في كل شيء ينتجه الإنسان، هناك منافع وهناك أضرار، فالأفكار الجيدة قد تحمل في طياتها نتائج غير نافعة، مع أن المتوقّع هو النتائج النافعة، والأعمال كذلك، يمكن أن ينتج عنها منافع وأضرار، لهذا كلما كان الإنسان حريصا على أن يقل الضرر في إنتاجه، فإن فرص تقدمه كبيرة جدا، وهذا ينطبق على المجتمعات أيضا...
(من سمات المتخلفين تخلّفا شديدا تحويل النافع إلى ضارّ) الإمام الشيرازي
في كل شيء ينتجه الإنسان، هناك منافع وهناك أضرار، فالأفكار الجيدة قد تحمل في طياتها نتائج غير نافعة، مع أن المتوقّع هو النتائج النافعة، والأعمال كذلك، يمكن أن ينتج عنها منافع وأضرار، لهذا كلما كان الإنسان حريصا على أن يقل الضرر في إنتاجه، فإن فرص تقدمه كبيرة جدا، وهذا ينطبق على المجتمعات أيضا.
لهذا صارت سمة أو حالة تحويل الضار إلى نافع من سمات الأمم المتقدمة، والشخص الناجح هو الذي يتمكن من تحويل الأضرار إلى منافع في مختلف مجالات الحياة، أما حين يتسم الإنسان أو المجتمع بسمة تحويل النافع إلى ضار، فإن هذا الشخص والمجتمع هما من المتخلفين، وحين تجد أمة متخلفة وشخصا متخلفا، فلابد أن يكون السبب تحويلهم الأشياء النافعة إلى ضارة.
وهذه القضية في الحقيقة هي مشكلة المسلمين، بل مشكلة المجتمعات المتأخرة قاطبة، لأن الفشل في تحول الضار إلى مفيد دليل عجز وركون إلى الخمول، وهذه كلها من سمات المجتمعات الفاشلة، أما المجتمعات الناجحة، فهي تلك التي تستطيع أن تجمع طاقاتها وإمكاناتها، وتكون قادرة على تحويل جميع الأشياء الضارة إلى نافعة، وبعكس ذلك لا يمكن لأية أمة أن تنهض إذا عجزت في قلب المعادلة لصالحها.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم (إلى العالم):
(إن من سمات الأمم المتقدمة تحويل الضار نافعاً، بينما من سمات المتخلفين أشد التخلف تحويل النافع ضارا، وقد صار المسلمون من هذا القبيل حيث انحرفوا عن سنن الله سبحانه).
لقد تغيّر عالمنا كثيرا، واستطاع الإنسان أن يبتكر الكثير من المنتجات في مختلف المجالات، وكل هذه الابتكارات أسهمت بطريقة أو أخرى، في جعل حياة الناس أسهل وأيسر مما كانت عليه في السابق، منها الوسائل الحديثة التي رافقت الثورة الصناعة، وصنعت العصر التكنولوجي المذهل، وثورة وسائل الاتصال المتنوعة.
التطور الصناعي لإدامة التعذيب
كذلك تشييد المدارس وبناء المسابح للترفيه، فهذه المباني مفيدة ونافعة كما يتضح من عناوينها ومهامها وما تقدمه للإنسان، لكن هناك من حوّل هذه المباني والمنشآت النافعة إلى ضارة، حين جعل منها أماكن لنشر الفساد، كما يحدث في بعض المدارس والجامعات، يُضاف إلى ذلك ما يجري في المسابح بعد أن أصبحت مختلَطة!!
لقد تحول هذه الابتكارات وسواها الكثير من كونها نافعة للفرد والمجتمع، إلى ضارة للفرد ومهدِّمة للمجتمع، فحين تتحول مؤسسة علمية دراسية إلى وسيلة تروّج للفساد، فهذا يسلب منها المنفعة ويجعلها ضارة، بعد أن تتحول من وسيلة ودار للعلم إلى وسيلة للفساد والإفساد، وينطبق ذلك على بعض أماكن الترفيه المنفلتة.
كذلك هنالك الأحزاب السياسية التي تعمل في الميدان السياسي، فبدلا من أن تكون منتجة للسياسات الناجحة والتخطيط السليم، أصبحت مشكلة معقدة بعد أن دعمت الدكتاتوريات، واصبحت في خانة العملاء للأجنبي، فتحولت من حزب داعم للأمة إلى مدمِّر لها بتنفيذ مخططات الأجنبي، كذلك استغلوا الصناعات الجيدة كي تقصي الناس وتقمعهم وتطاردهم وتعذبهم، فصنعوا وسائل التعذيب لقمع كل صوت يقف ضد العملاء.
وبرعوا أيضا في التطور الصناعي فاستغلوا ذلك أبشع استغلال حين صنعوا البنادق والأسلحة المختلفة، ليس دفاعا عن الأمة أو الدولة، وإنما حماية لعروش الطغاة، عبلا قمع المعارضين وقتل الأبرياء، وترويع الأطفال، وهكذا أصبحت الصناعة عامل قاهر للناس بدلا من أن تكون مساعدة لهم في تحسين حياتهم والعيش بكرامة.
يقول الإمام الشيرازي:
(من تلك المنافع التي استفادوا منها ضرراً وتخلفاً، الوسائل الحديثة والأنظمة الجديدة، مثلاً استفادوا من المدارس والمسابح وما أشبه في الإفساد، ومن الأحزاب بأنظمتها الجديدة للعمالة وتبعية الأجنبي واستفادوا من الصناعات الحديثة في صنع آلات التعذيب، ومن البنادق وما أشبه لقتل الأبرياء والاعتداء عليهم).
ماذا سيفعل المصلحون عالميا؟
وهكذا فإن كل علم جديد وابتكار مهم، لم يجدِ نفعا، كثروة النفط التي لم يستفد منا الشعب، بل تحولت هذه الثروة إلى أدوات قامعة للناس، فتم تشييد السجون وانتشر الفساد والإفساد، بعد أن تم التركيز على الجانب الاستخباري والتجسس على الشعب لصالح السلطة، أما النتائج الجيدة التي ظهرت في قطاع النقل، فإن السبب لا يكمن في صلاح الحكومات، وإنما لنشر المخدرات، وجعلها متاحة وتصل إلى كل من يبحث عنها بسهولة.
الإمام الشيرازي يقول عن ذلك:
(ومن ثروة النفط أوغلوا في الفساد والإفساد وبناء السجون وتقوية الدكتاتورية وتوسيع شبكة الاستخبارات الكابتة للأنفاس، ومن المواصلات نقل المخدرات، وهكذا وهلمّ جرّاً، وقد قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ).
لقد أفادَ الغربُ كثيرا من الصناعات الحديثة، فأقام دولا قوية مستقرة ذات اقتصادات متينة ومتنوعة المصادر وبعيدة عن المدار الريعي المدمّر للاقتصاد، وهكذا أحكم الغرب قبضته على السلطة من خلال الوسائل الحديثة، واستفاد من ذلك في تحقيق التقدم الهائل، في حين بقيت دول المسلمين ضعيفة مهزوزة، وكثر فيها العملاء للأجنبي، وتحولت الصناعة الحديثة إلى ضرر على أمة الإسلام بدلا من أن تكون عونا لهم، وبهذا أصبحت النعمة نقمة.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:
(إن الغرب استفاد من الوسائل الحديثة فأحكم بها سيادته واستقلاله وسيطرته، وصرفها في كثير من الأحيان في التقديم العلمي والعملي، لكن المسلمين استفادوا منها في تحكيم العمالة والتبعية والتأخر، فصارت النعمة نقمة عليهم، كالمصباح ليلاً فإنه إذا كان بيد أمين استعمله في الأمانة وإقفال الأبواب والحفاظ على الأموال، وإذا كان بيد خائن استعمله في السرقة والفساد).
وهكذا فإن قضية تحوّل النافع إلى ضار أصبحت ظاهرة واضحة للعيان، وباتت تشكل عبئا على من يسعى إلى تطوير بلده وأمته، حتى الحركات الإصلاحية العالمية، عانت من هذه الظاهرة، لهذا من الواجب على كل هذه الحركات الإصلاحية أن تسعى إلى قلب المعادلة، وتحويل الضار إلى نافع بدلا من النافع إلى ضار.
ولابد أن يتم إرجاع هذه المعادلة إلى موضعها الصحيح، أي جعل الضار نافعا وليس العكس، من خلال إبعاد كل أشكال الفساد عن الأعمال والأفعال وحتى الأفكار التي يسعى الناس من خلالها إلى تحسين حياتهم، فعالمنا اليوم لم يعد يعبأ بشيء اسمه الإنسانية، أو العدالة أو القيم، في ظل موجات مادية متلاحقة عصفت بدول العالم أجمع.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(على المصلحين في الحركات الإصلاحية العالمية، أن يهتموا بإرجاع هذه الوسائل إلى فوائدها المقررة لها، حتى ترجع صالحة ومفيدة عوضا عن أن تكون ضارة ومفسدة).
وأخيرا لكي تكون نافعا في الفكر والعمل، ومصلحا، ومنتِجا، ومساهما في تحجيم المضار، وتشجيع الأعمال والأفكار النافعة، فلابد أن تفهم المعادلة المادية جيدا، وتقلبها إلى العكس تماما، وهذا كله يتلخّص في إمكانية أن تكون إنسانا نافعا وليس ضارا.
اضف تعليق