q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

ثقافة الطموح لهزيمة الكسل

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

إذا تمكن الإنسان من وضع طاقاته في خدمة الطموح، فهذا يعني أنه يسير في الاتجاه الصحيح، وهناك اشتراطات عليه الالتزام بها وتطبيقها، أولُها وأد الكسل في داخله، وترك النوم إلا بقدر ما يحتاجه الجسد، فالكسل والطموح نقيضان لا يلتقيان أو لا يجتمعان مطلقا، أحدهما يلغي الآخر...

جاء في كتاب العين عن معنى الطموح في اللغة، بمعنى الارتفاع، فطمح الفرس رأسه أي رفعه، وكذلك طمح يديه، كذلك كل مرتفع مفرط في تكبر هو طامح وذلك لارتفاعه. والطمّاح: الكبر والفخر لارتفاع صاحبه، من هنا تبين أن الطموح هو الارتفاع وهو مطلوب، ولكن المعنى شيء والوصول إليه تحقيقاً شيء آخر، فمن يريد أن يرتفع في أي مجال كان، عليه أن يوفر ويمهد ويخطط لما يرومه، وها يتطلب استغلالا صحيحا للطاقات الإنسانية التي يمتلكها كل فرد منا، وهي طاقات فكرية ومادية وزمانية ومالية.

فإذا تمكن الإنسان من وضع طاقاته في خدمة الطموح، فهذا يعني أنه يسير في الاتجاه الصحيح، وهناك اشتراطات عليه الالتزام بها وتطبيقها، أولُها وأد الكسل في داخله، وترك النوم إلا بقدر ما يحتاجه الجسد، فالكسل والطموح نقيضان لا يلتقيان أو لا يجتمعان مطلقا، أحدهما يفني أو يلغي الآخر، فالإنسان الطموح لا يمكن أن يكون كسولا، والكسول لا يمكن أن يكون طموحا.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (الطموح في حياة الإنسان والمجتمع): (على الإنسان أن يستغل طاقاته الإنسانية، الاستغلال اللازم والمناسب لها؛ فلا يركن للنوم والكسل، بل يسعى بطموح وأمل نحو الأفضل، فعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: من دام كسله خاب أمله).

فالكسل والأمل نقيضان أيضا، لأن الأول يقتل الثاني، ولعل من شروط فوز الإنسان بحياة أفضل، أن يتوافر لديه في شخصيته وطبيعته وأفكاره وإرادته، خاصية الطموح، ولا يُقصد بتحسين الحياة وتطويرها فوز الإنسان بها فقط، وإنما الهدف يتعدى ذلك إلى الدار الأخرى، فتكون الدنيا نقطة انطلاق لكسب الآخرة مع أحقية وجواز الوصول إلى حياة فضلى، وهذا الهدف لا يمكن أن يكون قيد التحقق، ما لم يقدم الإنسان ما يلزم ويستوجب من الجهود والمساعي الفكرية والمادية، وتوظيف جميع الطاقات الأربع التي سبق ذكرها بصورة معتدلة ومتوازنة لتحقيق الهدف المبتغى الذي يجمع بين حياة مثالية وآخرة مضمونة من خلال حسن العمل الذي يعد مؤشرا حاسما على تحقيق بركة العمر.

فهل يمكن أن نعثر على إنسان كسول جازف في استخدام طاقاته ضمن إطار الطموح، وهل رأينا أو سمعنا بفردٍ كسول استثمر طاقاته الأربع من أجل تحقيق أهداف التميز والنجاح؟، بالطبع نحن نعرف الإجابة مسبقا، لأن من يتكئ على الكسل ويجعل منه أسلوبا وحيدا لمواصلة حياته، لا يمكن أن يجير طاقاته الذهنية والبدنية والزمانية والمالية لصالح الطموح والتفرد، لهذا يبقى الفشل والفقر والتراجع ثلاثي ملازم للبشر الكسول.

يقول الإمام الشيرازي: (على الإنسان الذي يطمح إلى حياة فضلى في الدنيا، وفوز بالجنة والغفران في الآخرة، أن يجد ويسعى، ويجنّد كل طاقاته: الذهنية، والبدنية، والزمانية، والمالية، بصورة معتدلة ومتوازنة، في خدمة الهدف المنشود).

ما مآل الأمة الني تفقد للطموح؟

النجاح والفشل وميزة الطموح ليست حكرا على الأفراد، فالأمم والشعوب يمكن أن تتميز بالطموح أو تُبلى بالكسل أيضا، وهناك ملاحظة ينبغي التنبه لها، فالطموح وحده لا يكفي لأنه سوف يكون شبيها بالأمنيات الفارغة، لهذا يجب أن يتم دعم الطموح بالعمل والمطاولة والصبر حتى تتحقق الأهداف المنشودة، وعلى سبيل المثال فإن العراق في أوضاعه الراهنة لا يحتاج إلى فرد أو شعب يتميز بالطموح فقط، وإنما حاجته للشعب الطموح يجب أن تقترن بالتخطيط والمثابرة والعمل الجاد والحريص على نقل البلاد إلى دولة مدنية قادرة على حفظ الحريات والحقوق ونشر العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والإنصاف.

فلا يكفي أن نكون كعراقيين عبا طموحا، وإنما الركيزة الأخرى هي الصمود والعمل حتى يمكن تجاوز جميع المشكلات التي ستواجهنا حتى لو كنا طموحين، لأن الطموح بلا إرادة ولا صبر ولا عمل سيكون لا قيمة لهُ.

يقول الإمام الشيرازي: (إن الأمة الفاقدة للطموح والأمل ــ بمعناه الصحيح ــ المقرون بالصمود والعمل، واللذين هما مقدمتا التوازن والتعادل، سوف تواجه أياماً صعبة فاقدة للتوازن والتعادل مهما كانت طاقات تلك الأمة كبيرة، وإمكاناتها كثيرة).

ومن النتائج البديهية أن الذي يفتقد للمطاولة والصبر والصمود تجاه العواقب والعقبات التي تواجهه أثناء مسيرته إلى الأمام، سوف يُهزم في تحقيق التقدم، ولن يكون قادرا على طموحه أو أهدافه، لأن الطموح يتطلب العمل والأخير لا يمكن أن يجري بلا مشكلات وعثرات، والأخيرة كي نتجاوزها يجب أن نتحلى بالصمود والصبر والإرادة التي ستقودنا إلى تحقيق أهدافنا في الدنيا وهذه بدورها ستمهد لتا الطريق نحو ضمان الآخرة.

(إن الذي لا يصمد أمام المشكلات، ولا يعمل من أجل التقدم، فإنه لا يستطيع أن يحقق طموحه وآماله، ولا أن ينال ما يتمناه ويتوقعه، لا في الدنيا ولا في الآخرة).

هل خسر العراقيون حقوقهم؟

في موضوعة ثنائية الطموح والكسل خسر العراقيون كثيرا من حقوقهم وأهدافهم، ولكن ما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك، إن العراقيين كشعب خسروا الوصول إلى حكومة عادلة، وكان نصيبهم دائما حكومات متجبرة يتزعمها دكتاتور أهوج، والسبب هو (الكسل) وضآلة الطموح أو غيابه بدرجة كلية، يقف وراء ذلك انعدام شبه تام لثقافة الطموح عند العراقيين، وهذا قادهم بالنتيجة إلى ساسة وحكومات لا تأبه بهم، ولا تضع أي اعتبار لحقوقهم.

فقد اختصرت تلك الحكومات حقوق العراقيين على (سد الرمق) وكانت ترى أن واجباتها تجاه الناس محصورة في توفير رغيف الخبز لا أكثر، أما الحريات والحقوق الأخرى فهي كماليات لا يحتاجها العراقيون في رأي حكامهم وحكوماتهم لدرجة أن بعض حكامهم من حقبة الدكتاتورية كان يصفهم بلا خجل بأنهم حُفاة يعيشون في الظلام، وحين انعدمت ثقافة الطموح لدى العراقيين، فأمْرٌ طبيعي أن يندثر الأمل لديهم بصورة تامة، وفي هذه الحالة لن تكون هناك حاجة للصمود، ولماذا يصمد الإنسان الكسول الفاقد للطموح وضد من؟.

لذلك لابد أن يعي العراقيون أهمية الطموح المدعوم بالأمل والصمود والعمل الجاد، ودوره في إمكانية نقل العراقيين من حالة الكسل والقبول بالأمر الواقع، إلى حالة أخرى تؤكد حقوقهم وتضمن حرياتهم وتغير أوضاعهم المعيشية والثقافية وتحسن حياتهم.

يقول الإمام الشيرازي: (خسر العراقيون الكثير من حقوقهم نتيجة عدم ثقافة الطموح والأمل المقرون بالصمود والعمل المبني على العلم والمعرفة، وعلى الوعي واليقظة).

لذلك أصرّ الإمام الشيرازي على أهمية طريق الطموح، وإذا أراد العراقيون بل المسلمون بصورة أشمل أن يطوروا حياتهم، فما عليهم سوى التمسك بثقافة الطموح التي ستمنح الجميع أملا بالتغيير، شريطة أن يرافق ذلك الصمود والعمل القائم على التخطيط والدقة وتأكيد الجدوى مسبقا، وإذا تمكن العراقيون من نشر ثقافة الطموح فيما بينهم وجعلوا منها أسلوبا لتطوير حياتهم وتغييرها، فإنهم سوف يفوزون بالخير كله، ويتخلصون من الشر كله.

هذا ما نقرأه في قول الإمام الشيرازي: (لا يوجد أمام العراقيين، بل أمام كل المسلمين، طريق سوى طريق الطموح والأمل، المستتبع للصمود والعمل، والمبني على العلم واليقظة، حتى ينالوا الخير كله، ويبتعدوا عن الشر كله).

هكذا تتضح الأمور لمن يرغب من العراقيين والمسلمين، من القادة وعامة الناس، فإذا عمل الجميع بجدية على نشر ثقافة الطموح المتبوعة بالعمل، واحتفظوا بميزة الصبر والمطاولة، فإنهم لا ريب سوف ينتقلون إلى حياة أفضل وآخرة أضمن كما تبين ذلك مما قدمه لنا الإمام الشيرازي في كتابه الطموح ودوره في حياة الإنسان والمجتمع.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
أحبائي
ما أجملها بالفعل ثقافة الطموح
اذا أوقظت جعلت كل باب مفتوح
وهزمت اليأس والكسل والفشل ليطل الأمل ويلوح
وديننا السمح أوضح لنا بجلاء المسموح وغير المسموح
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-28