بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.
في البدء أتقدم بالشكر الجزيل لكم جميعاً لحضوركم ومساهمتكم في هذا الحفل التأبيني.
كما أتقدم بالعزاء الى صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف والى الأمة الإسلامية جمعاء بمناسبة ذكرى هدم قبور الأئمة الطاهرين عليهم السلام في البقيع الغرقد، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الجاد والدؤوب لإعادة إعمارها.
كلامي وبشكل مقتضب حول الآيات المنسية الخمس، في خمسة محاور، أذكرها كرؤوس نقاط:
المحور الأول
قال الله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).
الشاكي هو الرسول صلى الله عليه وآله، والمشتكى اليه هو الله، وموضوع الشكاية هو هجران القران، فالحكم معلوم سلفاً.
لم يقل (هجروه) بل قال: (اتخذوه مهجورا) لأن في هذا معنى التعمد والاستمرار!
مع ان الأمر هو (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فالقران سبب الحياة، وفي تركه الموت والهلاك.
كما أن وصية الرسول صلى الله عليه وآله لهذه الأمة هو التمسك بالثقلين، فقال: (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً)، لكن مع الأسف فقد ضيعت الأمة كلتا الوصيتين، أما القران فأقاموا رسمه وحرفوا معناه، وأما العترة فخذلوهم وقتلوهم وأعرضوا عنهم!!
المحور الثاني
من الآيات المهجورة: الآيات الخمس في الأخوة والأمة الواحدة والتعددية والحرية والشورى!
وتعريف هذه الكلمات بتعريف تقريبي هو كالتالي:
١- الأخوة الإسلامية وتعني: تعامل المسلمين بعضهم مع البعض كأخوة، يشاركونهم في الحقوق والواجبات، والأتراح والأفراح.
٢- الأمة الواحدة وتعني: الغاء الحدود السياسية والجغرافية، وعدم التمييز بين مسلم وآخر في اللون او اللغة او القومية او البلد، فحقوق الجميع وواجباتهم متساوية.
٣- التعددية وتعني: السماح للآراء والإجتهادات المشروعة، والتساوي في الفرص السياسية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها.
٤- الحرية وتعني: عدم منع أي احد من أي شيء سوى المحرمات، وعدم تكبيل الناس بالقوانين الزائدة، فالقانون جُعل لخدمة الناس، وليس العكس، وكذا عدم تكبيلهم بالاستبداد الذي يمنع من النهوض والانطلاق.
٥- الشورى وتعني: المشاركة الحقيقية في القرار السياسي وضمن الضوابط الشرعية.
المحور الثالث
هذه الآيات قابلة للتطبيق العملي، وقد تم تطبيقها فيما في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وأله وفي عهد أمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك يتم تطبيقها في الحال الحاضرة في غير بلاد المسلمين، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: (الله الله في القرآن لا يسبقنكم بالعمل به غيركم).
ولنمثل من واقع التطبيق ولو ناقصاً في العصر الحاضر.
فالأخوة في كندا مثلا والتي تتشكل من قوميات كثيرة يساوي بينها القانون ومساواة عملية وفي الجملة.
والوحدة في الاتحاد الأوربي مثلاً والذي يتشكل من خمسة وعشرين دولة ألغت الحدود وساوت في الحقوق والاقتصاد وغير ذلك وفي الجملة.
والتعددية والحرية والشورى في اليابان مثلاً وفي الدول الديموقراطية، رغم بعض الفوارق الجوهرية بين نظام الديموقراطية ونظام الشورى الذي هوأكثر تطوراً وأكثر حفظاً للحقوق وأبعد عن الألاعيب السياسية!
المحور الرابع
من أسباب ترك المسلمين لتطبيق هذه الآيات، هو:
١- إقصاء أهل البيت عليهم السلام، وإزالتهم عن مراتبهم التي رتبها الله لهم، وهذا هو السبب الرئيسي.
٢- عدم التوعية تجاه هذه الآيات.
٣- الخطأ او الخطيئة في التطبيق، او انتحال هذه الأسامي زوراً وبهتاناً أحياناً، مما ولّد ردّة فعل، كتسمية الإنقلاب على الأعقاب شورى!
٤- عدم اهتمام بعض قادة الأمة ومن هم في رتبة الأسوة.
المحور الخامس
طريقة السيد الوالد اعلى الله درجاته في عرض هذه الأفكار، ومنها:
اولاً: استنباطها من القران الكريم وسنة وسيرة الرسول الأعظم والأئمة عليه وعليهم الصلاة والسلام، وبنظرة فقهية شاملة مع تنظير لها، ولذا تعددت كتبه في فقه الحياة، مثل فقه السياسة وفقه الاقتصاد وفقه الدولة وامثالها، والتي تشكل حدود الخمسين جزءاً من موسوعة الفقه ذات المائة والستين مجلداً.
ثانياً: بيان تطبيقاتها العملية من تاريخ الإسلام.
ثالثاً: بيان تطبيقاتها – ولو ناقصاً - في العصر الحاضر، ولذا أكثر من الاستشهاد بالتجربة الهندية، كونها قريبة من ظروف البلدان الاسلامية بل أصعب منها في بعض الجهات.
رابعاً: تأطيرها في قالب علمي ونظري، إذ كل فكرة يراد تطبيقها لابد لها من تأطير ومنهج.
خامساً: الاستمرار في ذكرها والتذكير بها، لإخراجها من حالة النسيان إلى حالة يعايشها الإنسان المسلم ويقتنع بها وتتحول الى عقله الباطن، عبر المحاضرات والكتابات.
سادساً: حل إشكالية التعارض بين الثوابت والمستجدات، لأن بعض صور هذه الأفكار جاءت كأفكار من الغرب، فحدثت نوع من الحساسية تجاهها نتيجة ظلم الغرب واستعماره. فالبعض اتخذ أسلوب رفضها تمسكا بالثوابت، والبعض اتخذ اسلوب الانسلاخ من الثوابت لما وجد جدوائية ولو في الجملة في هذه الصور.
والمهمة الكبرى هو التمسك بالثوابت وحل اشكالية تعارض المستجدات معها، بحيث تنسجم تلك المستجدات مع الثوابت، بجعل الثوابت هي الأصل وقبول ما تطابق معها اولم يعارضها، لا العكس.
سابعاً: التضحية لأجلها، فالمصلح يُتهم، أولا يُقدّر، أولا يعرفه أهل عصره عادة، لكن التذكير بهذه الآيات كانت استراتيجية للسيد الراحل، فصرف عمره واعتباره لأجلها.
ثامناً: عدم اليأس، لأن الفكرة الصحيحة ستنتصر يوماً ما، لكن يمكن بالعمل والجهد تسريع ذلك، وأما الباطل فزهوق، لكن يمكن التعجيل في ذلك، والعاقبة للمتقين.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لخدمة القرآن، والعمل به وبمنسيّ آياته، وشكراً لكم جميعاً.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اضف تعليق