- هل تتذكر فضيلة الشيخ، متى كان اول لقاء بالامام محمد الشيرازي (قدس سره) وماذا استفدتم من هذا اللقاء؟
اول لقاء كان لي مع المرجع الراحل (رضوان الله تعالى عليه) عندما خرجنا من المعسكر الذي كنا نتواجد به في اصفهان، وهو معسكر المهجرين ووصلنا الى مدينة قم المقدسة، وفي اليوم الثاني لوصولنا، قمنا بزيارة المرجع الراحل وتشرفنا بلقائه، وكان اول سؤال طرحه علي في ذلك اللقاء: ماهو عملكم في العراق؟ اجبته: سماحة السيد انا معلم. قال: هذا العمل شريف، وهذا عمل الانبياء، ولكن هذا العمل وحده لا يكفي، فانت تحتاج الى ان تبذل الجهود المتواصلة في الكتابة، لتوعية الناس وارشادهم، اعلم ان لديك قدرة على البيان والتعبير والحمد لله، ولكن كل كاتب بحاجة ان يقوي قلمه من خلال الكتابة المستمرة.
منذ ذلك الوقت، بدأت ومجموعة من الاخوة بالدخول في دورات تدريبية، ومن خلال توجيهات المرجع الراحل المستمرة وتشجيعه لنا، بدأنا بتأليف بعض الكتب، وكان احدها تحت اشراف السيد محمد رضا الشيرازي ( رضوان الله عليه ) وكتاب آخر كان تحت اشراف المرجع ( قدس سره )، وهو كتاب حول الظلم، ويعتبر اول كتاب لنا مع السيد الراحل (قدس سره) الذي كان يوجهنا في كل خطواتنا التي نقطعها مع الكتاب، ويرشدنا الى الكثير فيه، عبر لقاءاتنا المتواصلة معه.
خصائص شخصيته
- من خلال تلك المعرفة الطويلة بالامام الراحل (قدس سره) ماهي برأيكم مقومات وخصائص شخصيته ونجاحه؟
في الواقع ان من يتقرب الى الامام الراحل ويتواصل معه او حتى يلتقي به لمرة واحدة، يرى ان لديه خصائص قد تفرد بها حقيقة، من هذه الخصائص، صبره واستقامته، وهي قلما تجدها عند أحد غيره. هذا الصبر الكبير وتلك الاستقامة زرعهما فينا. ربما بعض الناس عندهم صبر وعندهم استقامة تصل الى حدود قد تنتهي عندها، لكن الامام الراحل كان صبره واستقامته يمتدان الى كل اعماله ودأبه الكبير على انجازها، انعكس ذلك في توجيهاته وفي كتاباته وفي مطالعاته، وحتى في لقاءاته مع الاخرين، وهو يواجه سلبياتهم واحباطاتهم، تراه مع كل ذلك يرشد هؤلاء ويعطيهم الهمة ويزرع فيهم كل ما من شانه ان يحشد قواهم وطاقاتهم على مواصلة مسيرتهم.
في كل السنوات التي قضيتها قريبا منه، لم المس او ار اي اشارة او ذرة يأس تنتابه، كان على الدوام متفائلا ويتطلع الى البعيد، كجده امير المؤمنين (عليه السلام).
كانت رؤيته للأمور بعيدة المدى، ينظر اليها بشيء من العمق والتدبر، من خلال ماخفي منها ليستكشفها، لذلك يعطي تحليلاته، ويطرح اراؤه بصورة ثاقبة، متوقعا ماعليه تلك الامور في المستقبل قبل مجيئه، وفي هذا شواهد كثيرة.
اعيش كما يعيش الناس
- كيف كان الامام الراحل ينظر الى الدنيا؟
كان زاهدا بكل معنى الكلمة، ينظر باحتقار الى الدنيا والى المال والى المناصب، كان طعامه متواضعا، وفراشه وملابسه كذلك، ويمكنني القول ان الكثير من الناس الفقراء أفضل منه حالا في ملابسهم.
بالإضافة الى شدة تواضع ملبسه، كانت عباءته التي يرتديها ممزقة، وعلى مدى سنوات طويلة كانت تحمل اليه الهدايا من كل مكان، لكنه كان يعطيها للآخرين ممن حوله، ويبقى ملازما لعباءته المثقوبة في أكثر من مكان. وكان يردد باستمرار تكفيني هذه العباءة.
زهده بالدنيا بكل مغرياتها، جعلته يسمو بهذا الشكل ويرتفع في مكانته، التي طابقت ما وصف به الامام السجاد زهد رسول الله (صل الله عليه وال ) (لا يرد موجودا ولا يطلب مفقودا) هكذا كان الامام الراحل في ملبسه، وكان في طعامه يكتفي في الكثير من الاحيان بالخبز والملح او الخبز واللبن، لذلك وقع في مشاكل طبية كبيرة ورافقته الامراض، وكنت مطلعا على زيارات الطبيب اليه وهو يخاطبه بقوله: سيدنا انت الان الامة تستفيد من علمك ومن فكرك ومن توجهك ومن علومك، انتبه الى نفسك فالأمة بحاجة اليك، يجب ان تأكل جيدا وان تتناول ما يقوي بدنك، وكان يجيبه (قدس سره): كيف يمكن ان اكل الطعام اللذيذ واشبع، والاخرون جياع؟
زاوية اخرى لهذا الزهد تمثلت برفضه للسفر خارج مدينة قم المقدسة في أشهر الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة ويسافر الكثيرون للمناطق الباردة في إيران للاستجمام، لكنه ورغم حبه للسفر، كان يمتنع عن الخروج من مدينة قم، وهو يقول: اريد ان اعيش كما يعيش الناس.
كان مهموما بما عليه واقع الناس وهم يكابدون مشقات الحياة، ولو انه استمع الى نصائح الطبيب وكان يأكل بصورة جيدة، لربما طال به العمر.
كان تواضع الامام الراحل تجسيدا لما كان يقوله دائما ونسمعه منه، (على رجل الدين ان تكون عنده صفتان صفة الزهد وصفة التواضع، الزهد يحببه الى الله والتواضع يحببه الى المجتمع والى الناس). وهاتان الصفتان كانتا تلازمان المرجع الراحل.
استيعاب الجميع
- فضيلة الشيخ ما هي برأيكم اهم آرائه وافكاره؟
الاجابة على هذا السؤال متشعبة وطويلة، لكن يمكنني الحديث عن اهم ما تميز به الامام الراحل، وهو دعوته الى استيعاب الجميع بغض النظر عن اختلافاتهم، ولاستيعاب الطاقات الذي كان يدعو اليه من اجل استغلاله في بناء الامة، ورفعها من الحضيض الذي هي فيه.
الانسان الذي يقود عملية التغيير في هذه الامة، ويريد ان يحق الحق في جوانبها المختلفة، عليه ان يعي هذه الحقيقة، حقيقة استيعاب الجميع في برنامجه التغييري، فلا يستبعد هذا او ذلك، ولا يرفض هذا او ذاك، كما تفعل الانظمة السياسية في بلداننا، في استبعادها للجميع المختلفين معها، وتقريب المتزلفين اليها، فهم يستبعدون الشباب ويستبعدون النساء، والمثقفين وعلماء الدين والصحفيين والاعلاميين، وكل من يعارضهم معارضة سلمية، مما ولد الكثير من المشاكل والسلبيات، يجب على قادة التغيير، استيعاب الجميع لان ذلك يولد المحبة والالفة بين ابناء الامة، ووضع كل طاقة في مكانه والاستفادة منها في عملية التغيير والبناء.
من الامور الاخرى التي اكد عليها الامام الراحل، هي وحدة المسلمين وله كتاب اسمه (كيف نجمع شمل المسلمين؟) انا شخصيا طبعت منه ستة عشر ألف نسخة، وقد صودر هذا الكتاب والقي القبض على صاحب المطبعة التي طبعته وحكم بالسجن.
ومن المسائل التي كان يؤكد عليها (قدس سره) هي قوله دائما: اجعلوا امير المؤمنين (عليه السلام) قدوة لكم، واجعلوا حكومته نموذجا لما تطمحون اليه. فنحن ليس لدينا نموذج باهر للحكم غير حكومة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والحكومة العلوية، فرغم قصر عمرها، استطاع ان يدير دولة بحجم خمسين دولة في انظمة هذا اليوم، استطاع ادارتها بصورة نموذجية ربما تكشف عنها الكثير من عهوده ومواثيقه التي كتبها لولاته، مثل عهده الى مالك الاشتر.
النظام السياسي
- فضيلة الشيخ: الكثير من الحكومات او الدول تطلق على نفسها (حكومات او دول اسلامية) ماهي نظرة الامام الراحل الى الحكومات الإسلامية؟ وكيف كان يتمنى ان تكون؟ وهل كانت هناك حكومات اسلامية بالمعنى الذي يريده الامام؟
لا يوجد شيء اسمه حكومات اسلامية بالمعنى الكامل لتلك الكلمة، لان هناك شروط ومواصفات عديده للدولة الإسلامية، قد توجد هناك حكومات تحتوي على القدر الضئيل من ذلك المحتوى الاسلامي، مثل بعض الحريات او الضوابط او القوانين، وحكومات غيرها لاتحتوي حتى على تلك النسب الضئيلة من المحتوى الاسلامي للحكومة.
كان الامام الراحل، يؤكد على مسائل عديدة فيما يتعلق بهذه الحكومات، ولو من حيث التطبيق الشكلي لمظاهر الاسلام وقوانينه.
في كتابه (بقايا حضارة الاسلام) يشير الامام الراحل، الى بعض الامور الايجابية التي كانت موجودة في العهد الملكي في العراق، امثال الحريات النسبية، وقلة الاعتقالات، ووجود الاحزاب المتعددة، اضافة الى سهولة الاقامة بالنسبة الى القادمين من خارج العراق.
في الحكومات الجمهورية اللاحقة على الملكية بعد العام 1958 اختفت تلك المظاهر والايجابيات وحلت بدلا عنها سلبيات ومشاكل، وكان رضوان الله عليه يسعى بكل جهوده وعبر كتبه او محاضراته التي يلقيها بالمثقفين ومن ياتي لزيارته، ويشجعهم على التحدث الى الحكومة والطلب منها لتطبيق ما يمكن تطبيقه من قوانين اسلامية.
كان الامام الراحل، يؤكد على تشكيل الاحزاب وتعددها، لان ذلك يمنح النظام السياسي صمام امان تجاه الديكتاتورية التي يمكن لها ان تظهر لعدم وجود الاحزاب المتنافسة، واقتصار ذلك النشاط على حزب واحد.
لو تم تطبيق ما أكد عليه الامام الراحل لما وصلنا الى تلك الثورات والانتفاضات التي حدثت في العالم العربي والتي تنشد التغيير والمشاركة السياسية.
اضف تعليق