تحسين الحياة حاجة دائمة للإنسان، الفرد والمجتمع معا، والحاجة تحتاج الى من يقضيها، والانجاز يحتاج بدوره الى خطوات عملية يتم التخطيط لها، مع توفير عناصر محددة تسهم في الانجاز، والأهم من هذا وذاك، حضور الاستعداد الانساني الدائم للإنجاز وقضاء الحاجات التي من شأنها النهوض بواقع الفرد والمجتمع، وهذا بالضبط هو ما يحتاجه المسلمون في واقعهم الراهن، إنهم بصريح العبارة بحاجة الى العودة لموقعهم الانساني الريادي الذي نقل العالم من الظلام الى النور.
إن قضاء حوائج الناس هي الهدف الدائم والعنصر الحاسم لتغيير حياة الانسان نحو الافضل، وهذا ما يحتاجه المسلمون اليوم، وقد قال الإمام الحسين (ع): (وَاعْلَمُوا إنَّ حَوائِجَ النّاس إلَيْكُمْ مِنْ نِعَم اللّهِ عَلَيْكُمْ). هذه النعمة لا يصح إهمالها أو التغاضي عنها او التهرّب منها، وهذا الهدف يستدعي منهجا وفكرا أشبه بالمصباح الذي يضيء طريق الانسان في المتاهة، لأن واقع المسلمين اليوم كالمتاهة، تحيط به الفوضى، وكأن المسلمين نيام ولا يعرفون ماذا يدور حولهم!.
كما يؤكد ذلك الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم، الموسوم بـ (الحسين ع مصباح الهدى وسفينة النجاة)، إذ يقول سماحته في هذا المجال: (إن هذه الفوضى التي تحدث في بلاد الإسلام ما هي إلا دليل على اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتّصف به الناعس بعد نوم طويل، حيث ان التثاؤب في هذا الحال، دليل الشروع في اليقظة، لا الأخذ في النوم، وقد نام المسلمون طويلاً حتى قُسِّمَتْ بلادهم، ونُهِبَتْ أموالهم، وهُتِكَتْ أعراضهم، وأريقَتْ دمائهم).
لذا فإن هذا الهدف ليس سهلا، ولا يمكن أن يتحقق من دون توفير المقومات اللازمة له، ومنها وضع البرامج الصحيحة وتنفيذها بالصورة الصحيحة من خلال التنظيم المستمر لإنجاز الأهداف التي يحتاجها المسلمون لتطوير حياتهم وتغييرها نحو الافضل، على أن يكون هنالك تنسيق وتعاون مستمر بين المنظمات والمؤسسات التي تبرمج هذا التنظيم وتحيله من افكار الى أعمال، وفي هذه الحالة يمكن أن ينجح المسلمون في تحقيق الهدف المنشود، عبر السعي والتخطيط العلمي مع الحرص على التنفيذ الدقيق.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (إذا تمكّن المسلمون من وضع برامج صحيحة للنهوض، لوصلوا إلى هدفهم السامي بإذن اللّه تعالى. ومن هذه البرامج التنظيم وتأسيسه وتوسيعه في كلّ بلاد الإسلام، لزيادة حجم التنظيمات، والاتصال مع بعضها ببعض حتّى تكون تنظيماً واحداً ذا أجنحة).
التوعية واستقطاب الكفاءات
إن النهوض بواقع المسلمين يتطلب جهودا كبيرة وواسعة، تستمد تأثيرها من التخطيط السليم والقدرة على التنفيذ بصورة جيدة، على أن يبدأ ذلك بالارشاد والتوعية، فهذا العنصر ينبغي أن يتصدر الجهود كافة، لأن التغيير لا يمكن أن يحدث في وسط اجتماعي غير واعي، فالوعي وهضم الأفكار والاقتناع بها شروط مهمة لتحقيق التطور، وهي شروط يفهمها أصحاب المشاريع الثقافية الكبرى.
إننا نعيش في عالم ينطوي على قطبين، الاول هو القوة والثاني هو الضعف، ليس بمعنى القدرة على استخدام القوة المادية لتحقيق اهداف معينة على حساب الاطراف الاخرى، وانما يدخل في هذا المجال قوة الوعي والفكر والقيم والانسانية، هذه مصادر مهمة للقوة، لابد من معرفتها والتمسك بها، من اجل الاستفادة في تحقيق الاهداف المرسومة.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: إن (التوعية الكاملة تكمن في إرشاد الأمّة إلى مكامن الضعف والقوّة، لإزالة الأولى، والاستفادة من الثانية).
وحتى يكون بمقدور المسلمين تحقيق مثل هذه الاهداف الجوهرية لادامة الحياة وتطويرها، عليهم استقطاب الكفاءات، واستثمار مهارات الشباب على نحو دائم، فنحن نحتاج الى التطور في مجالات الثقافة والاعلام والنشر وبث الافكار وايصالها الى ابعد فرد في المعمورة، وهذا الهدف صعب التحقيق ما لم يتصدى له القادرون على انجازه.
إننا بحاجة دائمة الى الطبيب والمهندس والمفكر والفني والمثقف والخطيب، هؤلاء هم الكفاءات التي يمكن أن تسهم في تحسين حياتنا، على أن لا ننسى أهمية النشر والطبع والمطابع والمؤسسات التي تشرف على انتاج الكتب والمجلات والدوريات، كذلك ينبغي أن لا ننسى دور الفضائيات والاذاعات والصحف، ونشر الكلمة، صوتا وكتابة، عبر الوسائل المتاحة كافة، حتى يتمكن الجميع من تحصيل الثقافة والوعي اللازمين، وحتى يعرف الجميع من هم المسلمون وما هي افكارهم، وقيمهم ومبادئهم التي تتحكم بأفعالهم.
لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: إن (استقطاب القوى الإسلامية رجالاً من علماء وأطباء ومفكّرين ومعدّات من دور نشر ومكتبات ومطابع ومدارس وغيرها).
الإصلاح الحسيني وجمع القدرات
لا يكفي أن نحدد الهدف كي نصل إليه، بل علينا أن نستجمع القدرات اللازمة ونوحدها ونستثمرها بالطريقة السليمة للوصول الى الهدف الذي نخطط له، هذا يعني أننا بحاجة الى جمع القدرات بصورة دائما، لأن الهدف قد يبدو احينا سهلا من حيث التحقيق، ولكن تبقى سهولة الوصول في الحيز النظري فقط، فنحن لا نعرف صعوبة الوصول الى اهدافنا إلا عندما نبدأ بتحقيقها عمليا.
لذلك ينصح الامام الشيرازي بأهمية تجميع قدرات المسلمين، كونها تساعد على التعجيل في الوصول الى الهدف بالاضافة الى كونها تكون اكثر ضمانا عند السعي العملي، نعم إن الاهداف الحسينية معروفة وواضحة، وأن الفكر الحسيني واضح ومفتوح لمن يسعى إليه، ولكن التنفيذ قد يختلف عن وضوح الافكار، من هنا يحتاج المسلمون الى تجميع قدراتهم لتحقيق الاهداف الحسينية التي تساعدهم على تحسين الواقع الحياتي لهم.
يقول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه حول هذا الأمر: (إن جمع القدرات من أهمّ أقسام الحزم للوصول إلى الهدف، فإن البحار تتكوّن من قطرات الأمطار، والصحارى تتألف من حبّات الرمال).
وهكذا يمكننا التغلب على الصعب في مجال الاستفادة من الفكر الحسيني، من اجل النهوض بواقع المسلمين، في ظل الفوضى التي تستبيح حياتهم، ولكن ينبغي أن يكون هناك تخطيط وتنظيم وبرمجة من اجل التغلب على الصعاب.
لقد أعلن الامام الحسين عليه السلام برنامجه الاصلاحي بوضوح، منذ أن عزم على اعلان ثورته ضد الطغيان الأموي، وقد عرف الجميع بهذا الهدف الضامن لعودة الاسلام الى الجادة الصواب، إن اصلاح الأمة والعمل على مقارعة الظلم هو العنوان العريض للثورة الحسينية الاصلاحية، وعندما يلتزم المسلمون بهذا الفكر ويسعون الى تطبيقه سوف يكون ذلك ضمانا لهم على تحقيق الواقع الأفضل.
ولكن ينبغي أن يكون هناك برنامج واضح، يلتزم به المسلمون لتحقيق هدف الاصلاح الحسيني، كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله الواضح: (بهذا البرنامج يمكن التغلّب على الصعاب، وتطبيق هدف الإمام الحسين (ع) من ثورته وهو: طلب الإصلاح في اُمّة جدّه محمد (ص) حيث قال (ع): (إنّي لَمْ أخرُجْ بَطِراً ولا أشِراً وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً وَإنَّما خرَجْتُ أطْلُبُ الصَّلاحَ في اُمَّةِ جدّي).
اضف تعليق