اليقظة عند الامام الشيرازي هي ايقاظ الامة من حالة الانفصال عن الواقع وانتشالها من الركود والجمود عبر تحريك عوامل الوعي والفهم للتحديات. وترتبط اليقظة عنده بالحركة الإيجابية والتقدم في الحياة. فالأمة تنام كما ينام الأفراد، ونوم الأمة جمودها ثم سيطرة سائر المبادئ عليها، فإذا كان مبدأ الأمة حياً دبت...

لم تكن مشاريع المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) فردية، أو سلطوية، بل كانت منهج أمة، ولم تكن أهدافه صغيرة أو قصيرة المدى، بل كانت بحجم الأمة الإسلامية ونهضتها الحضارية الشاملة، كان يرى أن التضحية بالطموحات الشخصية أو الصغيرة هي الخطوة الأولى لنهضة الأمة، لذلك كان حياته وسيرته ونتاجاته ومؤسساته وأفكاره وكتبه بحجم طموحاته.

وهكذا يصبح الإنسان عظيما عندما يسبق الزمن، ويستثمر الزمن ويعيش حياته بكل طاقتها، ولذلك كان يتساءل دائما، كيف نستطيع أن نتخلص من التخلف، وكيف نستطيع أن ننهض؟

في كتابه (نحو يقظة إسلامية)، تساءل سماحته ماذا نعمل وكيف ننقذ أنفسنا، وهل نستجيب للإصلاح، وكيف نتخلص، وأين المفر وما هو سبيل النجاة، وهذه الأسئلة هدفها التخلص من التخلف، وإرشاد المسلمين إلى التقدم ونجاة أنفسهم من حياة الذل والمهانة التي يعيشونها، ونجاة الشعوب من الطواغيت والجبابرة والدكتاتوريين، وقد أصبحت الأمة الإسلامية راكدة جامدة نائمة تحتاج الى يقظة واعية تنهضها من نومها العميق.

اليَقَظَة هي حالة دماغية متكررة يوميا، يكون فيها الفرد واعيًا ومشاركا في الاستجابات المعرفية والسلوكية تجاه العالم الخارجي مثل الاتصال والتأمل والأكل وغيرها. واليَقَظَة هو عكس حالة النوم.

وكذلك فإن اليقظة تعني القدرة على الاستجابة الواعية للمثيرات الخارجية، بحيث يكون الفرد واعيا واعيا وعيا مباشرا لردود افعاله على هذه المثيرات، مثل مشاعره وانفعالاته وأكله وشربه وكلماته. فالإنسان الذي يأكل بدون وعي قد يصبح مريضا، وكذلك الذي يقرأ بدون وعي وانتباه قد تصبح تنحرف عقائده، لذلك اليقظة هي القدرة على الوعي بالواقع وفهمه انعكاساته وارتداته فهما صحيحا، بحيث يكون قادرا على إدارة سلوكه بطريقة سليمة.

واليقظة عند الامام الشيرازي هي: ايقاظ الامة من حالة الانفصال عن الواقع وانتشالها من الركود والجمود عبر تحريك عوامل الوعي والفهم للتحديات. وترتبط اليقظة عنده بالحركة الإيجابية والتقدم في الحياة. فالأمة تنام كما ينام الأفراد، ونوم الأمة جمودها أولاً، ثم سيطرة سائر المبادئ عليها ثانياً، فإذا كان مبدأ الأمة حياً، دب فيها الروح ثانياً، لتنهض، وإلا يقضى عليها بالموت.

والمسلمون ناموا ثم جمدوا، وحيث إن الإسلام مبدأ حيّ فلا بد له من يقظة جديدة، وهذه تحتاج إلى طائفة من المفكرين والعاملين، يحيون الإسلام من جديد، وذلك بكسر طوق الجمود، ولا يكون ذلك إلا بالتكتل، والعمل الجاد، والتضحية، وكلما مال جانب إلى البرودة والجمود وجب أن يحرك إلى الحرارة والحركة، حتى اليقظة العارمة وهي مقدمة الحياة، وهناك الرخاء والسعادة والسيادة والسلام.

فالقصد من اليقظة الإسلامية هو إيقاظ الأمة من حالة الانفصال عن الواقع وانتشالها من الركود والجمود، ومن ثم تحريك عوامل الوعي لفهم تحديات الواقع، لذلك ترتبط اليقظة بالحركة الإيجابية في الحياة، أما عدم الحركة فهي الركود والخمول أو الوقوع في أوهام الشيطان، أو حبائله.

فأن تنام الأمة كما ينام الأفراد يعني جمودها الأمة بحيث تصبح دون وعي تابعة لمبادئ أمم أخرى، ومرتهنة لأيديولوجيات أخرى، فإذا كان ذهن الأمة حيا فتحيى فيها الروح لتنهض، وإلا قُضِيَ عليها بالموت، وهكذا تموت الأمم، كما تحدَّث القرآن الكريم عن التاريخ وقوانينه في حياة الأمم وموتها:

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف34، (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ، مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ)الحجر3/5، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) الإسراء16.

 فما هي الأفكار التي طرحها الإمام الشيرازي من أجل نهضة الأمة من ركودها، ويقظتها من نومها، ومنها:

أولا: اللين المتزايد

هذا المبدأ من أهم المبادئ التي يراها الإمام الشيرازي تساهم في يقظة الامة، فإن الحركي اللّين، هو الذي يلتف الناس حوله، والعنيف ينفض الناس عنه، فالناس بطبعهم يميلون للأمن، ويشمئزون من العنف، لذلك يستطيع اللين أن يجمع الأصدقاء والأعداء، ويقلل الخصوم ويستوعبهم، فالعنف يستنزف الناس ويؤدي الى نفورهم واحباطهم وبالتالي يخرج الحركة من أهدافها، وأما اللين المتزايد فينهض بها، فإذا اتسعت صدور القادة لمختلف المشاكل الواردة برز معنى الإسلام الحقيقي.

وجملة (اللين المتزايد) يذكرها الإمام الشيرازي في كتابه اليقظة الإسلامية ويعني اللين الكثير، ويسميه في مكان ثانٍ (اللاعنف المطلق)، ومن اللين المتزايد سعة الصدر، فإذا اتسعت صدور القادة لمختلف المشاكل الواردة رأى الناس الإسلام السمِح الذي يمكن الاستظلال بظله. وإن حدث العكس ينفض الناس من حول الإسلام.

وهذا المعنى يؤكده الحديث الوارد عن الامام الصادق (عليه السلام): (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية).

ثانيا: التضحية

التضحية وتحمل المكاره والصعوبات فإن الإنسان الباني، يلاقي صعوبة حسد الاصدقاء، وتألب الأعداء، وعدم انصياع الأمور له، فإذا تحمَّل المكاره تمكن من التقدم وتقديم الحياة، وإلا وقع في حلقة مفرغة من المشاكل لا تزيده إلا جموداً وتأخراً، وفي الأثر، وتحمّل المكاره والصعوبات تعني كذلك التضحية تعني ما يملكه الإنسان من مكاسب ومصالح خاصة، وأن يتحمل ذلك حتى يصل إلى هدفه، فهذا هو الطموح الكبير الذي لا تحدّه الطموحات والأهداف الشخصية، والعداوات الشخصية والفئوية.

الأمة تتشقق وتتآكل وتركد ثم تموت هلاكا بسبب النزاعات والصراعات والصدامات، لذلك فالتضحية تكون هنا بالتواضع والصبر على الخصوم وترك التكابر وإيقاف التعاند، وفي الأثر (إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون).

التضحية معناها أن يستعد الإنسان لأن يعمل للوصول إلى الهدف، سواء كان بذلاً للمال أو تفكيراً في الامر، أو تركاً للمنصب أو عملاً جسدياً، أو بذلاً للنفس، أو غير ذلك وكثيراً ما تكون التضحية بغير بذل النفس، والمسلمون اليوم يحتاجون إلى التضحية بكل شيء.

وعندما يميل الحركيون نحو السلطة والمال ونحو ما تشتهيه الأنفس، سوف تضمحل الأمة وتموت. 

ثالثا: الرؤية الكاملة والإستراتيجية الواضحة والتكتيك المتكامل

 وذلك بأن يعرف مبدأ الطريق، والهدف، ومقدار الحاجة في السلوك من القوى والطاقات، ومقدار ما يتطلبه السلوك من التضحية، وقدر إمكاناته، وطاقة المعوقات والاعداء، وكيفية إمكان التغلب عليها. وهذه الرؤية يعبر عنها الإمام الشيرازي بعدة أمور:

الفهم: 

على كل مسلم، أن يفهم العالم، فهماً دقيقاً، فإنه بدون الفهم، يكون التأخر، سواء في مستوى الفرد أو في مستوى الجماعة، والفهم ميزان العمل.

والفهم هي قدرة أوسع من العلم، فالإنسان الفاهم تكون عنده بصيرة يرى من خلالها الواقع بحيث يفهم الأمور على بشكل جيد، لا تأخذه الأوهام هنا وهناك، ولا تخدعه الدعاية والتضليل وما يظهر في وسائل الاعلام وشبكات التواصل، فعلى الإنسان أن يكون فاهما حتى يستطيع أن يرصد الواقع وأن يسير في طريق الأهداف التي تناسب الواقع وليس الأهداف التي تكون خاضعة للأوهام أو الاهواء.

والأوهام في ذهنه تشكلها الأشياء التي يرغبها ويهواها، مثل الرغبات السلطوية والمالية، وكذلك فإن القدرة على الفهم والتحليل النقدي تغيب عندما تأخذه الانفعالات والعواطف، فالأوهام البليدة تصنع الجمود وتحجب اليقظة.

رؤية كاملة للمستقبل: 

فإن المستقبل له موازين خاصة، إذا عرفها الإنسان عرف المستقبل، وإذا لم يعرفها ضيع المستقبل، فإذا عرف الإنسان المستقبل تمكن أن يضع الخطوط العريضة له، لكي يأمن من النكسة والتجمد والسقوط، ويلزم أن يعرف العامل للإسلام أن المجتمعات سواء منها المتقدمة أو المتأخرة تحمل بين طياتها بذور الإنقلاب.. 

لا نقصد بذلك الانقلاب العسكري، وانما التغيير المفاجئ ضد الحركات القديمة، فعندما تصبح الحياة جامدة وراكدة وتعيش الجمود سوف تأتي أجيال أخرى جديدة تنقلب على هذه الحركات، وكما رأينا كيف انقلبت الأجيال الجديدة ضد هذه الحركات القديمة في بعض الدول، لماذا لأن هذه الحركات ركنت إلى التخلف والركود والذهاب وراء المشتهيات والسلطويات.

وأيضا التفكير بالمستقبل، يعنى أن لا يفاجأ بتطورات الزمن والتطورات المحتملة، بل يقضي على التطور المعاكس، ويقوي التطور الملائم، فعندما سقط صدام ونظامه لم تكن الحركات الإسلامية جاهزة لهذا الحدث وهذا التغيير الكبير في العراق، لأن هذه الحركات لم يكن لها دراسة وإدارة مستقبلية وفهم للمستقبل من أجل مواجهة هذه التحولات الكبيرة والفجائية. 

فتوقع التطورات المحتملة هو حماية وتحصين للأمة، يقضي على المضادات لأن الهجوم الأيديولوجي أو الحركي للحركات المنحرفة التي تهجم على البلاد متواصل. 

رابعا: استكشاف الصحيح والخطأ

استشراف الخطأ والصواب والنجاح والفشل في المؤسسات والحركات، بأن يطلع على نقاط الضعف في الحركات الفاشلة، فيتجنبها. فالإصرار على الخطأ والبقاء عليه هو بمثابة دمار للمجتمع وللبلد وللمؤسسة

فاستشراف الخطأ يؤدي الى اليقظة والوعي بالواقع والاستزادة منه، فإذا كان هناك إصرار على ارتكاب نفس الأخطاء، سوف يحدث التململ بين أفراد المجتمع ومن ثم الركود والجمود، ثم حدوث الانقلاب المفاجئ من قبل الأجيال الجديدة، وهذه هي دورة الحياة.

فالأمة الراكدة بعد حين سوف يتم الانقلاب عليها، بواسطة حركة مضادة او انقلاب عسكري، وقد يكون هناك حكم دكتاتوري، يحكم هذه البلاد بسبب الخمول والركود، ولذلك يجب استشراف واكتشاف الخطأ والصواب.

الإحاطة والتحوط بالمفكرين

واللازم على القائد، أن يحيط نفسه بجملة من المفكرين ويصبر على معاكستهم الفكرية، وعلى إهانة أفكاره الموجهة منهم، فإن ذلك أحمد عاقبة من الامعات الذين يؤمرون فيطيعون، لانعدام الرصيد الفكري عندهم، وانعدام جرأتهم في اظهار آرائهم المخالفة لرأي القائد.

فالمفكر المحيط بالقائد سوف يعاكسه، ويشاكسه، لأن مهمة المفكر هي أن يستكشف الخطأ من الصحيح، فالقيادة القديرة، هي التي تستكشف الأخطاء المحتملة، من خلال التحوط بوجود مفكرين حقيقيين واقعيين.

اما القائد الذي يطرد المفكرين او يهمشهم، ويحيط نفسه بالمتملقين، فإنه سيسقط خلال فترة معينة في الحضيض، لأنه يستبد برأيه فلا يكتشف المخاطر او الكوارث، وعن الإمام علي (عليه السلام): (من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها). فالامعات الذين يحيطون القائد هم الذين يتسببون بسقوط القائد وسقوط الأمة.

خامسا- البديل الصالح المواكب للعصر

إن الإسلام لم يحرّم شيئاً إلا لضرر فيه، ثم لم يكتف بذلك، حتى وضع له بديلاً يسد الحاجة كاملاً، وهو خال عن الأضرار التي من أجلها حرّم الإسلام ما حرم، فالسلبية جزء، والإيجابية جزء آخر، وبعض القيادات الإسلامية، اكتفت بالسلبية، من دون أن تفتح إلى جانبها الإيجابية، ولذا اتهم الإسلام بالجمود، واتهم حملته بالرجعيين، فمن الضروري على القادة الإسلاميين أن يحلوا المشكلة، بجعل بديل صالح مواكب للزمن بل سابق عليه، تجاه كل محرم إسلامي.

سادسا- خطة مئوية: 

على القادة الإسلاميين، أن يوسعوا فكرهم وتخطيطهم إلى أبعد مدى ممكن، ولو إلى مائة عام.

فقد كان الإمام الشيرازي رحمه الله مهتما بحاضر الأمة، ولكنه كان يخطط للمستقبل، بعد أن يئس الناس من الخمول والركود ويئس الحركيون، وانسحبوا واعتزلوا الحركة وجلسوا في بيوتهم وهم ينتظرون الحل من الآخرين.

لكن الامام الشيرازي يرى انه لابد ان نخطط للنهضة الاسلامية ونضع خطة مئوية تستوعب مئة عام قادمة، وهذه هي قواعد النجاح الان وفي المستقبل أيضا، فعلى القادة ان يوسعوا صدورهم وأن يخططوا الى ابعد مدى ولو إلى مئة عام، بالاعتماد على قانون التراكم، حيث تنشأ وتسقط الحضارات والأمم والمجتمعات تحت هيمنة هذا القانون، وقد طرح الامام الشيرازي ذلك القانون تحت عنوان: (قانون تراكم القطرات والذرات). وذلك:

(فأولاً) يلزم عليهم أن لا يتركوا العمل إذا لم يروا الثمر العاجل، بل إن كان احتمال اقتطاف الثمر بعد مائة عام عملوا، لذلك اليوم، فإن عدم العمل يوجب عدم الثمر أصلاً، وأيهما خير الثمر بعد مائة عام أو عدم الثمر إطلاقاً؟

كالذي يزرع شجرة وينتظر ثمارها بعد عشرين سنة ولا ينتظر الثمار فورا، أو هو يزرع والأجيال القادمة أولاده وأحفاده يحصدون ما زرع هو قبل عقود من السنين، نحن نحصد ما زرعه آباؤنا، ونزرع ما يحصده أبنائنا.

(وثانياً) يلزم عليهم أن يخططوا لمائة عام ــ مثلاً ــ فيقولوا مؤسستنا تفتح ألف مدرسة في ألف بلد غربي، إلى مئة عام، فإن التخطيط الواسع المدى الزماني يوجب استنفاد الطاقات على مدى الزمن مما يوجب الآثار المطلوبة، بخلاف التخطيطات الموقتة بأزمنة قصيرة، وهكذا التخطيط بطاقتهما وإمكانياتهما، وذلك يوجب توسعة رقعة الإسلام، وسهولة تطبيقه أكثر فأكثر.

سابعا- تربية الكوادر الإصلاحية:

 فإذا رأى المصلح أو الجهة جمودا لناس وخوفهم، وترهلهم، ويأسهم، يجب عليه أن يتحرك هو، وإلا لزم أن يقف إلى الأبد. وظاهرة الجمود لا تخص غير العاملين، بل العاملون كثيراً ما يقفون عن العمل بحجج وأعذار واهية أوهاها» لماذا أعمل؟ وما هي الفائدة؟ ولماذا زميلي في العمل لا يعمل؟ وأنا لا أقدر، والمجتمع غير قابل، ولماذا حتى يقطف ثمره الآخرون؟ ولذا يحتاج الامر في أكثر الأحيان إلى تجديد في صفوف العاملين، حينما يترهل العاملون القدامى.

ثامنا- سياسة الإنفتاح:

 على مختلف الجهات وما أشبه، بقصد تقويم المنحرف وتقوية المستقيم كما بأن يفتح باب الصداقة والمودة معهم، فإن ذلك يوجب تخفيف العداء، وتبعاً لتخفيف العداء يتسع أفق العمل، وكذلك توجب الإستفادة من مختلف القوى والتيارات في المجتمع.

 تاسعا- بحر من العمل:

 هناك مسلمون كثيرون تنهار قواهم إذا رأوا ضحالة الأعمال الإسلامية، وأمامهم البحار الهائجة من الآخرين، فاللازم على المفكر المنفرد، أو الجبهة القليلة القوى ان يعمل من هذه المناهج بما يستطيع ويتوكل على الله في العمل، مهما رأى العمل قليلاً، والقوى المنافسة أمامه، كثيرة فإنه لا يسقط الميسور بالمعسور، ما لا يدرك كله لا يترك كله، وقد قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) (إذا أمرتم بشيء فأتوا منه ما استطعتم). فلا يهولن الإنسان العامل، ما يراه أمامه من بحر من العمل، فإذا رأى أنه لا يقدر على نزفه ييئس ويستسلم، بل يأخذ بجانب من العمل، ثم يوسعه ويعمقه، حتى يأتي بالثمار الطيبة.

وعن الامام علي (عليه السلام): (فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ).

وهذا هو جوهر ما علينا عمله وان تكون لنا ذخيرة من العمل الصالح، فترك الساحة للآخرين والانسحاب منها يعني باننا نفسح المجال للهجمات الثقافية والأيديولوجيات المنحرفة ان تسيطر على الساحة، وان ينتشر اليأس والإحباط بين الناس.

لكن الإمام الشيرازي وهو نموذج للإنسان العامل والمثقف الحركي أسس مئات المؤسسات الخيرية والثقافية والتعليمية والخدمية ووسائل الاعلام، وألّف مئات الكتب، وتخرج من مدرسته الآلاف من الكوادر العاملة المنتشرين في كافة انحاء العالم والمؤسسات، هو قدوة ونموذج لليقظة والحركة والاجتهاد من اجل نهضة الامة وتحررها، وذلك استمده بالتفكير القائم على التوكل على الله سبحانه وتعالى، والتوسل بالرسول الاكرم واهل بيته (صلوات الله عليهم اجمعين)، والتمسك بالتعقل الحكيم والصبر الجميل والحلم العظيم.

* محاضرة ألقيت في (مؤسسة ذوي القربى الخيرية الثقافية) بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل المرجع الديني الامام السيد محمد الشيرازي

اضف تعليق