لم يزل الشيعة منذ صدر الإسلام أعلام كل فن، وأرباب كل علم، ورواد كل معرفة، وأفذاذ كل ثقافة، فتاريخهم شاهد على أنهم أول من كتبوا في تفسير القرآن وعلومه وعلم الحديث والأحكام والدراية والأصول والتاريخ وعلم الرجال والكلام والنحو والأدب والمناظرات والجغرافيا والأخلاق، وإن تراثهم الزاخر يمثل حضارة الإسلام بأروع صورها، وإن أعمدة هذه الحضارة هم الأفذاذ من رجال الشيعة عبر العصور والذين نهلوا من منبع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) واقتبسوا من نورهم:
علماءٌ أئمةٌ حكماء *** يهتدي النجم باتباع هداها
كما كان الشيعة أرباب العلوم والفنون المبتكرة، فكان من هذه الإنجازات الأدبية التي تحققت والتي لم يعهد قبلها الأدب العربي بمثلها هي المقامات التي أبدعها بديع الزمان الهمذاني، والتي كان لها أبعد الأثر في الأدب العربي، فقد كان للهمذاني الخلق والابداع في هذا المجال لا يدانيه فيه أحد، فهو الذي ألبسها هذا الطراز الموشّى وعلى طريقته سار من جاء بعده، وتعد هذه المقامات النواة الاولى للقصة القصيرة في الأدب العربي.
الإعتبار
ومن الإنجازات أيضاً كتاب (الإعتبار) الذي يُعد أول سيرة ذاتية في كما نطلق عليه اليوم في الأدب العربي، وهو من تأليف الأمير أسامة بن منقذ بطل الحروب الصليبية والذي عاش قرابة القرن، وشهد الكثير من الأحداث، وكان شاهداً على مرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي وشارك في أحداثها ودوّن كل ذلك بكل دقة ومصداقية.
خَبَر أسامة الدنيا، وتذوّق حلوها ومرها، وقاسى المآسي والويلات، وشهد الكوارث والحروب، وخاض غمار المعارك ضد الروم على مدى أكثر من ستين سنة في شيزر وفامية وكفرطاب وبيت جبريل وعسقلان وحلب والعمادية وغيرها، وشهد انقراض دول وقيام أخرى، وقاسى ظلم الأقارب والأباعد، وتجوّل في مصر والشام ودمشق والموصل وحلب وبيت المقدس وعسقلان وقاتل مع أمرائها وتعرّض للمؤامرات وشهد الفتن والإضطرابات فدوّن كل ذلك في كتابه (الإعتبار) في عزلته في حصن كيفا وقد جاوز عمره الثمانين عاما.
أهمية الكتاب
يُعد هذا الكتاب تاريخاً للبلاد العربية والإسلامية في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وهي مرحلة بالغة الأهمية من تاريخنا حيث شهدت قيام الحروب الصليبية التي كان أسامة من أبرز القادة الذين تصدوا لحملات الروم على بلاد المسلمين، ويمتاز الكتاب بأنه ينقل الأحداث عن تلك الفترة من شاهد عيان عايش الأحداث وراقبها عن كثب، كما يمتاز بنقل التفاصيل المهمة بدقة متناهية والتي تفتقر إليها كتب التواريخ التي أرخت لتلك الفترة، حيث يذهل القارئ بالإسلوب الفني والأدبي الذي اتبعه أسامة في تدوين المعارك خطوة خطوة حتى ليخيل للقارئ أنه أمام عرض سينمائي، لذلك عني به الباحثون والمستشرقون وأولوه عناية فائقة.
طبعات الكتاب
لأهمية هذا الكتاب عند العرب والإفرنج معاً كونه يوثق تلك الحروب الطاحنة بين المسلمين والصليبيين فقد نشره الأستاذ (درنبرغ) بليدن سنة (1893)، ثم نشر باللغة الروسية بتحقيق م. ساليه في بتروغراد سنة (1922)، كما طبع باللغة الألمانية بتحقيق شومان الذي اعتمد على الترجمة الروسية، ثم حققه ونشره المؤرخ الدكتور فيليب حتي على النسخة المحفوظة في مكتبة الأسكوريال في أسبانيا، وطبعه في مطبعة (برنستون) في الولايات المتحدة الأمريكية سنة (1930).
قال الدكتور حتي من ضمن تحقيقه في مقدمة الكتاب: (سجل فيه ذكرياته ومشاهداته وتجاربه وما لقي من حروب ومعارك في صدق وأمانة، يروي ما له وما عليه، ويشيد بالبطولة والشجاعة ويعترف لأصحابها ولو كانوا من أعدائه، ويسجل الوقائع الجماعية والفردية، ويقص علينا الأحداث التي مرت أو عاناها بنفسه أو وقعت لأصدقائه وأعدائه، ويحدثنا فيه عن طبائع الإفرنج وعاداتهم وانعدام غيرتهم وأمورهم التي لا يتسامح فيها المسلمون).
ويواصل الدكتور حتي حديثه عن أهمية الكتاب بالقول: (قيمة الكتاب أنه يعد من أهم مصادر التاريخ لتلك الحقبة، كتبه وقد نيف على التسعين، والأصح أنه أملاه من ذاكرته بعد أن أصبحت يده لا تقوى على حمل القلم، وكانت لا ينوؤها حمل الرمح والحسام
فاعجبْ لضعفِ يدي من حملِها قلماً *** من بعد حطمِ القنا في لبّةِ الأسدِ)
وقد نشر الدكتور حتي الكتاب بالعربية ثم نشره بالإنكليزية.
وقال حتي أيضاً: (إن كتاب الإعتبار هو أول سيرة ذاتية في تاريخ الأدب العربي).
وقد بذل حتي مجهوداً كبيراً في إخراج هذا الكتاب النفيس والنادر ونشره من المخطوط الأصلي الذي كان خالياً من النقط والحركات وعلامات الوقف والعناوين، فبوّب الكتاب، وقسمه إلى فقرات، وجعل للأبواب والفقرات عناوين، ووضع له النقط.
كما أعاد طبعه بالأوفسيت السيد قاسم الرجب صاحب مكتبة المثنى في شارع المتنبي، ونشره في عداد الكتب النادرة القيمة، وقدم له الدكتور فيليب حتي بمقدمة مفصلة ودراسة وافية، ووضع للكتاب فهارس للأعلام والمواقع، وأرفق به خريطة للمناطق التي دارت على مسرحها الأحداث.
أول سيرة ذاتية في الأدب العربي
مما لا شك فيه إن كتاب الإعتبار هو أول سيرة ذاتية مكتملة الأدوات في الأدب العربي، وقد كتبه أسامة سنة (1185م)، وهو ما قال به الدكتور حتي وغيره، ولكن البعض حاول أن يشكك في ذلك واعتبره ثانياً بعد كتاب (المنقذ من الضلال) للغزالي وهو ما ينافي الحقيقة تماماً.
فكتاب (المنقذ من الضلال) ليس سيرة ذاتية وإنما هو عرض للعلوم والمعارف التي اكتسبها الغزالي، ويعرض الأستاذ يوسف الشاروني تواريخ الكتابين فيقول: (ولكننا إذا استطعنا أن نستنتج أنه ـ أي أسامة ـ دونه عام (1185م) (بعد تسعين سنة من ميلاده) فإننا نجد أن هناك سيراً ذاتية أخرى كتبت قبل ذلك في تاريخ الأدب العربي، أهمها: (المنقذ من الضلال) للغزالي، فقد ولد الغزالي عام (1159م) وكتب في مقدمة كتابه إنه قد أناف وقت كتابته على الخمسين، فيكون قد كتبه إذن بعد عام (1109م) بقليل أي قبل كتاب أسامة بحوالي خمسة وسبعين عاماً).
إن أهم السير الذاتية التي نوّه إليها الشاروني ولم يذكر سوى واحدة منها واعتبرها أهمها، هي ليست سيرة ذاتية كما اعترف بذلك هو نفسه كما سنذكر قوله، وفي الحقيقة إنه لا يوجد سير ذاتية أصلاً قبل كتاب الإعتبار في الأدب العربي، ولو كان هنالك سيرة واحدة لذكرها بدلاً من التخبّط في الإحتمالات وتصنيف التواريخ.
وهذا ما أكده الشاروني نفسه حيث عقب على كلامه هذا وقارن بين الكتابين بقوله:
(ولكن الجديد في كتاب الإعتبار هذا ظهور شخصية أسامة النبيلة بوضوح وقوة، بينما يتضاءل الشعور بالشخصية في الترجمات الذاتية التي سبقت أو لحقت هذا الكتاب، والتي يدور فيها الكلام حول نشاط صاحبها في التحصيل وكسب المعارف والعلوم، ولا تبدو شخصية صاحب الترجمة إلا شاحبة اللون باهتة وكشيء عرضي طارئ)
إلى هنا انتهى كلام الشاروني الذي أجاب نفسه بنفسه، فإذا كانت الكتب التي أطلق عليها اسم (السير الذاتية) تكون شخصية صاحبها (شاحبة اللون باهتة وكشيء عرضي طارئ) فكيف تصنّفها على أنها سيرة ذاتية؟
فلو أردنا القياس على كلامك فإن كل كتاب هو سيرة ذاتية حتى وإن تحدث صاحبه عن عصر سبقه بألف عام، لأن كل كاتب له بصمته في الكتاب الذي يكتبه، فالسيرة الذاتية تدور أحداثها حول صاحبها، فيكون هو المحور، وهو المركز، وهو نقطة الضوء كما سنرى ذلك في فصول كتاب أسامة الإعتبار وليس شخصية (شاحبة اللون باهتة وكشيء عرضي طارئ).
مع الإعتبار
كان من أهم المكاسب للمكتبة الإسلامية والعربية هو تأليف هذا الكتاب الذي يعد وثيقة مهمة على أهم مراحل التاريخ العربي، فقد دوّن فيه أسامة حياته منذ الطفولة مع أبيه وأسرته وعشيرته بني منقذ، ثم دوّن سفره ورحلاته إلى مصر ودمشق والموصل وبيت المقدس والجزيرة وعسقلان وغيرها، كما دوّن المعارك التي خاضها مع الصليبيين، كما دوّن عاداتهم وتقاليدهم غندما كان يصاحبهم أيام السلم.
مع والده
يصف أسامة طفولته عندما كان يخرج هو وأخوته مع أبيه للصيد، وقد كان والد أسامة مرشد فارساً أديباً شاعراً عابداً، فكان يأخذ معه أولاده إلى الصيد فيستريح أثناء الطراد على صخرة ليقرأ القرآن، يقول أسامة عن أبيه:
(يركض نهاره ولا يتصيّد إلا على حصان، ونحن معه أربعة أولاد نتعب ونكل، وهو لا يضعف ولا يكل ولا يتعب، وكان يطرد اليحامير في أرض حصن الجسرة، فصرع منها يوماً خمسة أو ستة على فرس له دهماء، وكنا إذا وصلنا إلى موضع الصيد ينزل عن الفرس ويجلس على صخرة ويقرأ القرآن ونحن نتصيد حوله ...)
هكذا عاش أسامة طفولته على حياة الصيد والفروسية، فنشأ شجاعاً منذ نعومة أظفاره وهذه بعض مذكراته نذكرها باختصار:
في صغره رأى حية على جدار الدار، فتسلّق إليها وأخذ يحزّ رأسها بسكينه الصغيرة، وهي تلتف على يده وأبوه يراه ولا ينهاه حتى قطع رأسها وألقاها في الدار وهي ميتة.
قتال الأسود
وكان أبوه يعده لأن يكون فارس بني منقذ، لذا فقد حرص على أن يصحبه في رحلاته، ويصلب عوده ويصبح قادراً على قتال الأسود، فيخرج يوماً مع أبيه وأخيه لقتال أسد على جسر نهر شيزر، وكان هذا الأسد قد أغار مراراً على المدينة وأرعب أهلها، فلما شاهد أسامة الأسد وقد ربض على حافة النهر حمل عليه فصاح به أبوه: (لا تستقبله يا مجنون فيأخذك)، ولكن أسامة طعنه برمحه طعنة لم يتحرك بعدها الأسد من مكانه ومات بموضعه فلما رأى أبوه ذلك منه لم ينهه عن قتال بعدها.
هكذا نشأ أسامة فخبر السباع والخيول كما خبر البشر فهو الصياد والفارس، كان يعرف إن الأسود والخيل كالبشر فيها الشجاع وفيها الجبان، وقد رأى ذلك بعينيه فرأى أسوداً لا تخاف وأسوداً تهرب من خوف، يقول في وصفه للأسود: (قاتلت السباع في عدة مواقف لا أحصيها، وقتلت عدة منها، ما شاركني في قتلها أحد سوى ما شاركني فيه غيري، حتى خبرت منها وعرفت من قتالها ما لم يعرفه غيري.
فمن ذلك إن الأسد مثل سواه من البهائم يخاف ابن آدم ويهرب منه وفيه غفلة وبله ما لم يُجرح فحينئذ هو الأسد، وذلك الوقت يُخاف منه، وإذا خرج من غاب أو أجمة وحمل على الخيل فلا بد له من الرجوع إلى الأجمة التي خرج منها ولو أن النيران في طريقه).
مع الخيل
ولما كان أسامة فارساً فقد كان خبيراً بالخيل وأنواعها وعاداتها، وقد فصّل كل ذلك تفصيلاً دقيقاً فقال: (ففيها الصبور كالرجال، وفيها الخوّار).
ثم يقص بعض الأمثلة على ذلك منها: (أنه رأى حصاناً طعن في رقبته فمالت رقبته من شدة الطعنة وما تزعزع الحصان من تلك الطعنة)، و(جرح تحته حصان ثلاثة جراح وهو يقاتل عليه ولا يعلم إنه قد جرح لأن الحصان ما أظهر ما يدل على ألمه من شدة الجرح)، و(وجرح تحته حصان شقت الطعنة بطنه وأصابته عدة سهام فأخرجه من المعركة ومنخراه يدميان وما أنكر منه شيئاً ـ أي لم يظهر ما عليه من ألم الجراح ـ ولما وصل أسامة إلى أصحابه سقط الحصان ميتا).
أول معركة
امتلأ كتاب الإعتبار بوصف المعارك مع الصليبيين وأسامة ينقل لنا وصف تلك المعارك بصدق وأمانة، فهو ينقل المعركة كما هي سواء كانت انتصاراً أم هزيمة، فلنستمع إليه وهو يصف أول معركة خاضها مع الروم:
(فلما صرنا على وادي (أبو الميمون) والنهابة العرب متفرقون في الزرع، خرج علينا من الإفرنج جمع كثير، وكان قد وصلها تلك الليلة ستون فارساً وستون راجلاً، فكشفونا عن الوادي، فاندفعنا بين أيديهم إلى أن وصلنا الناس الذين بالزرع ينهبونه، فضجوا ضجة عظيمة، فهان عليَّ الموت لهلاك ذلك العالم معي، فرجعت على فارس في أولهم قد ألقى عنه درعه وتخفف ليجوزنا من بين أيدينا فطعنته في صدره فطار عن سرجه ميتاً، ثم استقبلت خيلهم المتتابعة فولوا وأنا غرٌّ من القتال، ما حضرت قتالاً قبل ذلك اليوم، وتحتي فرس مثل الطير ألحق أعقابهم لأطعن فيهم).
هذه أول معركة يخوضها أسامة وهو شاب غر ويُبدي فيها من الشجاعة ما يعجز عنها الفارس المتمرِّس على القتال، والمقاتل الذي خَبَر الحروب وعجمها.
ويصف معركة أخرى وصفاً شيّقاً استيلاء العرب على أحد حصون الإفرنج فجاء وصفه بارعاً حيّاً مجسّداً باسلوب الفنان المبدع، والقصاص القدير، يجعل القارئ يتمثل شخوص تلك المعركة.
مع الأفرنج
كما صور لنا صور دقيقة عن حياة الإفرنج، فقد كان يصاحبهم أيام السلم والهدنة، ويزاورهم وله منهم أصدقاء، وقد دوّن في كتابه عاداتهم وتقاليدهم ،فدون كل ذلك بروح الإنصاف، فيذكر مالهم وما عليهم، وكان يعجب بشجاعتهم التي يعدها الصفة الإيجابية الوحيدة فيهم حيث يقول: (الإفرنج ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة)، فهو يذكر هذه الصفة ولا ينكرها في أعدائه.
ويذم فيهم عدم الغيرة على زوجاتهم وينكرها ويعدها من أقبح الأعمال حيث يقول: (ليس عندهم غيرة، يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته، يلقاه رجل آخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ينتظر فراغهما من الحديث، فإذا طوّلت عليه خلّاها مع المتحدِّث ومضى) !!
ويقصُّ الكثير من أمثال هذه القصص التي تثير السخرية والإزدراء ثم يقول متعجباً: (انظروا إلى هذا الإختلاف العظيم، ما فيهم غيرة ولا نخوة، وفيهم الشجاعة العظيمة وما تكون الشجاعة إلا في النخوة).
ثم يشبه شجاعتهم التي تفتقر إلى الغيرة والنخوة بقوة البهائم فيقول: (وإذا خبر الإنسان الإفرنج سبّح الله تعالى وقدّسه ورأى بها ثم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير كما في البهائم فضيلة القوة والحمل) فالشجاعة إذا لم تقترن بالغيرة والنخوة بقيت ناقصة.
ثم يصف أفراحهم وأعيادهم وعاداتهم ودينهم وطباعهم وأخلاقهم ولا يشيد بأي منها سوى الشجاعة.
فلسفته في الحياة
حفل الكتاب بمنافع ومعلومات وتفصيلات تاريخية واجتماعية وتربوية وحضارية شاء هذا الفارس البطل الذي خبر الحياة قرابة قرن من الزمان أن ينقلها إلى الأجيال لتكون عبرة وعظة، ويمكننا أن نوجز فلسفته في الحياة بما وصفه عن نفسه بقوله: (لو صفت القلوب من كدر الذنوب، وفُوّضت إلى عالم الغيوب، علمت أن ركوب أخطار الحروب، لا ينقص مدة الأجل المكتوب، والعمر موقت مقدر، لا يتقدم أجله ولا يتأخر، فلا يظن ظان أن الموت يقدمه ركوب الخطر، ويؤخّره شدة الحذر، ففي بقائي أوضح معتبر).
وقد احتوى الكتاب على الكثير من المواعظ والدروس التي عاشها أسامة وعايشها، وفي الخلاصة أن هذا الموضوع ما هو إلّا تقديم لهذا الكتاب وبصورة موجزة، فقد حفل الكتاب بالكثير من الأحداث والمواعظ والعبر التي يطول شرحها.
كتب أخرى لأسامة
عكف أسامة على التأليف بعد تجاوزه سن الثمانين، وبعد أن ضعف عن حمل السيف والرمح، فبدأ رحلته مع القلم في عزلته في (حصن كيفا)، فألف الكثير من الكتب بلغ تعدادها ثمانية عشر كتاباً أثرت المكتبة العربية والإسلامية بتراث ضخم، ولكن مما يؤسف له أن أغلب كتبه قد فقدت ولم يصل إلينا منها سوى النزر اليسير، أما الباقي فقد أشار هو إلى بعضها وعناوينها في معرض كتبه المتبقية، ونقلت لنا التواريخ البعض الآخر منها، وهذه قائمة بأسماء الكتب التي وصلت إلينا ومضامينها وعناوين الكتب التي أشار إليها هو أو أشارت إليها المصادر التاريخية:
1 ـ الإعتبار: وهو الكتاب الذي يدور حوله هذا الموضوع.
2 ـ لباب الآداب: وهو كتاب نفيس في موضوعه، وقد رتبه على أبواب وفصول وهي: الوصايا، والسياسة، والكرم، والشجاعة، وكتمان السر، وإداء الأمانة، والتواضع، وحسن الجوار، والصمت، وحفظ اللسان، والقناعة، والحياء، والصبر، والنهي عن الرياء، والإصلاح بين الناس، والتعفف، والتحذير من الظلم، والإحسان وفعل الخير، والصبر على الأذى، ومداراة الناس، وحفظ التجارب، وحكم النبي (صلى الله عليه وآله)، ومحاسن الأشعار، وأنواع الشعر، وكلام الحكماء.
ويبتدئ كل فصل من هذه الفصول بما يناسبه من الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، وكلمات الحكماء، وقد أهدى أسامة هذا الكتاب لابنه مرهف، وقد حققه العلامة المحقق الأستاذ أحمد محمد شاكر، ونشره على نفقته الأستاذ لويس سركيس عن مخطوطة العلامة الدكتور يعقوب صروف كان قد وصفها ونوّه عليها في مجلة المقتطف أيلول (1907)، وطبع في المطبعة الرحمانية سنة (1354هـ/1935م)، وقد قدّم لهذه الطبعة الأستاذ أحمد محمد شاكر محقق الكتاب مقدمة وافية عن حياة أسامة، وقال في معرض حديثه عن هذا الكتاب:
(لا أظنني مغالياً إذا قلتُ إن هذا الكتاب من أجود كتب الأدب وأحسنها، وسيرى قارئه أنه يتنقل فيه من روض إلى روض، ويجتني أزاهير الحكمة وروائع الأدب ويقتبس مكارم الأخلاق، وفيه ميزة أخرى جليلة أن فيه أقوالاً من نثر ونظم لم نجدها في كتاب غيره من الكتب المطبوعة).
3 ـ البديع في نقد الشعر: جمع فيه أسامة ما كان متفرّقاً في كتب المتقدّمين المصنّفة في البديع أو نقد الشعر، وذكر محاسنه ومساوئه في الكثير من الأمثلة لكل نوع من أنواعه، كما ذكر للبديع خمسة وتسعين فصلاً دل على تضلّعه في الشعر، وبلوغه الغاية منه، وتوجد لهذا الكتاب ثلاث نسخ خطية.
الأولى: ببرلين بالرقم (7277)
والثانية: في مكتبة البلدية بالإسكندرية.
والثالثة: بدار الكتب بالرقم (5 بلاغة).
وعن مخطوطة مكتبة البلدية بالإسكندرية التي كتبها ناسخها سنة (711هـ) صورت دار الكتب نسخة مودعة فيها بالرقم (10161)، فقام الدكتوران أحمد أحمد بدوي، وحامد عبد المجيد مدير إدارة التأليف بوزارة الثقافة والإرشاد القومي بنشر وطبع الكتاب من ضمن كتب التراث التي تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وقد جاء في مقدمة الدكتور بدوي للكتاب:
(فترى كتاب البديع لأسامة يغلب عليه ضرب المثل البلاغية للتذوق والإقتداء، وكان أسامة ذا ذوق مرهف، فاستطاع أن يجمع حشداً من الأمثلة المتخيّرة في معظم الأحيان).
4 ـ المنازل والديار: وقد ألفه بعد النكبة التي أصابت مدينته شيزر جرّاء الزلزال الذي ضربها وخلفها قاعاً صفصفاً، فكأنه أراد أن ينفّس عمّا يختلج في صدره من الألم والحسرة على فقد أهله وأحبابه فألف هذا الكتاب الذي يتناول فيه البكاء على الديار والوقوف على الإطلال والآثار والدمن والمساكن والمعاهد والمعالم والأوطان والمدن والبلاد وبكاء الأهل والأخوان.
ودل الكتاب على الثقافة الواسعة للمؤلف، والإطلاع العميق على التراث الأدبي، وروائع الشعر في عصوره المختلفة، كما دلت مختاراته على ذوق أدبي رفيع، وقد ضمّ الكتاب عدداً كبيراً من النصوص في هذا المجال لا يجد القارئ لها مثيلاً في غيره، واشتمل الكتاب على جزئين كبيرين، الأول: في (365) صفحة، والثاني: في (340) صفحة عدا الفهارس.
وتوجد نسخة مخطوطة لهذا الكتاب وهي الوحيدة في أكاديمية العلوم في روسيا وعنها نشرت الكتاب دار النشر للآداب الشرقية بإشراف (أنس خالدوف) سنة (1961) .
5 ـ العصا: وهو كتاب مهم جمع فيه أسامة الأحداث التي جرت في عصره وما جمعه من الأخبار، واحتوى على طائفة كبيرة من الأشعار، ولهذا الكتاب ثلاث نسخ خطية،
الأولى: في ليدن بالرقم (370) وعليها تاريخ (1094)، وهذه النسخة نشرها المستشرق (دورنبرغ) في باريس سنة (1893).
والثانية في أمبروزيانا بميلان بالرقم (125).
والثالثة في نوادر المخطوطات وقد حققها ونشرها الأستاذ عبد السلام هارون.
6 ـ التأسي والتسلي: أشار إليه في لباب الآداب (ص294/460).
7 ـ الشيب والشباب: أشار إليه في لباب الآداب (ص377) وذكره ياقوت.
8 ـ النوم والأحلام: أشار إليه في الإعتبار (ص186).
9 ـ أزهار الأنهار: أشار إليه حاجي خليفة في كتاب كشف الظنون.
10 ـ التاريخ البدري: وفيه جمع أسماء من شهد بدراً من الفريقين، وقد ذكره الذهبي وأشار إليه فيليب حتي.
11 ـ التجائر المربحة والمساعي المنجحة: ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون وفيليب حتي وأحمد محمد شاكر.
12 ـ القضاء: ذكره ياقوت الحموي
13 ـ تاريخ القلاع والحصون: ذكره السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة (ج3ص354)، والدكتور فيليب حتي.
14 ـ نصيحة الرعاة: ذكره السيد محسن الأمين، والدكتور فيليب حتي
15 ـ أخبار النساء: ذكره السيد محسن الأمين، والدكتور فيليب حتي
16 ـ أخبار البلدان: ذكره الذهبي
17 ـ أخبار بني منقذ: ذكره ياقوت الحموي، وقال إنه رآه
18 ـ ذيل يتيمة الدهر: ذكره ياقوت الحموي، والذهبي، وعلّق السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة على ذكر الذهبي لهذا الكتاب بـ (ذيل خريدة القصر) للباخرزي بقوله: (أخطأ الذهبي في جعله ذيلاً للخريدة، وهو ذيل لليتيمة، وفي جعل الخريدة للباخرزي مع أن كتاب الباخرزي اسمه دمية القصر)
19 ـ ديوانه: حظي شعر أسامة باهتمام بالغ من قبل معاصريه ومن جاؤوا بعده، حيث يُعد في الطراز الرفيع من الشعر، كما يُعد سجلاً حافلاً لتاريخ حياته الزاخر بالأحداث التي شهدها والمعارك التي خاضها وسطّر فيها أروع صفحات البطولة والشجاعة، وقد عدّه العماد الأصفهاني زعيماً لشعراء عصره رغم أن عصره كان يعجُّ بفحولِ الشعراء أمثال طلائع بن رزيك، وعمارة اليمني، والمهذب بن الزبير وغيرهم، وقد تضمّن ديوانه أغراض الشعر المختلفة عدا الهجاء وقول البذاء والفحش، لأنه كان يتسامى ويترفع عن هذين الغرضين، فجاء شعره نبيل المعنى، سامي الغرض، قويم الأسلوب، لذا وصف ابن عساكر يد أسامة في الشعر بـ (البيضاء) فقال ما نصه: (إن لأسامة يداً بيضاء في الأدب والكتابة والشعر)، وقد رأى ديوانه وأشار إليه ابن خلكان والعماد الأصفهاني والذهبي وغيرهم.
كان شعره يتناقله الدارسون والكتاب قبل أن يطبع ديوانه، وقد نشر المستشرق (دورنبرغ) منتخبات من شعره في باريس عام (1893)، حتى نشرته دار الكتب المصرية بتحقيق الدكتورين أحمد أحمد بدوي، وحامد عبد المجيد.
ومن الجدير بالذكر إن هذه النسخة من ديوان أسامة والتي اعتمدتها دار الكتب المصرية ونشرتها، كانت في العراق في خزانة كتب السيد صالح الراوي قاضي بغداد، وكان أديباً متذوقاً للشعر، فلما توفي آلت النسخة إلى ولده عبد الرحمن، وفي سنة (1944) زار الكاتب المصري الكبير إبراهيم عبد القادر المازني بغداد، فقدمها عبد الرحمن له، فأعجب بها ووعد بطبعها عند عودته إلى مصر، فمضت السنين ولم يفِ المازني بما وعد، وفي سنة (1947) سافر عبد الرحمن الراوي إلى مصر لإجراء عملية، وبعد شفائه أخذ النسخة فأهداها إلى دار الكتب التي طبعت الديوان.
اضف تعليق