ان قتل سمعة العدو أفضل انواع الجهاد، لذا يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، وأفضل الجهاد كلمة عدل عن إمام جائر\". هنا الكلمة، هي تلك الرصاصة التي تقتل الحاكم الجائر، فاذا قتلته مادياً وهو معبود للجماهير، لن تحصل على شيء...
من زمن الى آخر، ومن مكان الى آخر، ومن ميدان الى آخر، تختلف هوية العدو للشعوب وللأمة، كما تختلف درجة خطورته، ففي زمن ما يكون العدو ظاهرياً، كما واجهت الامة احتلال القوى الكبرى للبلاد الاسلامية بقوة السلاح تحت مسمّى "الاستعمار"، كما واجهت فيما بعد الانظمة السياسية التي جاءت بديلاً عن ذلك الاستعمار، فكانت المواجهة الدامية بين الشعوب وبين الديكتاتورية والاستبداد والظلم، هذا في الجانب السياسي؛ وفي الجانب الاقتصادي فان العدو يتجسد في الفساد المالي والاداري والاستئثار، وكل ما يفرزه من بطالة وفقر، وحتى على صعيد الانسان نفسه، فان النصوص المقدسة تحذرنا من عدو للانسان هو "نفسه التي بين جنبيه"، كما جاء في الحديث الشريف، ويحدد القرآن الكريم معالم هذا العدو ليعرفه الناس، بأنها "النفس الأمارة بالسوء"، للتمييز بينها وبين النفس اللوامة.
وفي الوقت الحاضر فان العدو اللدود للشعوب؛ التطرّف الفكري، والفساد الاداري، والاستبداد بالرأي، وكل ما ينشر الفوضى وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي والسياسي في المجتمع. فكيف نواجه كل هذه الحملات العدائية؟ هل بردود فعل مماثلة، بأن يمارس جميع افراد المجتمع الفساد المالي في تعاملاتهم، أسوة بالفاسدين في دوائر الدولة؟ وهل نواجه ديكتاتورية الحاكم بديكتاتوريات مصغّرة ومتعددة داخل المجتمع وفي داخل البيوت وبين الاصدقاء وفي محيط العمل وغيرها؟
المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي – طاب ثراه- يرى في هذا المقطع الصوتي اسلوباً آخر اكثر حضارية، وابلغ في التأثير، علماً ان حديثه يعود الى زمن الديكتاتوريات السياسية والمواجهة المحتدمة بين الشريحة الواعية وبين أجهزة القمع (الأمن) في عموم البلاد العربية والاسلامية. لنرى ما الذي يقترحه علينا الامام الشيرازي:
"...أولاً: نقتل سمعته؛ فالقتل يكون بشكلين؛ قتل الذات، وقتل السمعة، أي اذا وحّلت سمعة آل سعود، او حزب البعث، أو آل خليفة، او سائر المنافقين، فانك قتلتهم معنوياً.
يقول الشاعر:
زعموا أن قتل الحسين يزيدهم لكنما قتل الحسين يزيدا
وهذا يعني أن الامام الحسين قتل سمعة يزيد، لذا نجد أن الامام الحسين، عليه السلام، يُمدح منذ اربعة عشر قرناً من الزمن، بينما يُلعن يزيد خلال نفس الفترة الزمنية.
وهذا من أهم أدوات المواجهة مع الاعداء. ولكن! كيف نقتل سمعتهم؟
بالدعاية، بالاعلام، بالمنشورات، بالقلم، وباللسان، وبكل الوسائل الممكنة، بحيث اذا سار في الشارع يشعر انه مهان من قبل الناس، وانه منبوذ، وان الناس ينظرون اليه نظرة غير شريفة كونه غير شريف، وهذا العمل بحاجة الى شجاعة في ذات الله لفضح المتآمرين والكفار الشرقيين والغربيين، وعملائهم الذين يسيطرون على بلاد المسلمين.
ان قتل سمعة العدو أفضل انواع الجهاد، لذا يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، "...وافضل الجهاد كلمة عدل عن إمام جائر". هنا الكلمة، هي تلك الرصاصة التي تقتل الحاكم الجائر، فاذا قتلته مادياً وهو معبود للجماهير، لن تحصل على شيء، أما إن وحّلت سمعته بكلمة حق، فانه افضل الجهاد لانه يطيح بالحاكم الظالم والفاسد الى الأبد، كما سقط الحجاج، ويزيد، وابن زياد، والمتوكل وأشباههم، حتى لا يوجد نماذج كهذه في التاريخ بفضل المجاهدين بالكلمة الحق.
كل من نعدهم أعداءٌ لنا، طيلة اكثر من قرن من الزمن، يسعون للظهور ايجابياً امام الناس، وأنهم إنما يعملون للصالح العام، ويبغون إلحاق الأذى بأحد، بدءاً بالاستعمار البريطاني الذي جاء الى العراق "محرراً من الهيمنة العثمانية ولي فاتحاً"، كما زعم القادة العسكريون الذين وطأة اقدامهم ارض العراق، وانه يبغي تطوير حياة العراقيين، بالتعليم والتنمية الزراعية والصحة وغيرها من المرافق الخدمية والاقتصادية، ونفس اللهجة يكررها الحكام الذين جاؤوا من بعدهم، ومن خريجي الكليات العسكرية البريطانية، وحتى اليوم نلاحظ المنطق ذاته متبع لدى ارباب الفساد والديكتاتورية الجديدة المقنعة بالديمقراطية، بانهم إنما يعملون لتقديم الخدمة للناس، وكما أفصح أحد الساسة العراقيين بعد 2003، والذي وافاه الأجل، بأن "لنا الفضل في تسويق الديمقراطية الى العراق" وانقاذ الناس من ظلم صدام وارهابه، مما يعني المطالبة بالسكوت والقبول بالامر الواقع مهما كان مراً، لانه افضل بكثير من نظام صدام!
فكيف يمكن مواجهة منطق كهذا؟
هل ينجح الأمر بنشر الفضائح كما دأبت عليه معظم وسائل الاعلام، ومن بعدها وسائل الاعلام الالكترونية وايضاً "سوشيال ميديا"، أم بالابتعاد كليةً وقطع أية علاقة بهم، كما جرى في المقاطعة الواسعة للانتخابات البرلمانية الاخيرة في العراق؟
الامام الشيرازي يدعو الى قتل ممنهج لسمعة الفاسدين والمستبدين من خلال "كلمة العدل" استناداً الى الحديث النبوي الشريف: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند أمام إمام جائر"، فالكلام كثير، ربما يتقولب ضمن شعارات تعبوية، وربما يستبطن التهديد والترهيب، كما يمكن ان يجور ويجانب العدل والحق، فيكون نظيراً للحاكم الجائر، عندئذ تفقد العملية الاصلاحية والتغييرية مصداقيتها.
ان مواجهة الفساد والتطرف والاستبداد في عموم البلاد الاسلامية، ومنها العراق، يجب ان يستند على أسس متينة من القيم السامية في مقدمتها؛ العدل، وهي القيمة التي ثبتها القرآن الكريم لأن تكون الاساس للحكم وادارة البلاد وشؤون العباد: {...وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، (سورة النساء:58)، ومصاديق العدل واضحة، إنما بحاجة الى مزيد من البلورة ونشرها بوسائل مختلفة لعامة الناس، فمنها؛ تكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة، ومراعاة حقوق الناس، والمساواة في التعامل في مختلف المرافق والميادين.
شجاعة في ذات الله
من المؤكد أن كلمة العدل وكلمة الحق تعرض صاحبها للضغوط والاستفزازات، وربما يخسر وظيفته، بل حتى حياته في بعض الاحيان، مما يتطلب الأمر الى التحلّي بالشجاعة الفائقة والإقدام على خوض المكاره من اجل قضية عادلة، وهذه الشجاعة التي يدعو لها الامام الشيرازي، من نوع الشجاعة المتصلة بالسماء فهي التي تمده بالعزيمة والقوة وعدم الخوف من أي شيء، جاء في الحديث عن الامام الصادق، عليه السلام: "من خاف الله، أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء". (شرح أصول الكافي، ج8- ص218).
إن الشجاعة في ذات الله –تعالى- وليس في ذات الانسان نفسه، هو ما تحلّى بها المصلحون الأوائل من اصحاب النبي والأئمة الاطهار، ثم العلماء المجاهدون والثائرون الذين واجهوا اعداء الدين والانسانية بسلاح التسقيط فحولوا شخصيات مثل؛ ابن زياد، ومعاوية، والحجاج، والمتوكل، وغيرهم، اسماء يلعنها التاريخ والاجيال، حتى ابناء المذاهب الاخرى التي لم يتعرض لها أولئك لسوء، كما تعرض شيعة اهل البيت، عليهم السلام، نراهم اليوم يتبرأون منهم ويعدونهم نقاط سوداء في صفحات التاريخ.
ولابد من الالتفات الى حقيقة هامة من صميم الواقع، وهي؛ ان الحكام الفاسدين والظلمة وحتى الطغاة الدمويين، يسعون دائماً لصنع شريحة المصفقين والمؤدين واللاهثين وراء المال والامتيازات والمناصب، وطيلة التجارب السياسية في بلادنا، ومنها العراق، نجد أن هذه الشريحة لم تكون يوماً بالشريحة البسيطة، فهي ربما توازي الشرائح الاخرى في السعة والتأثير، مثل؛ شريحة المثقفين، والشريحة المحافظة، والشريحة المسالمة، ولذا عندما نتحدث عن قتل سمعة الفاسد والمستبد والعميل، ينبغي ان تكون العملية عبارة عن استنهاض للعقول والضمائر، حتى لا تُقحم القضية في ملفات شخصية او تعلق على جدار الحسابات السياسية او التدخلات الاجنبية، كما يسعى لذلك الفاسدون والحكام الظلمة على طول الخط، ويكون القتل نهاية دائمية لهذا الفاسد او ذاك، له ولحزبه وجماعته، فلا تقوم لها قائمة بعد ذلك.
اضف تعليق