغط عليه لإغراق بلد ما في الظلام، بل إن الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية لها تأثير محدود، وتتطلب إعداداً طويلاً، ومنطق الصراع المفتوح ليس بالضرورة نفس منطق الحرب الهجينة.. فلماذا نقضي عاماً ونصف العام في التحضير لهجوم إلكتروني على محطة للطاقة، في حين أنه من الممكن تفجيرها؟». كما يمكن أن يوفر سقوط مدن أوكرانية مثل خيرسون، وميليتوبول، والاستيلاء على أجهزة معلوماتية حكومية محلية، فرصاً جديدة للقراصنة لاقتحام الأنظمة المعلوماتية الأوكرانية.
بدء أول حرب من نوعها على الإنترنت
يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا دشن جبهة جديدة لم تستخدم خلال أي حروب في العصر الحديث، هي شبكة الإنترنت، وتستعر الهجمات الإلكترونية المتبادلة بين طرفي الصراع وسط تحذيرات من مزيد من التصعيد على هذه الجبهة المفتوحة للجميع.
لكن الحرب على الإنترنت يمكن أن تندلع بطرق أخرى كثيرة أيضا، والتي تطرح تساؤلات بشأن إمكانية تدخل شركات التكنولوجيا لحجب المحتوى الذي يتناول روسيا إضافة إلى إمكانية فرض رقابة على هذا المحتوى، مرورا بانتشار المعلومات المضللة، وكيفية مواجهة أوكرانيا للانقطاعات المتكررة في الاتصال بالإنترنت بسبب سقوط الصواريخ على أراضيها، وأعلنت مجموعة أنونيماس للقرصنة الإلكترونية حربا إلكترونية على الحكومة الروسية.
لكن ينبغي أن نشكك في تلك المزاعم، إذ قالت تقارير إن هذه الجماعة اخترقت قنوات تلفزيونية بعد أن عرضت محتوى مؤيد لأوكرانيا، كما كانت هناك هجمات إلكترونية ضد أوكرانيا، إذ طالت هجمات "حجب الخدمة"، وهي هجمات تعتمد على إرسال كم كبير من البيانات إلى المواقع الإلكترونية مما يتسبب في إصابتها بالتباطؤ ومن ثم تتعطل وتتوقف عن العمل. كما ظهر ما يشبه برمجيات الفدية الخبيثة مع عدم القدرة على استرداد البيانات، وقالت شركة ميكروسوفت إن برمجيات Wiper - المدمرة المصممة لتعطيل الأجهزة - "اكتشف وجودها في العشرات من نظم المعلومات والبيانات الحكومية، ونظم خاصة بمؤسسات غير هادفة للربح، وقطاع التكنولوجيا في أوكرانيا".
وذكر تقرير نشرته وكالة أنباء رويترز أن مسؤولين أوكرانيين زعموا أن عملية تجسس إلكتروني بيلاروسية استهدفت حسابات بريد إلكتروني خاصة بقوات أوكرانية، وفي المملكة المتحدة، من المقرر أن يعقد وزير الأعمال البريطاني كواسي كوارتنغ محادثات مع رئيسة شركة ناشونال غريد، لمرافق الكهرباء والغاز الطبيعي، باولا روسبوت رينولدز وسط مخاوف حيال تعرض نظم تشغيل الشركة لموجة من الهجمات الإلكترونية ترعاها الحكومة الروسية، وحث المركز الوطني للأمن الإلكتروني في المملكة المتحدة المنظمات على تعزيز دفاعاتها الإلكترونية، جاء ذلك رغم إعلان كيران مارتن، الرئيس السابق للمركز، لصحيفة الغارديان البريطانية بأن النشاط الإلكتروني "يلعب دورا متناهي الصغر في الصراع حتى الآن".
وفي أي منطقة صراع، من الطبيعي أن تحدث انقطاعات في خدمات الإنترنت بسبب تدمير القنابل والصواريخ الشبكات والمعدات المستخدمة في تشغيل تلك الخدمات، وأدى القتال العنيف في مدينة خاركيف إلى انقطاع الإنترنت على نطاق واسع، وفقا لمنظمة مراقبة نشاط الإنترنت نيتبلوكس. كما وصلت قدرة الاتصال بأكبر شركات الإنترنت في أوكرانيا، غيغا ترانس، مستويات دون 20 في المئة من المستويات العادية.
واستجاب الملياردير إيلون ماسك، الذي دائما ما يهب للمساعدة في أوقات الأزمات، بسرعة لمطالبات ببدء تشغيل خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في أوكرانيا عبر مشروعه ستار لينك، لكن حتى الآن لم يتحدد أين تتوافر هذه الخدمة في البلاد أو إلى أي مدى يمكن أن تساعد في التغلب على انقطاع الإنترنت.
وقالت منظمة نيتبلوكس لبي بي سي إن شبكات ستار لينك أعطت أوكرانيا "الأمل في الاتصال بالإنترنت في إطار أسوأ السيناريوهات"، لكنها أشارت إلى أن هناك نقص في عدد محطات تشغيل هذا النوع من خدمات الإنترنت، وأضافت المنظمة أنه "لا يوجد حل سحري للبقاء متصلا بالإنترنت أثناء الأزمات".
ودون جون سكوت رايلتون، كبار الباحثين في معمل سيتيزن لاب بجامعة تورنتو الكندية، تغريدة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قال فيها: "إذا كان بوتين يسيطر على الأجواء الأوكرانية، فإن الإشارات الصاعدة (الناتجة عن استخدام إنترنت الأقمار الصناعية، سوف تتحول إلى أجهزة إرشادية للغارات الجوية الروسية.
وقررت شركات خدمات الهاتف الجوال البريطانية، أو تو وفودافون وثري وإي إي، أن تكون المكالمات الهاتفية إلى أوكرانيا مجانية مع عدم إضافة أية تكلفة على خدمات تجوال الإنترنت لمن هم داخل أوكرانيا.
وبمجرد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، طالب مسؤولون أوكرانيون شركات التكنولوجيا، التي يعتمد عليها الكثيرون في الحصول على المعلومات ومواد الترفيه، بأن تلعب دورا فعالا في الحرب، وقال نائب رئيس الوزراء ووزير التحول الرقمي الأوكراني ميخايلو فيدوروف للرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك: "نحتاج إلى دعمكم"، وأضاف: "ربما في 2022، تكون التكنولوجيا المتقدمة هي خير رد على الدبابات وبطاريات الصواريخ المتعددة"، كما طالب شركة ميتا بحظر الدخول على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستاغرام من روسيا، لكن رئيس الشركة للشؤون الخارجية نيك كليج قال إن هذا سوف يحرم الناس في روسيا من "الاحتجاج وتنظيم أنفسهم ضد الحرب ويحرمهم أيضا من المصادر المستقلة للمعلومات"، كما جاء رد كوك خاليا من أي التزامات، إذ قال إن أبل تدعم الجهود الإنسانية ولديها "مخاوف عميقة" حيال الصراع، قالت إدارة موقع يوتيوب للتواصل الاجتماعي عبر الفيديو إنها سوف توقف العديد من القنوات الروسية على الموقع وتحد من قدرتها على الحصول على أموال عبر الإنترنت وتقلل من التوصية بها على المنصة، وقالت شركة غوغل، الشركة الأم ليوتيوب وهي أيضا أكبر شركة لبيع الإعلانات على مستوى العالم، إنها لن تسمح لوسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة ببيع إعلاناتها باستخدام أدوات المحرك البحثي غوغل، كما وضعت غوغل وفيسبوك قيودا على بعض الحسابات الخاصة بوسائل الإعلام المملوكة للدولة في أوكرانيا بناء على طلب الحكومة في كييف علاوة على حظر تحميل التطبيق الإلكتروني "روسيا اليوم" (Russia Today).
وأغلق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك شبكة يشغلها أِشخاص من روسيا وأوكرانيا بسبب "إذاعة أخبار غير مؤكدة"، وهي الشبكة التي كانت تتظاهر بأنها كيانات إخبارية مستقلة علاوة على خلق شخصيات وهمية عبر قنواتها.
وحذرت الشركة أيضا من وجود اختراق يحمل اسم "غوست رايتر" (Ghost Writer) يستخدم في الدخول إلى حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجيش الأوكراني والشخصيات العامة في أوكرانيا عبر البريد الإلكتروني لنشر معلومات مضللة، وبدأ تنفيذ إجراءات خصوصية إضافية في أوكرانيا وروسيا بعد ظهور تقارير أشارت إلى استهداف أشخاص أبدوا احتجاجهم على الحرب، وفقا لفيسبوك.
وتضمنت الإجراءات الإضافية، إغلاق المستخدمين حساباتهم لمنع أي شخص آخر من تحميل أو نشرها أو نشر محتواها، وقف خاصية رؤية قوائم أصدقاء الغير أو البحث فيها، إرسال إخطار لكل من هم في روسيا بكيفية تأمين حسابات إنستاغرام وتوجيههم إلى الدخول للإعدادات من أجل جعل الحساب "خاص"، وأعلنت شركة تويتر، التي تشغل موقع التواصل الاجتماعي الذي يحمل نفس الاسم، أنها سوف تحذر من التغريدات ذات الصلة بمحتوى حسابات وسائل الإعلام الموالية لروسيا، كما أشارت إلى أنها تتخذ خطوات من شأنها التقليل من انتشار هذا النوع من المحتوى على منصتها للتواصل الاجتماعي.
ومن الطبيعي أن يثار جدل حول الدور الكبير الذي ينبغي أن تلعبه الشركات في الحرب، البعض يرون أن هذه ضرورة أخلاقية، وقال أليكس ستاموس، كبير مسؤولي الأمن الإلكتروني السابق لدى فيسبوك، في تغريدة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "من المناسب أن تختار الشركات الأمريكية طرفا تنحاز إليه أثناء الصراعات الجيوسياسية، وهو ما ينبغي أن يكون مطلبا سهلا".
فرضت الحكومة الروسية حظرا جزئيا على الدخول إلى فيسبوك وتويتر بعد صدامات مع الشركات المشغلة لتلك المنصات، واتهمت شركة الاتصالات الروسية المملوكة للدولة روسكوماندزور موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "بانتهاك حقوق وحريات المواطنين" بعد أن رفضت شركة ميتا، المالكة لفيسبوك، وقف عمليات التحقق من صحة المعلومات والتحذير من المحتوى الذي تبثه المنظمات الروسية المملوكة للدولة، كما أشارت نيتبلوكس إن تويتر تعرض لحجب على نطاق واسع بمعرفة شركات الاتصالات الروسية، وقال ستيف روزنبرغ، مراسل بي بي سي نيوز في موسكو، إن الدخول إلى تويتر "يخضغ لقيود صارمة"، وأضاف: "نشرت هذه الرسالة، لكنها استغرقت وقتا طويلا حتى حدث ذلك".
هل تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى صراع إلكتروني أوسع نطاقا؟
لم تكتف روسيا بإطلاق صواريخها نحو مدينة كييف فقط بل توجهت نحو شبكات الحاسوب الخاصة بأوكرانيا، وهو ما سيؤدي إلى صراع إلكتروني أوسع نطاقًا، وذكرت صحيفة "الإيكونوميست" (Economist) البريطانية، في تقرير لها، أنه في 23 فبراير/شباط بينما كانت أوكرانيا لا تزال تستعد للحرب المتوقعة، توقفت مواقع البرلمان الأوكراني والعديد من الوكالات الحكومية عن العمل، وفي 15 و16 فبراير/شباط وقع الهجوم الرقمي نفسه على مواقع الحكومة الأوكرانية والبنوك، وهو الهجوم الذي سرعان ما نسبته أميركا وبريطانيا وحكومات أخرى إلى وكالة المخابرات العسكرية الروسية، كما وقع في الشهر الماضي تشويه مواقع العديد من الوزارات الحكومية برسالة مفادها "احذروا وتوقعوا الأسوأ"، وتتساءل الصحيفة عن مدى سوء الحرب الإلكترونية الحديثة، وهل ستتأثر البلدان الأخرى؟
وقال كياران مارتن، الرئيس التنفيذي المؤسس للمركز الوطني للأمن الإلكتروني والذراع الدفاعية لمكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (gchq)، "لطالما كانت أوكرانيا ملعبًا إلكترونيًّا لروسيا"، ففي عام 2016 عطلت البرامج الضارة الروسية المشتبه بها شبكة الكهرباء في أوكرانيا، وقطعت الكهرباء عن خُمس مساحة كييف في منتصف شتاء قارس، وذلك باتباع طريقة هجوم "دودة ستكس نت" الأميركية-الإسرائيلية التي عطلت أجهزة الطرد المركزي الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، حيث استهدف هذا الهجوم الأنظمة الوقائية التي تغلق الأنظمة الكهربائية عند حدوث ظروف غير طبيعية، وبعد ذلك بعامين قالت أوكرانيا إنها أوقفت محاولة روسية يشتبه في أنها حاولت تعطيل مصنع الكلور.
وتوضح الصحيفة أن الهجمات الأخيرة لم تكن معقدة للغاية، حيث اتخذت شكل هجوم يتسبب في حرمان من الخدمة (ddos)، وهو طريقة لإشعال الاضطراب في حركة المرور، بحيث يمتلئ موقع الويب بطلبات زائفة للحصول على معلومات. وقال كريس كريبس، الرئيس السابق لوكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأميركية (CISA)، إن تأثيرها كان ضئيلًا، وإن هدفها كان تشتيت الانتباه والإرباك.
وترى الصحيفة أنه لطالما كانت عمليات شبكات الحاسوب -المصطلح الذي يستخدمه المحترفون غالبًا عوضًا عن "الهجوم السيبراني"- جزءًا كبيرًا من الحروب، مشيرة إلى أن أميركا وبريطانيا قد تحدثتا علانية عن عملياتهما الهجومية السيبرانية في الحملة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
وتؤكد الصحيفة أنه مع عبور قواتها الحدود، فمن المرجح أن تتبع روسيا الأساليب نفسها ضد أوكرانيا، وذلك لدعم هجومها العسكري بتعطيل الدفاعات الجوية الأوكرانية وزعزعة استقرار الحكومة في كييف بنشر معلومات مضللة.
وحسب الصحيفة، فإن المسؤولين الغربيين يشعرون بالقلق من انتشار أي نزاع إلكتروني في أوكرانيا، سواء أكان عرضيًّا أم متعمدًا، ففي عام 2017 تسبب الهجوم الإلكتروني "نوت بيتيا" على أوكرانيا، الذي قام بتشفير البيانات على أجهزة الحاسوب، في أضرار بلغت قيمتها 10 مليارات دولار في جميع أنحاء العالم، وأُلقي اللوم حينئذ على روسيا، كما أن وكالة الهجرة الكندية (CISA) أصدرت -هذا الشهر- تحذيرًا للمنظمات الأميركية مفاده أن روسيا يمكن أن تصعّد من الصراع وتؤثر على الآخرين خارج أوكرانيا.
وتضيف الصحيفة أن كلًّا من أميركا وبريطانيا ساعدتا أوكرانيا على تعزيز دفاعاتها الإلكترونية في الأشهر الأخيرة، وقد تساعدان في صد الهجمات على البلاد، لافتة إلى أن الخط الفاصل بين الدفاع والهجوم على شبكات الحاسوب لا يكون واضحًا دائمًا، كما أن مبدأ أميركا "الدفع إلى الأمام" يؤكد استعدادها للدفاع عن الشبكات الأوكرانية من خلال وقف الهجمات في المصدر -أي داخل الشبكات الروسية- إذا ما تطلب الأمر.
وتشير الصحيفة إلى أن الحكومات الغربية قد تسعى أيضًا إلى تعطيل الشبكات العسكرية الروسية أو الاتصالات أو العمليات "الإدراكية"، مثل تغيير البيانات لإرباك القوات الروسية أو تضليلها. ويقول ماركوس ويليت، النائب السابق لرئيس مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية، "لقد تجاوز الروس الهدف، وقد حان الوقت للرد السيبراني، كما أن هناك إغراء كبيرا للوصول إلى العمليات الإلكترونية، لأنهم يشعرون بأنهم أقوى من العقوبات ولكن ليس على مستوى إطلاق الصواريخ".
وتقول "الإيكونوميست" إن مفاهيم الردع والإشارات والتصعيد في الفضاء السيبراني لا تزال في طور التطور، بخاصة أن البنية التحتية الغربية تعدّ أكثر ضعفًا، نظرًا لأن كثيرا منها يعتمد على شبكات الحاسوب، محذرة من أنه إذا ما بدأت مواجهة مع الشبكات الروسية فقد يكون الروس في وضع جيد للقيام بأشياء مماثلة على الشبكات الحليفة.
ووفقًا لشخصيات أميركية بارزة -كما نقلت الإيكونوميست- فهناك خطر يكمن في سوء تقدير المخاطر، حيث يحذر مارك وارنر، وهو ديمقراطي يرأس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، من أن معايير الردع والتصعيد السيبراني غير مفهومة جيدا، وهو ما يرسم سيناريو يتسبب فيه هجوم إلكتروني روسي في إلحاق ضرر متعمد أو غير مقصود بالمدنيين في أوروبا، مما يدفع الناتو إلى الانتقام.
وتنقل الصحيفة عن كياران مارتن تأكيده أن هذه المخاطر من الناحية العملية قد تكون قابلة للإدارة، حيث يتلخص هدف روسيا في إبعاد حلف الناتو عن الحرب في أوكرانيا بدلًا من جرها إليها، كما أضاف "من المرجح أن ينظر الكرملين إلى التصعيد عبر الإنترنت بالطريقة نفسها التي من المحتمل أن ينظروا بها إلى التصعيد عبر وسائل أخرى"، ويختم بالقول إن "موسكو لن تشنّ هجومًا إلكترونيًّا تخريبيًّا ضد الغرب إلا إذا كانت مستعدة للتصعيد إلى منطقة الخطر حقا"، وتعتقد الصحيفة أنه لا يمكن تأكيد التصعيد، بمجرد استخدام القوة السيبرانية، مستشهدة بما قالته جاكلين شنايدر، الزميلة في معهد "هوفر" بجامعة "ستانفورد"، عن المناورات المتعددة الجنسيات التي أجريت بين عامي 2017 و2020، إذ رأت أن المشاركين كانوا أكثر عرضة لاستخدام العمليات الإلكترونية لجمع المعلومات الاستخباراتية، ودعم العمليات العسكرية في ساحة المعركة بدلًا من استهداف البنية الأساسية، مضيفة "سنرى كثيرا من العمليات الإلكترونية في الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا، لكنها لن تكون العامل الأساسي الذي يدفع بالعنف أو يؤدي إلى تصعيد مع دول أخرى في المنطقة"، وتشير الصحيفة إلى أن أميركا وحلفاءها ينتقدون بشكل روتيني روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية لسلوكهم غير المسؤول في الفضاء الإلكتروني، مبيّنة أنهم سيكونون حذرين من اللجوء إلى وسائل مماثلة، مثل الهجمات التخريبية على البنية التحتية المدنية.
اضف تعليق