ان الهدف من ممارسة التغيير داخل المجتمع ليس مجرد دعاية او تحقيق منجر للتفاخر، بل هو إعادة احياء للمجتمع الذي قد يصل الى حافة الهاوية والانهيار والموت والخمول والكسل والتخلف، وبالتالي لا يمكن ان تكون عملية الاحياء بالسهولة والبساطة التي يظنها البعض، بل قد تضعك هذه العملية في مواجهة...
تحتاج أي عملية انتقال، غير عنيفة، من حال لآخر الى القدرة (القوة/ الطاقة/ المعرفة) على ممارسة هذا الفعل، مع توفر الأسباب التي تمكن (الفرد/ الجماعة/ المجتمع) من النجاح في الوصول الى الأهداف المطلوبة، وهي عملية ليست بالسهلة لكنها غير مستحيلة.
هذا الانتقال قد يأتي بدوافع مختلفة، منها السياسي والاقتصادي والديني او بدافع ثقافي او اجتماعي او معرفي نتيجة لظروف معينة يمر بها المجتمع تؤدي الى وجود حاجة ملحة لممارسة عملية التغيير (العقلاني) الذي لا ترافقه الأزمات او الميل الى التغيير عن طريق استخدام العنف او أي شكل من اشكاله، والا ستتحول الى شكل آخر من اشكال التغيير القسري (الاكراه) او التغيير الثوري (العنيف)، والذي يأتي غالبا كردة فعل في دائرة لا تنتهي من المشكلات كما يرها المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي: "على الذين يريدون التغيير أن يعقلنوا حركتهم وبحسب متطلبات الظروف لا بحسب رد الفعل، حيث إن الإنسان إذا كانت حركته في دائرة رد الفعل سيكون في أزمة يخلقها عدوه له، حيث إن رد الفعل يسحب الإنسان حيث أراد صاحب الفعل، لا حيث هو يريد".
يعول الامام الشيرازي (رحمه الله) كثيرا على الكفاءات من النخب الواعية والمثقفة والمتسلحة بالإيمان والاخلاص والصدق والأخلاق الحميدة في ممارسة عملية التغيير داخل مجتمعاتها، لأنها (النخب) تملك القدرة الحقيقية والوعي المعرفي والصفات النفسية التي تؤهلهم للنجاح في مهمتهم التي يشترط فيها توفر مجموعة من النقاط الضرورية منها:
1. توفر الحرية: "لكي نبدأ بحركة التغيير وإصلاح واقعنا المأزوم وصولا الى واقع صحي وواعد، ومن النقطة الصحيحة، ينبغي تحقيق واحد من اهم أسس الحياة وديمومة التحرك نحو الأفضل وهي الحرية التي هي أساس البقاء ثم التقدم، فان الانسان إذا لم يكن حرا فلن يظل حيا فكيف يمكنه ان يتقدم".
2. المعرفة: "لابد لمن يريد السير بالأمة إلى الأمام من معرفة كل الأمور والجوانب، والأطراف والخصوصيات، والحوادث والارتباطات، والأسباب والمسببات، لأن ممارسة التغيير لا تصح بالنسبة إلى من لا يعرف هذه الأمور".
3. الرؤية بعيدة المدى: "الذي يريد التغيير، عليه أن يتسلح بالرؤية البعيدة، حتى يتمكنوا من تمييز الصالح عن الطالح، والصحيح عن الفاسد، وما يوصل عما لا يوصل".
وحتى لا يقع الساعون الى ممارسة التغيير في شباك الشك بالأهداف وسوء النوايا من الشريحة المستهدفة لابد لهم من إدراك حجم المشكلات أولا، وواقع التحديات التي تواجههم ثانيا، من اجل تذليل الصعاب والعقبات في طريق عملية الإصلاح الكبرى التي ينشدوها، وهذا الامر لا يأتي بفترة زمنية قليلة، او خلال خطوات إصلاحية محدودة او معدودة، ولا بالاعتماد على فئة معينة دون غيرها، بل هي حركة شاملة تتجمع فيها المتغيرات بالتراكم مثل قطرات الماء او حبات الرمل لإزالة البناء القديم وتشييد الجديد: "على الذي يريد التغيير، أن يجمع القطرات، من أجل هدم الأبنية السابقة، وتشييد الأبنية الجديدة، مهما طال الزمن، ومهما احتاج إلى ضم قطرة إلى قطرة، وذرة إلى ذرة، وعمل إلى عمل، وجهاد إلى جهاد، وذلك بفارغ الصبر، وجميل الانتباه".
ان الهدف من ممارسة التغيير داخل المجتمع ليس مجرد دعاية او تحقيق منجر للتفاخر، بل هو إعادة احياء للمجتمع الذي قد يصل الى حافة الهاوية والانهيار والموت والخمول والكسل والتخلف، وبالتالي لا يمكن ان تكون عملية الاحياء بالسهولة والبساطة التي يظنها البعض، بل قد تضعك هذه العملية في مواجهة الافراد او المجتمع ككل، خصوصا إذا كان هذا المجتمع يقاوم عملية التغيير نتيجة لتراكم الازمات التي اوصلته الى حالة التخلف: "على الإنسان أن يعمل بكل ما أوتي من قدرة وقوة لاستثمار طاقاته، وإذا لم يسمح له مجتمعه بسبب تخلفه يجب عليه السعي لتغيير ذلك المجتمع"، مع ملاحظة ان مواجهة المجتمع لا تعني الميل للعنف وتفرعاته، بل هي مواجهة فكرية واخلاقية ومعرفية تؤدي الى التغيير المنشود.
الخلاصة يقول الامام الشيرازي: "من أهم الأمور التي تجب على الذين يريدون التغيير هو فهم السياسة، إذ بدونه لا يتمكن الإنسان من الشروع في العمل وإن بدأ، فإنه لا يتمكن من الاستقامة في أمره وإن تجلد وقاوم، فإنه لا يتمكن من مواصلة السير بالحركة إلى شاطئ السلام والهدف المنشود"، وهو امر مهم، لان السياسية بمعناها العام تعني القيام بأمر من أمور الناس بما يصلحه او "تسيير أمور أي جماعة وقيادتها ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين افراد المجتمع الواحد"، وبالتالي فان الإخفاقات او التراجع او المواجهة اللاعنفية هي جزء من عملية ممارسة التغيير التي يتعرض لها المصلحون او الساعون الى التغيير.
وهنا يؤكد الامام الشيرازي على الصبر وسعة الصدر في الرخاء والبلاء: "على الذين يريدون التغيير، أن يوسعوا صدورهم في الرخاء والبلاء، فلا تبطرهم النعمة، ولا تؤيسهم النقمة، فإن في طريق التغيير يكون كل ذلك"، إضافة الى التسامي والرقي النفسي عن صغائر الأمور وتوافه الاحداث والعقبات التي تعترض طريق المصلحين في سبيل تحقيق الهدف الأكبر: "تحتاج عملية التغيير بالإضافة إلى الاستعانة بالله، إلى صفات نفسية سامية ومواصلة عملية دائمة كي ترسو سفينة الإسلام على شاطئ السلام"، وسيكون النجاح، بعد هذه المقدمات، حليفا حقيقيا لأي عملية تغيير داخل المجتمع او الفرد.
اضف تعليق