في الغرب فهنالك قوانين وضعية تجبر الإنسان الغربي على القيام بعملية المساعدة، وبهذا قد يتهرب البعض من ذلك، أو يتردد أو يتحايل، أو يؤدي المطلوب لكن بالإكراه والضغط القانوني، في الإسلام ليس هناك ضغط ولا قانون ملزِم في إتمام عملية التكافل، وهذا يبيّن الفارق الكبير بين المنظورين الإسلامي والغربي....
(التكافل الاجتماعي في الإسلام ينبع من ضمير الإنسان وأعماقه ولا يُفرَض عليه)
الإمام الشيرازي
مفردة الضمان واضحة في معناها البسيط، فهي تعني أن يتم ضمان الحاجة التي يحتاجها شخص أو كائن ما، وطالما هناك متطلبات عيش أساسية يحتاجها الإنسان، لمواصلة العيش، فإن ضمان هذه المتطلبات أمر لا يمكن التهاون فيه أو إهماله، لا من الإنسان الذي يحتاجه، ولا من الإنسان أو الجهة القادرة على تحقيق وتوفير هذا الضمان.
العيش في الحياة ليس أمرا سهلا، يحتاج الإنسان إلى خدمات واحتياجات لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها، وهي بمثابة حقوق أقرّها الإسلام والدساتير الوضعية، يتقدم هذه الاحتياجات الطعام والشراب، والمسكن، والملبس، وفرص العمل، ومن ثم متطلبات أخرى مثل ضمان حرية التعبير، والعدالة في توزيع الثروات وما إلى ذلك من حقوق أخرى.
الغرب له خرائط طريق وخطط لتحقيق الضمان الاجتماعي، والإسلام وضع إجراءات محسوبة ومدوَّنة في الأحكام والشريعة والقرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، كلها تنظّم هذه الحقوق، لتصل إلى درجة أعلى وأفضل في تحقيق الضمان الاجتماعي، وهنالك فرق بين مصطلحي التكافل و الضمان الاجتماعي من حيث المعنى والتطبيق.
الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يوضّح الفارق بين المصطلحين في كتابه القيّم (الفقه: السلم والسلام/ الجزء الرابع) فيقول:
(الضمان والتكافل الاجتماعي، الأول يعني أن الدولة تقوم بمعونة المحتاجين وهو ما يعبر عنه بالضمان الاجتماعي وهو من المصطلحات الحديثة. وأما التكافل الاجتماعي فهو الذي يقوم به أفراد المجتمع وهو عبارة عن إعطاء القادر والمتمكن إلى من هو بحاجة للعطاء والمساعدة).
وهناك فارق آخر بين المصطلحين أيضا، فالضمان يتخصص بالأمور المادية فقط، أي بالجانب المادي الذي يحتاجه الناس، كالمعونة المالية، أو شراء الطعام، وتوفير السكن، وما شابه من قضايا مادية مهمة لإدامة حياة الإنسان، وصيانة كرامته من خلال توفير العيش الكريم، بعيدا عن الإذلال الذي قد يحدث بشكل مقصود، أو بسبب إهمال الجهات المعنية بتوفير الضمان كالحكومات والوزارات والمؤسسات التابعة لها.
الحكومات وتحقيق الضمان الاجتماعي
الضمان الاجتماعي يعود تحقيقيه لجهة محددة واحدة ومعروفة، على عكس التكافل الذي هو فعل جماعي تشاركي عام، إذ لا يقتصر على توفير الأمور المادية وحدها، بل يتعدى ذلك إلى الجوانب المعنوية، وهي في غاية الأهمية، أي لا تقل أهمية عن توفير الحاجات المادية إن لم تتفوق عليها في الأهمية، فالتكافل يتعدى توفير الحاجات المادية إلى المعنوية كالدعم النفسي أو التربوي أو العلمي والتثقيفي، ولذلك يشترك فيه الجميع لأنه عمل تكافلي جمعي.
لذا يقول الإمام الشيرازي:
(هناك فرق آخر بين مصطلحيّ الضمان الاجتماعي والتكافل، فالأول خاص إذ يشمل الأمور المادية فقط ويصدر عن جهة واحدة، وأما الثاني عام ويشمل الحاجات المادية والمعنوية وهو لا يصدر من جهة واحدة فحسب وإنما يشترك فيه جميع أفراد المجتمع).
كذلك هناك ميزة أخرى للتكافل، فهو يمكن أن يكون عاما وشاملا للمادي والمعنوي كما ذكرنا، ويمكن إنجازه عمليا من خلال تطبيق الضرائب الإسلامية التي وضعت لها الأحكام تحديدات واضحة، وحسابات موحَّدة ودقيقة، في تفصيلات غير قابلة للخطأ، يتم من خلالها جمع الأموال من المسمولين بها حسب أحكام الخمس والزكاة، وهي تتكفل بتوفير اللوازم المعيشية كالطعام والشراب لمن يحتاجه حتى يعيش بكرامة.
ويمكن أن يتضمن التكافل ما يقوم به الأقارب أو المعارف تجاه بعضهم بعضا في الدعم المادي، في سد احتياجات المحتاجين للطعم أو السكن أو التمريض على سبيل المثال، فهذه كلها تدخل في إطار التكافل الذي شجع عليه الإسلام بقوة.
الإمام الشيرازي يقول حول هذه النقطة:
(يمكن أن يكون مصطلح التكافل عاماً وشاملاً، ومنها أنه يشمل الجوانب المادية والمعنوية، ومن المادية الضرائب المالية الإسلامية كالخمس والزكاة لأنها تتكفل بمعيشة المحتاج وتقوم حياته، ويشمل أيضاً الإنفاق الذاتي الذي يقوم به الإنسان في إحسانه للغير كالأموال التي يقدّمها لتقوية أواصر صلة الرحم وغيرها).
هنالك فارق مهم وكبير بين التكافل من منظور إسلامي ومن منظور غربي، فالتكافل الإسلامي قضية إيمانية فردية طوعية، بمعنى أن الإنسان المسلم هو الذي يبادر في عملية التكافل دون ضغط قانوني أو غير ذلك من الضغوط الموجبة للتطبيق، بل هو نشاط فردي أو جماعي لكنه في إطار المبادرة الطوعية بسبب ما يؤمن به المسلم وما يتربى عليه بأهمية التكافل ومساعدة الآخرين في حالة احتياجهم.
التكافل الإسلامي طوعيا وليس قانونيا
أما في الغرب فهنالك قوانين وضعية تجبر الإنسان الغربي على القيام بعملية المساعدة، وبهذا قد يتهرب البعض من ذلك، أو يتردد أو يتحايل، أو يؤدي المطلوب لكن بالإكراه والضغط القانوني، في الإسلام ليس هناك ضغط ولا قانون ملزِم في إتمام عملية التكافل، وهذا يبيّن الفارق الكبير بين المنظورين الإسلامي والغربي.
يقول الإمام الشيرازي:
(توجد ملاحظة مهمة حول التكافل الاجتماعي في الإسلام وهو أنه ينبع من ضمير الإنسان وأعماقه ولا يفرض عليه من الخارج عبر قوانين وضعية كما هو في الغرب، وذلك لأنه يتربى على هذا النمط من المسؤولية).
ولهذا السبب نلاحظ أن العالم الغربي حين نبحث قانونيا في تشريعاته الوضعية لتطبيق التكافل، سوف نجد أنه متأثر أصلا بالإسلام، وأن قوانينه ترجع في أصلها إلى الطروحات والتعاليم التي نظم فيها الإسلام التضامن الاجتماعي، ولهذا نلاحظ أن التطبيق الغربي لبنود الضمان الاجتماعي بقي في إطار الضغط القانوني وليس بدافع الفعل الطوعي.
ما يدل على ذلك هو تلك القوانين التي شرّعتها بعض الدول المتحضّرة في مجال تنظيم وتطبيق الضمان الاجتماعي للفرد والمجتمع، وهي في مجموعها تُظهِر تأثّرا واضحا بالإرث الإسلامي وطرائقه لتحقيق الضمان الاجتماعي، الذي يقوم على المبادرة الطوعية وليس القانونية كما ذكرنا سابقا.
الإمام الشيرازي يقول:
(لقد شرعت بعض دول العالم المتحضر بعض القوانين التي تتعلق بالضمان الاجتماعي، وواقع تلك القوانين وأصلها يرجع إلى الإسلام ومأخوذ منه، وقد نادى بها الإسلام وطبقها قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، هذا بالإضافة إلى أن تطبيق الغرب لها لا يرقى إلى مستوى تطبيق الإسلام).
هناك أدلة واقعية على تطبيق الضمان الاجتماعي من المنظور الإسلامي، وهي بمجموعها وباختلاف أحداثها تؤكد أن الإسلام سعى لتغيير حياة الإنسان، والبشرية كلها، لتحقيق نوع من العدل المعيشي القائم على التكافل والضمان الاجتماعي الذي يحد من الفوارق بين الناس ويقلل أو يقضي على التفاوت الطبقي في المجتمع.
يقدم لنا الإمام الشيرازي أحد الأدلة في عهد الإمام علي (عليه السلام) فيقول:
(من ذلك على سبيل المثال: ما فرضه الإسلام على الدولة من حقوق للفقير والمريض والأرملة والعاجز وإن لم يكونوا مسلمين، وقد ورد في (وسائل الشيعة) في كتاب الجهاد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جعل في بيت مال المسلمين حقاً للنصراني العاجز المكفوف قائلاً: »ما أنصفتموه، استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، أجروا لـه من بيت المال راتباً«).
هذه هي نظرة الإسلام للإنسان، وهذه هي رؤيته للتكافل والضمان الاجتماعي، وانطلاقا من هذه الرؤية لابد أن تبادر الحكومات لاسيما تلك التي تُنسب نفسها للإسلام، إلى تحقيق أقصى درجة من عمليات وخطوات تطبيق الضمان الاجتماعي الذي يضمن الحياة الكريمة للناس دون استثناء، والعمل على تنمية روح التكافل الطوعي بين الجميع.
اضف تعليق