كل فرد عبارة عن حركة، وهي الفلسفة التي قامت عليها الحياة، وانه متى ما ركن الفرد او المجتمع الى السكون مات وانتهى ذكره وفعله وتحول الى مجرد تراب او سراب خالي الأثر والتأثير. وهو حال الامة الإسلامية او المجتمعات الأخرى التي ركنت الى السكون فأصبحت مجتمعات...

يمكن الإشارة الى الشعور بالمسؤولية باعتباره القدرة على تحمل الالتزامات والتصرف بشكل مسؤول نحو النفس والآخرين والمجتمع بصورة عامة.

وهناك العديد من العوامل التي تقف خلف تعزيز وتشجيع هذا الشعور داخل الافراد والمجتمعات من أهمها التربية الصحيحة القائمة على القيم والأخلاق والثقافة التي تنمي شخصية الفرد على حب الالتزام والعمل والمسؤولية والتفاعل مع الآخرين.

ويمكن تعزيز هذه البيئة المنتجة للشعور بالمسؤولية والتفاعل مع الآخرين من خلال زيادة التفاعل الإيجابي مع العالم من حولنا، من خلال التدريب على مهارات اتخاذ القرار وتحليل الوضع وتطوير القدرة على التخطيط والتنظيم وتعزيز العلاقات المهنية والشخصية وغيرها. 

الشعور بالمسؤولية

من قال ان الشعور بالمسؤولية او تحملها والنهوض بها بالأمر الهين؟

يقول تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)، وفي بعض التفاسير فهي تعني "تحمل المسؤولية إلى جانب مواجهة المشقة وتحمل الصعاب"، لان النجاح والفلاح لا يأتي بالكسل واللامبالاة التي يعيشها الانسان العاجز عن القدرة على الحركة والتغيير او التطور وبالتالي يتحول الى انسان ساكن لا يختلف عن الجماد.

وقد اعتبر المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي، ان كل فرد عبارة عن حركة، وهي الفلسفة التي قامت عليها الحياة، وانه متى ما ركن الفرد او المجتمع الى السكون مات وانتهى ذكره وفعله وتحول الى مجرد تراب او سراب خالي الأثر والتأثير. 

وهو بالضبط ما شخصه عن حال الامة الإسلامية او المجتمعات الأخرى التي ركنت الى السكون فأصبحت مجتمعات تعيش حالة الذل والتراجع: "ولو كان مسلمو زماننا ملتزمين بتحمل المسؤولية بصدق، لما عاشت الأمة الذلة والتأخر، لكن الكثير من مسلمي اليوم اكتفوا بترديد الشعارات فقط والوقوف على المنصات، وتركوا الموقف العملي والتحمل للمسؤولية".

مشكلة العصر

لعل من أبرز مشاكل العصر التي تعاني منها المجتمعات والافراد هو عدم الشعور بالمسؤولية، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "المؤمن يعاف اللهو ويألف الجد"، لان اللهو واللعب والكسل لا يوصل الانسان او المجتمع الى الهدف الذي يريد الوصول اليه، بل يبقى يراوح في مكانه في أفضل حالاته، او يتراجع الى الوراء حتى يصل الى قاع التخلف، وهذا التراجع يشمل جميع المجالات في الدنيا والاخرة.

يقول السيد الشيرازي (رحمه الله): "من أهم المشاكل التي ابتلي بها المسلمون في العصر الحاضر، هو عدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم"، ويضيف: "فإذا وجد الإحساس بالمسؤولية في الفرد أو الجماعة، مع العمل والصبر والاستقامة في أي مجال يهدف إليه، فهذه كفيلة بإيصال الإنسان إلى هدفه الذي يسعى من أجله".

الغفلة والاهمال

ان التمادي في عدم الشعور بالمسؤولية او القدرة على تحمل المشاكل والصبر على العقبات وصولاً الى الهدف المنشود يصيب الانسان او المجتمع بالغفلة، وبالتالي تضاف اليه مشكلة لا يمكن الخلاص منها بسهولة لان الغافل يصاب بالإهمال وعدم الانتباه وانعدام التفاعل مع محيطة بصورة إيجابية.

"ومن الثابت أن الدنيا خاضعة لقوانين ومعادلات وأسباب ومسببات، فكل من يعمل أكثر يجني أكثر، كافراً كان أم مسلماً، فالله سبحانه يعطي القدرة لكل من أخذ بالأسباب وسار على الطريق التكويني والسنة الكونية، سواء كان من الكفار أم المسلمين، فكل من يسعى في الدنيا عبر الأسباب فإنه يصل إلى مقصده وهدفه عادة، وكل من يجد ويجتهد ويعمل في دار الدنيا فإنه يحصل على الربح والمكافأة، مؤمناً كان أم كافراً".

الخلاصة

مثلما يصاب المهملون والكسالى بالغفلة امام المسؤولية، فإن لتحملها والنهوض بأعبائها يحتاج الى افراد يشير إليهم السيد الشيرازي بقوله: "أناساً صامدين مخلصين في تحملهم للمسؤولية، ولا يكونوا ضعفاء أو مهزومين، وذلك لأن الطريق ليس مفروشاً بالورود والأزهار وإنما بالأشواك والعقبات، والطريق الصعب لا يوفق السائرون فيه إلى النصر إلا إذا تحلوا بالصبر، وحملوا المسؤولية بثبات واستقامة".

ويمكن ذكر جملة من النقاط التي تحقق اهداف الشعور بالمسؤولية وتحملها للفرد والمجتمع: 

1. تحديد الأهداف الواضحة والعمل بجدية وصبر واستقامة في سبيل تحقيقها والوصول الى النجاح المطلوب في ذلك.

2. تحديد الأخطاء السابقة والاعتراف بها وتحمل المسؤولية عنها، ومن ثم التعلم منها لتجنب تكرارها في المستقبل.

3. التفاعل الإيجابي مع الافراد والمجتمع والمشاركة في الأنشطة الفردية والمجتمعية وتقديم الدعم للأخرين بصورة عامة.

4. تعزيز الوعي والتثقيف لتعزيز اهمية المسؤولية في تشجيع الافراد على تحملها والشعور بها وخلق بيئة محبة ومنتجة للشعور بالمسؤولية وتحملها، وتشجيع الثقافة الإيجابية التي تحترم القيم والاخلاقيات وتعزز قيم التعاون والتكافل الاجتماعي.

5. يجب على المجتمع والمؤسسات الرسمية والمنظمات والأطراف الفاعلة تقديم الدعم والموارد اللازمة لتمكين الافراد من تحمل المسؤولية من خلال الدعم الاجتماعي او تقديم فرص التعليم والتدريب والدراسة، من اجل تشجيع الابتكار والريادة للمساهمة في التطور على مختلف الأصعدة.

6. تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توفير الفرص المتساوية للجميع وتوفير الحماية من التمييز والظلم وبالتالي خلق بيئة امنة تشجع على التفاعل والتعاون بين الافراد والجهات ذات العلاقة لتحقيق الأهداف المشتركة ومواجهة التحديات المشتركة ايضاً.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024

http://shrsc.com

اضف تعليق