الثورة القادمة للإمام الحجة المنتظر (عج)، التي ينتظرها المسلمون المظلومون المضطهدون، تقوم على ركائز التغيير في منظومة القيم والعادات والإجراءات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي في عموم الأمة، ولابد أن هناك اسبابا تستوجب التغيير في جميع المجالات، كي يتحقق العدل بعد أن مُلئت الأرض ظلما وجورا، ومع وجود الأسباب التي تحتم على الأمة إحداث التغيير الجوهري بقيادة الحجة المنتظر (عج)، فإن هناك من يقف بالضد من هذه الأهداف وهذه الثورة التي ينتظرها الفقراء والمضطهدون على أحرّ من الجمر.
ومن أشد الموانع والحواجز التي تعيق تغيير الأمة نحو الأفضل والأحسن، انتشار التعصب، اذ تعد العصبية من أشد الموانع التي تقف بوج التغيير الأمثل، لاسيما أن التعصب يقوم على الركيزة المادية التي تقوم على الجشع والطمع والباطل، فيما يقوم التعصب على نشر الاعتقادات الباطلة والعادات المسيئة، حيث الجهل هو المحرك الأساس لمثل هذه المجاميع، فتقف بالضد من التغيير، كما يحدث اليوم في الدول الاسلامية والعربية أو نسبة كبيرة منها حيث تسود العصبية والأفكار الهدامة التي ترفض التغيير.
حول هذا الموضوع يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (نحو التغيير): (كما أن هناك أسبابا للتغيير، هناك موانع عن التغيير أيضا، فالعديد من أفراد المجتمع الجاهلي لم يقبلوا التغيير نحو الأحسن لانتشار التعصب بينهم، فالتعصب مانع من التغيير. وقد كانت الروحية السائدة آنذاك تندفع وراء النزاعات المادية، وتقف مدافعة عن الاعتقادات الباطلة والعادات الساذجة، وكان الجهل والعصبية المحرك الرئيسي لها. وإنَّ الاختلافات كانت في أغلب الأحيان تصل إلى الإبادة والتدمير، دون أن تقيم وزناً للأخلاق والقيم الإنسانية).
ولعل السبب الأساس الذي يعيق عملية التغيير في المجتمعات المسلمة، يعود الى تلك الجذور العصبية التي كانت ترفض تغيير العادات السيئة، وترفض تبديل القيم الرديئة، بحجة الأصالة، وهي ليست من الأصالة بشيء، فالأصالة هي الانسانية والتعاون والتكافل ونكران الذات وعدم تفضيل النفس على الآخرين، في حين أن التعصب يرفض هذه القيم جملة وتفصيلا، من هنا فإن كل ما يحدث اليوم بين المسلمين أساسه التعصب القديم.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي بقوله: (ما نراه ـ اليوم ـ من حروب بين الناس، فإنه يرجع في كثير من الأحيان، إلى تلك النعرات القبلية الجاهلية، أو إلى النزعات القومية التي توارثها الناس، جيلاً عن جيل. وبدأوا يحكمونها على المنطق والعقل والقيم الصحيحة، فكانت مانعة عن التغيير نحو الأحسن).
انعكاس عصبية العصر الجاهلي
إن التحذير المسبق من أولئك الرافضين للتغيير، إنما يرتكز الى التعصب والتهور الفكري والسلوكي، وهؤلاء هم أول الناس الذين سوف يقفون ضد ثورة الفقراء بقيادة الامام الحجة المنتظر (عج) بعد ظهوره الذي يترقبه كل مظلوم من المسلمين ومن العالم كله، من هنا علينا جميعا أن نبدأ برفض التعصب ونحاصر الجماعات المتعصبة التي تعمل على نشر الفكر المتطرف، فنحن أمة تريد أن تعيش بسلام، وأن تقدم العطاء العلمي والفكري والابداعي لها وللعالم أجمع، وتريد أن تسهم في البناء البشري الأفضل، لذلك علينا محاصرة المتطرقين الذين يهدفون قبل كل شيء الى بث الخلافات بين أبناء المجتمع الواحد، كما يفعلون اليوم من خلال نشر الفتن والافكار الهدامة بين أمة المسلمين.
يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه حول هذا الموضوع: (لذا فإنّ العصبية المذمومة المتوارثة من العصر الجاهلي، هي التي تساعد على انتشار الظلم، وتثبيت الباطل، والتفاخر بالأمور التافهة، التي تتسبب بمضاعفة وانتشار النواقص، وبث الخلاف بين الناس).
لذلك يحذرنا الامام الشيرازي من أن نتشبه بالمتعصبين في القول والأفكار، لأن التعصب أعمى لا يفرق بين حق وباطل، ولهذا تجد المتعصبين أصحاب فكر لا يدعم الحق، بل هدفه التخريب دائما، وهذا ما يستدعي منا جميعا الوقوف ضد أي حالة من حالات التعصب، خصوصا أننا ينبغي أن نمهد الأرض الصالحة لاستقبال امام العصر والزمان، حتى نخوض حربنا الحاسمة بقيادته (عج)، وهذا يستدعي نبذ الفتن وتضاغن القلوب.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: (احذروا أن تكونوا مثل المتعصبين، فإذا تفكرتم في تفاوت حالهم، فالزموا كل أمرٍ لزمت العزة به شأنهم، وأزاحت الأعداء لـه عنهم، ومدت العافية به عليهم، وانقادت النعمة لـه معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، والتزام للألفة، والتحاض عليها، والتواصي بها، واجتنبوا كل أمرٍ كسر فقرتهم، وأوهن منتهم، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي).
ما هو المطلوب منّا؟؟
هناك واجبات ينبغي أن نقوم بها تمهيدا لظهور الامام الحجة، واستعدادا لعملية التغيير الكبرى، فمع اننا نأمل ظهوره (عج)، ونترقب ثورته، إلا أن هناك شروطا للظهور ينبغي على كل مسلم مؤمن بظهور الامام (عج) أن يدرسها ويعرفها ويعمل بها، وأول هذه الخطوات أو الركائز المطلوبة أن نبدأ بالمساهمة القوية والحقيقية في نشر مبادئ الاسلام وتعاليمه، في العالم أجمع عبر جميع الوسائل المتاحة لنا، فلابد من نشر التوحيد والنبوة والمعتقدات الاسلامية الاخرى التي تسهم في بناء عالم أفضل واجمل واكثر عدلا.
ولا شك أن هذه الأفعال التي نقوم بانجازها عن قناعة وايمان، سوف تسهم في تفوق الأعمال الصالحة على غيرها، وهذا ما يريده الله تعالى والاسلام، وهذه مهمة كل مسلم، اذ لا يصح مطلقا التخلي عن هذا الواجب الشرعي، كونه يصب أولا وأخيرا في معاضدة ثورة الامام المهدي (عج)، التي سترفع منسوب العدالة والمساواة الى أقصاه بين المسلمين، فلا يعود هناك اضطهاد، ولا طبقة ثرية متحكمة واخرى فقيرة مسحوقة، فالكل سوف يكونوا سواسية أمام الحكم العادل، وهذا بالضبط من يريده الله تعالى ورسوله الكريم (ص).
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور سابقا: (من أجل تحقيق التغيير نحو الأفضل، يلزم أن نبدأ بنشر العقيدة الإسلامية في قلوب الناس، ابتداءً من التوحيد والنبوة، وانتهاءً ببقية أصول ومعتقدات الإسلام، وبعد ذلك نعمل على ترويج الأعمال الصالحة التي ترضي الله ورسوله ص).
وهذا هو الفلاح الذي ينتظره المؤمنون المساهمون في ترسيخ التعاليم الاسلامية التي تسهم بصورة فعالة في إحداث التغيير المطلوب من خلال مقارعة التعصب والضغينة والفتن، ونشر الحكمة والسلام بين أبناء الأمة الواحدة، بل بين مكونات المجتمع البشري برمته، وهذا ليس ببعيد، او صعب التحقق، اذا ما أسهم المسلمون الراسخون في عقيدتهم بوأد العصبية ورفض الجهل، واطفاء الضغينة، والعمل معا بقوة وايمان على تمهيد الساحة والظروف المطلوبة لظهور الامام الحجة المنتظر (عج)، وهذا هو جوهر الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله: ان (الفلاح هو الظفر بالسعادة، أي فازوا بخير الدنيا وسعادة الآخرة، فقد شاركوا اهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الآخرة في آخرتهم، والمؤمن هو المصدق برسالات الله، واطلاقه في الشريعة منصرف الى المصدق بوحدانية الله، وبالرسالة، وبالمعاد، وبلوازمها).
اضف تعليق