يمثل العالم الرقمي فرصة للمجتمعات والثقافات لتقدم نفسها للعالم، كما أنَّه وفر لكلّ فرد مرتبط بالأنترنيت فرصة أن يكون إعلامياً وصانعاً للمحتوى أيّاً كان نوع هذا المحتوى: نصاً مكتوباً أو صورة أو مقطعاً فيديوياً؛ الأمر الذي يتطلب استعداداً حقيقياً للمستخدمين لاستثمار هذه الوسيلة بوعي...
يمثل العالم الرقمي فرصة للمجتمعات والثقافات لتقدم نفسها للعالم، كما أنَّه وفر لكلّ فرد مرتبط بالأنترنيت فرصة أن يكون إعلامياً وصانعاً للمحتوى أيّاً كان نوع هذا المحتوى: نصاً مكتوباً أو صورة أو مقطعاً فيديوياً؛ الأمر الذي يتطلب استعداداً حقيقياً للمستخدمين لاستثمار هذه الوسيلة بوعي لاسيما أنَّ العالم الرقمي حقق نصراً منقطع النظير مع جائحة كورونا، فبسبب تداعيات هذه الأزمة الصحية العالمية والحظر الشامل والجزئي أصبح التعليم والدراسة والبيع والشراء والعمل رقمياً؛ وهذا ما جعل استخدام مواقع التواصل ضرورة لا بد منها، ففي العراق مثلاً أرتفع عدد مستخدمي هذه المواقع، وكما جاء في بيان مركز الإعلام الرقمي في العراق إلى 25 مليون مستخدم، وهي زيادة واضحة في عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بلغت 4 مليون مستخدم عام 2021 عن العام الماضي 2020.
عالم رقمي
ولإيجاد توازن بين أهمية العالم الرقمي وما يفرضه من تحديات خطيرة أمام مستخدميه، لعلَّ منها: تهديدها للهوية الثقافية وانزياح العادات والتقاليد المألوفة واستبدالها بأخرى غريبة عن المجتمع، كما أنَّها شكلت خطراً حقيقياً على النسيج الاجتماعي وأسهمت بزيادة حالات الطلاق والتفكك الأسري فضلاً عن تأثيراتها الصحية على التلاميذ والطلبة بالإضافة إلى هدرها للوقت، وأخيراً وليس آخراً كانت بيئة خصبة للابتزاز والجرائم الإلكتروني، لذا ينبغي التعامل مع هذا العالم على وفق آلية معينة، وهي الثقافة الرقمية التي يمكن تعريفها: هي مجموعة الأنماط من السلوك والعادات والتقاليد والأعراف والمعارف المتبعة عند استخدام الأجهزة المتطورة التي تتعامل مع لغة (الواحد / صفر)، كالحاسوب والأجهزة والهواتف الذكية في العالم الافتراضي.
وقد أوجز باحثون أهم متطلبات الثقافية الرقمية، ومنهم الدكتور فهد بن عبد الرحمن الشميمري في كتابه الموسوم "التربية الإعلامية: كيف نتعامل مع الإعلام؟"، بما يلي: التفاعلية، وهي تشير إلى سلسلة من الأفعال الاتصالية التي يستطيع الفرد أن يأخذ فيها موقع الشخص ويقوم بأفعاله الاتصالية، فالمرسل يستقبل ويرسل في الوقت نفسه، وكذلك المستقبل، ويصدق على القائمين بالاتصال لفظ المشاركين بدلاً من المصادر، وتستخدم في جميع الوسائل الإعلامية كما أنَّ التفاعلية خاصية من خصائص تكنلوجيا المعلومات، والعلاقة التفاعلية هي العلاقة الثنائية الاتجاه التي تسمح للمرسل والمتلقي بتبادل الآراء والأدوار من خلالها وبفرص متساوية للمشاركة في عملية الاتصال.
إنَّ المشاركة بالرأي والسؤال والحوار والتعليق والتعقيب والمداخلة دليل على الوعي المتقدم، ومن متطلبات الثقافة الرقمية كذلك التعريف بالشخصية، باستخدام الاسم والصورة الصريحين؛ لأنَّ الرسالة الاتصالية الصادرة من مجهول لا تحظى بالثقة، وكما ينبغي في العالم الرقمي التفكير النقدي والتحليلي، إذ إنَّ مهارة استخدام التفكير الناقد مع وسائل الإعلام له فوائد عدَّة، منها ما يسهم في بناء الوعي الإعلامي، ويساعده على تجنب التضليل الإعلامي وفرز المواد الإعلامية بين ما هو سلبي وردئ وايجابي ونافع وما بينهما وأن يكون متلقياً ايجابياً قادراً على تحليل المضمون ونقده، كما ينبغي على مستخدمي المواقع الاجتماعية لاسيما الإعلاميون أن يتمتعوا بمهارة جمع المادة الإعلامية وصياغتها فضلاً عن التمكن مع أدواته اللغوية مع قدر جيد من المعرفة بالموضوع الذي ينشره.
مهارات تقنية
ومن مؤشرات الثقافة الرقمية التمتع بمهارات التقنية والفنية؛ فمن الضروري الإلمام بالإمكانيات التقنية والفنية والبراعة في تحديد شكل العرض للمادة الإعلامية، والمهارة في استخدام الحاسوب والهاتف والكاميرا الرقمية وإجادة تحميل المادة والتعامل مع المواقع وغيرها، مع أهمية تحديد الهدف من النشر بدقة ويكون المستخدم واعياً تماماً بالهدف الذي يريده وتسعى إلى تحقيقه من خلال وسائل الإعلام مع الالتزام بالأخلاقيات الإعلامية المستندة على عدَّة مبادئ أهمها: المصداقية، الدقة، الشفافية، البحث عن الحقائق، الدفاع عن مصالح المجتمع، العمل على حماية المجتمع من الانحراف والفساد.
ولا يمكن أن ننسى أنَّ من متطلبات الثقافة الرقمية ضبط سلوكيات الأبناء، إذ ينبغي إدراك أنَّ لوسائل الإعلام والتقنية المتطورة جوانب سلبية كما أنَّ من المستحيل تجنب تعرض الأطفال لها على نحو مباشر أو غير مباشر؛ لذا يكمن الدور الواعي في ضبط سلوكيات الأبناء والتلاميذ من خلال ما ينص عليه ميثاق الأخلاقيات الرقمية، ومن أهم أدوات توجيه الأطفال للتفاعل الواعي مع وسائل الإعلام هو تنظيم الوقت مع توجيه الأسرة للاستفادة المثلى من وسائل الترفيه الموجودة في العالم الرقمي. وفي الختام ينبغي على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي سواء كانوا إعلاميين أو مهتمين بالإعلام التفكير أنَّه صوت لمجتمعه وأن يعمل على نشر ما هو مفيد له وللآخرين؛ ليسهم بتثقيف وتوعية مجتمعه.
اضف تعليق