يمكن أن تكون المدن الذكية مدناً مستحدثة صُمِّمت وأنشئت بطريقة ذكية منذ البداية، أو مدينة تقليدية تم تحويلها تدريجياً إلى مدينة ذكية بالكامل. دول كثيرة أطلقت مشاريع لمدن ذكية، من بينها دبي ونيويورك وطوكيو وشنغهاي وأمستردام. ومن المتوقع خلال العقد المقبل أن تنتشر نماذج المدن الذكية...
تشبه مدن المستقبل الذكية كوكب باندورا وأسلوب عيش شعب «النافي» Navi من فيلم أفاتار AVATAR الذي عرض عام 2009، إذ أن كل شيء من حولنا سيكون متصلاً ببعضه بشبكة داخلية واحدة من مستوعب النفايات الى أماكن ركن السيارات، وكل ذلك بهدف إنشاء مجسّم ثلاثي الأبعاد على الكومبيوتر عن المدينة لتتمكن اللجان المسؤولة عن متابعة سير الأمور من ضبط الأخطاء ومعالجة أي حدث طارئ.
تخيل مثلاً وأنت عائد من عملك في المساء أن لوحة التحكم في السيارة المتصلة بشبكة المدينة ستدلك على الأماكن الفارغة لركن سيارتك، وأن أعمدة الإنارة على الطرقات تضيء فقط إذا ما استشعرت بحركة ما وذلك بهدف توفير الطاقة، ومستوعب النفايات في اخر الزقاق سيرسل إشارة الى عمال النظافة بأنه قد امتلئ وهو بحاجة ليتم إفراغه. سيكون هناك شبكات كهرباء تتمكن من تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الكهرباء. ستكون المباني ذكية إذ ستتعلم احتياجات مشغلي الطاقة، وستستجيب من تلقاء نفسها لتغير الأحوال الجوية، وستغير سلوكها تلقائياً لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة. سيتواصل المستخدمون على نطاق أوسع مع المباني في المستقبل باستخدام الهواتف الذكية وسيكونون قادرين على تحديد ملامح الراحة الشخصية الخاصة بهم. ويمكن أن تستخدم أنظمة إدارة المباني لتنسيق الاجتماعات والمواعيد من خلال رزنامات رقمية تنظم أماكن عمل المستخدمين وفق تفضيلاتهم قبل وصولهم الى المكاتب. كل هذا والعديد من الأمور التي تدخل في صلب حياتنا اليومية ستصبح من ضمن خانة الخدمات التي سيشرف المسؤولون على التأكد من تأمينها لكل سكان المدينة الذكية.
ستعتمد المدن الذكية على المستشعرات والإنترانت intranet (الشبكة داخلية) بشكل رئيسي وعلى الكثير من كاميرات المراقبة التي ستراقب كل شيء. في مدينة سنغافورة الذكية مثلاً تستطيع كاميرات المراقبة تحديد إن كان أحد المواطنين يدخن في غير الأماكن المسموح بها لترسل له غرامة مالية عبر البريد من تلقاء نفسها. تهدف حكومات الدول المتقدمة من إنشاء مدن كهذه إلى إيجاد حلول جذرية لمشاكل القرن الواحد والعشرين مثل نسب استهلاك الطاقة المرتفعة، زحمة السير الخانقة التي تؤثر سلباً على مجمل حركة الاقتصاد، توفير الموارد طبيعية كانت أو مالية، وتحويل المدن الى بيئة رقمية صديقة للبيئة ومحفزة للتعلم والإبداع تسهم في إنشاء بيئة مستدامة تعزز الشعور بالسعادة والصحة.
دبي ونيويورك وطوكيو وشنغهاي وأمستردام
يمكن أن تكون المدن الذكية مدناً مستحدثة صُمِّمت وأنشئت بطريقة ذكية منذ البداية، أو مدينة تقليدية تم تحويلها تدريجياً إلى مدينة ذكية بالكامل. دول كثيرة أطلقت مشاريع لمدن ذكية، من بينها دبي ونيويورك وطوكيو وشنغهاي وأمستردام. ومن المتوقع خلال العقد المقبل أن تنتشر نماذج المدن الذكية على نطاق واسع، وأن تشكل هذه النماذج قواعد أساسية تستند إليها مخططات تطوير المدن.
لا يمكن تعميم شكل المدن الذكية بين مختلف الدول إذ لكل شعب ثقافته، ورغم اختلاف أولويات المدن الذكية وأغراضها، فإنها جميعاً تشترك في ثلاث ملامح رئيسية: البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، الإطار الإداري المتكامل المحدد بعناية للمدينة الذكية، والمستخدمين الأذكياء. فالبنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات شرط أساسي لنجاح المدن الذكية وفعالية خدماتها. ولكي تعمل الأنظمة الكثيرة في المدن الذكية وتتكامل فيما بينها وتتناغم، لا بد من التقيد الدقيق بجملة محددة من المعايير والأهم من ذلك كله أن يتمتع المستخدمون بالمهارات التقنية المطلوبة التي تتيح لهم التفاعل مع الخدمات الذكية وتحقيق الاستفادة القصوى منها؛ فدور المدن الذكية لا يقتصر فقط على إتاحة استخدام الأجهزة الذكية، بل يمتد ليشمل تدريب قاطنيها على استخدامها كما ينبغي.
من ناحية أخرى يطرح تصور المدينة الذكية العديد من المخاوف والأسئلة عن مقدار الخصوصية التي ستبقى للفرد في المجتمع، إذ أن مكننة كل شيء ووصله بمستشعرات وكاميرات ضمن شبكة واحدة تجمع معلومات بكميات هائلة كل يوم سيجعل من حياة المواطن أشبه ببرامج الواقع حيث يتم تصوير حياة الشخص طوال الوقت، ثم كيف سيتم حفظ هذه المعلومات ومن هم المخولون بالولوج اليها ومن يضمن عدم التلاعب بها؟ ناهيك عن الخطر الأكبر ألا وهو القرصنة حيث أن كل المدينة من طرقات وكهرباء وأبنية ستكون متصلة بالشبكة، وهذا إذا ما حصل يمكن أن يوقف في لحظة أي مدينة ذكية في العالم ويعيدها عشرات السنين الى الوراء لتتحول لوحة المفاتيح بين يدي القرصان الى أداة لتدمير المدن من دون أن يمتلك قنبلة واحدة.
سنغافورة: دولة ذكية لا مدينة
تهدف سنغافورة الى أن تكون دولة ذكية وليس فقط مدينة وقد بدأت منذ عام 2015 بنشر البنية التحتية لهذا التصور في جميع أنحاء الجزيرة. اليوم 98% من خدمات الحكومة في سنغافورة أصبحت رقمية ويمكن لأي مواطن أن ينتهي من معاملاته عبر الإنترنت، بالإضافة الى ذلك أصدرت الحكومة تطبيقات على الهواتف الذكية متصلة بمستشعرات داخل منازل السكان لقياس نسب استهلاك الكهرباء والمياه بهدف ترشيد الاستهلاك وخفض الأكلاف. كما تهدف سنغافورة الى وضع نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية في جميع الآليات الموجودة على أراضيها بحلول عام 2020 وذلك في محاولة منها لجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات بهدف تحسين وتطوير خدمات جديدة.
كانساس: تطور متسارع
تعتبر مدينة كانساس في ولاية ميسوري في أميركا من طليعة المدن الذكية إذ تحتضن شبكة نطاق عريض واسعة، ترامواي ذكي، أكشاك رقمية تستخدم كدليل للمدينة، كذلك هناك أجهزة استشعار للفيديو قادرة على العثور على السيارات المتوقفة بشكل خاطئ، مراقبة إشارات المرور للتأكد من عدم عرقلة السير… ويقول بوب بينيت رئيس قسم الابتكار في مدينة كانساس، في مقال نُشر على موقع مبادرة برنامج المجتمعات الرقمية، إن التقدم الذي أحرز مؤخراً قد شمل توسيع المبادرات الحالية، فضلاً عن تحسين منصّات تحليل البيانات. الاستخدامات المحتملة للتحليلات واسعة النطاق ودقيقة، مثل وضع برك في الأحياء الحارة للحد من الجريمة، أو استخدام أدوات التنمية الاقتصادية لتحديد المناطق التي تحتاج إلى الموارد. كما يشمل هذا التوسع خطة الإضاءة الذكية في المدينة، والتي من المقرر أن تنمو إلى 7200 وحدة. وتم وضع شبكة انترنت عامة في المدينة وكاميرات مرور تجمع الآن البيانات من جميع الطرق الرئيسية. وتستخدم المدينة أيضاً أجهزة استشعار لتوجيه المياه أثناء العواصف.
اضف تعليق