يوم بعد آخر تتكشف الأهداف الحقيقية لنظام وسياسات الأقوياء الذين يسعون للتحكم بدول العالم أجمع، ووضع هذه الدول وشعوبها تحت سيطرة القوى المتحكمة بالاقتصاد العالمي وإن كانت تمثل الأقلية، ممثلة ببعض الشركات المملوكة لأفراد تقف وراءهم دول كبرى، وتتعاون معهم لكي يتم استعباد البشرية وتطويعها بما يخدم مصالح الدول الاستعمارية...
(من أنواع الإرهاب الاقتصادي محاصرة الشعوب المستضعفة) الإمام الشيرازي
يوم بعد آخر تتكشف الأهداف الحقيقية لنظام وسياسات الأقوياء الذين يسعون للتحكم بدول العالم أجمع، ووضع هذه الدول وشعوبها تحت سيطرة القوى المتحكمة بالاقتصاد العالمي وإن كانت تمثل الأقلية، ممثلة ببعض الشركات المملوكة لأفراد تقف وراءهم دول كبرى، وتتعاون معهم لكي يتم استعباد البشرية وتطويعها بما يخدم مصالح الدول الاستعمارية.
نحن لا ننكر أن الوجه العنيف للاستعمار لم يعد كما كان في السابق، ومنهم من يقول أنه اختفى من عالمنا، لكن الاستعمار له أوجه عدة، أبرزها في عالم اليوم، الاستعمار أو التبعية الاقتصادية، أو يسمى بـ الإرهاب الاقتصادي، وهذا النوع له أساليبه التي تستخدمها الدول الاستعمارية لكي تُلحق الأذى بالدول الأقل قوة وأقل تقدما، وتستهدفها لاسيما الدول الإسلامية.
هنالك الكثير من الأساليب التي تستخدمها القوى والدول التي تسعى للسيطرة على العالم، ففي السابق كانت ثروات الشعوب تؤخذ وتُسرَق بالقوة عن طريق الاستعمار والاحتلال المباشر، ولكن هذا الأسلوب بات باهض الثمن، فأوجدت القوى نفسها أسلوب (الإرهاب الاقتصادي) ولهذا الأسلوب أنواع معينة يتم استخدامها كالتجسس، لتطويع الدول واستعمارها وجعلها تابعة اقتصاديا وسياسيا للدول الكبرى، أو الدول الاستعمارية بأساليب بديلة.
الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام):
(الإرهاب الاقتصادي يمثله الغرب والدول الاستعمارية ضد دول العالم وخصوصاً الإسلامية منها، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها. ومن مصاديق هذا الإرهاب التجسس الذي تقوم به الدول الاستعمارية على ثروات الشعوب المسلمة، من أجل نهبها واستغلالها واحتكارها والسيطرة عليها، وعلى معاملاتها التجارية).
وهناك أنواع أخرى لجأت إليها القوى الاستعمارية التي سعت لاستغلال الدول والشعوب الأقل تقدما وقوة، بكل السبل المتاحة، ومن أسوأ هذه الأساليب استخدام سياسة الحصار الاقتصادي والمالي والدبلوماسي، وحتى النفسي، لتحطيم إرادة الدول وإضعافها، وإجبارها على الاستسلام لإرادة الدول الاستعمارية القوية.
ومن أبشع أنواع الاستعمار الاقتصادي سياسة الحصار التي تلجأ لها القوى الكبرى، عبر إصدار سلسلة من القرارات والعقوبات الاقتصادية التي تقول أنها تستهدف الحكومات، ولكن جميع الحصارات أثبتت أنها لا تنال من الحكومات، ولم تُسقط حكومة واحدة، أما المستهدَف فهو الشعوب التي ترتع تحت سلسلة من القرارات الاقتصادية الجائرة التي تصل إلى حد منع الدواء والغذاء عن الأطفال والشيوخ والمرضى.
كذلك هناك قضية استهداف الشركات التي تجد فيها القوى المتحكمة بالعالم تشكل خطورة عليها، وتنافس شركاتها، فإنها سرعات ما تقوم بتدمير هذه الشركات لكي لا تهدد قوتها الاقتصادية، ثم تبدأ بتدمير البنية التحتية للدول المستهدَفة، وهذه أساليب معروفة لجأت لها الدول الاستعمارية كي تستعبد الشعوب والدول الغنية بثرواتها وخيراتها.
أسلوب تشجيع هجرة الكفاءات
ويبقى الهدف الأول والأخير لها إضعاف الدول ذات الثروات الكبيرة، ومن أساليب الإضعاف هذه تشجيع الكفاءات على الهجرة إلى الدول القوية، وسلب هذه الطاقات النوعية من الدول الفقير أو المستضعفة، وبهذا تحدث عمليات تخريب اقتصادي هائلة، يقف وراؤها عقول تخطط بدقة لكيفية تدمير الدول الصغيرة والغنية، وجعلها تابعة ومستعبَدة على الدوام.
الإمام الشيرازي يؤكد استخدام هذه الأساليب من الإرهاب الاقتصادي، فيقول:
)من أنواع الإرهاب الاقتصادي القيام بالأعمال السياسية، كمحاصرة الشعوب المستضعفة والتحكم في ثرواتها، ومنعها من استثمار خيرات بلادها، والقضاء على الشركات الكبيرة ومنع تأسيسها أو استمرارها، وتخريب البنية التحتية للبلاد، والبرمجة الدقيقة لهجرة رأس المال إلى الغرب).
أما الهدف من هذه السياسات الاقتصادية العدوانية، فهو واضح وضوح الشمس، فالمهم كيف تخضع هذه الدول ذات الثروات والمواد الأولية لسيطرة القوى الكبرى وسياساتها الاقتصادية، لاسيما الدول الاسلامية، حيث تسعى القوى الكبرى إلى تجفيف منابع المال والثروة في هذه البلدان، كما حدث مع إيران والعراق.
فالخطط تُدار وتوضع وتدور على قدم وساق، وهناك رؤوس خبيرة في مجال استنزاف الدول وشعوبها وسرقة ثرواتها، من خلال سياسة الإرهاب الاقتصادي، وقد تبدو قرارات الدول الاستعمارية ذات صبغة اقتصادية، لكنها في الحقيقة مؤمرة يتم إعدادها مسبقا، ويتم تدبيرها وتطبيقها من أجل تهديد اقتصادات الدول وربطها في مجموعة من الشروط القاسية، لكي تضمن انصياعها وتبعيتها لها.
يقول الإمام الشيرازي:
(كل ذلك لكي يصل الاستعمار إلى النتيجة التي يسعى إليها، وهي القضاء على المنابع المالية للشعوب الإسلامية وتجفيفها، وهذا ما لاحظناه في إيران والعراق، وفي الحقيقة إنها مؤامرة أريد منها تدمير الشعوب).
سياسة منح القروض بفوائد عالية
أساليب الاحتيال الاقتصادية كثيرة، وكلها تدخل في باب الإرهاب الاقتصادي، ومنها سياسة إعطاء القروض بشروط صعبة قد تضطر الدول الفقيرة للقبول بها، ومن ثم الخضوع لسياسات الدول الاستعمارية وشركاتها الاحتكارية التي تتحكم بالقوت العالمية، فضلا عن تحكمها بالصناعات المختلفة كي تكتنز الثروات والأموال والموارد في أيدي الأقلية.
سياسة منح القروض تقترن بالفوائد المالية العالية التي لا تتناسب مع قيمة تلك القروض، لكن الدول والشعوب الفقيرة تضطر للموافقة عليها بسبب الحاجة لها، وبهذا الأسلوب يتم إخضاعها وجعلها مستعبدة، لتدور في فلك السياسات الاستعمارية التي تسلب الدول التابعة خيراتها واستقلالها السياسي والاقتصادي، بل وتدمر ثقافتها وهويتها الخاصة.
فكما يقول الإمام الشيرازي إن من أنواع الإرهاب الاقتصادي (ما نراه من الفوائد التي تفرضها الدول الكبرى لقاء إعطاء قرض طويل الأجل، أو لمدة معينة، مما يثقل كاهل الدولة والشعب بزيادة الفائدة المرتفعة عبر مرور الوقت).
ليس هذا فحسب، بل تفرض الدول المانحة للقروض شروط سياسية يجب أن توافق عليها الدول المقترِضة علنا، وأن تعلن بأنها تخضع لسياسات الدول الاستعمارية التي تمنحها القروض تحت شرط الخضوع السياسي، ويعد هذا الأسلوب أحد أسوأ أساليب الإرهاب الاقتصادي الذي يُحاك في العلن، في اتفاقيات اقتصادية، لكنها تمس الاستقلال السياسي للدول المضطرة للاقتراض.
الإمام الشيرازي يؤكد أن من أساليب الإرهاب الاقتصادي: (عدم إعطاء بعض الدول الغنية القروض والمساعدة، إلا بعد إعلان الدولة المقترضة بأنها تابعة لها في سياستها، أو في غيرها من المجالات المختلفة).
أما النتائج الوخيمة لهذه السياسات التبعية في مظهرها، والاستعمارية في جوهرها، فإنها بالغة الخطورة، وقد ظهرت إلى العلن، حتى الدول المتحكمة بالنظام العالمي لم تعد تخفيها، ولا تخجل منها، بل تعدها من السياسات الناجحة التي تضمن لها الهيمنة على العالم، أما المجاعات والحروب والدمار الذي تتسبب به هذه السياسات فلا يعنيها من قريب أو بعيد.
لذلك يقول الإمام الشيرازي إن (هذه الأعمال وغيرها من النهب والسلب واحتكار الثروة وما أشبه، هي التي كانت سبباً في إيجاد أكثر من ألف مليون جائع في عالم اليوم، وموت مليون طفل جوعاً بسبب عدم العناية الصحية في كل عام، وكذلك هي السبب في بث الرعب والقلق والخوف في النفوس).
وقد قيل قديما (إذا لم تستحِ فافعل ما شئت)، وها هي القوى المتحكمة بالعالم لم تعد تستحي أو تخجل من شيء، فالمهم لديها أن تسيطر على العالم، وتمسك بزمام النظام العالمي، وما يحدث من مساوئ فهذا لا يعنيها، وتقول أنها ليست مسؤولة عنه، بل تسعى لإيجاد التبريرات والحجج وترمي بها على الدول الفقيرة.
ومن ذلك ما تدّعيه الدول والقوى المتحكمة بالعالم، من أن سكان الأرض في حالة ازدياد متصاعد، وأن الموارد الطبيعة في حالة استنزاف مستمر، لهذا يجب تقليص نفوس البشر!!، لكنها لا تعترف بأنها سبب الدمار الذي يُلحق بالبشرية وبموارد الأرض بسبب سياسة الإرهاب الاقتصادي التي تطبقها على الدول الفقيرة دونما تردد.
يقول الإمام الشيرازي:
(لقد عقدوا المؤتمرات الدولية واستغلوا الإعلام العالمي لمسائل اختلقت لهذا الشأن، ومنها مثلاً المشكلة السكانية في العالم، وأنها تهدد مستقبل العالم وتنذر بانفجار سكاني لا يعرف مصيره ولا تعلم عواقبه).
ما يحدث في العالم في ظل النظام الدولي غير العادل، سوف ينزلق بالبشرية في منحدر خطير، وإن عدم الكف عن استخدام سياسة الإرهاب الاقتصادي، سوف تزيد من أزمات العالم وتجعلها أكثر تعقيدا، وحينئذ سوف تكتشف القوى المهيمنة على العالم أنها خاسرة أيضا، ولا يمكن أن تنجو من الانهيار الذي سوف ينحدر بالبشرية كلها إلى الهاوية.
اضف تعليق