تُسهم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بتحقيق أهداف كبيرة، منها تمكين القادة الصالحين في قيادة الناس نحو حياة أفضل، كما أنها تُسهم بشكل فعال في صناعة بيئة مجتمعية عادلة متحادية ومتعاونة، مما يؤدي إلى متانة البنية الاجتماعية وقوتها وتماسكها...
(إذا فقد الإنسان حريته العامة لا يتمكن من مزاولة أعماله ونشاطاته بشكل متكامل)
الإمام الشيرازي
من ثمار الحرية أنها تتيح للإنسان العمل الحر وتفتح أمامه أبواب وآفاق الحياة، فيغدو عنصرا فعالا في المجتمع، ويصبح عضوا ناجحا ومنتِجا في ظل أجواء الحرية التي يتمتع بها، بحسب نوعية النظام السياسي الحاكم، ويخطئ القادة السياسيون عندما يظنون بأن السياسة المستبدة والقمع يحميان السلطة، بل على العكس من ذلك تماما، فإن الحرية وقيم العدالة وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تشكل أسسا متينة لتمكين الحاكم وحماية نظامه.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعزز العلاقات المتبادلة بين مكونات النسيج المجتمعي، وفي نفس الوقت يتم تعزيز العلاقة بين الحاكم والشعب، إذا استعان بفريضة وأخلاقيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذه الحالة فإن تمكين السلطة ودعم الحاكم ينتج عن اعتماد القيم السليمة في التعاملات المتبادلة، كنشر قيم العدالة الاجتماعية التي تسهم بشكل فعال في تمتين العلاقات الشعبية والحكومية، من خلال توسيع آفاق السلام والسلم المجتمعي.
الإمام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه الموسوم بـ (الفقه السلم والسلام الجزء الثالث):
(من الأمور المهمة التي لها علاقة مباشرة بالحرية السياسية وحرية الرأي والشورى وترسيخ السلم والسلام: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ تعتبر هذه الفريضة إحدى قواعد السلام وركائزه ومقوماته).
ومن الشروط الأساسية التي تديم السلطة وتضاعف أركانها، وتمكن الحاكم من التربّع على عرش السلطة بأمن وأمان، اعتماده مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الفريضة تمكنه من القيادة المستقرة بسبب الاستثمار الصحيح للسلطة، فحين يتمسك الحاكم ومعاونوه ومساعدوه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما يعملون بالأحكام الإلهية الصحيحة، بالإضافة إلى تأكيدات الأحاديث النبوية التي تؤكد أهمية هذه الفريضة للحاكم.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن الله يصف المؤمنين الذين يمكنهم في الأرض ويجعل لهم السلطة بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا شرط للتمكين في الأرض وإدارة الحكم وبهما يتم إحلال السلام والأمن، تقول الآية: الّذِينَ إِنْ مّكّنّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُور).
كيف تتم مقارعة الأشرار؟
على العكس من ذلك، أي إذا تخلى الحكام والساسة عن تطبيق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنهم في هذه الحالة يفسحون المجال أمام الأشرار لكي يسيطروا على البلاد والعباد، وقد أثبتت التجارب الكثيرة للأنظمة السياسية الطاغية، أنها بأسلوب الظلم والطغيان، والابتعاد عن الإصلاح، ورفض فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما تفتح الطريق أمام الأشرار لكي يعيثوا في الأرض فسادا.
الإمام الشيرازي يؤكد هذه النقطة في قوله:
(إن عدم القيام بهذه الفريضة يؤدي لهيمنة الأشرار على البلاد وسيطرتهم على العباد، وفي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب له).
لا تنحصر نتائج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يجري في الحياة، وإنما يتعدى ذلك إلى الآخرة، حيث يتعرض كل حاكم وكل مسؤول وكل إنسان إلى العقاب الإلهي بسبب تخليه عن العمل بهذه الفريضة التي تصنع السلم والسلام في المجتمع الواحد، وبين المجتمعات بعضها مع بعض، وبسبب مغريات الدنيا قد يتخلى البشر عن تطبيق هذه الفريضة، لاسيما أولئك الذين يتصدرون المناصب الكبرى في الدولة.
في حين سوف تختلف جميع الموازين في الآخرة، وهي بعيدة كل البعد عن موازين الدنيا، ففي الآخرة هنالك عدالة مطلقة، وانعدام تام لأساليب الظلم التي تسود في أحكام الدنيا، لأن الله تعالى لن يظلم بشرا، كما لا يضيع أجر المحسنين مطلقا.
يؤكد الإمام الشيرازي هذا الرأي كما نلاحظ ذلك في قوله:
(من الواضح أن العقاب في الآخرة إنما هو للذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما فتنة الدنيا فهي عامّة وذلك لقانون الأسباب والمسببات، أما بالنسبة إلى الآخرة فتختلف الموازين، فهناك عدل مطلق ليس فيه ظلم إطلاقا، فإن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة).
أما أهمية أن يلتزم الناس بهذه الفريضة لاسيما المسؤولون، فيعود السبب إلى وضع حصانة للإنسان من تطبيقه لهذه الفريضة في تعاملاته وعلاقاته ونشاطاته المختلفة، فإذا استسهل الشخص الأعمال المنكرة ورأى فيها أعمالا مسموحا بها، فإنها يدخل في طريق الانحراف، والواقع يدل على وجود مثل هؤلاء البشر، لذلك صار رفض المنكر أمرا واجبا على الجميع، حتى لا يكونوا عرضة للانحراف.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(وجب النهي عن المنكر بالقلب حتى لا ينحرف الإنسان فيرى المنكر معروفا والمعروف منكرا، كما نشاهد ذلك في كثير من المنحرفين الذين لا يأبهون بالمنكر إطلاقا ويمرّون عليه كأنه معروف).
الكلمات الصالحة ترسخ في الأذهان
بعضهم يضن أن حث الناس على المعروف ونهيهم عن المنكر لا جدوى منه، ويظن أن كلامه ونصائحه سوف تذهب سدى، لكن الصحيح أن الكلام الجيد يبقى عالقا في ذهن الإنسان، وإنه سوف يترك تأثيره عليه مستقبلا، فلا يذهب الكلام الصحيح الصادق أدراج الرياح كما يظن بعضهم، وهذا من أهم أسباب تمكين الحكم الصالح الذي يعتمد أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إدارته للسلطة ولإدارة شؤون الناس.
علما أن ذهنية الإنسان مهيّأة تماما لاستقبال الكلام الجيد والنصيحة الصادقة، لأنها تتلاءم مع الفطرة التي جُبِل عليها الإنسان، فإن الله تعالى جعل ذهنية الإنسان تستقبل الكلام الصالح وتفضله على سواه، ولهذا تعلق الكلمات الصالحة في أذهان من يسمعها، ويتعلق بها وسوف يتذكرها لاحقا ويعمل بها، فتأثير الكلمة كبير جدا وثبت بشكل قاطع تأثير الكلمة على الآخرين لاسيما إذا توافقت مع فطرتهم.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(إذا قال أحدهم كلاما لشخص وهو قاطع بعدم جدواه الآن، لابدّ وأن يكون لهذا الكلام تأثير فيه بعد مدة ـ ولو كان تأثيرا جزئيا ـ فإن الله خلق الذهنية بحيث تتقبل النصيحة. وفي الإنجيل: (في البدء كان الكلمة).
لهذا فإن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعد من أعظم الركائز الأخلاقية التطبيقية التي تضاعف من أجواء السلم والسلام، وتنشر الرحمة والتقارب بين الناس، كما أنها تفصل الحواجز المانعة بين الحاكم والمحكوم، وتمكن القادة من السيطرة على مقاليد الأمور بسبب عدالتهم ورحمتهم وأسلوبهم الصحيح في إدارة الحكم.
ولابد أن يُعمَل بهذه الفريضة بشكل تدريجي، ولا يتم فرضها جبرا أو بالإكراه، كذلك من المهم أن تكون هناك استعدادات مسبقة تمهد لاعتماد هذه الفريضة، حتى يستتب الأمن وتتضاعف أواصر السلام، وتسود العلاقات الاجتماعية المتوازنة.
(إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحدى قواعد السلم والسلام وركائزه ومقوماته في المجتمع الإسلامي ينبغي بيان أن هذه الفريضة ليس لها دور في إحلال السلام إلا إذا كان هناك واقع ملائم لحركة هذه الفريضة وممارستها، وينبغي التدرج في تطبيق قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كي يؤدي دوره بصورة أكمل في إحلال السلام).
وبهذه الطريقة تُسهم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بتحقيق أهداف كبيرة، منها تمكين القادة الصالحين في قيادة الناس نحو حياة أفضل، كما أنها تُسهم بشكل فعال في صناعة بيئة مجتمعية عادلة متحادية ومتعاونة، مما يؤدي إلى متانة البنية الاجتماعية وقوتها وتماسكها.
اضف تعليق