(تحمُّل المسؤوليّة. والرغبة في إتقان العمل وتحسينه. واعتبار العمل متعةً يتمتّع بها لا ثقلًا على كاهله. والقدرة على التنفيذ في الوقت المناسب. والعمل تحت ضغط الوقت)...
يتحلى الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، بعقلية ديناميكية كان لها القدرة على رصد الوقائع والتطور معها واستيعاب تعقيداتها، ومن ثم طرح ما يرتئيه من معالجات وحلول هي نفسها تتمتع بصفات منها الوضوح، والدقة، وسهولة التطبيق، وضمان الوصول إلى الهدف المبتغى، وكما هو معروف عن الإمام الشيرازي في جميع أنشطته الفكرية والعملية، أنه يستهدف النتائج الملموسة ويبتعد عن الكلام الخيالي أو مفردات التخدير والخيال، وتذهب عقلية الإمام إلى هدفها مباشرة بأقصر الطرق وأوضح الكلمات والخطط.
فهو باختصار يمتلك عقلية (عملية)، تختصر التفرعات الجانبية وتكثّف هدفها في يؤرة مركزية وتمضي نحوه بإصرار ووضوح، وانطلاقا من هذه الميزة، يحرص الإمام الشيرازي على أسلوب الدقة والتركيز وترك التعقيدات جانبا، ليس بمعنى إهمالها وإنما عدم الانشغال كليّا بها، تسهيلا لتحقيق الهدف المُرام، وكما هو معروف كتب الإمام في معظم المجالات التي تساعد الأمة على تلمّس خطواتها السليمة وبلوغها النجاح، يتأتى ذلك مما يتميز به من عقلية واقعية حركية ترصد الشواهد وتستنج الحلول بعد استقراء دقيق وغاليا ما يقدّم الإمام الشيرازي حلولا ناجعة وسهلة التنفيذ في حال التقيّد بها من قبل الذي يحتاجون لها كالمسؤولين الإداريين وغيرهم.
وحول الإداري الناجح حدد الإمام الشيرازي في كتابه الموسوم بـ (فقه الإدارة)، جملة من الشروط التي ينبغي أن تتوافر في شخصيته لكي يكون منتجاً وذا سجل عملي ناجح، وقد وردت منها:
(تحمُّل المسؤوليّة. والرغبة في إتقان العمل وتحسينه. واعتبار العمل متعةً يتمتّع بها لا ثقلًا على كاهله. والقدرة على التنفيذ في الوقت المناسب. والعمل تحت ضغط الوقت).
إن سلسلة النصائح في أعلاه مترابطة مع بعضها لدرجة أن التفريط بواحدة منها يعني قطع السلسلة الإدارية وصعوبة الاستفادة منها، فمع تحمل المسؤولية ينبغي أن تكون هناك رغبة في تقديم العمل الراجح وتطويره للأحسن، وعدم التعامل مع العمل كأنه إسقاط فرض، كذلك ينبغي اختيار الوقت الملائم للإنجاز والنظر إلى الوقت كقيمة عليا لا يجوز هدرها في كل الأحوال.
ومما يقترحه الإمام الشيرازي كي يكتسب الإداري درجة النجاح عدم الإسراف والابتعاد عن التطرف في القرار أو السلوك، واعتماد الوسطية في إدارة المشاريع أو مواصلة الطريق نحو الأهداف المطلوبة، واستجلاء الأمور بعقلية منفتحة واسعة الآفاق تنطلق من النظرة الشاملة، على أن تتم كل هذه الخطوات التنفيذية وفق مواصفات شخصية قوية متوازنة غير قابلة للتعجّل في اتخاذ قرارات العمل أو محوها بصورة مفاجئة!.
كما يؤكد الإمام الشيرازي ذلك في قوله: مطلوب من الإداري (التوسُّط بين الإفراط والتفريط. والأفُق الواسع، والنظرة الشاملة. وثبات الشخصيّة وعدم الترجرج).
الثقة كأساس للانطلاق نحو النجاح
ولكي تكون مديرا ناجحا ومتميزا ينبغي أن تتحلى بقوة الإرادة والإصرار على خطوات التنفيذ بدقة وإنجاز المطلوب بصورة لا تقبل التلاعب أو النقص، على أن يتم ذلك بعد دراسة العمل من قبل المسؤول الإداري وفهم طبيعته ومن ثم الوصول إلى درجة قناعة كافية بحيثيات المشروع، وثمة شرط إداري آخر بالغ الأهمية يتمثل بمنح الثقة الكاملة لفريق العمل والتعاطي معه على أساس الهدف الأسمى وهو بلوغ النجاح، فالثقة هي المحرك الأول والدافع الأساس لتحفيز كادر الإنتاج كي يعملوا بجد وإتقان ويواصلوا التقدم في إنجاز مهامهم.
ولعل شرط المتابعة للإجراءات العملية المتواصلة يعد من أهم ما يجب أن يتقنه الإداري الناجح، فبدون متابعة وإشراف دقيق وذهنية نابهة يصعب السيطرة على الفريق وتقل فرص ضمان الإنجاز المتقن والأكيد، ويحتاج شرط المتابعة إلى ذاكرة قوية يتحلى بها المسؤول الإداري، وقوة الذاكرة نفسها تحتاج إلى وسائل منها يعتمد على القائد الإداري نفسه، كدفتر الملاحظات أو تعيين مساعد يعمل بدقة على تذكير الإداري ببعض الخطوات في حالة نسيانها، لذا فإن تقوية ذاكرة الإداري تدخل في باب المتابعة الجيدة، وهي خطوة لا يمكن الاستغناء عنها إذا أردنا إنجاز مشروعا عمليا ناجحا ومضمون النتائج.
ويؤكد الإمام الشيرازي في هذا المجال على: (قوّة الإرادة على التنفيذ بعد الفهم والقناعة. والثقة بالناس والعمل على أساس تحقيق النجاح. وإتقان وسائل تقوية الذاكرة).
ولكي يكون المسؤول الإداري نبيهاً يقظاً نشيطا وذا حماسة في العمل، لابد أن تكون حالته الصحية مكتملة أو في حالة جيدة، فالعمل الإشرافي الإداري يتطلب صحة مكتملة وقوة بدانية تساعده على الحركة الميدانية المتسقة، يوازي ذلك وضوح في الرؤية ودقة في الرأي خصوصا في القضايا التي تمس أو تتعلق بجوهر العمل، فلا يصح أن يضمحل رأي الإداري الناجح أو يضعف بخصوص تسيير العمل والوصول به إلى النتيجة المأمولة، على أن يجري ذلك بأسلوب المرونة العالية المدعومة بثبات الموقف والرؤية والإصرار على بلوغ الهدف المخطَّط له.
فمن شروط أو مستلزمات المسؤول الإداري الناجح بحسب الإمام الشيرازي:
(القوّة البدنيّة والصحّة العامّة. الوضوح في الرأي، بأن يكون صاحب رأي في الأمور. الطموح. المرونة مع الثبات في السير نحو الهدف).
الهدوء عند اشتداد الأزمات
ومن الصفات المهمة للإداري المتميز بحسب رؤية الإمام الشيرازي ضبط النفس، وعدم تأثير المواقف الحرجة على تفكير وسلوك وقرارات المسؤول الإداري، فضبط الأعصاب تعد من أهم ما ينبغي أن يتحلى به، لاسيما في ظهور المفاجآت غير المحسوبة، أو المثيرة التي قد تؤدي إلى تداعيات ونتائج تؤثر على مسيرة العمل وآليته وانسيابيته، ورباطة الجأش هنا تشبه إلى حد بعيد ما يجري في ساحة العمليات الحربية وكيف يتصرف القائد، لأن المواقف الحرجة تعود معالجتها على حنكة الإداري وعدم الانفلات والارتباك، لأنها بالنتيجة تقود المشروع برمته إلى ما لا يُحمَد عقباه.
وقد تكون هذه الصفة أو هذا الشرط من أهم ما يجب أن يتميز به الإداري الناجح، لأن الحالات والمواقف الحرجة سوف تظهر طالما أن عجلة الأعمال تدور باستمرار، إذا لا يمكن لأي عمل أن يتم بلا مواقف حرجة ومفاجآت غير متوقّعة، حتى في أدق الأعمال الإدارية حتما ستكون هناك مواقف محرجة ينبغي أن يواجهها المسؤول بالحنكة وضبط الأعصاب والتروّي والدراية.
يقول الإمام الشيرازي بخصوص الصفات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها الإداري هي: (ضبط النّفْس والتحكُّم في الأعصاب في المواقف الحرجة، خصوصًا المثيرة منها).
ولكن الهدوء في الأزمات ومعالجتها بتروٍ تام وأعصاب مسيطَر عليها، لا تعني الخواء أو الضعف أو التردد، لن يكون الأمر كذلك البتّة، بل هو العكس تماما، فما ينبغي أن يظهر عليه الإداري من هدوء في الظاهر، ينبغي أن يقابله إصرار وحماسة واندفاع كبير نحو معالجة المواقف الحرجة، بمعنى أنه يبدو في الظاهر هادئا مسترخيا مطمئنا، لكن داخله ليس كذلك، فهو يمور بموجة من الإصرار والقوة والتحدي على تجاوز المشكلة المستعصية، أو الحادثة العرضية المحرجة، ومهما بلغت من الصعوبة والخطورة والتعقيد، ينبغي أن لا تهزّ شخصية الإداري، ولكن يجب أن لا تقوده إلى التردد والخمول والهزيمة لا سمح الله.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:
على الإداري التحلي بـ (الهدوء أمام الأزمات، مع الاندفاع الداخلي الشديد لحلّها، بأن يكون مندفعًا لحلّ المشكلة. وكما قال بعضهم في المثل: يجب أن يكون كالبَطّ ظاهره هادئ، لكنه يضرب رجله في الماء بسرعة).
اضف تعليق