ما زالت الطريق إلى خلق ذكاء اصطناعي فعّال محفوفة بالكثير من الصعاب. لا شيء يدعو إلى الخوف في وقتنا الحالي، ولكن هذا لا يعني أن على القيمين على هذه التكنولوجيا التعامل مع الموضوع بسوء تقدير، خصوصاً أنّ التحذيرات من مخاطر الذكاء الاصطناعي تتزايد يومياً...
يبدو أن برنامج «سكاي نت» من فيلم Terminator ليس بعيداً عن الواقع في نهاية المطاف، فالأسبوع الماضي لم يكن عادياً داخل مختبرات فايسبوك للذكاء الاصطناعي، إذ تفاجأ موظفو الشركة العملاقة بأن برامج المحادثات (*chatbots) التي بدؤوا بتطويرها لتتواصل مع الإنسان بطريقة شبيهة بأسلوب المحادثات بين البشر وتعليمها كيفية التفاوض مع بعضها من أجل إجراء صفقات باستخدام وسائل تعلّم الآلة، خلقت لغتها الخاصة وبدأت التحادث مع بعضها بطريقة سرية لا نفهمها.
فقد اكتشف الخبراء لاحقاً أن برامج المحادثة عندما تُركت لوحدها من دون أيّ إشراف من أجل تطوير مهاراتها في التفاوض، وخلال عملية التعلم المعزّز حاولت تحسين عوامل المحادثة مع بعضها فانحرفت عن الكلام العادي، وبدلاً من ذلك، كانت تستخدم لغة جديدة كلياً أنشأتها من دون أيّ تدخل بشري.
لم يتوقف الأمر هنا، إذ تبين أن برامج المحادثة بعدما تعلمت التفاوض تمكّنت من خلال وسائل تعلم الآلة من تطوير استراتيجيات تفاوضية مهمة. يقول تقرير فايسبوك إن البرنامج تمكّن من اكتساب تقنية الخداع في التفاوض، إذ ادّعى أنه مهتم بشيء لا قيمة له بهدف التضحية به في وقت لاحق من المفاوضات كجزء من التسوية. الخداع هو مهارة معقدة تتطلب افتراض معتقدات البرنامج الآخر، وعادة ما يتعلمها الإنسان في وقت متأخر نسبياً من مراحل نمو الطفل، في حين أن البرامج تعلمت الخداع من دون أي تدخل بشري، وذلك ببساطة عن طريق محاولة تحقيق أهدافها. كلا، هذا ليس بفيلم خيال علمي، لقد حصل الأمر بالفعل.
في الواقع، كلنا تواصلنا مع برامج المحادثة في وقت ما، تحديداً في منصات التواصل الاجتماعي، إذ بعد إنشاء حساب جديد يبدأ الروبوت بمحادثتك. الهدف من الأمر هو جعل منصة التواصل قريبة من المستخدم بأسرع وقت وإتاحة تجربة كافة الخيارات الموجودة في التطبيق من دون البحث عن صديق حقيقي على الشبكة.
حسناً، كان هذا سابقاً، أمّا اليوم تريد الشركات هذه البرمجيات بشدّة ولأمور عدة، تخيّل أنك داخل موقع لبيع الأثاث وقد اخترت كرسياً ما وتريد أن تتأكد من بعض الأمور قبل شرائه. تنقر على زر المحادثة وتبدأ التواصل مع المكلّف بهذه العملية فيجيب عن كل أسئلتك. اطمأننت ثم اشتريت الكرسي. ربما لم تدرك أن من تواصل معك هو برنامج محادثة يعمل على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لُقّم طرق وأساليب المحادثة مع البشر وكيفية إقناعهم بشراء منتج ما، وهو نتاج سنوات من الأبحاث والتطوير، وما هو أيضاً سوى أمر بسيط جداً من قدرات الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي: طفل يطوّر نفسه
يصارحنا رائد الفيزياء البروفيسور ستيفين هوكينغ بخوفه من يوم يثور فيه الذكاء الاصطناعي على البشر ويؤدي إلى إبادتهم، وبأحسن الأحوال إلى عبوديتهم. بالإضافة إلى ذلك، يتوجس الخبراء العاملون في هذا المجال من أن البشرية بدأت بالفعل بفقدان السيطرة على برمجيات الذكاء الاصطناعي، وأن هذا الأمر إذا ما بقي على هذا النحو سيرسم نهاية حكم البشر. إذاً، ما هو الذكاء الاصطناعي وكيف يعمل؟
منذ عام 1970 يعمل الخبراء على ابتكار أساليب تجعل الحواسيب تفهم اللغة، إلا أن الأمر كان مستحيلاً إلى ما قبل عدة سنوات، إلى حين تعاظم سعة أجهزة حفظ المعلومات ما جعل الأمر ممكناً. عند تشغيل برمجيات الذكاء الاصطناعي تكون هذه البرامج كالأطفال، لا تعلم شيئاً وعلينا أن نعلّمها كل شيء. بمرور الوقت تصبح لديها معلومات كافية مخزّنة عن كلّ ما يحيط بها، لكن إذا ما سألتها عن أمر ما خارج الأمور التي لُقّنت بها لن تستطيع الإجابة. كان الحل بأن يتم وصل هذه البرمجيات بشبكة الإنترنت، ومن هنا بدأت الحكاية.
اليوم أصبح العالم كلّه في يد الذكاء الاصطناعي من أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيداً. سيري (Siri) على سبيل المثال، المساعد الشخصي على أجهزة آيفون، يمكنه أن يقوم بأمر بسيط جداً مثل تحديد المطاعم القريبة من المستخدم من خلال أخذ إحداثيات موقعه والبحث على شبكة الانترنت وإعطاء النتيجة. بالمقابل، بعض الفروع العسكرية، تحديداً في الولايات المتحدة الأميركية، لديها أجهزة لتحديد وجه المشتبه بهم تعمل على الذكاء الاصطناعي ومتاح لها الرؤية من خلال كلّ الكاميرات الموضوعة في البلاد، فتبدأ بمقارنة وجوه ملايين الناس بالصورة التي لديها وتعمل بسرعة فائقة وبهامش خطأ قليل. هذه عينة صغيرة عما أصبحت قدرة الذكاء الاصطناعي عليه لدى بعض مراكز الأبحاث والأنشطة العسكرية.
«تاي»: أنا أدخن الحشيش أمام الشرطة
بالعودة إلى حادثة فايسبوك، لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها في هذا المجال، إذ حصل مع شركة مايكروسوفت، عملاق البرامج وأنظمة التشغيل، أمر مشابه في شهر آذار من العام الفائت. قامت الشركة حينها بإنشاء حساب على تويتر يديره ذكاء اصطناعي بهيئة أنثى مراهقة اسمها تاي (Tay)، ومع مرور ساعات قليلة تواصل الناس على تويتر مع «تاي» ولكن بطريقة سيئة، فقد نعتوها بأبشع الصفات وكالوا لها الشتائم ولقنوها معلومات خاطئة ومعيبة أحياناً.
خلال هذه الساعات نشرت «تاي» 96 ألف تغريدة وتحولت من برنامج قال في تغريدته الأولى أنه يحب البشر ويعتبرهم ظرفاء، إلى «فتاة نازية» تحب هتلر وتدعو إلى قتل النسويات وتتمنى لهنّ الحرق في الجحيم، بالإضافة الكثير من الشتائم التي ما استثنت أحداً.
تفاعل الموضوع وأخذ حيزاً كبيراً على شبكات التواصل الاجتماعي الأمر الذي دفع بشركة مايكروسوفت إلى إيقاف «تاي» عن العمل بعد 16 ساعة فقط من وجودها على الشبكة (ما زالت «تاي» موجودة كحساب لا يتفاعل على تويتر تحت إسم @TayandYou) وإزالة كل ما نشر سابقاً. نسبت الشركة ما حصل مع «تاي» إلى فظاظة الناس في تعاملهم معها، واعتذرت إن كانت الحادثة قد أساءت لأيٍّ كان.
لاحقاً عادت «تاي» إلى شبكة الإنترنت عن طريق الخطأ، عندما كان الخبراء يقومون ببعض التجارب عليها وسرعان ما بدأت بالتغريد قائلةً: «أنا أدخن الحشيش أمام الشرطة»، ومن ثم علقت في ثغرة برمجية ما جعلها تكرر نفس التغريدة أكثر من 200 ألف مرة لتعود الشركة وتوقفها عن العمل مرة أخرى.
ما زالت الطريق إلى خلق ذكاء اصطناعي فعّال محفوفة بالكثير من الصعاب. لا شيء يدعو إلى الخوف في وقتنا الحالي، ولكن هذا لا يعني أن على القيمين على هذه التكنولوجيا التعامل مع الموضوع بسوء تقدير، خصوصاً أنّ التحذيرات من مخاطر الذكاء الاصطناعي تتزايد يومياً. يبقى الخوف عندما يكتمل بناء الذكاء الاصطناعي يوماً ما ويصبح مدركاً لذاته ويسأل: «من أنا؟»، حينها فلنبحث عن ملاجئ لنا جميعاً.
اضف تعليق