q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

(كربلاء) حيّة في القلوب والضمائر

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

كربلاء العطاء والثورة لا يزال نبضها الحسيني متدفقا، يغمر أرضها المقدسة، بدم الشهادة المعطّر بالأريج النبوي الشريف، حيث استشهاد سيد الشهداء الحسين (ع) سبط رسول الله (ص)، وهذا الأريج النبوي الزكي، لا ينحصر في ارض وفضاء كربلاء المقدسة، بل يمتد عطاؤه الى ربوع العالم أجمع، لذلك تبقى كربلاء حية أبد الدهر، ويبقى عطاء عاشوراء حاضرا متميزا وفاعلا، فهو موسم العطاء الربانيّ.

كما نقرأ ذلك في قول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، إذ يقول سماحته في كتابه القيم، الموسوم بـ (الاستفادة من عاشوراء): (عاشوراء موسمُ العطاء الرباني، موسم الفضيلة والتقوى والأخلاق، موسم العلم والمعرفة، ورمز لانتصار مبادئ الحق على جيوش الضلال.. وإذا كان عطاؤه قد بلَغَ غاندي محرِّر الهند الذي تعلمَ من الحسين (ع) كيف يكون مظلوماً لينتصر، فإنّ المسلمين عامة وشيعة الإمام (ع) خاصة أولى بهذا العطاء).

وهذا الموسم العشورائي، يمكن أن يعود على الشيعة والمسلمين عموما بالخيرات، لأن عطاءه لا حدود له، كما المطر الرباني الذي ينزل من السماء مدرارا، ولكن تبقى هناك قضية مهمة تتعلق بتعامل الانسان مع المطر، فإذ وظفه بالطريقة الصحيحة، وتم تخزينه والاستفادة منه لسقي المزروعات والغلال والاشجار، وتجميعه في السدود والبحيرات، فإن خيرات هذه الأمطار التي يتعامل معها الانسان بعلمية سوف تكون كثيرة ووفيرة.

وعلى العكس من ذلك قد تكون ضارة عندما يسيء الانسان التعامل مع أمطار السماء وهي نعمة الله المستمرة والكبيرة، ويصدق هذا على كيفية تعامل الناس مع موسم عاشوراء وعطائه، فإذا تم استثمار الشعائر بالصورة الصحيحة، يستطيع الناس ان يحافظوا على القيم، ويبنوا مجتمعا متماسكا ودولة قوية، ويسود بين المجتمع الانسجام والوئام، وتكون النتيجة خيرا يطول جميع الناس، أما اذا تم التعامل مع هذه الطقوس والشعائر بتعالٍ وخبث وقمع كما تقوم بذلك بعض الأنظمة القمعية المعادية للفكر الحسيني، عند ذاك سوف يسيء الانسان لنفسه، ولا يستطيع أن يحقق الاستفادة الصحيحة من عاشوراء، مثلما يسيء الانسان تعامله مع عطاء المطر.

كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي: (إنّ المطر الذي ينزل من السماء ليحيي الله به الأرضَ بعدَ موتها، إن استفيد منهُ على الوجه الأكمل، أعطى مختلف الثمار والأزهار، وملأ الأرض بالرياض، والقلوب بالبهجة، فإذا هبطت نسبة الاستفادة من المطر هبطت نسبة الأرباح التي يُتوقّع حصولها أيضاً). ويضيف سماحته قائلا في هذا المجال: إن (عشرة عاشوراء كالمطر، فقد يحوّل العصاة والطغاة هذه المناسبة الدينية إلى نقيض أهدافها المثالية، وذلك حينما تُستغل لقتل الناس الأبرياء وحرق المساجد والحسينيات والمؤسسات والاعتداء على المواكب العزائية وتكريس الفرقة والاختلاف، كما تفعله بعض الجماعات في بعض الدول الإسلامية تنفيذاً لمخطط الاستعمار: فرِّق تَسُد). ويضيف سماحته

ما هو واجبنا تجاه العتبات المقدسة؟

وطالما أن العطاء قد يكون موسميا، علينا كشيعة ومسلمين، أن نستفيد من موسم عاشوراء ومن عطائه الى أقصى حد ممكن، وهذا يمكن أن يتحقق لنا، عندما نهتم بإحياء كربلاء، وجميع المدن والعتبات المقدسة، حتى نضمن العطاء الإلهي الذي يتضاعف كثيرا في موسم عاشوراء، لذا يتحدد واجبنا في هذا الجانب بالحفاظ على قدسية الشعائر الحسينية، مع إحيائها المستمر، من دون كلل او تعب او تردد، كونها طريقنا الى السمو والرفعة والتطور.

فلا يمكن للشيعة وللمسلمين عموما، أن يتطوروا على الصعيدين المادي والمعنوي، ما لم يتمسكوا بمنهج واضح ومستدام، لإحياء كربلاء، ونشر الفكر الحسيني الانساني الخلاق في كل بقعة من بقاع هذا العالم المترامي الأطراف، بهذه الطريقة نكون قد ادينا جزءاً من واجبنا تجاه كربلاء، وعلينا الاستمرار في الاهتمام بجميع العتبات المقدسة.

كما يؤكد ذلك الامام الراحل في قوله: (إن الواجب علينا إن أردنا الله واليومَ الآخر أن نصبّ اهتمامنا لإحياء كربلاء وبقية العتبات المقدسة مادياً ومعنوياً).

وكما ورد في الحديث الشريف، أن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، ومن هذه المنطلق ينبغي أن يكون إصرارنا عاليا، يدعمه إيماننا المنقطع النظير، بالطقوس الحسينية، التي تحيي كربلاء وتديم وهج أنوارها الساطعة في أعماق التاريخ، والى يومنا هذا، إذ يبقى موسم عاشوراء، فرصة لاستثمار العطاء، كي يبقى سراج الحسين (ع) مضيئا، ينير طريقنا الى السعادة الدنيوية، والجنة الأخروية.

من هنا يوجّه الامام الشيرازي كلمته قائلا: علينا (أن نكثر الاستفادة من هذا السراج الوهاج، الذي ينير الدربَ لكل من يطلب السعادة في الدنيا، والفوز بالجنّة في الآخرة فـ -الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة- وعاشوراء أهم موسم لتحقيق كل ذلك، والله المستعان).

مركز الإيمان والأخلاق والتقوى

تربة كربلاء المعفرة بدم الحسين (ع)، تحتضن جسده الشريف المعطّر بأريج النبوية، فهو السبط المزكّى، وسليل الدوحة المحمدية، وتلك التربة التي تقدّست بالعطاء العاشورائي تدعونا على مدار الساعة والى أبد الدهر، لإحياء ذكرى سيد الشهداء (ع)، كونها سبيلنا للفوز بخير الدنيا والآخرة.

لذا ينبغي أن يستفيد الشيعة والمسلمون، من موسم العطاء الى أقصى حد ممكن، فثمة مزايا لا يمكن الحصول عليها والفوز بها لو لا عاشوراء، وأرض كربلاء الباقية الى أبد الدهر، ومن يريد التقرب الى الله تعالى، فعليه أن يبادر لإحياء شعائر أهل البيت (ع)، فالرحمة والسعادة والنجاح لمن يحيي تلك الشعائر المقدسة، كي يفوز بشفاعة أئمة أهل البيت يوم لا ينفع مال ولا بنون.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب/ في كتابه (الإستفادة من عاشوراء): (يُستفاد من هذا الموسم لإحياء ذكرى سيد الشهداء (ع) وما يحتفُ بها من المزايا المتعارفة، ولا شك أنّه من أفضل القربات الموجبة لخير الدنيا والآخرة).

وقد كُتب لكربلاء المجد والفداء، أن تبقى حيّة في قلوب المسلمين وضمائرهم ومحبي مبادئ الخير والانساني، كونها تشكل العمق الأساسي للفكر الحسيني، وما يميز كربلاء المقدسة، أنها بفضل الحسين (ع)، كانت ولا تزال وستبقى، منارا وفنارا اسلاميا يهتدي به جميع المسلمين نحو الجادة الصواب.

كذلك سوف تبقى مدينة سيد الشهداء (ع) مدرسة فقهية علمية تخرّج سنويا مئات الخطباء والمؤلفين والمفكرين، وتبني عشرات المدارس الدينية والحوزوية، وتنشر الوعي الديني والثقافي والاجتماعي بين الجميع، لذلك ستبقى مصدرا للإشعاع الديني كما يصفها الامام الشيرازي، ومنها ينبثق الايمان والأخلاق والتقوى، وتنشر الفضيلة في ربوع الارض كلها، فالارض التي تضم في رحمها الجسد والدم المطهرين للامام الحسين (ع) تستحق أن تبقى نبعا للثراء الفكري الاسلامي الحسيني.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (ما دامت (كربلاء) حيّة في القلوب والضمائر، فستبقى مصدراً للإشعاع الديني، ومدرسة للعلماء والخطباء والكتّاب، ومركزاً للفضيلة والإيمان والأخلاق والتقوى).

وها أن الواقع يقدم دلالة لا يطولها التشكيك او التضليل، لأبواق الشر التي تنطلق من ألسنة وأفواه ودول ومؤسسات ومنظمات معروفة للقاصي والداني، هذه الدلالة تثبتها الزيارات المليونية المترادفة، والزيادة السنوية الكبيرة للزوار الكرام، والإصرار على إحياء الشعائر الحسينية، انطلاقا من أرض النور والرحمة والإخاء، أرض (كربلاء) التي ستبقى حيّة في القلوب والضمائر الى ما يشاء الله العلي القدير.

اضف تعليق