السيد محمد الشيرازي، كان يتميز بعدة ميزات، ولعل أهمها على الإطلاق ويدركها كل عارف به هو موسوعيته في التأليف وتنوع المحاضرات، ومرد هذه السعة من المعرفة هو ما نهله من قراءة عريضة في مختلف أنواع الكتب ومتابعة أهم المجلات والصحف وقتئذٍ، شكلت له مخزوناً متنوعاً...
بقلم: الشيخ عبدالزهراء العويناتي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
المرجع السيد محمد بن مهدي الشيرازي هو علم قد لا يجهله أحد من مثقفي المسلمين الشيعة، فهو العالم الذي له تأثيره الملموس في تاريخ المسلمين في زماننا المعاصر، ومن المعروف أنه شكل تياراً كبيراً في الجسد الشيعي، فكان الرأس التاريخي لهذا التيار، ويعتبره أتباعه أعلم علماء الشيعة في عصره.
إن السيد محمد الشيرازي، كان يتميز بعدة ميزات، ولعل أهمها على الإطلاق ويدركها كل عارف به هو موسوعيته في التأليف وتنوع المحاضرات، ومرد هذه السعة من المعرفة هو ما نهله من قراءة عريضة في مختلف أنواع الكتب ومتابعة أهم المجلات والصحف وقتئذٍ، شكلت له مخزوناً متنوعاً وغنياً يكاد لا ينضب من المعرفة والثقافة، بحيث جعلته علامة فارقة في ذلك بين علماء عموم مذاهب المسلمين من الشيعة والعامة، وذلك في زمن قل فيه المحصلون، ونادراً فيه ما تجد محبي القراءة في تخصصاتهم فضلاً عن القراءة في غير تخصصاتهم.
وقطعاً أن هذه الحالة من شغف القراءة عند السيد الشيرازي لم تكن وليدة الصدفة التي وقعت بغير أسبابها الموضوعية الواقعية، وفي رأيي الشخصي أن أسبابها ثلاثة:
السبب الأول: الرغبة الذاتية في نفس شخصية السيد الشيرازي المشدودة نحو الغرف من العلم والمعرفة.
السبب الثاني: الحالة الثقافية الاجتماعية التي عاشها، فإنه من مواليد العراق في سنة (1376هـ 1928 م)، ومن المعلوم بأن العراق في الثلاثينيات إلى نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم هو قمة الشعوب العربية في القراءة والثقافة، ولا سيما في حواضره العلمية الدينية، فكانت تلك البيئة الثقافية الاجتماعية التي لها تأثيرها على السيد الشيرازي وغيره من علماء ومثقفي العراق الذين من أقرانه أو مجايليهم في العمر.
السبب الثالث: العقيدة الشخصية (التي قبل أن تكون دينيةً) التي يؤمن بها نفس السيد الشيرازي بالنسبة لما ينبغي عليه المسلم ولا سيما العالم من وجوب النهم في القراءة ومداومة الاطلاع على منابع العلم ومصادر المعرفة.
هذا، وقد أتاحت له معرفته باللغة الفارسية فتح باب آخر له إلى المعرفة فزاد وتنوع اطلاعه نتيجة قراءته لبعض المؤلفات الفارسية.
وجاء الأخ الأديب الشاعر الباحث عقيل بن ناجي المسكين بعد أن أذهلته كثرة قراءات السيد الشيرازي أن يثبت هذه السعة العريضة المتنوعة في بحر ما قرأه السيد الشيرازي فقام بتأليف هذا المعجم (معجم ما قرأ الإمام الشيرازي) ليثبت لقارئه بما يدهشه في الكم الهائل والمتنوع مما قرأه السيد الشيرازي، حتى ليعجز المرء عن تفسير كيف كان قادراً على أن يكثر من التأليف، ويكثر من إلقاء المحاضرات، ويدير أعباء مرجعيته، ويقوم بالتدريس، وفي نفس الوقت وإلى جانب كل ذلك يقدر على قراءة هذا المقدار الضخم من الكتب والمجلات.
هذا المعجم له ميزات عديدة، ولن أحصرها في هذه السطور، ولكن أشير مجملاً لبعض منها:
1- توثيق كيفية معرفة صاحب المعجم بالكتاب الذي قرأه السيد الشيرازي، فهو إن عرفه عبر اليوتيوب ذكر ذلك، وإن عرفه عبر محاضرة من محاضرات السيد ذكر ذلك، وإن عرفه عبر مؤلف من مؤلفات السيد ذكر ذلك، وإن عرفه عبر شخص ذكر ذلك.
2- توثيق تاريخ وقت معرفة صاحب المعجم بالكتاب الذي قرأه السيد الشيرازي.
3- التعريف ببعض مؤلفي الكتب التي قرأها السيد الشيرازي.
4- ذكره للأسباب والعوامل التي أدت بالسيد الشيرازي لقراءة بعض الكتب.
5- إعطاء إشارات عن محتويات بعض الكتب التي قرأها السيد الشيرازي.
6- الهدف الاستقصائي الذي انتهجه المسكين، فلم يدع بقدر وسعه شيئاً مما قرأه السيد الشيرازي إلا وذكره في المعجم، ليعكس بذلك كيف تشكل علم وثقافة السيد الشيرازي.
هذا، وينبغي التنبيه على ما يلي:
أولاً: لا يغيب أن مجرد إشادة شخص بكتابٍ ما لا تكفي للوثوق بقراءته فعلاً لكل الكتاب أو لبعضه، فلعل هذه الإشادة ثمرة إشادة الآخرين بالكتاب، نعم قد تفيد الإشادة احتمال قراءته للكتاب.
ثانياً: النقل من الكتاب أو تقريظه لا يدلان على القراءة الكاملة للكتاب، وغاية ما يدلان عليه أنه قرأ في الكتاب، فلربما قرأ بعضه ولم يقرأه كله.
ثالثاً: كون الكتاب لأحد القريبين من السيد الشيرازي، لا يقتضي أنه قرأه، نعم احتمال قراءته له قوي جداً عندما يكون مؤلف الكتاب شديد القرب منه، كمؤلفات أخيه السيد حسن الشيرازي المطبوعة في حياته، ولكن ذلك لا يلزم الجزم بقراءته له.
وننبه بهذه التنبيهات الثلاثة، لأن المؤلف المسكين قد جعل الإشادة والنقل والتقريظ والعلاقة الحميمة بالمؤلف أدلة على قراءة السيد الشيرازي للكتب.
إن هذا المعجم لجهد كبير تصدى لتحمله الأستاذ المسكين، ولا يعرف كم هو الجهد الذي عاناه في تأليفه له إلا من خاض تجربة مثل تجربته في تأليف مثل هذا الكتاب، فندعو الباري تعالى أن يوفقه لغيره من المؤلفات النافعة والدواوين الرائقة.
اضف تعليق