الصحابي الجليل الثقة الصادق الصالح، الذي قال رسول الله ص فيه: ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر. نفاه عثمان بن عفان من المدينة إلى الشام، ثم نفاه معاوية من الشام إلى المدينة وبعد فترة نفاه عثمان إلى الربذة، وقام فيها إلى مات...
جندب بن جنادة المتوفى في المنفى الربذة الثالث من ربيع الثاني سنة 32هـ.
الصحابي الجليل الثقة الصادق الصالح، الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه: ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر. نفاه عثمان بن عفان من المدينة إلى الشام، ثم نفاه معاوية من الشام إلى المدينة سنة 30هـ، وبعد فترة نفاه عثمان إلى الربذة، وقام فيها إلى مات عام 32هـ، دخل عليه أبو رافع بالربذة ليودّعه، فلما أراد الانصراف قال أبو ذر له ولأناس معه: ستكون فتنة، فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ: علي بن أبي طالب فاتبعوه.
كان أبوذر رحمه الله رجلاً عارفاً فطناً، وکان موضع احترام وتقدير النبيّ وأهل بيته الطيّبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم.
إنّ سيرة هذا الصحابي الكبير جديرة بالمطالعة والبحث والتأمّل، وحقّ أن تكون نموذجاً وقدوة طيّبة.
لقد توصّل أبو ذر إلى هذه المنزلة الرفيعة لأنّه كان يتابع النبيّ الأعظم قولاً وعملاً. ولا شكّ أنّ هذه المتابعة تعدّ إنجازاً صعباً؛ ذلك لأنّ الإنسان ـ في هذه الحالة ـ سيكون بحاجة إلى توفير عناصر القوّة ليتسنّى له مواجهة شيطانه الداخلي (النفسي) والخارجي (الاجتماعي) روماً في الانتصار عليهما.
وما يميّز الصحابيّ أبا ذر رضوان الله تعالى عليه أنّه كان بمستطاعه لقاء الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في أيّ وقت يشاء، أمّا إنسان فترتنا الراهنة فيفتقر إلى هذه الخاصيّة، ولكن ذلك ليس مبرّراً لئلاّ يكون كأبي ذر. فالمؤكّد في الأمر قدرة الفرد المؤمن على الارتقاء إلى هذه المنزلة السامية، فإنّ أبا ذر قضى ردحاً من حياته مشركاً، ومع ذلك بلغ ما بلغ لأنه قرّر لنفسه أن يكون أبا ذر الصحابيّ المؤمن العظيم.
أحبهم لأبي ذر
وعندما مرض أبو ذر أوصى إلى عليٍّ عليه السلام، فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أميرا لمؤمنين عثمان كان أجمل لوصيتك من عليّ... قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين، والله إنّه للربيع الذي يسكن إليه ولو قد فارقكم، لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض، فقالوا له: يا أبا ذر إنّا لنعلم أن أحبّهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أحبهم إليك، قال: أجل، فقالوا له: فأيّهم أحب إليك؟ قال: هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه، يعني عليّ بن أبي طالب.
ومن المشهور أن تشيُّع أهل جبل عامل كان على يد أبي ذر، وأنّه لما نفي إلى الشام وكان يقول في دمشق ما يقول، أخرجه معاوية إلى قرى الشام فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت عليهم السلام، فتشيّع أهل تلك الجبال على يده، فلما علم معاوية بذلك أعاده إلى دمشق ثم نفي إلى المدينة، ويؤيد هذا القول وجود مسجدين في جبل عامل يسمّى كل منهما مسجد أبو ذر، أحدهما في ميس، والآخر في الصرفند.
ولمّا مات ذر بن أبي ذر وقف أبو ذر على قبره ومسحه بيده ثم قال: رحمك الله يا ذر، والله إن كنت بي باراً ولقد قبضت وإنّي عنك لراض، أما والله ما بين فقدك وما عليّ من غضاضة، وما لي إلى سوى الله من حاجة، ولولا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك، ولقد شغلني الحذر لك عن الحذر عليك، والله ما بكيت لك، ولكن بكيت عليك، فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك؟
اللهمّ إنّي قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك، فأنت أحقّ بالحقّ منّي.
ومكث أبو ذر بالربذة حتى مات، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: اذبحي شاة من غنمك فاصنعيها فإذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق، فأول ركب تريهم قولي: يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى نحبه ولقي ربّه فأعينوني عليه وأجيبوه، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أنّي أموت في أرض غربة وأنّه يلي غسلي ودفني والصلاة عليّ رجال من أمتي صالحون.
قال محمد بن علقمة بن الأسود النخعي، خرجت في رهط أريد الحج منهم مالك بن الحارث الأشتر، وعبدالله بن الفضل التميمي، ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين هو أبو ذر صاحب رسول الله قد هلك غريباً ليس له أحد يعينني عليه. فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهّزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء، وتعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى عليه، ودفناه فقام الأشتر على قبره ثم قال:
اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عبدك في العابدين، وجاهد فيك المشركين، لم يغيِّر ولم يبدّل لكنّه رأى منكراً فغيّره بلسانه وقلبه حتى جُفي ونُفي وحُرم واحتقر ثم مات وحيداً غريباً... اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره، حرم الله وحرم رسول الله...
قال: فرفعنا أيدينا جميعاً وقلنا آمين... فقدمت الشاة التي صنعت فقالت: إنّه أقسم عليكم أن لا تبرحوا حتى تتغدوا فتغدينا وارتحلنا.
وروي أنّ عبدالله بن مسعود لمّا بلغه خبر نفي أبي ذر إلى الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة، قال في خطبة بمحفل من أهل الكوفة: فهل سمعتم قول الله تعالى: ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم.. يعرض بذلك بعثمان، فكتب الوليد بذلك لعثمان فأشخصه من الكوفة، فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله أمر عثمان غلاماً له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الأرض، وأمر بإحراق مصحفه، وجعل منزله حبسه، وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى أن مات.
وجاء أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا أراد أن يبتسم، قال لأبي ذر: يا أبا ذر حدثني ببدء إسلامك قال: كان لنا صنم يقال له نهم فأتيت فصببت له لبناً ووليت، فحانت منّي التفاتة فإذا الكلب يشرب ذلك اللبن، فلما فرغ رفع رجله فبال على الصنم، فأنشأت أقول:
ألا يا نهم إنّي قد بدا لي-----مدى شرف يبعد منك قرباً
رأيت الكلب سامك حظ خسف-----فلم يمنع قفاك اليوم كلبا
فسمعته أم ذر فقالت:
لقد أتيت جرما-----وأصبت عظما
حين هجوت نهما
فخبّرتها الخبر فقالت:
ألا فابغنا رباً كريماً-----جواداً في الفضائل يا بن وهب
خما من سامه كلب حقير-----فلم يمنع يداه لنا برب
فما عبد الحجارة غير غاو-----ركيك العقل ليس بذي لب
قال: فقال صلى الله عليه وآله: صدقت أم ذر فما عبد الحجارة غير غاو...
من مناقب ابي ذر
- في خبر الاعمش عن الصادق عليه السلام قال: الولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واجبة، مثل سلمان الفارسي وأبي ذر الفغاري والمقداد بن الاسود الكندي وعمار بن ياسر وجابر بن عبدالله الانصاري وحذيفة بن ليمان وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأبي أيوب الانصاري وعبدالله بن الصامت وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبو سعيد الخدري و من نحا نحوهم، وفعل مثل فعلهم.
- عن أبي ذر رحمة الله عليه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه، فقال: ادن مني يا أباذر أستند إليك فدنوت منه، فاستند إلى صدري إلى أن دخل علي صلوات الله عليه فقال لي: قم يا أباذر فان عليا أحق بهذا منك، فجلس علي عليه السلام فاستند إلى صدره ثم قال لي: ههنا بين يدي فجلست بين يديه، فقال لي اعقد بيدك من ختم له بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن ختم له بحجة دخل الجنة، ومن ختم له بعمرة دخل الجنة ومن ختم له بطعام مسكين دخل الجنة، ومن ختم له بجهاد في سبيل الله ولو قدر فواق الناقة دخل الجنة
- عن امير المـؤمنين (عليـه السلام) قال: وعك ابـو ذر رضي الله عنه فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت: يا رسول اللـه ان ابا ذر قد وعك فقال: امض بنا اليه نعـوده فمضينا اليـه جميعا، فلما جلسنا قال رسول الله (صلى اللـه عليـه و آلـه): كيف اصبحت يا ابا ذر • قال: اصبحت وعكا يا رسول الله، فقال: اصبحت في روضـة من رياض الجنـة، قـد انغمست في ماء الحيوان، و قد غفـر اللـه لك ما يقـدح من دينك، فأبشـر يا ابا ذر. وقال (صلى الله عليـه وآلـه): الحمى حظ كل مـؤمن من النار، الحمى من فيح جهنم، الحمى رائد الموت.
- كان أبو ذر رحمه الله تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أيام وذلك ان جمله كان اعجف فلحق بعد ثلاثة ايام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه علي ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كن أباذر فقالوا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ادركوه بالماء فانه عطشان فادركوه بالماء ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه اداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا اباذر معك ماء وعطشت؟ فقال نعم يا رسول الله بابي انت وامي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فاذا هو عذب بارد، فقلت لا اشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله: يااباذر أرحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من اهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك.
- عن حـذيفـة ابن أسيـد، قال سمعت أبا ذر، يقول وهو متعلق بحلقة باب الكعبـة، أنا جنـدب بن جنادة لمن عرفني وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني، اني سمعت رسول الله صلى الله عليـه وآلـه وهـو يقول: - رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وهو آخـذ بيـد علي: هـذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هـذه الامـة يفـرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهـو الصـديق الاكبـر، وهـو خليفتي من بعدي.
قوله وهـو يعسـوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة أي يجتمع على اتباعه والتمسك به قلـوب المـؤمنين، كما على التمسك بالمال قلوب الظلمة. قال في الصحاح: واليعسـوب ملك النحل، ومنه قيل للسيد: يعسوب قومه والياء فيه من الـزوائـد لانـه ليس في الكلام فعلـول غير صعفوق
- عن كتاب شرف النبي (صلى الله عليه وآله)، انه كان الناس يصلـون وابو ذر ينظر الى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقيل لـه فى ذلك، فقال: سمعت رسول الله (صلى اللـه عليـه وآلـه) يقـول: النظـر الى علي بن أبي طالب (عليـه السلام) عبادة، والنظر الى الوالدين برأفة ورحمـة عبادة، والنظـر الى المصحف عبادة، والنظر الى الكعبة عبادة.
- عن داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة قال: دخلنا على أبي ذر رضي الله عنه نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقلنا: اوص يا أبا ذر، قال: قد أوصيت، قلنا: إلى من؟ قال: إلى أمير المؤمنين، قال: قلنا: عثمان؟ قال: لا، ولكن إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين والله إنه لربي الارض وإنه لرباني هذه الامة، ولو قد فقدتموه لأنكرتم الارض ومنه عليها.
- عن أبي ذر الغفاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبل الحسين بن علي وهو يقول: من أحب الحسن والحسين وذريتهما مخلصا لم تلفح النار وجهه، ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج إلا أن يكون ذنبا يخرجه من الايمان.
كلمات ثلاث
سمعت رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يقول لعلي (عليهِ السَّلام) كلمات ثلاث، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، سمعته يقول: اللهم أعنه واستعن به، اللهم انصره وانتصر به، فإنه عبدك وأخو رسولك، ثُمَّ قال أبو ذر رحمة الله عليه: أشهد لعلي بالولاء والإخاء والوصية، قال كريزة بن صالح: وكان يشهد له بمثل ذلك سلمان الفارسي والمقداد وعمار وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو الهيثم [بن] التيهان وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) وهاشم بن عتبة المرقال، كلهم من أفاضل أصحاب رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).
عليكم بالثقلين
عن أبي سحيلة، قال: حججت أنا وسلمان الفارسي رحمه الله فمررنا بالربذة وجلسنا إلى أبي ذر الغفاري رحمه الله، فقال لنا:
إنَّه سيكون بعدي فتنة فلا بد منها، فعليكم بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب (عليهِ السَّلام) فالزموهما، فأشهد على رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أني سمعته وهو يقول:
عليٌّ أوَّل من آمن بي، وأوَّل من صدَّقني، وأوَّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصِّدِّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرِّق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.
مَثَلُ أهل البيت
عن رافع مولى أبي ذر قال: صعد أبو ذر رضي الله عنه على درجة الكعبة حتَّى أخذ بحلقة الباب، ثُمَّ أسند ظهره إليه ثُمَّ قال:
أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يقول: إنما مَثَل أهل بيتي في هذه الأمة كمَثَل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تركها هلك.
وسمعت رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يقول: اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين.
ثقلان لا يفترقان
عن حنش بن المعتمر قال: رأيت أبا ذر الغفاري (رحمه الله) آخذاً بحلقة باب الكعبة وهو يقول:
ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر جندب بن السكن، سمعت رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يقول:
إني خلَّفتُ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض، ألا وإنَّ مثَلهما فيكم كسفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق.
قم يا أبا الحسن
عن ابن عباس قال: رأيت أبا ذر الغفاري متعلقاً بحلقة بيت الله الحرام وهو يقول:
يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي، أنا جندب الربذي الغفاري إني رأيت رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في العام الماضي وهو آخذ بهذه الحلقة وهو يقول: أيها الناس لو صمتم حتَّى تكونوا كالأوتار وصليتم حتَّى تكونوا كالحنايا ودعوتم حتَّى تقطَّعوا إرباً إرباً ثُمَّ بغضتم عليَّ بن أبي طالب (عليهِ السَّلام) أكبَّكم الله في النار.
ثُمَّ قال: قم يا أبا الحسن فضع خمسك في خمسي (يعني: كفك في كفي) فإنَّ الله اختارني وإياك من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها فمن قطع فرعها، أكبَّه الله على وجهه في النار.
ثُمَّ قال: عليٌّ سيد المرسلين وإمام المتقين يقتل الناكثين والمارقين والجاحدين.
عليٌّ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي.
أدِّ الأمانة
عن أبي جعفر (عليهِ السَّلام) قال: سمعته يقول: أتى أبا ذر رجلٌ فبشَّره بغنم له قد ولدت، فقال: يا أبا ذر أبشر، فقد ولدت غنمك وكثرت، فقال:
ما يسرُّني كثرتها وما أحبُّ ذلك فما قلَّ وكفى أحبُّ إليَّ مما كثر وألهى، إني سمعت رسول الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يقول: على حافتَي الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مرَّ عليه الموصل للرحم والمؤدِّي للأمانة لم يتكفأ به في النار.
الحمد لله أبداً
كان أبو ذر رضي الله عنه لا يعيش له ولد، فقيل له: إنك امرؤ لا يبقى لك ولد. فقال:
الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء، ويدَّخرهم في دار البقاء.
حوار مع أبي ذر
عن أبي عبد الله (عليهِ السَّلام) قال: جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر ما لنا نكره الموت؟ فقال:
لأنكم عمرتم الدنيا، وأخربتم الآخرة، فتكرهون أنَّ تنقلوا من عمران إلى خراب، فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء منكم فكالآبق يردُّ إلى مولاه، قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: اعرضوا أعمالكم على الكتاب، إنَّ الله يقول: (إِنَّ الأَبْرَاْرَ لَفِيْ نَعِيْمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّاْرَ لَفِيْ جَحِيْمٍ). قال: فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: (رَحْمَةُ اللهِ قَرِيْبٌ مِنَ الْمُحْسِنِيْنَ) [56].
قال أبو عبد الله (عليهِ السَّلام): وكتب رجلٌ إلى أبي ذر (رضي الله عنه): يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم، فكتب إليه: إنَّ العلم كثير، ولكن إن قدرت [على] أنْ لا تسيء إلى من تحبه فافعل، قال فقال له الرجل: وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبه؟ فقال: نعم، نفسك أحبُّ الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها.
اضف تعليق