الإجراءات الساندة الإعلامية، في مجال صراع الإعلام، هي السلبية، بمفهوم أن فعالياتها دفاعية تحصينية وليست موجهة الى الآخر، وهي جزء من الإجراءات الساندة المعلوماتية عموماً. أما العناصر الإيجابية منها، بمعنى غير الدفاعية والمؤثرة في الآخر المضاد، فهي الإجراءات المضادة المعلوماتية الإعلامية، والإجراءات المضادة للمضادة، في صراع الإعلام، الذي...
مقاربة في مباحث الإعلام المقابل
تشكل وسائل الإعلام والعناصر المكونة للمنظومة الإعلامية، الأدوات والطرائق المتاحة، لمكافحة تأثير الإعلام المقابل في الرأي العام، وتأمين الحصانة الفكرية والثقافية له، وتأهيله لمواجهة الغزو الإعلامي المضاد، وفق الاتجاهات المخطط لها، الملتزمة وفق منظور وسلوكيات وأخلاقيات الإعلام الإسلامي، بمبادئ الحرية والمساواة والشورى.
ويعبر المرجع الديني الراحل المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (رضوان الله عليه) عن تحمّل الإعلام لهذه المسؤوليات من خلال دورين، "الأول إيجابي، يتعلق بإظهار مزايا الإسلام في العقيدة والأخلاق والشريعة، والدور الثاني سلبي، يتولى دحض المزاعم التي تبين دنيوية الإسلام في أوساط غربية".
وعليه فإن الإجراءات الساندة الإعلامية، في مجال صراع الإعلام، هي السلبية، بمفهوم أن فعالياتها دفاعية تحصينية وليست موجهة الى الآخر، وهي جزء من الإجراءات الساندة المعلوماتية عموماً. وقد جرى تغطية هذا العنصر من وسائل المنظومة الإعلامية المعلوماتية في الحلقة الدراسية السابقة بعنوان مباحث "الإعلام".
أما العناصر الإيجابية منها، بمعنى غير الدفاعية والمؤثرة في الآخر المضاد، فهي الإجراءات المضادة المعلوماتية الإعلامية، والإجراءات المضادة للمضادة، في صراع الإعلام، الذي هو جزء أيضاً من صراع المعلومات.
ويشمل العنصر "الإيجابي الأول"، التأثير الإعلامي لمنظومتنا الإعلامية في الرأي العام المقابل، والتأثير المضاد في المنظومة الإعلامية المقابلة، بما يفقدها القدرة والقابلية على التأثير المضاد بمنظومتنا المعلوماتية عموماً، وتعويق النشاط الإعلامي الإيجابي للآخر في اتجاه مجتمع الإعلام والمعلومات والفرد والمجتمع عموماً، وهو عنصر الإجراءات المضادة، والذي يطلق عليه "الإعلام المقابل" والذي سيجري بحثه ومقاربته في هذه الحلقة من الدراسة.
أما العنصر الإيجابي الآخر فهو الإجراءات المضادة للمضادة الإعلامية والمعلوماتية، وهو عنصر "مكافحة الإعلام المقابل"، الذي يتولى بدوره عرقلة الأعمال المقابلة المؤثرة في المجتمع الإعلامي وأدواته، وحصانته وحمايته من تأثيرات المنظومة المقابلة، ويعبر عن هذين العنصرين في علم الاتصال والإعلام والمعلومات بالجوانب "الإيجابية"، وتشمل الأنشطة كافة ذات العلاقة بالإعلام المضاد أو المقابل والدعاية والإشاعة والحرب النفسية مثل التشويش والمخادعة الإعلامية والشلل المعلوماتي.
وسيناقش هذا المقال موضوع "الإعلام المقابل"، في ضوء مباحث السيد المجدد في "الإعلام" من كتابه" الرأي العام والإعلام".
أثر الإعلام المقابل في تحصين التربية والثقافة المجتمعية
يخلص البحث في هذا السياق، لجملة من انتقادات وجهات نظر غربية للإسلام، لغرض عرضها والطعن فيها، وفق الفكر النقدي المستند إلى الوقائع التاريخية، والى الحقائق من تصورات وتصديقات واستدلالاتها واستنتاجاتها، كونها ستكون المادة المعلوماتية التي تؤسس للإعلام المقابل، الذي يشير له المجدد الراحل بالإعلام "الإسلامي المضاد"، ويشمل كافة إجراءات وفعاليات وأنشطة المنظومة الإعلامية التي من شأنها التأثير في الرأي العام المقابل ومنظومة الآخر الإعلامية ونظامه المعلوماتي عموماً، ويمكن إجمالها وفق العناوين التالية:
أولاً: الدور الحضاري الفكري العلمي
لا يمكن إنكار الدور التاريخي للإسلام في الحضارة الإنسانية وذلك باعتراف أهل الفكر والحضارة والتاريخ، لأن الفكر الإسلامي واضح ومؤثر في أدوار التاريخ، وأن الغرب مدين للمسلمين والعرب في المجال العلمي.
وينقل العنوان آراء العديد من علماء الغرب، الذين يؤكدون دور المسلمين والحضارة العربية والإسلامية في مختلف العلوم، حتى أن أوروبا قد تعلمت طرقاً جديدة في البحث العلمي، بمنهج العقل أولاً ودور التجربة وما يعتد بها، وقد ثبّت في هذا الجانب، الكتاب الشهير الموسوم "شمس العرب تسطع على الغرب" للمستشرقة الألمانية "زنكريد هونكة"، الذي يؤكد على دور الحضارة الإسلامية في الفكر العلمي الإنساني.
ثانياً: دور الفلسفة والفكر العلمي
يدعي غربيون أن الفلسفة الإسلامية فلسفة يونانية مكتوبة باللغة العربية، ويدحض المجدد هذه الفكرة من خلال الخلاف الواضح بين الفلسفتين خاصة في المضامين القيمية والأخلاقية.
ومن الناحية التاريخية يؤكد السيد المؤلف أن الفلسفة الإسلامية انتشرت ودخلت أوروبا من خلال إسبانيا وصقلية، في حين لم يتصل الفكر الإسلامي بالفكر اليوناني إلا بعد قرنين من ظهور الإسلام.
عليه فإن الحضارة العربية الإسلامية ليست وعاءاً حفظت الفلسفة ممن سبقها ونقلتها إلى أوروبا، لأنها شكلت خلقاً فلسفياً مستحدثاً وفكراً متجدداً مستمداً من الشريعة والعقيدة والأخلاق الإسلامية، وقد استدل المؤلف لذلك بدليل علمي أرجعه إلى المقارنة بين أدبيات الفلسفة اليونانية ونموذجاً من أدبيات الفلسفة الإسلامية متمثل بكتاب "جامع السعادات" للشيخ "النراقي"، الذي يؤكد القيم الإنسانية الأخلاقية في الفلسفة الإسلامية.
ثالثاً: دور العلماء العرب المسلمين
الجانب الآخر الذي أهتم المؤلف السيد المجدد وحرص على دحضه هو في الرد على من يستشكل على علماء الفكر الإسلامي، أنهم ليسوا عرباً وإنما من الأقوام التي دخلت الإسلام من غير العرب، ويخلص الإمام الشيرازي (قده) الى إنه "يجري تجريد العرب من الفضل إطلاقاً في هذا الحال"، ويرد المؤلف على هذا "التجني"، بأن الإسلام لا يميز بين العرب وغير العرب، فتلك نزعة قومية تبرأ منها الإسلام، ويؤكد تساؤله، "هل يمكن أن يقال ليس للعرب علماء، ففي العلوم الشرعية الإسلامية حصراً كوكبة كبيرة من العلماء العرب المسلمين من الذين رفعوا راية علوم الإسلام وبالذات علوم آل البيت (عليهم السلام)".
أثبت السيد المؤلف مجموعة من أسماء أولئك العلماء المؤسسين لعلوم آل البيت (عليهم السلام)، وقد فصّل الباحث الشيخ محقق الكتاب، في هامش التحقيق في العنوان، لتراجمهم وأدوارهم العلمية الرائدة، ومنهم الشيخ المفيد والشريفان الرضي والمرتضى، والعلماء الأشراف في حلب من بني زهرة، وفقهاء الحلة ومدارسها العلمية مثل ابن إدريس والحليين المحقق والعلامة ونجله فخر المحققين والشهيدين العامليين الأول والثاني وسائر علماء جبل عامل كالبهائي وأبيه الشيخ بن عبد الصمد والمحقق الكركي، وألوف العلماء العرب الذين تمتلئ بهم كتب الرجال ومعاجم العلماء.
ويؤكد(قده) الرأي المطلق بأن "الإسلام عظيم بذاته ولا يخص كون علماء الإسلام من العرب أو غيرهم"، ويستل بهذا المعنى رأي المستشرق جب الذي يؤكد "ليس في وسع العرب أن يتجردوا من ماضيهم الحافل وسيظل الإسلام أهم صفحة في هذا السجل الحافل".
خلاصة البحث
قدم الإمام الشيرازي الراحل، من خلال مباحث كتابه" الرأي العام والإعلام"، قيمة علمية لإغناء حاجة فكرية قائمة جديدة قديمة عن دور الإسلام وأثره في حضارة الشعوب العربية الإسلامية، وفق منهج علمي لمحاكاة مختلف الأفكار المحلية أو الغربية، بأسلوب المناظرة الفكرية لكل رأي بتجرد، وبتسجيل الحجة العلمية لمقارعة الفكرة المطروحة بالرأي استدلالاً ونقضاً، تماثلاً وعكساً، تصوراً ورصداً للوقائع، مع استذكار ما سجل بعضها في سلسلة الفقه في أجزاء "القواعد الفقهية" و"الفقه القانون" و"الفقه الحقوق" مبينة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
اضف تعليق