نحن نقف أمام بعديْن أساسين للشعائر الحسينية، البعد المحلي ومن ثم البعد العالمي، وفي كلا الحالتين يجب التركيز على الأهداف التي تذهب إليها هذه الشعائر، وهي في جوهرها نشر القيم السليم، قيم عاشوراء، قيم العدالة والإصلاح وإنقاذ البشرية من التسلط والاستبداد والطغيان الفاحش...
(علينا أن نعرض صورة الشعائر الحسينية بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله)
الإمام الشيرازي
عندما نتداول كلمة شعائر، لابد أن ترد في أذهان بعضنا ما المقصود بالشعائر الحسينية، والسؤال هنا مطلوب ولا بأس به، إذ لابد للإنسان أن يفهم الشيء الذي يقرر الإيمان والاعتقاد به، والشعائر الحسينية هي نوع من الأداء الجمعي يجمع الناس على هدف واحد، وفكر واحد ومعنى واحد أيضا، وغالبا ما يتم إظهار الشعائر في صيغة طقوس جماعية هدفها تعميق الإيمان في قوب ونفوس المسلمين أو القائمين بإحياء هذه الشعائر.
إذًا كل أنواع المجالس والمواكب الحسينية والنشاطات الجماعية التي يتم أداءها إحياءً لذكرى وتعاليم ومبادئ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تدخل ضمن مسمى الشعائر، ولكن هذا لا يعني أن يتم حصر هذه المراسيم بأنشطة ظاهرية خالية من المعتقدات الفكرية والدينية، فالشعائر هدفها الأول التذكير بمبادئ الإمام الحسين والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ومن ثم نشر هذه المبادئ والعقائد عبر إحياء وتعظيم هذه الشعائر، أي مزج الأفعال والحركات بالأفكار والمضامين والعقائد، وبالتالي تنوير الناس وتثقيفهم وتوعيتهم.
فتصبح الشعائر هنا وسيلة لتعميق الوعي عند الناس، لاسيما بعد فهم أبعاد وطروحات هذه الشعائر، ولذلك فإن المجالس الحسينية كانت ولا تزال وسيبقى لزاما عليها أن تقدم للحاضرين والمشاركين فيها معانٍ ومبادئ وأفكار ومعتقدات وثقافة تنقذ الإنسان من خطر التجهيل والتسطيح الفكري والعقائدي. هذا هو المعنى الواضح للشعائر الحسينية.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يتساءل في كتابه الموسوم (رؤى عن نهضة الإمام السحين عليه السلام):
(ما هو المقصود من شعائر الإمام الحسين عليه السلام؟، ويجيب: إن كل أنواع العزاء المتعارف إقامته عند الشيعة والمحبين للإمام الحسين عليه السلام هو من مصاديق الشعائر الحسينية وتشملها الآية الكريمة: ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
هذه الشعائر الحسينية تفرض علينا أن نعرف جيدا من هو الإمام السحين عليه السلام، وما هي شخصيته، ومن ثم مواقفه ومبادئه وفكره، ثم ما هي أركان النهضة الحسينية، حتى نعرف ماهيتها وقوانينها، ونعمل بها في حياتنا، فالغاية من إحياء الشعائر أولا وأخيرا هي تغيير حياة الناس والنهوض بهم، وانتشالهم من الواقع البائس الذي يعيشونه.
هذا بالضبط ما دفع بالإمام الحسين (عليه السلام) الخروج من الحجاز معلنا الرفض والثورة ضد الانحراف والفسق والظلم والفجور، والمحاولات اللئيمة لتخريب الإسلام ومبادئه وأحكامه وتشريعاته، وحتما أننا على معرف تامة بأن المبادئ الحسينية هي الامتداد السليم والصحيح لمبادئ الإمام علي عليه السلام، التي أخذها عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فالشعائر الحسينية في جذورها الحقيقية هي دعوة واضحة للإصلاح، ولها أبعادها المحلية والعالمية.
التعرّف على شخصية الإمام الحسين (ع)
الأبعاد المحلية تعني تنوير المسلمين بهذه الشعائر، ومن ثم الشروع بتقديمها بأفضل وأنصع صورها للآخرين على المستوى العالمي، لكي يعرفوا أن الثائر الأعظم الإمام الحسين عليه السلام ثار ضد الظلم السلطوي الجائر، ونجح في ثورته، وظلّ صدى هذه الثورة يرعب الطغاة على مر التاريخ، لهذا ينبغي أن يعرف العالم هذه الشعائر بأنصع صورها وبجوهرها الأصيل.
يقول الإمام الشيرازي: (واجبنا اليوم هو أن نتعرف على عظمة شخصية الإمام الحسين عليه السلام، وعلى أهداف نهضته المباركة وأن نسعى للعمل بكل قوانين الحياة التي أتى بها جده رسول الله صلى الله عليه وآله، وبيّنها أهل بيته عليهم السلام ورعاها الإمام الحسين عليه السلام بشهادته وسقاها بدمه الطاهر، ثم نعرض صورتها وصورة الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله).
من كل هذا نستخلص الواجب الذي يقع على عاتقنا، باعتبارنا من مناصري سيد شباب أهل الجنة وشهيد كربلاء الأغر الإمام السحين عليه السلام، فعلنا أن نعظم شعائر الحسين على المستوى المحلي، ونستثمرها بألف طريقة وطريقة لتطوير عقول الناس وأفكارهم وسلوكياتهم، كما يجب أن تصل هذه الشعائر إلى العالم أجمع بالصورة والجوهر الحقيقي لها.
وهذا ما يؤكد وجوبه الإمام الشيرازي حين يقول:
(يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تعظيم شعائر الإمام الحسين عليه السلام بشكل أقوى وأفضل).
من هنا جاءت أهمية الشعائر، وقد أكد أئمة أهل البيت عليهم السلام في رواياتهم وأحاديثهم على أهمية هذه الشعائر، لأنها السبيل إلى النهوض بعقول الناس وأفكارهم، خصوصا إذا خلت هذه الشعائر من الشكلية، وتعمّقت بجوهر الفكر الحسيني، وركزت على المبادئ التي نادى بها الإمام الحسين عليه السلام وقدم نفسه وذويه من أجل تثبيتها، ودحر الحكام الظالمين المستبدين، والانتصار للإسلام فكرا ومبادئا وأخلاقا وعقائدا.
لذا مطلوب تجديد الحداد على أبي عبد الله عليه السلام، مع إقامة الشعائر، والمجالس الحسينية التي تأخذ على عاتقها نشر العقائد والمبادئ الحسينية المباركة، وجل هذه المبادئ تصون الحريات الشخصية والجماعية، وتنادي بالإصلاح في أمة محمد صلى الله عليه وآله، لهذا طالب أئمة أهل البيت مؤيديهم وأتباعهم بمواصلة إحياء ذكراهم عبر هذه الشعائر العميقة الجادة في مضامينها وأهدافها.
كيف نحيي الشعائر الحسينية؟
يقول الإمام الشيرازي: (لقد أكّد الأئمة الطاهرون (صلوات الله عليهم أجمعين) في روايات كثيرة على أهمية هذه الشعائر وعلى لزوم إقامة مجالس الحزن والعزاء وإحياء ذكريات عاشوراء وتجديد الحداد على مصائب أبي عبد الله الحسين عليه السلام وبيّنوا ما لذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب عند الله تبارك وتعالى. قال الإمام الصادق عليه السلام: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيى أمرنا).
كيف نحيي الشعائر الحسينية؟
وقد يتساءل أحدهم ما هي الشعائر التي يوصى بها، وكيف نقوم بإحيائها، والجواب واضح، فكل المجالس الحسينية والأنشطة الثقافية والفكرية الحسينية تدخل في هذا الهدف الجوهري، ولكن هذه المجالس يجب أن تكون نوعية من حيث شمولية الأبعاد، على مستوى الداخل المحلي والخارج العالمي، فالعالم كله يتساءل عن هذه الشعائر وأهدافها، ومطلوب توضيح ذلك عبر وسائل التوصيل المختلفة إلى العالم أجمع.
أما في البعد المحلي فهناك حسينيات ومؤسسات دينية يُضاف إليه البيوت والمواكب الحسينية المختلفة، هذه كلها يجب أن تتصدى للبعد المحلي لهذه الشعائر، والتنبيه إلى شمولية هذه الشعائر، وجوهرية أهدافها، من خلال التركيز على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وتبيان الأهداف الكبرة التي استشهد من أجلها الإمام مع ذويه وصحبه الأطهار.
الإمام الشيرازي يشير إلى هذه النقطة فيقول:
(من الشعائر التي يمكن أن يشار إليها هي مجالس العزاء الموسمية والأسبوعية التي تقام لإحياء مصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام في المنازل وفي المحلات العامة وفي الهيئات والحسينيات وفي المساجد والعتبات، وذلك بكل أشكالها وكافة صورها وأنواعها).
هذه في البعد المحلي، أما في البعد العالمي فإن إقامة هذه الشعائر أمر لا يمكن التخلي عنه، لأن البشرية أحوج ما تكون اليوم إلى مبادئ النهضة الحسينية، لذا يجب توصيل هذه الشعائر والمبادئ والمضامين إلى العالم كله بلا استثناء، لأن قضية الإمام الحسين عليه السلام لا تخص المسلمين وحدهم بل تمتد بنورها إلى كل مكان وزمان.
وهذا ما يذكره الإمام الشيرازي في قوله:
(يجب عدم الاكتفاء بما يُقام عندنا من شعائر، بل يجب إقامتها في كل العالم وبكل اللغات فإن في ذلك خدمة للعالم وللبشرية جمعاء، وذلك لأن الإمام الحسين عليه السلام وقضيته ليست خاصة بالمسلمين فحسب، بل هو للجميع وقضيته قضية كل البشرية على مرّ التاريخ).
إذا نحن نقف أمام بعديْن أساسين للشعائر الحسينية، البعد المحلي ومن ثم البعد العالمي، وفي كلا الحالتين يجب التركيز على الأهداف التي تذهب إليها هذه الشعائر، وهي في جوهرها نشر القيم السليم، قيم عاشوراء، قيم العدالة والإصلاح وإنقاذ البشرية من التسلط والاستبداد والطغيان الفاحش.
اضف تعليق