إن الإمام الحسين عليه السلام استشهد من أجل إحياء القوانين الإسلامية، تلك القوانين التي توجب الخير والبركة في المجتمع البشري في هذه الدنيا قبل الآخرة، ولكن مع الأسف الشديد فإن مجموعة ممن يدعي الإسلام اليوم تراه يحارب هذه القوانين، وهناك من الحكام من يجري ذكر الإمام الحسين عليه السلام على ألسنتهم ولكنهم يحاربون أهداف نهضته المباركة...
(علينا أن نتعلم من يوم عاشوراء درساً في إحياء الحريات الصحيحة)
الإمام الشيرازي
لكل وقفة بطولية يخلدّها التاريخ أسبابها التي تتوثق بأحرف من نور، وهذا بالضبط ما تم التعامل به مع ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الانحراف الأموي الخطير، أما الأسباب فإن رفض الظلم يقف في مقدمة الأهداف، ومقاومة الاستبداد، وكسر شوكة المستبدين، عبر الأسلوب الذي يستخدمه الثوريون عادة وهو أسلوب الاحتجاج الواعي والمقاومة التي تعرف وتفهم وتستوعب بعقلية واعية اسباب الثورة ومواجهة الطغاة.
بهذا الأسلوب وتحت هذه الأسباب ثار الإمام الحسين عليه السلام لكي يحيي القوانين والقيم الإسلامية مجددا، بعد أن وأدها يزيد وجلاوزته بسلطاتهم الجائرة، واساليبهم الخارجة على الدين والعقائد والتقاليد والأعراف الاجتماعية، هكذا وضع الإمام الحسين عليه السلام نصب عينيه استعادة القيم الإسلامية التي جاء بها جده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وهي قوانين وقيم سعت وتسعى لزرع الخير في ربوع الأرض، وتجعل الإنسان يعيش في كرامة، لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما بسبب وجود نفر ضال محسوب على المسلمين، وقفوا بالضد من قيم الإسلام الحقيقي وناهضوا الحرية والحق وانتهكوا كل الحرمات.
ومن هؤلاء الذين ناهضوا الحرية والفكر القويم الذي رفع لواءه الحسين عليه السلام، قادة وحكام يلهجون بذكر الإمام الحسين ويأتون به على ألسنتهم، لكنهم لم يلتزموا بمنهجه ولا مبادئه وحاربوا الناس في حقوقهم وحرياتهم، فكانوا ولا زالوا مع الحسين عليه السلام بالكلان ولكن ضده بأفعالهم التي تعادي قيم الفكر الحسيني المعروف بمناهضته للطغيان وانتصاره للإنسان وحرياته وحقوقه المشروعة والمنصوص عليها في الأحكام الشرعية.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (عاشوراء والعودة للإسلام):
(إن الإمام الحسين عليه السلام استشهد من أجل إحياء القوانين الإسلامية، تلك القوانين التي توجب الخير والبركة في المجتمع البشري في هذه الدنيا قبل الآخرة، ولكن مع الأسف الشديد فإن مجموعة ممن يدعي الإسلام اليوم تراه يحارب هذه القوانين، وهناك من الحكام من يجري ذكر الإمام الحسين عليه السلام على ألسنتهم ولكنهم يحاربون أهداف نهضته المباركة).
إن الوعي هو الهدف الأول الذي سعى إليه الإمام الحسين عليه السلام، لأنه يعرف ويثق بأن الوعي والعقل الناضج والعارف بالأمور ما ظهر منها وما بطن، هو الذي يقود الناس إلى مقاومة الظلم والظالمين، فالحكام الطغاة يحاولون بكل السبل أن يستغفلوا قليلي الوعي وأصحاب العقول غير المتعلمة، ويسعون إلى كسبهم كي يكونوا عبيدا لهم.
التخلص من شرنقة الجهل
لهذا يسعى الحكام الطغاة إلى إبعاد الناس عن العلم والوعي والمعرفة، وينصبون الحواجز الشاهقة بين الناس وبين العلم، وبالتالي يبقى هؤلاء لا يعرفون حقوقهم، ولا يفهمون حدود حرياتهم، فيستعبدهم المستبد، جاعلا منهم جنودا آليين يحركهم كيفما يشاء ومتى ما يشاء لحماية سلطانه وأركان عرشه، هكذا فعل المستمرون أيضا في الشرق خصوصا، كما حدث في اليابان مثلا، التي أراد المستعمرون تدميرها من خلال الجهل وقلة الوعي.
يقول الإمام الشيرازي:
(أراد المستعمرون لليابان أن تكون دولة متخلفة، لكنها تمكنت من الوصول إلى أعلى مراتب التقدم وذلك بفضل نشر الوعي في أوساط الأمة).
فإذا عرفنا وفهمنا وآمنا بأن المنهج الحسيني يسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على وعي الإنسان بحريته، وفهمه لحقوقه، وتخليص عقله من شرنقة الجهل التي يحاول الحاكم الطاغية والمستعمر أن يلبسها للناس البسطاء، ويقتلون تفكيرهم، ويسلبون وعيهم، ويكسبون ودهم من خلال التجهيل المتواصل، لكن هذا ما لا يريده الإمام الحسين في منهجه الذي يقوم على وعي الإنسان وفهمه ومقاومته لكل من يحاول تدمير حرياته وحقوقه.
لقد استشهد الإمام الحسين عليه السلام لكي تسود قوانين وقيم الإسلام العادلة، حيث قام يزيد وبطانته ومعاونوه بالتجاوز على الاسلام، وتدمير القيم الإسلامية، من هنا بدأت حركة الطف، وأعلن ثائر الإسلام وسيد شهداء الجنة، أعلن ثورته للإصلاح بعد أن عاث يزيد فسادا في قيم الإسلام وقوانينه، فأحدث فوضى عارمة جعلت الأمة الإسلامية تنوء بأحمال ثقال من المحرمات والانحرافات الهائلة.
يقول الإمام الشيرازي:
(لذا فالواجب علينا أن نجعل يوم عاشوراء يوماً لإحياء القوانين الإسلامية والعمل بها ونشر الثقافة والوعي في أوساط الأمة، فإن الإمام الحسين عليه السلام قُتل من أجل إحياء الإسلام وقوانينه العادلة).
لقد مات الحرية على أيدي بني أمية، حينما هيمنوا بالقوة على الخلافة، وقادوا المسلمين في مسارب شيطانية معروفة للجميع، لقد انتشرت الرذيلة بين المسلمين، وساد الظلم واللا عدالة فيما بينهم، وانتشرت قوانين الغاب، وكان الظلم سيدا على كل شيء، وانحسر صوت الحق، وتراجعت الحريات وكأنها لم تولد أصلا، فكل ما جاء به الإسلام المحمدي لم يعد له وجود في حكم يزيد، وانتشر الفسق وسادت قيم الشر والخبث والحسد والبغضاء بين الناس.
إحياء الحرية بعد موتها
لقد خاطب الإمام الحسين الناس وقال لهم (لقد ولدتكم أمهاتكم أحرارا) فكونوا أحرارا كما أنتم، ولا تستجيبوا للطاغية، واستعدوا لمؤازرة الحق حتى لو كان الثمن غاليا، وكان المثال الأعظم للمسلمين جميعا حين قدم نفسه وأغلى ما يملك قربا للحرية المنشودة، الحرية هذا الحق المولود مع الإنسان لا ينبغي التفريط به مهما كانت الأسباب والمغريات التي يقدمها الحاكم للناس، لكن يحتاج هذا التمييز للوعي حتى يحمي الإنسان حقه وحرياته، وهذا هو جوهر المنهج الحسيني الاستراتيجي أو بعيد المدى.
يقول الإمام الشيرازي: (لقد كان استشهاد الإمام الحسين عليه السلام من أجل إحياء الحرية التي ماتت على أيدي بني أمية، وقد جاء في قوله عليه السلام يوم عاشوراء حينما خاطب القوم: «إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم. وقال الإمام الحسين عليه السلام في تلك المعركة للحر الرياحي: «فأنت والله حر في الدنيا وسعيد في الآخرة»).
هذا هو المنهج الحسيني الذي يقوم على أهداف استراتيجية تهدف إلى إحياء الحريات الصحيحة ومحاربة الفساد بكل أنواعه، ومن غير المقبول للإنسان الحسيني أن يكتفي بإقامة الشعائر ولا يطبق القيم الحسينية والمنهج الحسيني بشكل عملي.
إن من يلتزم بجزء من المنهج الحسيني ويهمل الجزء الآخر لن يكون هذا صحيحا منه، بل الصحيح هو اكتمال الإيمان بالمنهج الحسيني، والسعي لتطبيقه بطريقة متكاملة وليست جزئية أو مجتزأة، بل هي منظومة متكاملة ومنهج متداخل مع بعضه على الإنسان الحسيني أن يلتزم به بشكل كلي متكامل.
الإمام الشيرازي يقول حول هذه النقطة:
(علينا أن نتعلم من يوم عاشوراء درساً في إحياء الحريات الصحيحة وإزالة المفاسد الاجتماعية، وإلا فإن الشخص الذي يكتفي فقط بالشعائر المقدسة المعروفة ولا يعمل ببقية دروس عاشوراء مثله كمثل المريض الذي يقرأ وصفة الطبيب المعالج ولا يعمل إلا ببعضها، لذا فإنه لا ينتفع بالشكل المطلوب، فإن: «الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان»).
هكذا ونحن نعيش مناسبة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، المطلوب واضح ومعروف لنا جميعا، هناك منهج حسيني واضح المعالم، لابد أن نلتزم به إذا كنا ننتمي حقا للخط الحسيني بالقول والحقيقة، نناصر الحريات وندعم العدالة ونقف إلى جانب الحق، وننشر قيم الخير والعدالة وكل القيم الصالحة، وهذا ما سعى إليه الإمام الحسين عليه السلام. في منهجه الحسيني الخالد.
اضف تعليق