أهديت لها كتاباً من اصدار دار ثقافة الأطفال ضمن سلسلة براعمتحت عنوان (قطتي تتعلم الأرقام) من تأليف المتخصصة بثقافة الطفل، الباحثة شذى حسين.. فكرة الكتاب مبنية على تعليم الأطفال قبل سن المدرسة الأرقام بطريقة مبسطة، عن طريق لعبة مبتكرة باستخدام حبل يقوم الأطفال بطيه وتشكيلة ليمثل الأرقام من (1-9) مع صور إيضاحية لإعداد مقابلة للأرقام المكتوبة من الفواكه والحيوانات، وأحياء اخرى قريبة إلى عالم الطفل.
قالت الأم: لقد تجاوزنا الآن هذه المرحلة، فـ"فضل"، وهذا هو اسم طفلها ذو الاربع سنوات ونصف، يعرف الحروف والأرقام من (1-10) وباللغتين العربية والانجليزية.. "فضل" هذا، كان لم يدخل الروضة بعد.. ولا المرحلة التمهيدية، وهو مثل كثير من ابناء جيله، فتح عينيه على تكنلوجيا العصر، والابتكارات المذهلة، والهواتف الذكية.. وكان الأهل عادة وكما تفعل معظم العوائل العراقية ومنذ عام 2005 فما فوق، يعمدون إلى إلهاء أطفالهم بهذه الهواتف السحرية، التي بمجرد أن يلمسها الطفل تظهر له صور.. وتتغير هذه الصور كلما كرر اللمسات..
أطفال اللمس، أو أطفال الـ(آي باد) كما يجب أن نسميهم.. أصبحوا يملكون أجهزة حديثة من الأجيال الجديدة للآي باد، والكالكسي نوت الحديثة، وبعض أنواع الــ(آي فون).. التي تخلى عنها الأهل لأطفالهم ارضاءً لهم، ولينعموا بلحظات هدوء وسكينة.. يسافر خلالها الطفل مع سحر الصورة والصوت والمتغيرات، بحيث ينسى أن له اماً وأباً.. وينسى حتى الجوع والعطش.. وقائمة المطالب التي لاتنتهي..
أطفال "الآي باد" هؤلاء لم يعد التعلم أمامهم مسالة معقدة.. فقد تهيأت لهم القواعد الأساسية لإستخدامات الأجهزة الحديثة ببرامجياتها المعقدة، فأصبحوا متعلمين قبل أن يتعلموا وتركوا الأمية الألكترونية لآبائهم وامهاتهم.. ومن هؤلاء من يُجيد استخدام الحاسوب والهواتف الذكية بما أنزل بها من سلطان البرامج والامكانيات القادرة على السفر بك بعيداً عن عالمك.. وتحلق بك بعيداً عن محيطك وسمائك.. وتخرج بك طائرا خارج غرفتك التي تجمعك مع زوجتك.. التي تنظر اليك مذهولة مشدوهة أمام اندماجك بهذه الشاشة الصغيرة، في حين انك لا تعير لها أي اهتمام.. ولم تنبس لها ببنت شفة، على الرغم من جلوسها إلى جوارك منذ ساعات.
الأطفال تفوقوا على آبائهم في الدخول إلى البرامجيات الحديثة رغم صغر سنهم، والذين لم يدخلوا المدارس ورياض الأطفال بعد، وكثير ما احتاج الأب أو الأم إلى استشارة أطفالهم حول هذا البرنامج أو ذاك.. أو هذا الاستخدام للجهاز أو ذاك.. الأطفال ذوو العقول التجريبية، وبحكم صغر سنهم لا يأ بهون بما تتركه لمساتهم المتعددة، وغلقهم لهواتف آبائهم وإعادة فتحها مئات المرات، والدخول على مواقع لم يدخل إليها الآباء.. وهم وان تستهويهم الألعاب فإنما يتجاوزونها أحياناً إلى مواقع الأخبار، والتسوق، والرياضة، وحتى المواقع التي يمنع فتحها من قبل الآباء عند حضور الزوجات.. هؤلاء الأطفال لا حدود لخيالهم التجريبي.. ولا ملل ولا كلل لديهم عندما يكتشفون يومياً عالماً افتراضياً جديداً، بعيداً عن عالمهم الذي يعيشون فيه بحدود جدران الغرفة، أو جدران البيت، أو ارصفة الشارع وحدود المدينة التي يسكنوها..
ان تطلع الأطفال وسعة ذاكرتهم التي تتجاوز سعة ذاكرة الأجهزة المستخدمة.. تجعل منهم سواحاً دائميين إلى مجاهيل عوالم هذه الأجهزة.. وهم الوحيدون المتفرغـون لهذه المهمة، في حين أن الآباء والامهات لا يجدون الوقت الكافي لقضاء بعض الأعمال ذات الصلة أو التصفح أو التواصل عبر المواقع الاجتماعية..
سألتُ أم فضل كيف كان شعور طفلها عندما قدمت له الكتاب.. أجابت لقد فرح به.. وبدأ يتصفحه.. فعالم الكتاب غير عالم الأجهزة الألكترونية.. وقد وجد فيه متعة.. تنفست عندها الصعداء، وقلت إذن لم يخب ظني عندما أهديت هذا الطفل مطبوعاً، أُعد وصُمم وطُبع من أجل الأطفال الذين بعمره.. وأن الكتاب ما زال بخير.. وما زال هناك متسع من الوقت للكتابة والتأليف للأطفال.. وما زال أطفال الـ(آي باد) يجدون في الكراريس المعدة لهم عالماً آخر يرغبون في الدخول إليه.
فهم مجموعة من المغامرين الكبار بأجسام صغيرة.
اضف تعليق