q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

سيمياء قلم

دراسة ببليوغرافية في النتاج المعرفي للإمام الشيرازي تضيء بعضا من معالم شخصيته

عندما نسبر اغوار شخصية عظيمة كالإمام محمد بن مهدي الشيرازي قدس سره لنتعرف على بعض معالمها نحاول أن نتوقف على ضفاف هذا البحر الزاخر بالمعرفة متلمسين سطح مياهه قبل الغوص في أعماقه، متأملين في حجم هذا العطاء العلمي وكمية هذا النتاج المعرفي قبل استكشاف أعماقه...

عندما نسبر اغوار شخصية عظيمة كالإمام محمد بن مهدي الشيرازي قدس سره لنتعرف على بعض معالمها نحاول أن نتوقف على ضفاف هذا البحر الزاخر بالمعرفة متلمسين سطح مياهه قبل الغوص في أعماقه، متأملين في حجم هذا العطاء العلمي وكمية هذا النتاج المعرفي قبل استكشاف أعماقه والكيف المعرفي لهذا البحر الخضم والعَلَم الشامخ.

وأول مفردة تستدعي التأمل والتوقف هو ذاك الحجم الهائل في نتاجه المعرفي ومؤلفاته وتصانيفه الذي تجاوز الـ"1500" كتاب في نواحي مختلفة من العلوم والمعارف من الدين والسياسة والتاريخ والاجتماع والاقتصاد واللغة العربية وآدابها وغيرها من المواضيع النهضوية والإرشادية تضمنت أكثر من عشرين سلسلة وموسوعة وفي مقدمتها موسوعته الفقهية والتى تجاوزت ال "160" مجلدا، لذا سنعمل على قراءة هذه الشخصية والتعرف على بعض معالمها عبر هذا النتاج المعرفي العظيم.

لقد أبهر هذا العطاء المعرفي الزاخر كل من اطلع عليه من المنصفين حتى قال أحدهم وهو بروفيسور كبير وثقة المرجعية بالنجف الأشرف عندما تحدث عن الأمام الشيرازي في كتابه (قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف) يصفه قائلا: ظاهرة فريدة في البحث والتأليف والنشر، لذا حق لإمامنا الشيرازي قدس سره أن يتبوأ عرش " سلطان المؤلفين" وبجدارة، كما وصفه الدكتور "أسعد علي" الأستاذ في كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة دمشق ومرشد الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية، بعدما أسرته مؤلفاته وابهرته سعتها وحجمها وتنوعها.

(1)
ماذا يعني تأليف 1500 كتاب؟

بعيدا الآن عن التقييم المعرفي لهذا النتاج، فإن مجرد هذا الكم الهائل من التصانيف والمؤلفات لمؤلف واحد فقط، يحكي جملة من الدلالات التي ينبغي الالتفات لها، والتي منها:

1) أن هذا الكم يحكي عن شخصية منشغلة بالمجال المعرفي انشغالا بلغ حد الاستغراق والانهماك الذي استولى على جوانب وتفاصيل حياته، وهذه الميزة لا تجدها الا في الشخصيات العلمية حقا، بل في الشخصيات التي ذابت في المعرفة وعشقتها، ففي كتابه كفاحنا يؤكد لنا هذه الحقيقة وهو يتحدث عن نفسه قائلا: "لا أظن ان التفكير يفارقني ساعة، بل أحيانا أضع القلم والورق عند رأسي وقت النوم، فإذا وصلت إلى شعر أو فكرة أو ما أشبه أكتبه وأنا مستلق في حالة ظلمة الغرفة بملكة اليد"، بل ولشدة ولعه بالمعرفة كان يختصر وقت غدائه حتى أنه أحيانا وكما يصف: "آكل وأنا مشغول بالتأليف أو المطالعة " فكان النموذج الأوضح والأبرز للمقولة الشهيرة التي طالما ساقها وهو يحثنا على العلم والمعرفة " اعط العلم كلك يعطك بعضه".

2) يحكي هذا الكم الهائل من المؤلفات عن سعة اطلاع المؤلف ونمط قراءته وقوة استلهامه، فلا تجد كاتبا يشتغل بمعالجة موضوع ما ليتناول جوانبه بشكل صحيح الا ويكون قبلها قد انجز جملة خطوات، منها:

أ‌- ان يكون قد طالع مجموعة من المصادر والكتب المتعلقة بالموضوع محل المعالجة لأنه وكما ذكروا "القراءة ضرورة تحقيقية انتاجية" إذ لا يتمكن ان يكتب من فراغ وبلا اطلاع وهذا مايعرف بـ"القراءة المرجعية" وقد صنفوها بأنها "الأكثر فعالية والاكثر جهدا".

ب‌- ان يكون قد تمكن من فهم واستيعاب الموضوع محل البحث و المعالجة واطلع على جوانبه واﻵراء فيه.

ت‌- ان يكون قد تمكن من صياغة رؤية وموقف معرفي حول الموضوع محل البحث، وهذا بذاته يعد شكلا متقدما ورفيعا من أشكال التلقي وهو "التلقي النقدي".

وبعد أن يمر بهذه المقدمات حينها يمكنه أن يتناول الفكرة او الموضوع بالبحث والكتابة، ويدون فيها رأيه وموقفه المعرفي، وهذا مايطلق عليه اليوم بـ"الكتابة الإبداعية"، خاصة إذا ماعلمنا أن مؤلفات سماحته ليست كتبا تجميعية بل كتب تعالج قضايا وتقدم رؤية وتطرح أفكاراً وتناقش مسائل معرفية.

ما أوضحناه يعطينا لمحة بسيطة عن شخصية هذا المؤلف المعرفية وطبيعة قراءته ومطالعاته التي تجاوزت القراءة السطحية والتبعية بمراحل ليصبح أنموذجا ومثالا للقارئ الناقد والمتفحص، فضلا عن انه نموذج للقارئ المنتج والفاعل في صناعة وحركة الدورة المعرفية، وليس قارئا ترفيا يقرأ للترفيه والاستمتاع والترف الفكري.

كما يوضح أيضا بأن هذا الكم الهائل من المؤلفات صنعته قراءة لأضعاف مضاعفة من الكتب تمكن ذهنه الوقاد من التهامها كما عبر بذلك وهو يتحدث عن طبيعة قراءته ومطالعته قائلا: "المطالعة الدائمة وأحيانا التهم كتابا ذا مائة صفحة في بعض ساعات".

بعد كل ذلك لك أن تتخيل كم كتابا قرأ لينتج لنا هذا البحر الزاخر من المعرفة.

ولك أيضا أن تتخيل كم وقتا أمضاه من عمره، فقط للقراءة والمطالعة، فضلا عن وقته الذي أمضاه في البحث والكتابة ليصنع لنا هذا الإنجاز الأسطوري الذي حق له أن يدخل موسوعة "جينيس" للارقام القياسية.

3) كلما تضاعف اشتغال الانسان بالمجال المعرفي، وزاد تلقيه واستيعابه للأفكار كما ونوعا، كلما صقل ذلك فكره ونمى عقله وأبعد شخصيته ونمط تفكيره عن الأوهام والخرافات والعواطف والانفعالات، لتصبح شخصية أكثر موضوعية وعلمية في تناولها للقضايا بالبحث والمعالجة، وهذا النحو من السلوك المعرفي هو مايجعل مثل هذه الشخصيات أكثر قربا للحقائق من غيره.

من هنا نعلم كيف أن من يرمي مدرسة الإمام الشيرازي بالخرافة، إما هو جاهل لم يطلع على نتاجه المعرفي، وإما متحامل قد فضح بادعاءاته زيف موضوعيته، وكشف عن سوءته وسوء سريرته، أجارنا الله وإياكم من كل غل وحقد وفجور في الخصومة.

ولأولئك الذين يدعون الإنصاف والموضوعية نقول:

ألا تستحق هكذا شخصية أفنت عمرها في العلم والمعرفة أن نقف لها موقف إكبار وإجلال بدلا من موقف التسقيط وإشهار الحراب؟!

إن مجرد بذل هذا الجهد وهذا الوقت في المحاولة والسعي لتقديم إضافة في الساحة المعرفية بحد ذاته مدعاة للتعظيم والإجلال في الأمم المتقدمة، فما بالك إذا كانت هذه الجهود أثمرت عن حراك معرفي واجتماعي لفتت عقول الباحثين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين، وجعلتهم يتناولون هذه الشخصية ونتاجاتها بالبحث والدراسة في أكثر من ثلاثين دراسة جامعية وغير جامعية مطبوعة حتى الآن.

حتى لو لم ترتضي مقولاته وآراءه فليس هذا مبررا للسلوك التسقيطي تجاه هذه الشخصية العملاقة، فكم حدثنا التاريخ عن شخصيات علمية خاصمها العلماء معرفيا وأسقطوا مقولاتها إلا أنهم في الوقت ذاته أعظموا شأنها ولم يتنكروا لإسهاماتها المعرفية.

من هنا يتبين لنا أن كل أصوات النشاز التي تنال من هذا الطود الشامخ إنما تحركها الندية والخصومة، لا الإنصاف والموضوعية التي طالما تدثروا بها وتصنعوها ليوهمونا.

4) الإرادة الصلبة والهمة العالية والأهداف الطموحة.

إن صناعة هذا الكم الهائل من المصنفات والمؤلفات لاشك تكمن وراءه همة عالية ومتوهجة لا تعرف الراحة أو السكون وإرادة صلبة لا تعرف الكلل ولا الملل، حتى لا تجدها تفوت على نفسها لحظة من حياتها دون أن توظفها في هذا المشروع العملاق مطالعة وتفكرا وكتابة، وقد اوضح لنا هذه الحقيقة في كتابه "كفاحنا" عندما أجاب على تساؤل: كيف تمكنت من إنجاز هذه الأعمال؟ قائلا:..... 4- الاستطلاع الدائم على مختلف العلوم والأوضاع. 5- المطالعة الدائمة السريعة. 6- الاهتمام بالوقت حتى لا أضيع ولو دقيقة.

قد يصادف أن تجد عشاقا للمعرفة يلتهمون الكتب قراءة لكن ليس بالضرورة تجدهم يعكفون على الكتابة والتأليف، إما لعدم رغبة أو فقدان للهمة والطموح، وإما لعدم إيمان بضرورة الكتابة، وإما لعدم قدرة أو غيرها الاسباب الصارفة عن الاشتغال بالكتابة، أو تجد هناك من يهتم بالكتابة والتأليف لكن صروف الدهر وشواغل الحياة تعيقهم عن الاكمال او المواصلة، ولكن هناك صنف آخر ومنهم الإمام الشيرازي قدس سره حملوا همة عالية وارادة صلبة جعلتهم يقهرون كل الظروف والمعوقات، فمنهم من الف كتبه وهو في ضيق السجون وعذابها، ومنهم من لم يثنه وعثاء السفر من ان يؤلف كتابا وهو في طريق سفره، ومنهم من الف كتابه وهو على فراش مرضه، أما إمامنا الشيرازي وأعجوبة عصره في التأليف فقد ألف ثلاثين كتابا في أقل من ستة شهور فقط، أحدها كتابه " تبيين القرآن" وهو يرزح تحت ظروف جد حالكة وعصيبة حيث كتبها وهو في محنة الاختفاء وقلق المطاردة أبان الحكم البعثي عندما اعتقل أخيه الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره وثلة من مريديه، فاضطر للإختفاء كل تلك المدة ولكن دون أن يتوقف عن الكتابة، مما يؤكد لنا أن صاحب هذا الانجاز بلغ بهمته ما لاتضارعه حتى الجبال اذ لم تنل من عزيمته وإرادته كل مامر به من ظروف ولم تعيقه كل تلك المحن والصعاب.

الإمام الشيرازي قدس سره كغيره من البشر تلم به الظروف والظروف العصيبة أيضا إلا أننا نجد نتاجه المعرفي لا يتوقف في مختلف الظروف مما يؤكد أن وراء هذا الإنجاز ليس مجرد معرفة وحسب بل تكمن وراء ذلك همة وطموح وإرادة تلامس عنان السماء.

كما أن من يعكف على صناعة هذا الانتاج المعرفي الضخم برغم الظروف لاشك أنه يحمل أهدافا يرمي وراء ذلك الى تحقيقها، بل يحمل أهدافا كبيرة إلى حد أطلقت فيه طاقة جبارة حركته لصناعة هذا الإنجاز المهول، هذه الطاقة التي جعلته ملهما لكثيرين من مريديه وتلامذته ليكونوا كتابا أيضا، فهو الذي لا يفتأ يحرك هممهم للكتابه بوصيته الشهيرة التي نستمعها منه كلما زرناه قائلا: قووا أقلامكم.

مادوناه هنا هو بعض مايمكن أن يتلمسه بوضوح كل منصف رفع عن قلبه الغشاوة وتأمل رويا في هذا الإنجاز المعرفي الكبير.

ولك أيضا أن تتخيل كم وقتا أمضاه من عمره، فقط للقراءة والمطالعة، فضلا عن وقته الذي أمضاه في البحث والكتابة ليصنع لنا هذا الإنجاز الأسطوري الذي حق له أن يدخل موسوعة "جينيس" للارقام القياسية.

(2)
عشرون تخصصا علميا أو أكثر. كتب فيها الإمام الشيرازي

الإمام الشيرازي من العلماء الموسوعيين فقد اشتهر التاريخ المعرفي الاسلامي وغيره بمجموعة من العلماء الموسوعيين الذين لمعوا وابدعوا في أكثر من تخصص علمي كابن سيناء الذي عرف بنبوغه في الطب والفلسفة والأدب وغيرها، وابن الهيثم الذي برز في الرياضيات والفلك والفلسفة.

يمتاز هذا النوع من العلماء بقدرتهم الفائقة على الإبداع والإبتكار فـ"لقد كان علماء التداخل - أي الموسوعيين - مبدعين ومجددين ومؤثرين في مسار العلم والمعرفة" و"يكفي ان تعلم ان معظم الحاصلين على جائزة نوبل من علماء التداخل - أي الموسوعيين - إذ عرفوا بقدرتهم التركيبية الفائقة للربط بين الفروع العلمية" بحسب الدكتور محمد همام في كتابه "تداخل المعارف ونهاية التخصص في الفكر الاسلامي العربي".

الإمام الشيرازي قدس سره ينتمي لهذا النموذج من العلماء الذين برزوا وصنفوا في أكثر من تخصص علمي، فقد ألف إمامنا الشيرازي قدس سره في أكثر من عشرين تخصصا علميا سواء في العلوم الدينية أو الإنسانية، والذي لم نعد اليوم نسمع بهذا الصنف من العلماء إن لم يكن هو خاتمة هذا الرعيل من العلماء.

سنحاول هنا أن نمر على تلك التخصصات وبعض الكتب التي ألف فيها لنتعرف على مدى اتساع هذا البحر العلمي الموسوعي الذي تزخر به هذه الشخصية العلمية الكبيرة.

إن الكتابة في علم ما حتى لو كان على سبيل تقرير ماتعلمه وفهمه من ذلك العلم، مدعاة لتبجيل الكاتب ووصفه بالعلم والمعرفة، فما بالك اذا كان ماكتبه يفوق مجرد التقرير إلى مستوى المعالجة بالطرح والتهذيب والنقد وماشابه، لذا ماكتبه إمامنا الشيرازي قدس سره فضح الجاهلين عليه وأبدى سوءتهم حقا، ولذا نضحك على من لازال يتساءل مشككا هل الامام الشيرازي مجتهد أم لا؟!!! إنها الضغينة والجهل إذا أعمت (صم بكم عمي فهم لايعقلون) ولن يعقلوا.

التخصصات التي كتب فيها الامام الشيرازي قدس سره وعالج قضاياها ومسائلها بفكره ورؤيته المستمدة من القرآن الكريم الذي حفظه عن ظهر قلب وفسره بأكثر من تفسير والمستمدة من السنة المطهرة التي مخر عبابها وطاف كتبها وطوى موسوعاتها وفقه أحاديثها والمستمدة من العقل وكذا الخبرة التي اكتسبها، هذه التخصصات فاقت العشرين تخصصا سواء في العلوم الدينية او الانسانية او غيرها، وقد ترجمت طائفة منها إلى لغات عديدة كالانجليزية والفرنسية والاسبانية والفارسية والالبانية والسواحلية واﻵذرية والاوردية وغيرها، وقد بلغ تعداد طباعة بعضها (37) مرة لشدة الاقبال عليها والحاجة لها، وهنا سنحاول أن نمر على بعض تلك التخصصات عجالة وهي على قسمين: 1- العلوم الدينية والادبية 2- العلوم الحديثة وغير الدينية

1- العلوم الدينية والادبية

1) التفسير وعلوم القرآن:

فقد كتب فقط في هذا التخصص (68) كتابا منها:

1- تقريب القرآن إلى الأذهان في ثلاثين جزءا بما مجموعه "4668" صفحة واول طبعة له في كربلاء عام 1383 ه أي قبل (55) سنة وكان عمره آنذاك (36) عاما حيث ولد بالنجف الاشرف عام 1347 ه - 1928 م.

2- الفقه.. حول القرآن الحكيم: في (278) صفحة وقد طبع بقم عام 1410 ه

3- تبيين القرآن: في ثلاثة أجزاء، بما مجموعه (1852) صفحة، والذي ألفه فترة محنة المطاردة والاختفاء بكربلاء وقد طبع بكربلاء عام 1389 ه أي بعد طباعة تفسيره الأول بست سنوات مما يعني أن الإمام الشيرازي قدس سره لا يتوقف عن التأمل في القرآن والنظر في آياته، ولذا كان له تفسيرا ثالثا وهو:

4- التفسير الموضوعي للقرآن: في عشرة أجزاء.

2) الحديث:

فقد كتب فيها (56) كتابا منها:

1- توضيح نهج البلاغة في أربعة أجزاء بما مجموعه "1789" صفحة وقد طبع عام 1385 ه في كربلاء وكان عمره يومذاك 38 سنة.

2- الفقه.. الآداب والسنن في أربعة أجزاء بما مجموعه 1896 صفحة وطبع عام 1410 ه.

3- الفقه.. حول السنة المطهرة في 110 صفحات وطبع عام 1413 ه.

3) الفقه:

وهذا التخصص العلمي استأثر بالحصة الأكبر في تأليفات إمامنا الشيرازي حيث بلغت أكثر من "240" كتابا منها:

1- الموسوعة الفقهية:

والتي بدأ الكتابة فيها وهو في عمر 25 ربيعا الى أواخر عمره المبارك حتى بلغت "165" مجلدا بما يفوق (70000) سبعين الف صفحة وتعد أكبر موسوعة فقهية شيعية واسلامية.

استوعبت الموسوعة ابواب الفقه من أوله الى آخره بكل فروعه وتفاصيله بل أضاف الإمام الشيرازي بعض الابواب في الشؤون المعاصرة - لم يسبق لأحد أن بحثها فقهيا - وادرجها ضمن بحوثه الفقهية لتعتبر إضافة نوعيه في الفقه عامة، علما أن بعض أجزائها لم تطبع بعد، والجدير بالذكر أن أكبر موسوعة فقهية شيعية قبل موسوعة الامام الشيرازي الفقهية لم تتجاوز "44" مجلدا.

2- إيصال الطالب إلى المكاسب في "16"جزءا بما مجموعه 6190 صفحة وقد طبع عام 1394 ه، ولازال محل اعتماد للاستاذ قبل الطالب في الحوزة لشرح وتذليل مطالب الكتاب.

3- المسائل الإسلامية:

وهي رسالته العملية في 696 صفحة طبعت 1401 ه بقم، وقد تفرد الإمام الشيرازي قدس سره في رسالته العملية بإضافة مقدمة في اصول الدين وفروعه وتحدث عن المجتمع الاسلامي ونظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وماشابه بشكل موجز، لكونه يرى الاسلام ليس مجرد عبادات ومعاملات بل نظام اجتماعي يكفل لافراد المجتمع الحرية والرفاه والتقدم.

أبواب متجددة

ولأن الإمام الشيرازي قدس سره يرى الإسلام نظاما اجتماعيا ومشروع حضارة إنسانية تفتقت هذه الرؤية عن إبداعات فقهية أسهم بها في بلورة رؤية تشريعية أصلت لتلك الأبعاد الحضارية في المشروع الأسلامي الحضاري بما لم يسبقه اليها أحد من الفقهاء، وذلك عندما أضاف لمضمار البحث التشريعي في موسوعته الفقهية مواضيع حضارية ماسة أفرد لكل منها مجلدا أو أكثر أثراها بالبحث الفقهي التشريعي.

ومن تلك المواضيع البحوث التشريعية التالية:

1- الفقه.. الاجتماع

2- الفقه.. الاقتصاد، في مجلدين

3- الفقه.. السياسة، في مجلدين

4- الفقه.. الإدارة

5- الفقه.. الحقوق

6- الفقه.. القانون

7- الفقه.. الحريات

8- الفقه.. الدولة الإسلامية

9- الفقه.. الإعلام

10- الفقه.. الحكم في الإسلام

11- الفقه.. البيئة

12- الفقه.. الأسرة

13- الفقه.. الحكومة العالمية الواحدة

14- الفقه.. علم النفس

15- الفقه.. الطب

16- الفقه.. المستقبل

17- الفقه.. فلسفة التاريخ

18- الفقه.. المرور

19- الفقه.. النظافة

20- الفقه.. السلام

وغيرها.

فقه الزهراء

ومن إبداعات إمامنا الشيرازي قدس سره في مجال البحث التشريعي، والتي أيضا تفرد بها ولم يسبقه إليها أحد هو جعله كلام مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام وخطبها محلا للبحث التشريعي فأفرد خارج موسوعته الفقهية خمسة مجلدات بإسم "فقه الزهراء" أخلص فيها إلى مجموعة كبيرة جدا من الأحكام والتشريعات والرؤى التي لم يسبق أن طرحها او استنبطها أحد، وتعد هذه إحدى الالتفاتات الابتكارية وغير المسبوقة لإمامنا الشيرازي قدس سره.

4) أصول الفقه

وهو من أصعب وأدق العلوم الحوزوية وهو بمثابة المنهج الاستدلالي للفقيه في استنباطه للاحكام الشرعية.

وقد كتب فيه الإمام الشيرازي قدس سره أكثر من خمسين (50) كتابا منها:

1- الأصول

كتبه في ثمانية أجزاء بما مجموعه 1078 صفحة وقد طبع عام 1403 ه. وقد نقل أن الإمام الشيرازي قدس سره تعمد صياغته بعبارات مضغوطة المعاني وصعبة الفهم لا يتمكن القارئ من فهمها واستيعابها الا بشرحها من قبل النخبة من أهل الاختصاص، وذلك كرسالة لمن عابوا عليه سلاسة تعابيره في كتبه و بساطتها، بأنه قادر على تصعيب العبارات في كتاباته وقت يشاء الا أنه يرى أنها لا تحقق رسالته من الكتابة كما وأنها ليست مقياسا حقيقيا لعلمية الكاتب من عدمها، بل المقياس هو عمق الطرح وفاعليته وتأثيره لا تصعيب العبارة وطلسمتها.

ولا بأس أن أسوق هنا طرفة صادفتني ذات يوم حين خرج أحدهم من محاضرة لأحد الشيوخ فقال لي: إن هذا الشيخ عالم كبير الى درجة ماتقدر تفهم كلامه.. هكذا هي المقاييس المغلوطة.

وقد ذكرو في التاريخ أن الشهيد الثاني كتب "مسالك الأفهام في شرح شرائع الاسلام" فعابوا عليه وضوح عباراته وسلاستها فكتب لهم "الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية" التي لا يتمكن من فك عبائرها وشرح مطالبها الا الاوحديون في مجالهم.

2- الوصول إلى كفاية الأصول:

كتبه في خمسة (5) مجلدات بما مجموعه 2498 صفحة طبع بالنجف الأشرف عام 1380 ه -أي كتبها ولم يتم الخامسة والثلاثين من عمره -

قد كتبه لطلاب مرحلة السطوح العليا في الحوزة ويعد هذا الكتاب من أصعب الكتب الحوزية إلا أنه قدس سره بشرحه له ذلل مطالبه للاستاذ قبل الطالب، فقد فكك العبائر وشرح المطالب بكل تسهيل وتبسيط بفن الشرح المزجي الذي قل من يتقنه في عصرنا الحاضر.

وأصبح كتابا يستعين به الاستاذ قبل الطالب في استيضاح المطالب.

3- الوصائل إلى الرسائل:

كتبه في (15) جزءا بما مجموعه 6012 صفحة طبع عام 1409 ه، شرح فيه كعادته بفن الشرح المزجي كتاب "فرائد الأصول" المعروف بالرسائل لطلاب مرحلة السطوح فبسط الإمام الشيرازي قدس سره هذا الكتاب ويسر فهمه للطالب والأستاذ.

5) العقائد:

فقد كتب فيه أكثر من ثلاثين (30) كتابا ومنها:

1- العقائد الإسلامية كتبه في (200) صفحة بكربلاء وطبع عام 1380ه بالنجف وهو في الثالثة والثلاثين من عمره

2- الفقه.. العقائد كتبه في مايقرب (400) صفحه وطبع بقم عام 1420 - 2000 ه

3- مجموعة المؤلفات التعريفية بالشيعة والتي قاربت الخمسة عشر كتابا كتبت في الفترة الزمنية الممتدة بين كربلاء والكويت وتحديدا بين عامي 1383 هج و 1396 ه، وقد ترجم بعضها الى لغات مختلفة نذكر منها:

1- من هم الشيعة

2- هكذا الشيعة

3- اعرف الشيعة

4- قصة الشيعة

5- واقع الشيعة

6- قضية الشيعة

7- مقالة الشيعة

8- الشيعة والشريعة

9- الشيعة والتشيع

10- هوية الشيعة

11- أفكار الشيعة

12- نظرة الشيعة

13- نهج الشيعة

وغيرها.

وقد اهتدى بفضل هذه الكتب التعريفية بعض المستبصرين.

6 و7) علمي الكلام والفلسفة:

ومنها:

1- "القول السديد في شرح التجريد" كتبه في (418) صفخة وطبع عام 1381 ه وعمره لم يتجاوز الخامسة والثلاثون وهو كتاب يشرح فيه كتابا درسيا حوزويا في علم الكلام.

2- "شرح منظومة السبزواري" في علم الفلسفة شرحها في جزئين بما مجموعه 442 صفحة وقد طبع في كربلاء عام 1386 ه.

3- "وقفة مع الوجوديين" كتبه في (80) صفحة وطبع عام 1386 ه

4- "نقد المادية الديالكتيكية" كتبه في (40) صفحة طبع بكربلاء عام 1389 ه

5- "نقد نظريات فرويد" كتب بكربلاء في (72) صفحة وطبع عام 1418 ه

6- "ماركس ينهزم" كتبه بقم وطبع عام 1400 ه في (47) صفحة.

8) الأخلاق:

وقد كتب في هذا التخصص 75 كتابا منها (15) مخطوطا لم يطبع بعد بما مجموعه "3612" صفحة تقريبا ومن أبرزها:

1- الفضيلة الإسلامية: كتبه في اربعة اجزاء بما مجموعه 570 صفحة طبع بالنجف عام 1380 ه اي لم يبلغ بعد الخامسة والثلاثين من عمره.

2- الفضائل والأضداد: كتبه بكربلاء في ما يقرب "400" صفحة طبع بالنجف عام 1377 ه اي كتبه وعمره لا يتجاوز الثلاثين عاما.

3- الإخلاص سر التقدم: كتبه بقم في "184" صفحة وطبع عام 1424 ه.

9) علوم النحو والادب:

كتب في هذه العلوم مايقرب (15) كتابا منها في النحو واخرى في البلاغة وثالثة في الشعر وما أشبه:

1- المنصورية في النحو والصرف: كتبه بكربلاء في "224" صفحة وطبع عام 1420 ه، والجدير ذكره ان هذا الكتاب عبارة عن دروس كان يدرسها حرمه "منصورة آل معاش" رحمها الله تعالى فأسماه المنصورية نسبة لاسمها تكريما لها.

2- البلاغة: كتبه بكربلاء في "192" صفحة وطبع عام 1379 ه.

3- المدائح والمراثي: أشعار له في أهل البيت عليهم السلام مدحا ورثاء طبع بقم عام 1404 ه في "56" صفحة.

10) التاريخ:

كتب امامنا الشيرازي طاب ثراه في التاريخ ما يقرب من المائة (100) كتاب منها (38) مخطوطا، وقد تنوعت مادة التاريخ التي كتب فيها بين تاريخ اهل البيت عليهم السلام وبين التاريخ الاسلامي العام وغيرهما.

وهنا سنتحدث عن ثلاثة أبعاد اهتم بها الإمام الشيرازي في كتاباته التاريخية:

أ) تاريخ أهل البيت عليهم السلام:

فقد كتب فيهم (44) كتابا تقريبا منها:

1- سلسلة من حياة المعصومين: بدءا بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وانتهاء بالإمام المهدي عجل الله فرجه، في أربعة عشر مجلدا طبع بعضها وبعضها لا زال تحت الطبع وبعضها مصفوف الكترونيا تتراوح صفحات المجلد الواحد بين (300 و 400) صفحة بما يقارب (5000) الخمسة آلاف صفحة للسلسلة.

2- أمهات المعصومين: وكان بعدا مغيبا في سيرة أهل البيت عليهم السلام فعمد الامام الشيرازي تسليط الضوء عليه ولعله إظهارا لدور الأم في تنشئة المعصومين عليهم السلام، وتأكيدا لدور المرأة في الأمة، وإبرازا للقدوات النسائية الصالحة.

كتبه بقم وطبع ببيروت في "235" صفحة عام 1424 ه بعد رحيله بسنتين.

3- آخر الكلمات في فاطمة الزهراء عليها السلام في (17) صفحة وكان أخر ماخطته بنانه رحمه الله إذ بعدها بسويعات إنتقل الى الرفيق الأعلى خاتما حياته بنصرة وخدمة الزهراء عليها السلام كعنوان لختام مسيرة ملؤها العطاء والتضحية والجهاد، فالسلام عليه يوم ولد ويوم عرج بروحه ويوم يبعث حيا.

ب) المذكرات:

لم يعتد الوسط الحوزوي كتابة المذكرات بل في الوسط العربي قليل من كتبوا مذكراتهم، حيث كتابة المذكرات من الفنون الأدبية المعاصرة في تدوين التاريخ أشتهر في الحضارة الغربية، ولم يصل للعالم العربي إلا حديثا أبان عصر النهضة الثقافية الحديثة في العالم العربي.

بينما الإمام الشيرازي قدس سره كان سباقا حوزويا وعربيا نحو هذا الشكل من الكتابة التاريخية، إيمانا منه بأهمية إيصال التجارب للأجيال القادمة وإثراء المجتمع بخبرات الماضين ليرتقوا بها في سلم التقدم والتطور بين الأمم، فخرج عن البيئة التقليدية السائدة في الحوزة كما هي عادة المبدعين، وشرع يكتب مذكراته مذ كان في كربلاء واستمر على ذلك حتى أواخر عمره الشريف قدس سره، مؤكدا بذلك مواكبته للأنماط الثقافية المعاصرة متفاعلا مع حراك العصر الثقافي.

فقد كتب مايربو على العشرة مصنفات بين تسجيل لسيرته الذاتية وبين ماشهده من أحداث ورؤيته حولها وبين مذكراته ومشاهداته، ومنها:

1- عشت في كربلاء كتبه بالكويت عام 1391 هج في ثمانين صفحة.

2- تلك الأيام كتبه فيما يقرب الثلاثمئة صفحة وطبع ببيروت عام 1420 ه.

ج) التاريخ الإسلامي العام:

فقد كتب الإمام الشيرازي قدس سره في التاريخ الإسلامي العام مايربو على الثلاثين كتابا سواء عن حقب تاريخية أو شخصيات أو ماشابه، ومن تلك الكتب التالي:

1- من التمدن الإسلامي: كتبه بكربلاء وطبع ببيروت عام 1397 ه في "408" صفحات.

2- موجز عن الدولة العثمانية: كتبه بقم في "207" صفحات، وطبع عام 1419 هج ببيروت.

3- تلخيص الحضارة الإسلامية: كتبه بقم في جزئين، وطبع ببيروت عام 1420 ه في "256" صفحة.

كل ذلك ينبئك بما يتمتع به اﻹمام الشيرازي قدس سره من احاطة كبيرة بالتاريخ الإسلامي وشخصياته، مما يجعله أكثر جدارة لاستخلاص العبر من التاريخ وفهم حركة التاريخ واستشراف المستقبل، وهذا ماسيتضح لك جليا عند مطالعة أغلب كتاباته إذ لا تخلو من شواهد تاريخية، فنجده يستعين بمعرفة التاريخ في صياغة حلول لمشكلات الحاضر وفهم المستقبل ومن ثم بلورة رؤى لصناعة المستقبل.

إن هذه اﻹحاطة الكبيرة بالتاريخ مكنت اﻹمام الشيرازي قدس سره من فهم حقائق التاريخ وسننه والقواعد العامة التي يسير عليها التاريخ البشري، لذا تجده بعد هذه المعرفة الجمة بالتاريخ يستخلص لنا تلك الفلسفة التي يسير عليها التاريخ البشري وحضارة الإنسان في اﻷرض فكتب:

4- فلسفة التاريخ: كتبه فيما يقرب الأربعمئة صفحة دون فيها خلاصة قراءاته التحليلية للتاريخ، وقد كتبه عام 1418 ه أي أواخر عمره الشريف وكأنه يقول لنا أن هذه هي عصارة مافهمته من التاريخ الذي قرأته أو عشته، سواء عشته منفعلا أو فاعلا، فرحمك الله أيها اﻹمام الشيرازي وانت تعطينا عصارة حياتك وشهادتك على خضم معترك الحياة الذي عشته والتاريخ الذي سطرته أو قرأته.

2- العلوم الحديثة وغير الدينية

الانفتاح على العلوم الحديثة

العلوم العشرة سابقة الذكر والتي تناولها اﻹمام الشيرازي قدس سره في كتاباته قد تبدو اعتيادية وطبيعية للفقيه باعتبار علاقتها الوطيدة بالدين والتشريع اﻹسلامي، الا أن اﻹمام الشيرازي قدس سره امتاز بإضافة جديدة وهو انفتاحه على العلوم الحديثة حتى تعمق وكتب فيها بل وكتب في بعضها بغزارة.

وعندما نلاحظ العلوم الإنسانية الحديثة التي انفتح عليها الإمام الشيرازي قدس سره سنجد أنها ذات علاقة وطيدة بحركة وديناميكية الأمم والمجتمعات، وهذا يبرز لنا بعدا آخر في هذه الشخصية.

البعد اﻵخر في شخصية اﻹمام الشيرازي قدس سره هو أنه يعد من المرجعيات الدينية الرائدة في حمل راية التغيير اﻻجتماعي والنهوض باﻷمة، وإيمانا منه بأن ممارسة التغيير والنهوض باﻹمة بحاجة ماسة إلى فقه ومعرفة العلوم الإنسانية الحديثة ذات العلاقة، كي يتسنى للقيادة الدينية أن تقود أمتها نحو التغيير والنهوض الحضاري على أسس معرفية رصينة، لكل ذلك نجده قد اهتم بهذه العلوم الحديثة، خاصة إذا ما علمنا أنها المرجعية الدينية التي ترى اﻹسلام رسالة جاءت لصنع حضارة اﻹنسان وليس فقط لمجرد أحكام شرعية وحسب، لذا في كتابه "نظام الحوزات العلمية" يقول "من الواجب على الحوزة ان تكون مستوعبة لكل العلوم لا خصوص الفقه والاصول او العبادات والمعاملات والحديث والتفسير، بمعنى ان تكون مستوعبة لأصول كل ما يحتاجه الانسان في دينه ودنياه".

ومن المفارقات الملفتة أن هذه العلوم اﻹنسانية الحديثة التي انفتح عليها الامام الراحل وتناولها بكتاباته، لا زالت بعيدة عن التناول في اﻷوساط الحوزوية المعهودة، بل وبمسافات أيضا، مما يؤكد لك نبوغ هذه الشخصية التي تجاوزت واقعها الحوزوي وسبقت زمانها في مضمار الطرح الفكري الديني.

وهنا حقيقة لابد من اﻹشارة لها وهي أن اﻹمام الشيرازي رحمه الله امتاز عن العديد من المرجعيات الدينية المباركة بكونه مرجعية تحمل رؤية فكرية ومشروعا نهضويا للأمة - وإن اختلف البعض معه في رؤيته - فلم تقتصر هذه الشخصية في تصديها للشأن المرجعي على الجانب التقليدي من اﻹفتاء والتصدي للشؤون الحسبية وحسب، بل أسس مدرسة فكرية نهضوية أصيلة ذات امتداد زمكاني بامتدادها الجغرافي في العالم والزماني في اﻷجيال حتى عرفت مدرسته بمدرسة اﻹمام الشيرازي قدس سره (سيأتي في القسم الثاني من هذه السلسلة تناول رؤيته الفكرية ومشروعه النهضوي).

فماهي تلك العلوم الإنسانية الحديثة التي انفتح عليها اﻹمام الشيرازي قدس سره وكتب فيها؟

من العلوم الحديثة التي كتب فيها اﻹمام الشيرازي قدس سره:

12) السياسة.

في الوقت الذي كانت اﻷوساط الدينية والحوزوية بطابعها العام أبعد ماتكون عن السياسة، بل ولازال هناك في الحوزة من يدعو علماء الدين للابتعاد عن السياسة، نجد في ذات الوقت إمامنا الشيرازي قدس سره يتجاوز هذا الواقع ويتغلب على سطوته ليدخل السياسة ويخوض غمارها قائدا ومفكرا حتى كتب في السياسة مايربو على الثمانين كتابا غذى بها الصحوة الاسلامية برؤاه وبصائره المستخلصة من الكتاب والسنة وتجارب الشعوب، ولذا تجد كتاباته متنوعة بين كتابات تؤصل النظرية اﻹسلامية في الحكم وإدارة الدولة وبين كتابات تعنى بالعمل السياسي الإسلامي واستنهاض اﻷمة، وبين كتابات تتناول قضايا واحداث ساخنة في اﻷمة، وغيرها، ونذكر منها:

أ) الدولة والحكم اﻹسلامي:

اﻹمام الشيرازي قدس سره من أوائل الفقهاء القلائل الذين يرون وجوب العمل على إقامة الحكومة اﻹسلامية، ولذا اهتم بالدعوة وتعبئة اﻷمة بهذا الهم والتطلع فحاضر وحرض وكتب في هذا الاتجاه، وقد أولى اهتماما كبيرا لن تجده عند غيره من الفقهاء في بلورة وصياغة الرؤية اﻹسلامية في الحكم وإدارة الدولة ومن بين تلك الكتب التي أبرز فيها بجلاء النظرية والرؤية اﻹسلامية في الحكم:

1- نريدها حكومة إسلامية. كتبه بكربلاء عام 1381 ه في 167 صفحة (أي كتبه حتى قبل بدء قادة الثورة الايرانية "1979م" نضالهم السياسي)

2- إلى حكم اﻹسلام. كتبه بكربلاء عام 1382 ه في "200" صفحة.

3- فقه الدولة اﻹسلامية. مجلدان طبعا عام 1410 ه في مايقرب "600" صفحة.

4- فقه الحكم في اﻹسلام طبع ببيروت عام 1410 ه في "302" صفحة

5- فقه السياسة. طبع عام 1410 ه ببيروت في "350" صفحة.

ب) العمل السياسي واستنهاض اﻷمة:

اﻹمام الشيرازي قدس سره من المراجع القلائل الذين تصدوا لمشروع النهوض باﻷمة، فقد تبنى فكريا وعمليا حركة الصحوة اﻹسلامية حتى بات اﻷب الروحي ﻷكثر من حركة اسلامية في العالم اﻹسلامي تسترشد بفكره وتوجيهاته وتستمد منه الشرعية، خاصة إذا ماعلمنا بأن قضية النهوض باﻷمة تعد من أولويات اهتماماته التي أوقف ﻷجلها وقته وجهوده وعلمه وقلمه، موجها ومرشدا وقائدا.

لقد تبنى الحركة اﻹسلامية فصاغ لها رؤيته ونظرياته في عملية النهوض باﻷمة سواء على مستوى البنية الفكرية للحركة او على مستوى آليات النهوض والتغيير او حتى على مستوى أدوات التغيير والنهوض، وإنك لن تجد فقيها ضارع اﻹمام الشيرازي قدس سره في الاهتمام بمعالجة قضايا وهموم النهوض باﻷمة في كتاباته، ومن تلك الكتابات الهامة في شأن التغيير والنهوض باﻷمة للإمام الشيرازي قدس سره:

1- السبيل إلى إنهاض المسلمين. فقد كتبه بقم عام 1403هـ ودون فيه رؤيته في أكثر من خمسمائة صفحة.

2- ممارسة التغيير ﻹنقاذ المسلمين. كتبه بقم عام 1408 ه ودون أفكاره في 454 صفحة.

3- اللاعنف في اﻹسلام. كتبه بقم عام 1420ه وصاغ رؤيته في 248 صفحة..

ج) قضايا اﻷمة وأحداثها الساخنة.

اﻹمام الشيرازي قدس سره إيمانا منه بضرورة ان تكون المرجعية على دراية ومتابعة حثيثة لقضايا اﻷمة وما يجري فيها من أحداث، لاتخاذ مايناسب من موقف، وأن لا تكون منزوية عن اﻷمة ومايجري بها ويحاك ضدها، لذا نجده على تواصل دائم بشؤون اﻷمة متابعة وقراءة وتوجيها وكتابة، حتى أنك تجد عنده إلمام واسع بالبلدان اﻹسلامية وسكانها وتركيبتها ووضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يلمسه كثيرون عند زيارتهم له حينما يسألهم عن بلدانهم، وقد انعكس هذا الاهتمام باﻷحداث المصيرية في اﻷمة على كتاباته، فقد كتب في أحداث وقضايا عديدة منها:

1- العراق

وقد اولاها اهتماما كبيرا في كتاباته السياسية التي بلغت أكثر من (15) كتابا في قضية العراق، خاصة إذا ماعلمنا بأنه يعد المرجعية الوحيدة -خارج النطاق الرسمي وخاصة بعد استشهاد الشهيد الصدر قدس سره "1980" - التي تصدت للشأن العراقي السياسي وأولته اهتماما بالمتابعة والتوجيه والكتابة ومنها كتابه:

أ- إذا قام اﻹسلام في العراق. كتبه بقم عام 1415ه في "128" صفحة.

2- فلسطين.

كتب في قضية فلسطين أكثر من (500) صفحة موزعة على خمسة كتب وتركز أغلبها على قضية الصلح مع اسرائيل ومنها:

أ‌- الصلح مع اليهود استسلام لا سلام. كتبه بقم في (40) صفحة وطبع عام 1422 ه.

3- افغانستان.

قضية افغانستان ايضا نالت قسطا من متابعات الامام الشيرازي قدس سره وكتاباته السياسية ومنها:

أ‌- لنحافظ على استقلال افغانستان كتبه بقم عام 1414 ه في (40) صفحة.

4- الشيشان.

وحتى الشيشان نالت اهتماما من سماحته فكتب:

أ‌- مأساة الشيشان. كتبه بقم في (118) صفحة ليطبع عام 1420 ه، ببيروت.

وغيرها من القضايا التي كتب عنها.

13- الاقتصاد

فقد كتب مايقرب الخمسة عشر كتابا في هذا التخصص منها:

1- فقه الاقتصاد كتبه بقم في مجلدين بما مجموعه "700" صفحة تقريبا وطبع ببيروت عام 1408 ه.

2- الاقتصاد بين المشاكل والحلول، كتبه في "264" صفحة وطبع ببيروت عام 1417 ه.

3- لمحة عن البنك الاسلامي. كتبه في كربلاء (اي قبل 1389 ه) في 96 صفحة.

14- علم الاجتماع

فقد كتب فيه مجموعة من الكتب منها:

1- فقه الاجتماع كتبه في مجلدين بمايقرب (700) صفحة وطبع ببيروت عام 1408 ه.

2- الغرب يتغير كتبه في (96) صفحة وطبع بالقاهرة عام 1414ه.

3- تحديد النسل فكرة غربية كتبه في (48) صفحة وطبع عام 1421 ه

15- علم الطب

وقد درس الطب على منهج مدرسة بن سيناء في الطب، والف فيه كتبا ومنها:

1- مبادئ الطب كتبه بكربلاء (اي قبل 1389 ه في (222) صفحة.

2- اﻷمراض واﻷعراض.. سببا ووقاية وعلاجا. كتبه في (231) صفحة عام 1415 ه.

3- من اﻵداب الطبية. وهو كتاب فقهي استدلالي كتبه بقم في (408) صفحة وطبع عام 1422ه.

نحاول هنا أن نختتم الحلقات التي تتحدث عن موسوعية اﻹمام الشيرازي قدس سره والتخصصات المتنوعة التي كتب فيها والتي فاقت العشرين تخصصا علميا، لنشرع بعدها في الحديث عن الاهتمامات الثقافية والشواغل الفكرية للإمام الشيرازي قدس سره بحسب ما أوضحته عناوين كتبه وتأليفاته.

16) الرياضيات.

فقد كتب جملة من الكتب ومنها:

1- فصول الحساب.

2- أبواب الهندسة.

17) الفلك

ومنها:

1- نجم الهداية في الاسطرلاب

2- نجوم الفلك

18) علم النفس

ومنها:

1- فقه علم النفس (مخطوط في طور التحقيق)

2- من علم النفس.

19) اﻹدارة

ومنها:

1- فقه اﻹدارة. مجلدان بما مجموعهما (753) صفحة وهنا يطيب لنا ان نذكر قصة احد الخريجين الجامعيين مع كتاب "فقه الادارة" حيث كتب في صفحته بالفيسبوك: في صيف عام ١٩٩٣م كنت أدرس في الفصل الصيفي في جامعة البترول والمعادن مادة " مبادئ الادارة العامة لغير المتخصصين" وكانت مادة دسمة للغاية بمعلوماتها ومصطلحاتها وافكارها ولغتها، فضلا عن حاجتها للغة انجليزية جبارة، وكان يدرسنا حينها الدكتور البرعي، وهو معروف بشدته ونظاميته وعمقه واسئلته الاستثنائية - وبشرونا الشباب بحمل المادة، ومن هذا المنطلق بدأت بالتحدي بيني وبينها وتكثيف الجهد، لكنها أبت واستعصت وتمنعت، فجبت المكتبات لعلني أصل لضالتي كتاب عربي يفهمني هذه الألغاز، فعثرت على كتاب "الإدارة" لآية الله السيد محمد المهدي الشيرازي قدس سره فاقتنيته وشرعت في قراءته، فوجدته كتاباً عظيما شاملا موسوعيا عميقا في الفكر سهلا في الطرح، وقرأته في ثلاثة أيام رغم كبر حجمه، لكنه من ألذ الكتب التي قرأتها، فأفادني في دروسي وانفتحت مغاليق الفهم أمامي، بدأت شعبتنا بستين طالبا وانسحب معظمهم وبقينا عشرين، وحصلت في الكورس على امتياز "A" ولله الحمد، ببركات تشجيع خطيبتي من جهة وببركات هذا الكتاب الرائع الذي يجمع الفكر الاداري الحديث بالنماذج الكلاسيكية والدينية والتجربة الفذة للمرحوم الشيرازي العبقري. انتهى كلامه.

2- كيف تدير اﻷمور. كتبه في (96) صفحة

20) اﻹعلام

ومنها:

1- الرأي العام واﻹعلام كتبه في (632) صفحة

21) الحقوق والقانون

ومنها:

1- فقه الحقوق. كتبه في (532) صفحة.

2- فقه القانون. كتبه في (441) صفحة

3- فقه المرور. كتبه في (567) صفحة.

22) البيئة، والنظافة

ومنها:

1- فقه البيئة. كتبه في (264) صفحة.

2- فقه النظافة. وكتبه في (567) صفحة.

23) علم المستقبليات

ومنها:

1- فقه المستقبل. كتبه في (400) صفحة.

وغيرها من العلوم.

(3)
إستخلاصات سيميائية

هذه الجولة السريعة في عناوين مؤلفات الامام محمد بن مهدي الشيرازي قدس سره وتعرُّفِنا على مدى تنوعها وسعتها وحجمها، سمحت لنا بقراءة هذه الشخصية ورسمت لنا سيمياء ملامحها وشكلت مجموعة انطباعات فينا عن معالم عظمتها وشخصيتها فكانت هذه الاستخلاصات السيميائية التي تحكي شخصيته والتي نحاول أن نوجزها في العناوين التالية:

شخصيته العلمية والعملية

1) شخصية موسوعية

يعتبر الامام الشيرازي قدس سره من الشخصيات الموسوعية، بل ومن الرعيل الاخير من العلماء الموسوعيين، وهي احدى مميزات هذا العلم الشامخ، فكتب في علوم شتى بلغت أكثر من عشرين علما وتخصصا من العلوم والتخصصات الدينية وغير الدينية التقليدية منها والحديثة.

2) ذات همة عالية

كان يملك همة تضارع الجبال الشامخات في علوها ورسوخها وقوتها، حتى مكنت هذه الشخصية العظيمة من ان تعطي كل هذا العطاء المعرفي الزاخر فلم تثنها عوارض الحياة وصعوباتها من ان يواصل بالكتابة ليل نهار وصباح مساء، دون كلل او ملل، ولله دره.

3) صاحب مدرسة ومشروع نهضوي

الإمام الشيرازي طاب ثراه يحمل رؤية فكرية ومشروعا نهضويا للأمة، اذ لم تقتصر هذه الشخصية في تصديها للشأن المرجعي على الشؤون التقليدية من افتاء وما شابه، بل تجاوز هذا الدور الى مستوى تأسيس وصياغة مدرسة ومنظومة فكرية أصيلة، تعد من أبرز مدارس الفكر النهضوي للامة، حتى رسمت لها في الامة امتدادات زمكانية لتشمل ارجاء الرقعة الاسلامية العريضة وتتنقل بين الاجيال المتوالية.

4) سبق زمانه

كل من يطالع النتاج المعرفي للامام الشيرازي قدس سره سيتضح له كيف انه طاب ثراه تجاوز الواقع الحوزوي بمسافة كبيرة وسبق زمانه فيما قدمه من طرح فكري ديني، خاصة فيما يتعلق بشؤون النهوض بالامة وآرائه و نظرياته التي طرحها في الحكومة الاسلامية وادارة الحكم، مما يؤكد لك قمة نبوغه وعبقريته.

5) التصدي الثقافي

امتاز الامام الراحل طاب ثراه بتصديه الدائم للساحة الثقافية وما يطرح فيها من اشكالات فكرية وثقافية، دفعته للكتابة الحثيثة في علاج تلك الاشكاليات والرد عليها، فكان مثالا للمتصدي اليقظ لما يعكر صفو الثقافة والفكر في الامة، ويبعدها عن اصالتها ودينها.

6) مطلع على تجارب الشعوب

تميز الامام الشيرازي قدس سره باطلاع واسع على تجارب الشعوب وتواريخ الامم الامر الذي اسهم بشكل واضح في صياغة رؤيته واطروحاته، فقد استفاد من خبرات الشعوب وتجارب التاريخ الاسلامي والانساني في معالجاته ومتبنياته العلمية والفكرية.

همومه وتطلعاته

7) روح الاصلاح والتصدي

روح الاصلاح والتطلع لتغيير واقع الامة كانت تسكن كيان ووجدان الامام الراحل حتى أضحت تهيمن بشكل واضح على كل كتاباته ومؤلفاته طاب ثراه، إذ كتب بروح المصلح المشفق على هذه الامة والمتطلع لتغيير واقعها وصناعة غدها المشرق.

هذه الروح هي التي جعلت الامام الشيرازي قدس سره يكون في صدارة المرجعيات الدينية الرائدة في حمل راية التغيير والاصلاح في الامة وقد تبنى المشروع النهضوي للامة فكريا وعمليا، حتى بات الاب الروحي لأكثر من حركة سياسية اسلامية في العالم الاسلامي، وصاغ لها رؤيته ونظرياته في عملية النهوض بالامة.

8) الاسلام مشروع حضاري

كانت كتاباته تنطلق من مبدأ ورؤية رافقته في كل كتاباته وهو: ان الاسلام نظام اجتماعي ومشروع حضارة انسانية، جاء ليصنع حضارة الانسان في هذه الارض وعلى هدي السماء.

9) حلم الحكومة الاسلامية

الامام الشيرازي رضوان الله تعالى عليه يعد من اوائل الفقهاء القلائل الذين يرون وجوب العمل على اقامة الحكومة الاسلامية، اذ لا زال الرأي الاغلب في الحوزة العلمية لا يتبنى هذا الرأي، بل وترى أنه ليس من مسؤولياتها ولا من ضروراتها.

وقد صب الامام الراحل عظيم اهتمامه في هذا البعد وسخر عظيم جهوده العلمية والعملية في تحمله مسؤولية هذا الحلم المنشود، حيث إقامة حكومة العدل الالهي، فعمل على تعبئة الامة نحو هذا الهم وهذا التطلع فتأسست على إثر توجيهاته حركات سياسية ونضالية، ومراكز تربوية وتوعوية، ناهيك عن المدارس العلمية والحوزوية والمناشط الاجتماعية العديدة، وقد واجه في سبيل ذلك الصعاب وتعرض للتضييقات والمطاردات والمخاطر الى حد الحكم عليه بالإعدام.

وعلى المستوى العلمي فقد تجلى هذا الهم وهذا التطلع بشكل واضح وجلي، كان رائدا في هذا المضمار حين قدم للامة نتاجا معرفيا ضخما صاغ فيه الرؤية الاسلامية في الحكم وادارة الدولة بنحو لم يضارعه احد وإلى يومنا هذا في هذا الانتاج، فقد اشبع رؤيته ومعالجاته بحثا واستدلالا سعة وتفريعا.

10) قضايا الامة

وأخير نلحظ من خلال كتاباته أن الامام الشيرازي قدس سره كان يعيش بكل كيانه ووجدانه هموم الامة، فهو على متابعة حثيثة ودراية حصيفة لقضايا الامة وما يجري فيها من احداث، وعلى وعي تام بما يحاك حولها من مؤامرات، وقد كتب حول ذلك الكثير من الكتب، واصدر العديد من البيانات المتعلقة بأحداث الامة وما يجري فيها، كما تقرأ ذلك في كتاباته عن شؤون العراق وفلسطين وافغانستان وغيرها.

سماته الفكرية

11) الانفتاح المعرفي

الانفتاح على العلوم الحديثة أحد مميزاته، فهو من العلماء والمراجع الاعلام الذين سبقو غيرهم في الانفتاح على العلوم الحديثة قراءة وتعلما وتأليفا، وهذا يعكس شخصية تعيش بذهنية منفتحة ومواكبة للعصر وحركته المعرفية وغير منغلقة خاصة على المعارف والعلوم الحديثة.

12) الأصالة الفكرية

امتازت معالجات الامام الشيرازي قدس سره العلمية منها والفكرية والثقافية بالأصالة، خاصة بالنسبة للقضايا والعلوم الحديثة، فقد أعمل ادواته الاصيلة في البحث والمعالجة كالقرآن والسنة المعصومة والعقل في انتخاب وصياغة اطروحاته وآرائه، بخلاف العديد ممن انفتحوا على العلوم والثقافات الحديثة والمعاصرة حيث انبهروا وتأثروا الى حد اختل لديهم ميزان الاصالة فشطوا في معالجاتهم وتشوشت رؤيتهم فتبنوا افكارا ورؤى دخيلة وبعيدة عن روح الدين والاصالة الاسلامية.

13) مواكبة العصر

يتضح للمتابع لكتابات الامام الشيرازي قدس سره وهو يقدم معالجاته لقضايا فكرية معاصرة، كيف أنه يمتاز بمواكبة كل ماهو جديد في عالم الفكر الانساني، بل والى حد استيعابها بكل جوانبها، الامر الذي مكّنه من تناولها بالمعالجة العلمية الدقيقة، كما في كتبه "ماركس ينهزم" و"نقد المادية الديالكتيكية" و"ماركس ينهزم" وغيرها.

الكتابة وفنونها

14) الكتابة تتصدر أولوياته

تشكلت علاقته الوطيدة مع الكتابة منذ عقده الثاني من العمر حتى اصبحت مشروعه الاول في حركته التنويرية، حتى لا يكاد يزوره مثقف او طالب علوم دينية الا ووجه له وصيته المعهودة: "قوِّي قلمَك" الوصية التي شجعت وحفزت رعيل من الكتاب والمؤلفين حتى اصبح بعضهم اليوم ارقاما في عالم التأليف والكتابة والثقافة، بل سرت انفاسه المباركة من الشغف والاهتمام بالكتابة الى وسط اهل بيته، فكتبت نساء بيته المبارك بدءا من حرمه الحاجة (منصورة آل معاش) تغمدها الله بواسع رحمته، وحتى بناته ونساء ابنائه فضلا عن ابنائه حفظهم الله تعالى ورحم الله الماضين منهم، هكذا هو العَلَم الذي يبهرك كلما ابحرت في عالمه وشخصيته طيب الله ثراه وتغمده برحمته.

15) كتب لشرائح متنوعة

مما تفرد به الامام الشيرازي رضوان الله تعالى عليه هو تلك المهارة الفائقة في تطويع قلمه ليكتب لشرائح متنوعة ومتفاوتة من حيث المستوى ولغة الخطاب، فقد كتب للمتخصصين كما في كتبه الفقهية والاصولية، وكتب للمثقفين كما في كتبه التي عالج فيها شؤون النهضة، وكتب للأطفال وللشباب ايضا كما في سلسلته القصصية "القصص الحق" وغيرها.

هذه القدرة والكفاءة في تطويع البيان والقلم ليكتب للصغير وأخرى للكبير وتارة للمتخصص واخرى لغيره، هي كفاءة لايحظى بها الا الاوحديون من اصحاب الاقلام والفكر، لشدة صعوبتها وصعوبة تكييف القلم ولغة خطابه لأكثر من شريحة بذهنيات متفاوتة، وصعوبة هكذا تجربة كتابية قد لا يطلع على مدى صعوبتها البعيدون عن عالم الكتابة والتأليف.

16) سلاسة العبارة وعمق الطرح

امتازت معالجاته العلمية وكتاباته الثقافية والفكرية باسلوب التيسير والعرض السلس للأفكار والرؤى العميقة التي يطرحها على نحو السهل الممتنع، برغم اغراء الاسلوب النخبوي في تقديم الافكار ومعالجة الآراء كونها تشتمل على استعراض للعضلات والشخصية العلمية للكاتب حتى عابه على ذلك بعض قاصري النظر ممن اطلع على كتاباته، واعتبروه مثلبة واحسبوه سطحية وعدم كفاءة، إلا أنه ارتأى هذا المنهج توافقا مع رؤيته في أهمية الوصول الى أوسع دائرة من الشرائح الاجتماعية في الامة، لذا تجنب اسلوب تصعيب العبائر او اختزالها وضغطها الى حد الاغماض كما عليه البعض، بل نجده على العكس من ذلك فقد عمد الى تذليل العبائر لجملة من الكتب والمتون العلمية متعسرة الفهم والتي تناولها بالشرح ليجعل من مطالبها غاية في السهولة والوضوح للمتلقي.

17) الشرح المزجي

امتاز الامام الراحل طاب ثراه بفنون كتابية عديدة ومنها فن الشرح المزجي وهو من الفنون الكتابية العريقة التي يندر اليوم ان تجد من يتقنها او يزاولها، فقد اتقنها بحرفية بارعة، ففي كتابة الشروح للمتون العلمية هناك ثلاثة انواع فيها: موضوعية وموضعية ومزجية والشرح المزجي اصعبها وارقاها خاصة اذا ماعلمنا انه يحتاج في هذا الفن ان يسكب ويصيغ عباراته التي يشرح بها المتن على نحو يمزجها مع المتن بحيث يراها القارئ وكأنهما متن واحد وليس متن وشرح، بحيث لا يشعر القارئ بتفاوت أو تخالف بينهما. كما في شروحه للكفاية والرسائل او بحثه الاستدلالي على العروة الوثقى.

اﻹمام الشيرازي رائد المعاصرة في الحوزة

18) الحوزة ونهضة الامة

اتسمت حركة اﻹمام الشيرازي قدس سره العلمية والعملية بسمة المعاصرة والمواكبة للعصر وعلومه فكان الرائد في ادخال الكثير من العلوم الاجتماعية والانسانية في إطار البحث العلمي اﻹسلامي وذلك ضمن رؤية واستراتيجية قد تبناها في كل حركته التي بدأها وهو في منتصف عقده الرابع أي قبل أكثر من خمسين عاما وتتلخص في أن اﻹسلام دين حضارة والحوزة ينبغي أن تكون الرائدة لنهضة اﻷمة الحضارية مما يتطلب منها ان تكون مواكبة ومعاصرة لكل تطورات الحياة وعلومها.

19) الحوزة وعلوم العصر

حث الامام الشيرازي طاب ثراه ودعى الحوزات العلمية لمواكبة العصر في شتى المجالات وكافة المستويات سواء في نظامها التعليمي او وسائلها التعليمية او مناهجها وموادها التعليمية، وقد صرح بذلك في كتابه "نظام الحوزات العلمية" حين قال: "من الضروري تدريس علوم الدولة المرتبطة بإدارة المجتمع وهي علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع" وقد أوضح أهمية ذلك حين قال في موضع آخر من الكتاب: "من الواجب على مؤسسة الحوزة أن تكون مستوعبة لكل العلوم لا خصوص الفقه والاصول او العبادات والمعاملات والحديث والاخلاق والتفسير، بمعنى ان تكون مستوعبة لاصول كل ما يحتاجه الانسان في دينه ودنياه" وعلى مستوى المنهج قال ذات الكتاب: "من اللازم أن تجدد البسة المطالب العلمية وافراغها في قوالب تلائم العصر" خاصة وأنه يؤمن بضرورة ان يكون العالم مواكب للعصر ومجرياته ليعرف كيف يوصل رسالته بأكمل وجه ففي كتابه "مقومات رجل الدين" يرى: "وجوب ربط الاستاذ والطلاب بالعالم المعاصر والاحداث الجارية على الساحة الاسلامية العالمية ليكون طلبة العلوم الدينية ورجال الدين على بصيرة فيما يحتاجون اليه من الارشاد والتبليغ والهداية والتوجيه، وبدون ذلك فان البلاد الاسلامية تكون عرضة لأطماع كلا من الغرب والشرق وغرضا لمراميهم" كل ذلك حرصا من ان تغزو مجتمعاتنا الثقافات الدخيلة فتختطف ابناءنا من حضن العقيدة والاسلام واصالتهم.

20) الحوزة وتجديد الخطاب وتطوير المناهج

فقد دعا الامام الشيرازي قدس سره لتجديد الخطاب الديني ومواكبته للزمان والمكان عندما قال في كتابه "الى الوكلاء في البلاد": "لكل قطر ولكل زمان ولكل امة منطق خاص، ان عرفه العالم تمكن من القيام بالشؤون الاسلامية وان لم يعرفه العالم كانت النتيجة الضمور والفشل" اذ لكل مجتمع وعصر احتياجات وتحديات.

لم يكتف الامام الشيرازي طاب ثراه بالدعوة لتطوير مناهج الحوزة التعليمية وصياغة شخصية معاصرة ومواكبة للعصر واطروحاته وتحدياته، بل دعى لتطوير حتى الوسائل والادوات التعليمية المعتمدة في الحوزة والاستفادة من التقنيات الحديثة للاتصال بقوله في كتاب "نظام الحوزات العلمية": "تطور العالم وبالاخص وسائل التعليم اصبحت تستخدم التقنية الحديثة في ايجاد التواصل، لذا لابد من الاستفادة من هذه الوسائل المتاحة لتحسين سبل التعليم في الحوزة العلمية".

21) الإمام الشيرازي رائد العصرنة للحوزة

الامام الشيرازي قدس سره كان الرائد لتلك الدعوات المنادية بمواكبة الحوزة للعصر سواء في مناهجها او خطابها او حتى وسائلها التعليمية، وكان السباق لإدخال علوم العصر في المباحث العلمية الحوزوية على أمل أن تجد طريقها يوما ما الى مقاعد وحلقات التعليم الحوزوية، فقد كتب في علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والمال والاعلام والحقوق والنفس وغيرها من العلوم الانسانية والمعاصرة اكثر من (300) كتابا ومجلدا.

اضف تعليق