تأخر المسلمين في مجالات، خاصة في الحقوق والسياسية والعدالة والصحة والتعليم والاقتصاد والتجارة والرفاه وغير ذلك، ناشئ من فساد او ضعف وفشل في أداء الواجب الملقى على عاتق المسؤولين، وبالتالي من الطبيعي ان تعيش الشعوب المسلمة على هامش الحياة السياسية، وذلك بسبب السياسية المنحرفة التي تجعل الناس في واد...
تعاني المجتمعات الانسانية بصورة عامة، والمسلمة على وجه الخصوص، القهر والظلم تحت تسلط الحكومات المنحرفة وحكامها الظالمون المستبدون، بعد ان سلبوا حقوق شعوبهم في التمتع بالحرية والعدل والانصاف، كما مارسوا كل أنواع الزيف والخداع والانحراف من اجل اقناعهم بمشروعية انظمتهم الفاسدة واستمرارهم بحكم هذه الشعوب ونهب خيراتها.
على الحاكم الأعلى والوزير والمسؤول ومن له أي سلطة على الاخرين، ان يدرك ان "الانسان" قيمة عليا كرمها الله سبحانه، وسخر لها كل شيء من اجل اسعاده وتكريمه وتعظيمه، حيث يقول المرجع الراحل الامام الشيرازي: "يعد الانسان محوراً يعطي له كل قيمة، اما سائر الأشياء فلا قيمة لها الا بقدر خدمتها للإنسان واستفادة الانسان منها"، وعندما يدرك المسؤول هذا المعنى سيدرك حينها ان عمله وجهده ووقته ينبغي ان يسخر لخدمه "الانسان" وليس العكس.
ما يجري في مجتمعاتنا الإسلامية، للأسف الشديد، هو الابتعاد عن أي معنى من معاني تكريم الانسان وصون كرامته وحفظ حقوقه، بل ان الانسان يوضع في اخر درجة من سلم أولويات الحكام وانظمتهم التي دأبت على استعباد الشعوب، وسلب حقوقها، وتكميم الافواه المعارضة، وتدجينها من اجل سهولة السيطرة عليها وصولاً الى الحكم المطلق.
"بالموازاة، فان تأخر المسلمين في مجالات، خاصة في الحقوق والسياسية والعدالة والصحة والتعليم والاقتصاد والتجارة والرفاه وغير ذلك، ناشئ من فساد او ضعف وفشل في أداء الواجب الملقى على عاتق المسؤولين، وبالتالي من الطبيعي ان تعيش الشعوب المسلمة على هامش الحياة السياسية، وذلك بسبب السياسية المنحرفة التي تجعل الناس في واد لا يعيرون أهمية لما يجري في بلادهم، نتيجة لذلك، فان هذه الشعوب عموما لا تحب حكامها ولا تثق بهم بل تسعى لإسقاطهم".
ويرى الامام الشيرازي (رحمه الله): "الانسان في الحال الحاضر في بلاد الإسلام أصبح اقل حرية حتى من الطيور والوحوش والبهيمة، فإنها تفعل ما تشاء لكن الانسان لا يتمكن ان يفعل عشر ما يشاء"، اما على مستوى الحكم: "في البلاد الإسلامية لا وجود للشورى، لا في الحكم ولا في غيره، وحيث الاستبداد تفشى في مختلف المواقع والحقول، وليس من نصيب المسلمين سوى التأخر والانحطاط الحضاري"، وبطبيعة الحال، فان الانحدار الكارثي الذي وصل اليه الانسان المسلم في ظل حكومات وأنظمة إسلامية مارست كل الرذائل الأخلاقية والانحرافات السياسية ينذر بخطر حقيقي يتمثل في:
1. الإساءة الواضحة الى تعاليم وأنظمة وقواعد الدين الإسلامي الحنيف التي حثت على العدل والانصاف والشورى وحفظ حقوق وكرامة الانسان، ورفض الظلم والعدوان والتعدي والجور بكل اشكاله وصوره.
2. تستر الأنظمة المستبدة وحكامها الفاسدون بالحكم باسم الدين الحنيف وانهم المكلفون بتطبيق تعاليمه كغطاء لكسب مشروعيتهم واستمرارهم في الحكم.
3. هذا التستر الزائف تحت عنوان الدين حول امر محاربتهم ومكافحة فسادهم وطغيانهم والتصدي له الى محاربة للدين وتعاليمه.
لذلك ولغيره من الأسباب، اعتبر الامام الشيرازي ان: "الحكومة المنحرفة المصبوغة بالصبغة الدينية اسوء الحكومتين، اذ الاستبدادية غير الدينية تقتل وتنهب وتهتك تحت عنوان واحد هو مصلحة الوطن، بينما الدينية المنحرفة تفعل كل ذلك تحت عنوانين، عنوان الوطن، وعنوان ان الله امرها بهذا، ولهذا مآسي الحكومة الدينية أكثر من ماسي الاستبدادية الدنيوية فقط".
في معرض حديثه عن ثورة الامام الحسين (عليه السلام) الإصلاحية قال: "ان الامام الحسين (عليه السلام) انما أراد ان يخرج الامة من المنكر الى المعروف، وان ينتشل الامة من الحضيض الذي اركست فيه الى العز، وذلك عندما رضيت بواقعها المتردي، القائم على الخمول، والركون الى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وابيه واضرابهم".
ويمكن ان نسجل من خلال هذا الحديث ملاحظة مهمة وهي خطورة القبول بالواقع المتردي والسكوت على الظلم من قبل (الفرد/المجتمع/الامة) والتي تعني الاستسلام للواقع رغم مرارته وصعوبته، وعدم محاولة رفض الظلم والوقوف بوجه تسلط الظالمين، وهذا الامر بطبيعة الحال، أخطر من استبداد الحكام وانظمتهم، لان الاستسلام يعني الموت والقبول بواقع الحال ومقاومة التغيير والإصلاح من الداخل، وهو ما يسهل على الانحراف والفساد والظلم الاستمرار.
ان من أبرز الأسباب العامة التي أدت الى هذا التراجع المخيف في مختلف المجالات للبلاد الإسلامية:
1. اضمحلال الحضارة الإنسانية التي بنيت عليها المجتمعات الإسلامية وفق تعاليم الإسلام وقواعده الخالدة، واستبدالها بالحضارة المادية والثقافة الغربية.
2. الجماعات الضاغطة، والمال السياسي، والابتزاز السياسي، والاعلام المضلل، وضعف مؤسسات الدولة يحول دون وصول الكفاءات الى الحكم، وان كانت انتخابات حرة بحسب الظاهر، وهكذا، فان السياسية المنحرفة تخنق كل خطوة باتجاه تقدم البلاد وتحسن وضع العباد.
3. الابتعاد عن قيم التقدم والتقوقع في بيئة لا تساعد على التغيير وتقاوم أي عملية للإصلاح والتحول الإيجابي نحو التقدم.
4. سياسية تجهيل المجتمعات الممنهجة، وما نتج عنها من تخلف على المستوى الاجتماعي والثقافي والفكري.
5. ضياع الفرص وتهميش الكفاءات وتفشي الفساد وانتشار الظلم أدى الى انعدام وجود بيئة امنة لتطوير القطاعات الحيوية (التعليم، الاقتصاد، الخدمات، الصحة...الخ).
6. تحويل هذه المجتمعات الى مجتمعات غير منتجة (استهلاكية)، في ظل أنظمة ابوية وشمولية ومركزية، لم يعطي الفرصة للتحول نحو الابداع والعمل والتطور والاستقلالية، وبالتالي بقائها تحت سطوة وسلطة هذه الأنظمة.
والخلاصة ان الحل في تغيير هذا الواقع المرير يبدأ من تحقيق واحدة من اهم أسس الحياة وهي "الحرية" بحسب ما ذهب اليه المرجع الراحل: "لكي نبدأ بحركة تغيير وإصلاح واقعنا المأزوم وصولا الى واقع صحي وواعد، ومن النقطة الصحيحة، ينبغي تحقيق واحدة من اهم أسس الحياة وهي الحرية التي هي أساس البقاء ثم التقدم، كما انها ديمومة التحرك نحو الأفضل، فإن الانسان إذا لم يكن حراً فانه لن يظل حياً فكيف يمكنه التقدم".
كما ان العودة الى "الشورى" كأساس للحكم هي من تجنبنا كوارث الاستبداد والاستئثار بالسلطة تحت أي غطاء وحجة، فالشورى هي المنهاج الاسلامي الذي يضمن للناس حقوقهم في تطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة والانصاف ويجنبهم ضياع الحقوق واهدار الفرص.
ان السماح بالحريات العامة وعدم مصادرتها، ووجود المعارضة وحرية التعبير عن الرأي، ومكافحة الفساد ونزاهة المسؤول، وعدالة النظام السياسي ومنع استغلال السلطة في ظل قانون ينصف الجميع، وتكافئ الفرص ودعم الكفاءات، وتوفير الخدمات والحاجات الأساسية التي تساهم في رفاه وسعادة الافراد، والتي حث عليها الإسلام الحنيف ودعا الى تطبيقها من خلال منظومة إنسانية أخلاقية وحضارية شاملة، وبهذا يمكن تحقيق ما يتوق اليه الانسان في المجتمعات الإسلامية خصوصاً والإنسانية عموماً.
اضف تعليق