وجهت أسرة المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي «أعلى الله درجاته» رسالة شكر الى المؤمنين الذي قاموا بإحياء الذكرى الرابعة عشر لرحيل الامام الشيرازي، اكدت فيها على استلهام العبر من اجل تحقيق التغيير والإصلاح في الامة عبر الرجوع الى القرآن الكريم وتطبيق آياته المنسية، والتأسي بسيرة اهل البيت عليهم السلام، ومواجهة الاستبداد باللاعنف. مشيدة برعاية المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي، الذي استمر بالمسيرة وظلّ مجاهداً عن حياض الشرع القويم والذي لم يتوان عن القيام بأعباء المهام الدينية رغم كل ما يناله من الظالمين والحاسدين وهو دام ظله صابر باستقامة.
وجاء في الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
تمرّ علينا الذكرى الرابعة عشرة لرحيل المجدد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي «أعلى الله درجاته».
وقد أقام المؤمنون خلال الأيام الماضية برامج تأبين بهذه المناسبة، في بقاع مختلفة من الأرض، في ايران والعراق والكويت والسعودية والبحرين الى أستراليا وأروبا وإمريكا وكندا وغيرها.
وقد بين الخطباء والمتكلمون بعضاً من النقاط المشرقة من حياة المرجع الراحل، كما وقد ذكر الكُتّاب جانباً من سيرته الوضائة وبعضاً من ملامح أفكاره ورؤاه.
وإننا إذ نتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم وشارك في هذه البرامج، بقلمه أو بيانه أو حضوره، سواء من اصحاب المساجد والحسينيات والمواكب والعلماء والخطباء والشعراء والرواديد والكُتّاب وأصحاب الفضائيات وغيرهم... ننوّه بما يلي:
١- كان المرجع الراحل « رحمة الله عليه » خُلُقه القران، فلذا اهتم بكتاب الله حفظاً وقراءةً وكتابة واستدلالاً، فكان يُكثر من الاستشهاد بكلام الله تعالى، وقد كتب ثلاثة تفاسير بين مختصر ومتوسط ومفصل، وكان يوصي الجميع بالقران الكريم، وكان يقول: إن أهم سبب لأزمات المسلمين هو الإعراض عن القران، فقد قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)، وكان يؤكد على الآيات التي نساها المسلمون عملاً فهجروها، وهي آيات الأخوة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وآية الأمة الواحدة: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، وآية الحرية: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، وآية التعددية: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، وآية الشورى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، فكان يؤكد على لزوم رجوع المسلمين إلى القران الكريم، ليعود الله عليهم بلطفه، فيعزهم.
٢- كان« قدس سره » يهتم بسنة وسيرة رسول الله محمد وأهل بيته الطاهرين عليه وعليهم الصلاة والسلام، فهي المفسر والمبين للقران الكريم، وهي نورٌ أمر الله باتّباعه، فلذا كتب في الحديث وفي السيرة مؤلفات شتى، وكان يكثر من الاستشهاد بهما، ويدعو الى تطبيقها قولاً وعملاً.
٣- كان «رحمه الله» يدعو إلى التأسي بالفقهاء العظام الماضين وإلى متابعتهم قولاً وعملاً، لكونهم حلقة الوصل بين الأئمة عليهم السلام وبين عامة الناس، وفي الوقت نفسه يدعو لمعايشة الحياة بتطوراتها، فلم يكن يكتف بما ذكره السابقون، بل إذا وجد علماً او فكرة جديدة، نظر فيهما...
فإن وجدها تتطابق مع القران والحديث والسيرة، دعا إليها وسعى إلى تطويرها.
وإن وجدها تختلف باختلاف جزئي، حاول تصحيحها بما تتطابق مع الشرع القويم.
وإن وجدها تتناقض معه، بيّن وجه الخلل والإشكال، وحاول إيجاد بديل أو حلول لها متطابقة مع الشرع القويم، فالأصل عنده الإسلام، لا العكس.
فلذا كتب في موسوعته الفقهية في مختلف العلوم الحديثة، من السياسة والاقتصاد والإجتماع والبيئة والحقوق والدولة وفلسفة التاريخ، وغيرها، والغرض الأساسي هو بيان وجهة النظر الإسلامية في هذه العلوم ومسائلها، وليس مجرد كتابة في قواعد تلك العلوم، وذلك لأنها علوم محتاج إليها، فلابد من بيان ما يتطابق مع الشرع وفرزه عمّا يخالفه، بل وإضافة مسائل مستنبطة منه.
كما أنه كتب لمختلف المستويات، لكون علوم الشرع لا تختص بمجموعة دون اخرى.
٤- كان «قدس سره» يدعو الى الحركة وعدم الجمود، وعدم اليأس، ولزوم المثابرة، لأن النتائج الكبرى لا تحصل إلّا بجهود جبارة وعمل دؤوب، فكان يكثر الاستشهاد بقوله تعالى (وقل اعملوا)، ولم يكن يعرف الكلل ولا الملل، فكان كتلة من الحركة والنشاط، بقلمه وخطاباته ولقائاته وتأسيسه للمؤسسات الدينية والإجتماعية والخدمية وغيرها، فكتب أكثر من ألف كتاب وكراس، وألقى آلاف المحاضرات التوعوية، وأسس الآلاف من المؤسسات المختلفة في مختلف أرجاء المعمورة.
٥- كان «رضوان الله عليه» يعتبر الحكومات الجائرة من العقبات الأساسية والتي باستبدادها تعيق حركة المسلمين ونهضتهم، فلذا دعا الى مقارعتها باللاعنف، وقارعها هو طوال حياته، رغم علمه بأنه لابد أن يدفع ثمناً باهظاً لذلك، لكنه لم يكن يريد الراحة على حساب المبدأ، فاشترى كل تلك الصعوبات والمشاكل ودفع راغباً ثمنها هو ومن يرتبط به، بالقتل والتعذيب والسجن والتهجير والاتهامات الزائفة والمضايقات الجمة وغير ذلك، لكنه ظل صامداً وفياً لأفكاره إلى أن اختاره الله إلى جواره.
٦- كان «أعلى الله درجاته» خلوقاً رفيقاً، بعيداً عن العنف والخُرق والسب والشتم والتكفير والتضليل، فكان يدعو إلى السلم واللاعنف - فعلاً وقولاً وقلباً - وإلى لمّ الشمل والتعايش بين المسلمين، فلم تسمع منه كلمة نابية ولا تكلم على من يخالفونه ولا من يتهجمون عليه، بل كان يعمل إيجابياً ويبتعد عن السلبيات.
وهناك أمور كثيرة تركنا ذكرها اختصاراً.
نسال الله تعالى أن يوفقنا للمسير على خطاه.
كما ونسأله سبحانه أن يطيل في عمر سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي « دام ظله » ويحفظه لنا وللإسلام ذخراً، الذي استمرت مسيرتنا برعايته، والذي ظلّ مجاهداً عن حياض الشرع القويم، مدافعاً عن ولاية أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين «عليهم صلوات الله وسلامه» والذي لم يتوان عن القيام بأعباء المهام الدينية، رغم كل ما يناله من الظالمين والحاسدين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، وهو دام ظله صابر باستقامة، ومواصل خدمته للدين وأهله، أسوة بأجداده الطاهرين رسول الله والأئمة الطاهرين « عليه وعليهم الصلاة والسلام » قال الله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وِلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
كما ونسأل الله عز وجلّ أن يمنحنا رضى سيدنا ومولانا وولي أمرنا الإمام المهدي المنتظر، وأن يعجل في فرجه الشريف، وأن يجعلنا من أعوانه وأنصاره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اضف تعليق