هل تنبّه الناس إلى هذا الخطر الذي يحيق بهم عندما يغضبون ويتعصبون ويذهبون نحو الصراخ والغضب واستخدام القوة لحل المعضلات التي تواجههم في الحياة وما أكثرها؟، إن الأطباء عندما ينصحون الناس بعدم تناول الطعام أو الشراب وهم في حالة غضب، إنما يهدفون إلى توعية الناس على خطورة الغضب...
(أغلب الأطباء وعلماء الاجتماع ينصحون الإنسان أن لا يُقدِم في حالة غضبه
على تناول الطعام أو الشراب) الإمام الشيرازي
ما أفقر الأمم التي تفتقد للنموذج الصالح الذي يدلّهم على صواب الطريق، ويهديهم إلى حُسن السلوك، بل وما أتعس الإنسان عندما يفتقر للنموذج لأنه سوف يتيه في صخب الدنيا، وتجرفه العادات والسلوكيات السيئة، أما نحن فإن تاريخنا يقدم لمن يريد ويرغب بالنموذج الذي يدلّه على الجادة الصواب سواء في التصرف أو في التفكير أو في طريقة التعامل مع الآخرين.
إننا كأمة وكأشخاص نُعدّ من الأمم المحظوظة، لأننا نجد في تاريخنا أهل البيت عليهم السلام، ومن يريد منّا أن يستلهم منهم الفكر الصحيح، والسلوك القويم فإنهم يقدمون لنا كل ما نحتاج له لكي تصبح حياتنا أكثر يسرا وتقويما، سواء كنّا أمة أو أفرادا، حيث تعد كل سيرة من سيَر أهل البيت عليهم السلام نموذجا للعيش الراقي، بدءًا من الرسول صلى الله عليه وآله وجميع أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ومن أعظم الدروس التي نستقيها ونستلهما من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، منهج الحوار والتفاهم والميل نحو السلام والابتعاد عن العنف والعصبية، حيث لم يذكر لنا التاريخ أن العنف والتصلّب في المواقف، والتصادم مع الآخرين كان حاضرا في سيرة أهل البيت عليهم السلام، بل كان الهدوء والتسالم والابتعاد عن الغضب من أهم ما يميزهم عن غيرهم.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (القطوف الدانية):
القطوف الدانية
(إنَّ المتتبع لسيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وآل بيته الأطهار يلاحظ بكل وضوح أن منهجهم بعيد كل البعد عن العنف والعصبية، ففي كل الجوانب تجدهم عليهم السلام ميّالين إلى السلم والتفاهم، فلم يدوّن لنا التاريخ نموذجاً واحداً على عمل عنيف قاموا به، بل على العكس فإن جميع أعمالهم كانت مفعمة بالحب والخير والصلاح والإصلاح).
إن حدّة الطباع، واعتماد التصادم مع الآخرين كأسلوب حياة لا يخدم أحدا مطلقا، لهذا ينصح معظم الأطباء كل الناس بأن يتجنبوا الغضب والتعصب والصراخ عندما يريدون حل مشكلة معينة، بل في أثناء الغضب ينصح الأطباء بعدم تناول الطعام أو الشراب، لأنه سوف يكون وبالا عليهم، وسوف يؤذي أجسادهم ويدمر صحتهم.
من أسباب الإصابة بالأزمة القلبية
فهل تنبّه الناس إلى هذا الخطر الذي يحيق بهم عندما يغضبون ويتعصبون ويذهبون نحو الصراخ والغضب واستخدام القوة لحل المعضلات التي تواجههم في الحياة وما أكثرها؟، إن الأطباء عندما ينصحون الناس بعدم تناول الطعام أو الشراب وهم في حالة غضب، إنما يهدفون إلى توعية الناس على خطورة الغضب وكيف يؤدي إلى إصابتهم بالأزمات القلبية.
وقد لا يخطر في بال الكثير من الناس المعتادين على الغضب والتعصب أن قلوبهم في خطر، وأن أجسادهم يمكن أن تتعرض إلى نكسات صحية مفاجئة وخطيرة، لذا وجب عليهم معالجة المواقف الصعبة بالحوار والهدوء واللين، والجنوح إلى السلام، فهذه الطريقة هي الوحيدة التي تحفظ للإنسان سلامة قلبه وصحته بشكل عام.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:
(إن أغلب الأطباء وعلماء الاجتماع ينصحون الإنسان أن لا يقدم في حالة غضبه على تناول الطعام أو الشراب أو أي عمل ذي أهمية؛ لأن نتائج هذه الأعمال سوف تكون سلبية).
ويضيف الإمام الشيرازي أيضا:
(لقد ذكرت الأبحاث الحديثة حول موضوع الغضب: إن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثير العدو أو الجري على القلب، وانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضه في الدقيقة الواحدة فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب، أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات، وهذا بالتالي يجهد القلب).
كذلك يؤكد الأطباء المختصون بأن الإنسان الذي يعوّل على الغضب في معالجة مشكلاته سوف يُصاب بمرض ضغط الدم، كما أن جدران شرايينه سوف تُصاب بالتصلب، وتفقد مرونتها، ولا تتسع لدفقات الدماء وهي تندفع متسارعة أثناء الغضب والتشنج في المواقف والصراخ الذي لا يجدي أي نفع،
إن فقدان الهدوء والسلام الروحي وسيطرة الغضب على جسم الإنسان، تضاعف من كمية الدم التي يضخها القلب إلى بقية أعضاء الجسد، لذلك يكون القلب في حالة خطر وهو من أهم ما يحتاجه الإنسان لسلامة قلبه وجودة صحته بشكل عام.
ضبط الأعصاب والسيطرة عليها
بمعنى إنه يغامر بصحته كلها عندما يسلم قيادة نفسه للغضب والتصادم مع الآخرين، بينما توجد لديه حلول كثيرة يمكن أن يلجأ إليها كي يحل العقدة التي تواجهه مع الآخرين، ونعني بها الهدوء وخفض الصوت، ومسك الأعصاب والسيطرة عليها، حتى لا يكون عرضة لارتفاع ضغط الدم، وبالتالي قد يتعرض إلى أزمة قلبية تسرق منه حياته.
يقول الإمام الشيرازي:
(لقد لوحظ أن الإنسان الذي اعتاد على الغضب يصاب بارتفاع ضغط الدم ويزيد عن معدله الطبيعي، كما أن شرايينه تتصلب جدرانها وتفقد مرونتها وقدرتها على الاتساع لكي تستطيع أن تمرر تلك الكمية من الدماء الزائدة التي يضخها القلب المنفعل؛ لهذا يرتفع الضغط عند الغضب).
ولابد أن يدرك الإنسان وجود نوعين من الغضب، وكلاهما يشكلان خطرا على حياته، وهما الغضب المكبوت وهو ما لا يُظهره الإنسان لغيره من الناس، حيث تحتدم مشاعر الغضب في أعماقه لكنه يمنعها من الظهور إلى العلن، وكان عليه أن لا يغضب مطلقا، ولا يكبت غضبه، أما النوع الثاني من الغضب فهو الغضب الصريح أو المعلَن أمام الناس وهو كذلك من أخطر السلوكيات والحالات التي تهدد حياة البشر.
حيث تؤدي فورة الغضب المكبوتة والظاهرية إلى أزمات قلبية قاتلة، كان يمكن للإنسان أن يتجاوزها من خلال الابتعاد عن الغضب، وحل الإشكالات والأزمات مع الآخرين بالتفاهم والحوار الهادئ، فمن خلال الهدوء وطرد الغضب كلّيا، يحمي الإنسان قلبه من الأزمات المميتة، وفي نفس الوقت يعالج الخلافات بهدوء وهو بذلك يكسب الكثير.
يكسب صحته وسلامة قلبه، ويكسب الحلول المناسبة لخلافاته عبر التفاهم مع المختلِفين، ويكسب هو مهم جدا للإنسان ونقصد بذلك يكسب (السمعة الحسنة بين الناس)، حيث يساعده الابتعاد عن الغضب على كسب احترام جميع الناس حتى المختلف معهم.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(إن الغضب المكبوت له مساوئ لا تقل عن الغضب الصريح، فقد تصل الحالة إلى الإصابة بمرض السرطان، كما أن الغضب الصريح قد يؤدي إلى الإصابة بأزمات قلبية قاتلة).
لذا علينا جميعا أن نطرد الغضب بعيدا، ونكون أمة متفاهمة متسالمة تنشر ثقافة السلام في عموم المجتمع، وتصبح حالة الهدوء والفاهم ثقافة حياة لعموم الناس، وبذلك نبني أمة مسالمة، خالية من الغضب، ميّالة إلى الحوار والتفاهم العقلاني، ولدينا الرسول صلى الله عليه وآله، قدوة ومثالا عظيما لنا نتعلم منه السلوك القويم مع المختلفين معنا.
(فمادامت نتائج الغضب سلبية إلى هذا الحد وأكثر من ذلك، فلندع الغضب ونكون هادئين في جميع تصرفاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين حتى نحصل على نتائج إيجابية مرضية للّه عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله ولأنفسنا) كما يؤكد الإمام الشيرازي.
إذن هي ثقافة أمة وثقافة أفراد يدربون أنفسهم على أسلوب الحوار الراقي، ويعتمدون التفاهم طريقة حياة لهم، ويعتمدون إدارة الأزمات والمشكلات عبر منهج اللاعنف الذي بشر به الإمام الشيرازي وطبقه في سيرة حياته كلها، وما علينا كأمة وكأفراد إلا أن نجعل من الغضب حالة معدومة بيننا، ونتخذ السلم والحوار والتفاهم طريقة حياة تنقذنا من التصادم والأزمات.



اضف تعليق