في الجوانب التربوية، من الخطاب الإسلامي، قيمة علمية، لإغناء حاجة فكرية قائمة، جديدة وقديمة، عن دور الإسلام وأثره في حضارة الشعوب العربية الإسلامية، وفق منهج علمي، لمحاكاة مختلف الأفكار المحلية أو الغربية، بأسلوب المناظرة الفكرية، لكل رأي بتجرد، وبتسجيل الحجة العلمية، لمقارعة الفكرة المطروحة، بالرأي استدلالاً ونقضاً، تماثلاً...
إن المعاضل التي يواجهها الإعلام في العالم الإسلامي، تقف حائلاً أمام انتشار مبادئ الإسلام السمحة وتعاليمه الحقة، وعلى العكس تؤثر في نشر صور مشوهة عن الدين الإسلامي، ويناقش الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف)، أساليب معالجة هذه المعاضل، من خلال ثلاثة عناصر في الإطار الفكري والثقافي والسلوكي.
أولها "ثقافة اللاعنف"، إذ يرى (قدس سره) أن العنف لا يوصل الإنسان إلى أهدافه التي يتوخاها، والبديل هو في "ثقافة اللاعنف"، وقد أبسط السيد المجدد، لمباحث اللاعنف وثقافته، في الكثير من آثاره الفكرية، باعتبارها من صلب سلوك وأخلاقيات مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وأعمالهم في السلم والحرب.
والعنصر الثاني، الذي يطرحه المفكر المجدد، هو "المنهج"، وهو الطريق الذي على الاختصاصيين سلوكه، في كافة نواحي المعرفة، في التربية والاجتماع والاقتصاد والشؤون العسكرية، وذلك ضمن إطار النتاج الثقافي والبحثي، في المناهج الإسلامية التي تبحث في هذه الحقول العلمية والتطبيقية.
والعنصر الثالث، وهو "نزاهة العاملين"، وهي الصفة الأولى التي على المشتغلين بالإعلام والدعوة، والخطاب الإسلامي التبليغي، أن يتسموا بها لأن "النزاهة نصف الأمر"، وبعكسه يرفض المجتمع هذا الخطاب ويقطع الاتصال به.
ثم يأتي بعد ذلك تقديم القيم، التي يقصد بها مطلقاً، ما يتخذه الإنسان قيمة، للوصول إلى أهدافه المادية والمعنوية، في الحال والمستقبل، وهي في جوانب العقيدة والأخلاق والقيم المادية، التي سيقبلها المجتمع إذا توفرت العوامل المذكورة.
إن أهم جوانب التربية والتثقيف والتوعية، هو في لزوم إعادة النظر في برامج تدريس المواد الدينية، لتكون وفق المعايير الإسلامية الحقة في الكتاب والسنة، ووفق مناهج علم النفس والاجتماع والاقتصاد، ومن الضروري في هذا الباب الاستعانة بالمتخصصين من الإعلاميين الدينيين في الكتابة والخطابة والنشر الثقافي بكافة المستويات مع برامج التوعية الثقافية ومحو الأمية.
ويستل المفكر المجدد، من تجربته الطويلة، حوارياته مع القائمين على التربية والتعليم في الدولة العراقية آنذاك، إذ كان يبين فيها، ضرورة الانفتاح على الجوانب المعرفية في الدين، لتشكيل المناهج التربوية، والتحرر من الجمود فيه، وكأن الدين عبادات فقط، دون تضمين ذلك، جوانب علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد، فضلاً عن ضرورة تعميم ذلك على المستوى الشعبي في وسائل الإعلام المختلفة.
ويدخل في هذا المضمار، الدور الذي تضطلع به الدبلوماسية، في قيامها بجانب من الإعلام الإسلامي، في الحقل الذي تعمل به، إلى جانب دورها في تمتين العلاقات في العواصم التي تمثل دولها الإسلامية فيها.
وفي الجوانب التربوية، يؤكد السيد المجدد أن القرآن الكريم دستور المسلمين، وهو صالح لكل زمان ومكان ولجميع الأجيال، وهو في مقدمة المواد والوسائل الإعلامية، حيث يسكن حياة المسلمين، كما أنه ليس ظاهرة تاريخية، منفصلة عن العصر الحاضر ومادياته المختلفة، وفي تأثيره على صنع الأفكار، وتعيين العادات والتقاليد، ورسم الشريعة التي يسكنها المسلمون، والتأثير في النفوس، بصرف النظر عن المرحلة التاريخية، ويدخل في هذا المجال، تهيئة القاعدة المادية، لإنشاء المؤسسات الإعلامية الثقافية، ودعمها وحشد الطاقات المنتجة فكراً، في كافة حقولها.
وفي دور الإعلام في الثقافة المجتمعية، يؤكد سماحته، على الجوانب التي يجب أن ينصرف إليها الشباب، سواء في الحقل الثقافي، أو في سوق العمل، أو في ميدان العبادة والتفقه، وهي تشمل الخدمات الإنسانية والاجتماعية، والعمل في البرامج التعليمية، ذات البعدين العلمي والأخلاقي، وكذلك الهوايات النافعة والمنتجة، والمثمرة علمياً ومجتمعياً.
وكذلك يؤكد السيد المجدد، على تضمين الجانب التربوي، في التوعية والتثقيف، على أساس تجنيب الشباب مفاهيم العنف، كي لا يصبح منهجاً في حياتهم، وملكة من ملكاتهم، لأنه يفسد كل أمر صالح، مستشهداً بالنصوص المقدسة، "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بتبليغ الرسالة"، "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا"، و"ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً".
ويثبت السيد المجدد في الجانب التربوي، تحميل المؤسسات العلمية والتربوية والتعليمية، مسؤولية إعداد الجيل، وتنشئة وتنظيم شؤون المجتمع وتطهير البيئة والحياة، وأن يكون التوجيه والخطاب، مناسباً وملائماً لموضوعه، لأن البلاغة هي في وضع الشيء في موضعه، ولابد من مراعاة الأدلة والأمثلة من حياة الإنسان ومجتمعه، وهي قضية يفتقدها الكثير ممن يعتلي أعواد المنابر، بعناوين مختلفة، مخاطباً شريحة واسعة في المجتمع.
ويؤكد سماحته، "مسألة" وجوب نشر الثقافة الإسلامية ومبادئها، في الحرية والمساواة والشورى، عبر وسائل الإعلام، كما يجب مواجهة الغزو الإعلامي الغربي أو غيره، ولتوضيح الفكرة يرى السيد المجدد، أن الدور الأول للإعلام الإسلامي، هو إيجابي، يتعلق بإظهار مزايا الإسلام في العقيدة والأخلاق والشريعة، والدور الثاني سلبي، يتولى دحض المزاعم، التي تبين دنيوية الإسلام في الغرب، وهو الذي يعبر عنه في علم الاتصال والإعلام، بالإعلام المضاد.
وفي هذا السياق يخلص سماحته، لجملة من انتقادات الغرب للإسلام، لغرض عرضها والطعن فيها، كونها ستكون المادة المعلوماتية، التي تؤسس للإعلام الإسلامي المضاد.
وفي تبيان أثر الإعلام المقابل، في تحصين التربية والثقافة المجتمعية، يطرح سماحته لجملة من انتقادات الغرب للإسلام، لغرض عرضها والطعن فيها، وفق الفكر النقدي، المستند إلى الوقائع التاريخية، والى الحقائق الملموسة، من تصورات وتصديقات، واستدلالاتها واستنتاجاتها، كونه المادة المعلوماتية التي تؤسس للإعلام المقابل، الذي يشير له المفكر المجدد، بالإعلام "الإسلامي المضاد"، ويشمل كافة اجراءات وفعاليات وأنشطة المنظومة الإعلامية، التي من شانها التاثير في الرأي العام المقابل، ومنظومة الآخر الاعلامية ونظامه المعلوماتي عموماً.
ويمكن إجمالها وفق عناوين رئيسة، أولها الدور الحضاري الفكري العلمي، إذ لا يمكن إنكار الدور التاريخي للإسلام، في الحضارة الإنسانية، وذلك باعتراف أهل الفكر والحضارة والتاريخ، لأن الفكر الإسلامي واضح ومؤثر في أدوار التاريخ، وأن الغرب مدين للمسلمين والعرب في المجال العلمي.
وينقل (قده) أراء العديد من علماء الغرب، الذين يؤكدون على دور المسلمين والحضارة العربية والإسلامية في مختلف العلوم، حتى أن أوروبا قد تعلمت طرقاً جديدة في البحث العلمي، بمنهج "العقل" أولاً، ودور "التجربة" وما يعتد بها، وقد ثبّت في هذا الجانب، الكتاب الشهير الموسوم "شمس العرب تسطع على الغرب" للمستشرقة الألمانية "زنكريد هونكة"، الذي يؤكد على دور الحضارة الإسلامية في الفكر العلمي الإنساني.
وثانيا دور الفلسفة والفكر العلمي، إذ يدعي الغرب، أن الفلسفة الإسلامية، هي فلسفة يونانية مكتوبة باللغة العربية، ويدحض المجدد هذه الفكرة، من خلال الخلاف الواضح بين الفلسفتين، خاصة في المضامين القيمية والأخلاقية، ومن الناحية التاريخية، ويؤكد سماحته، أن الفلسفة الإسلامية، انتشرت ودخلت أوروبا، من خلال إسبانيا وصقلية، في القرن الأول الهجري، في حين لم يتصل الفكر الإسلامي بالفكر اليوناني، إلّا بعد قرنين من ظهور الإسلام.
عليه فإن الحضارة العربية الإسلامية، ليست وعاء حفظت الفلسفة ممن سبقها، ونقلتها إلى أوروبا، لأنها شكلت خلقاً فلسفياً مستحدثاً، وفكراً متجدداً، مستمداً من الشريعة والعقيدة والأخلاق الإسلامية، وقد استدل المجدد لذلك، بدليل علمي، أرجعه إلى المقارنة بين أدبيات الفلسفة اليونانية، ونموذجاً من أدبيات الفلسفة الإسلامية، متمثل بكتاب "جامع السعادات"، للشيخ "النراقي"، الذي يؤكد القيم الانسانية الأخلاقية، في الفلسفة الاسلامية.
والجانب الثالث، هو دور العلماء العرب المسلمين، الذي أهتم سماحته به، وحرص على دحض منكريه، في الرد على من يستشكل على علماء الفكر الإسلامي، أنهم ليسوا عرباً، وإنما من الأقوام التي دخلت الإسلام من غير العرب، ويخلص المجدد الى انه "يجري تجريد العرب من الفضل إطلاقاً في هذا الحال"، ويرد سماحته على هذا "التجني"، بأن الإسلام لا يميز بين العرب وغير العرب، فتلك نزعة قومية تبرأ منها الإسلام، ويؤكد تساؤله، "هل يمكن أن يقال ليس للعرب علماء، ففي العلوم الشرعية الإسلامية حصراً، تقدمت كوكبة كبيرة، من العلماء العرب المسلمين، من الذين رفعوا راية علوم الإسلام، وبالذات علوم أهل البيت (عليهم السلام)" .
وقد أثبت السيد المجدد، مجموعة من أسماء أولئك العلماء، المؤسسين لعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، وقد فصّل الباحث الشيخ محقق الكتاب، ومنهم الشيخ المفيد والشريفان الرضي والمرتضى، والعلماء الأشراف في حلب من بني زهرة، وفقهاء الحلة ومدرستها العلمية، مثل ابن إدريس والحليين المحقق والعلامة، ونجل العلامة فخر المحققين، والشهيدين العامليين الأول والثاني، وسائر علماء جبل عامل، كالبهائي وأبيه الشيخ بن عبد الصمد والمحقق الكركي، وألوف العلماء العرب، الذين تمتلئ بهم كتب الرجال ومعاجم العلماء.
ويؤكد(قده) الرأي المطلق بأن "الإسلام عظيم بذاته، ولا يخص كون علماء الإسلام من العرب أو غيرهم"، ويستل بهذا المعنى، رأي المستشرقين، الذي يؤكد "ليس في وسع العرب أن يتجردوا من ماضيهم الحافل، وسيظل الإسلام أهم صفحة في هذا السجل الحافل".
وعليه يقدم (قده)، في هذه الجوانب التربوية، من الخطاب الإسلامي، قيمة علمية، لإغناء حاجة فكرية قائمة، جديدة وقديمة، عن دور الإسلام وأثره في حضارة الشعوب العربية الإسلامية، وفق منهج علمي، لمحاكاة مختلف الأفكار المحلية أو الغربية، بأسلوب المناظرة الفكرية، لكل رأي بتجرد، وبتسجيل الحجة العلمية، لمقارعة الفكرة المطروحة، بالرأي استدلالاً ونقضاً، تماثلاً وعكساً، تصوراً ورصداً للوقائع، مع استذكار ما سجل بعضها في سلسلة موسوعة الفقه، في أجزاء "القواعد الفقهية" و"الفقه القانون" و"الفقه الحقوق"، مبينة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
اضف تعليق