على مدى مائتي عام، رسمت الأسرة الشيرازية عبر مراجعها العظام وعلمائها القادة معالم مدرسة تجديدية ونهضوية تعتمد الواقعية في تقديم الحلول، والوضوح في الرؤية، والثبات على قيم السلام ونبذ العنف، والتمسك بالحرية والعدالة.
ولأن منهج المرجعية الشيرازية يغور في عمق الماضي، ويتحاور مع متطلبات الحاضر، ويستشرف استحقاقات المستقبل، فإنها اعتمدت التدرج في تقديم مشروعها النهضوي إلى الأمة، وقد انطلق هذا المشروع في أفق الواقع الواسع، وعلى شتى مجالات الفكر والحياة، إبان مرجعية الإمام المجدد والمصلح الكبير والعالم الرباني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليه.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله):
"لقد كان الأخ الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليه مصداقاً ظاهراً لحديث الإمام الصادق سلام الله عليه: "العلماء ورثة الأنبياء". إذ إن الأنبياء عليهم السلام من أظهر ما فيهم من الصفات الخيرة أنهم يستفيدون من كل طاقاتهم في سبيل الله عز وجل، ولا يعبؤون بشيء من مباهج الحياة الدنيا على حساب الله عز وجل".
كان الإمام الشيرازي أعلى الله درجاته عالماً عاملاً، ومجاهداً ربانياً، ومرجعاً مجدداً، ومفكراً مصلحاً، ومؤسساً مبدعاً، وقد امتزجت سعة إحاطته الفقهية بثوابت الانفتاح وشجاعة الطرح، والقدرة على اتخاذ المواقف الكبيرة.
فإن الإمام الشيرازي الراحل أعلى الله درجاته يعد من قادة النهضة والعلم والسلم والتجديد، وكان من أبرز العلماء النوادر، وقد تجلّت عظمته في العديد من المواقف السياسية والاقتصادية والشرعية والفقهية، وكان له في الفقه وحده موسوعة فقهية كبيرة وغيرها من الأفكار والطروحات الأخرى، بالإضافة إلى المحافظة على جماهيريته وتألقه الشعبي من خلال دوام الاختلاط مع الناس من أجل القيام بواجبه بوجه أفضل.
إن مصدر قوة المشروع (التغييري – النهضوي - الحضاري) الذي أطلقه الإمام الشيرازي أعلى الله مقامه وانطلق به، ومعيار ثباته (المشروع) ومتانة أصالته ورصانة حركته نحو المستقبل، يكمن في الشخصية الفريدة لصاحب المشروع، من جهة، ومن جهة أخرى، تراث أسرته المتجذر تاريخاً وعراقة ونزاهة ونبلاً وسمواً وعلماً ومؤلفات وبطولات وتضحيات وشهداء.
تاريخ حافل بالمفاخر والإنجازات:
تاريخ كان:
بطولياً نبيلاً في في ثورة العشرين في العراق...
ومقاوماً سلمياً في ثورة التنباك في إيران...
وجهادياً – تضحوياً – تأسيسياً على يد المفكر الإسلامي الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي قدس سره...
وتغييرياً - نهضوياً – حضارياً في مرجعية الإمام المجدد السيد محمد الشيرازي قدس سره الشريف... وقد رسم منهجاً (وكان ناهجاً)، أدرك فيه الماضي بانتصاراته وانكساراته، وأدرك خفايا الحاضر بانحرافاته وسبل تغييره وازدهاره، واستشرف المستقبل وآفاقه، منهج تجديدي لبلوغ الشيعة (والإنسانية) أرقى مراتب السلام والرفاه والصلاح والتقدم والإيمان والعفاف وكرامة الإنسان وحقوقه.
واليوم هو إصلاحياً – تبليغياً – مدافعاً عن حقوق الشيعة في العالم، ناشراً لمذهب أهل البيت سلام الله عليهم، محيياً لشعائر الإيمان والحزن والولاء للإمام سيد الشهداء عليه السلام، في مرجعية السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله.
يقول سماحته دام ظله: إن فكر أهل البيت (صلوات اله عليهم) هو النور والمشعل الوضّاء والبيّنة، وإن هنالك الملايين من البشر محرومون منه، وإن مهمة إيصاله إلى هذا الكم الهائل من الناس ليس بالمهمة السهلة، مما يستدعي مضاعفة الجهود لنشر ثقافة هذا النور لتحرير الناس، بمن فيهم المفكرون والمثقفون.
ويؤكد سماحته أيضاً: واليوم لم تعد تلك المشاكل موجودة ولم تعد الظروف كالسابق أو إنها قليلة أو موجودة في أماكن محدودة من العالم. أما في السابق فكان العالم معظمه هكذا. ومع ذلك، لم يقصّر الشيعة وأوصلوا لنا التشيّع، وهذا يعني أن مسؤوليتنا اليوم في ظلّ المتاح من الحريات أكبر بكثير؛ والمهمة واحدة وهي الإيصال. علينا أن نوصل رسالة الإسلام والتشيع إلى العالم أجمع، تحقيقاً لقوله تعالى:(إلَى النّاسِ جَميعاً). ولا شك أن هذا يتطلّب الكثير من العمل، وبحاجة إلى طاقات ومقدّمات كثيرة. فعلى من تقع مسؤولية إعداد مقدمات الوجود؟ إنها مسؤولية عامّة مشتركة تقع على عاتق الجميع. كلنا مكلّفون بتهيئة هذه المقدمات، كلٌّ حسب مستواه وطاقته؛ حتى يتحقق قوله تعالى: «أقِيمُوا الدّين»، وتهيأ الأرضية لظهور مولانا بقية الله من العترة الطاهرة الإمام الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله وسلامه عليه.
وإن للأسرة الشيرازية الكريمة تاريخ مفعم بوقائع فريدة في محاسبة النفس، التي هي أس أسس الصلاح والنجاح والفلاح.
يقول الإمام الشيرازي قدس سره الشريف:
"ليتذكّر الإنسان مصيره في قبره وهو وحيد فريد، لا يملك من مال الدنيا سوى قطعة كفن، وليتذكّر الإنسان أنه رهين عمله، وأن أعماله ستعرض في الآخرة أمام الملأ، فما يخبؤه الإنسان سيظهر إنْ عاجلاً أو آجلاً. وكان والدي قدس سره يقول لي: "كن بحيث إذا نشر عملك أمام الناس، لا يكون فيه ما يخجلك".
اضف تعليق