الكسل والخمول آفة جديدة وخطر متفاقم له العديد من العواقب الوخيمة والتأثيرات السلبية (صحية واجتماعية واقتصادية) تنعكس على الحياة، فهذه الافة الجديدة التي تتسبب وبحسب بعض الدراسات الخاصة، بموت خمسة ملايين انسان سنويا، اصبحت اليوم تشكل تحديا جديدا يضاف الى جملة التحديات التي يشهدها العالم، وذلك لما قد يترتب عليها من اضرار صحية ونفسية على الفرد والمجتمع كما يقول بعض الخبراء الذين اكدوا على ازدياد معدلات الكسل والخمول في العديد من المجتمعات، التي اصبحت تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة والوجبات السريعة وهو ما اسهم بتقليل الحركة والنشاط وادى الى ظهور الكثير من الازمات والمشكلات الصحية لدى الكثير من البشر، ومنها أمراض القلب والشرايين والسمنة والسكري هذا بالإضافة الى المشكلات النفسية الاخرى التي كانت سببا في ارتفاع معدلات الوفيات حول العالم.
والكسل كما تشير بعض المصادر هو حالة من التراخي، وعدم الرغبة في العمل والحركة. وهو ناتج عكسي للنشاط والعطاء، إذ يتقاعس الكسول عن الإنتاج النافع ويقوم بقتل الوقت، على الرغم من أنه في بعض الحالات قد يكون موهوباً، لكنه في الوقت نفسه يهمل هذه الموهبة بالإضافة إلى أنه قد يملك الفرص لكنه لا يقوم باستغلالها. ومن أهم بوادر الكسل كثرة النوم والأكل وقلة الحركة.
وكشفت بعض الدراسات السابقة أن الخمول البدني كان سبباً في وفاة الكثير من البشر في مختلف أنحاء العالم، بسبب خلو حياتهم من أي نشاط بدني. ففي بريطانيا كانت 17% من الوفيات بسبب الخمول البدني. وفي اليونان 4.2%. أما في الولايات المتحدة، فكانت نسبة الوفيات 10.8%. وكانت مالطا صاحبة أعلى نسبة في الوفيات الناجمة عن مضاعفات الخمول البدني، إذ بلغت نسبة الوفيات 19.2%. وكانت نتائج الدراسة قد أشارت إلى تصدر مالطا القائمة بنسبة 72%، تلتها سوازيلاند بنسبة 69%، ثم السعودية بنسبة 68.3% وصربيا بنسبة 68% وبريطانيا بنسبة 63.3%.
خطر أعلى للموت
وفي هذا الشأن فقد اكدت دراسة علمية حديثة، نشرت بموقع "نيوزماكس هيلث" الطبى، أن نمط الحياة المبنى على الكسل قد يضع الشخص في خطر أعلى للموت بقدر تدخين التبغ. وأوضح الباحثون أن الكسل ونمط الحياة السيئ وعدم ممارسة الرياضة قد تساهم في وفاة شخص واحد بين كل ستة أشخاص.
ولاحظ الباحثون أن أنماط الحياة المستقرة الحديثة تؤثر سلبًا على الصحة، حيث إن الكثير من الناس يقضون ساعات طويلة في الوظائف المكتبية، وقيادة السيارات، وأمام شاشات الكمبيوتر والتليفزيون، والأجهزة اللوحية الحديثة والهواتف المحمولة، وهذا بدوره يقضى على الأنشطة البدنية من الحياة اليومية.
ووجد الباحثون أن نمط الحياة المستقر هو عامل خطير جدًا للإصابة بالوفاة، حيث إنه يمكن أن يعادل خطر تدخين التبغ. وينصح الباحثون بالحصول على 30 دقيقة لممارسة النشاط البدني معظم أيام الأسبوع، وتشمل تلك الأنشطة المشي السريع، والسباحة، التمشية في الحدائق. وأضاف الباحثون أن كل 10 دقائق في ممارسة الرياضة تحافظ على صحة القلب من الإصابة بكثير من الأمراض.
من جانب اخر كشفت دراسة طبية أن عدد الوفيات الناتجة عن قلة ممارسة التمارين الرياضية توازي عدد الوفيات نتيجة للتدخين حول العالم. وذكرت الدراسة التي نشرتها مجلة لانسيت الطبية البريطانية أن ثلث عدد سكان العالم البالغين لا يمارسون أنشطة بدنية بالقدر الكافي وهو ما يؤدي إلى وفاة 5.3 مليون شخص سنويا.
وقال الباحثون الذين أجروا الدراسة أن مشكلة الخمول وصلت إلى مستوى غاية في السوء ويجب التعامل معا باعتبارها وباء. وأضافوا أن معالجة هذه المشكلة يتطلب التفكير في طرق جديدة للعلاج من بينها تحذير الأشخاص من مخاطر الكسل والخمول بدلا من تذكيرهم بفوائد التمارين الرياضية. وقال فريق البحث الذي يضم 33 باحثا من مختلف أنحاء العالم إن حكومات الدول يجب أن تبحث عن سبل لتشجيع مواطنيها على ممارسة الأنشطة البدنية بجعلها أكثر ملاءمة وأمانا بأسعار مقبولة.
وتنصح الدراسة الشخص البالغ بممارسة 150 دقيقة أسبوعيا من النشاط البدني مثل المشي وركوب الدراجات أو أية أنشطة أخرى. وكشفت الدراسة أن مواطني الدول الغنية الذين يحصلون على أجور أعلى هم أقل الأشخاص ممارسة للأنشطة البدنية ومثال على ذلك بريطانيا حيث أثبتت الدراسة أن ثلثي عدد البالغين لا يمارسون نشاطا بدنيا بالقدر الكافي. بحسب بي بي سي.
وبالرغم من أن الباحثين أقروا بصعوبة إجراء مقارنة بين الدول لأن طريقة بذل نشاط بدني تختلف من بلد إلى بلد ومن مكان إلى آخر إلا أن أكدوا ثقتهم في نتائج الدراسة التي أجروها. وقالت الدراسة إن معدل الوفيات الناتجة عن التدخين توازي الوفيات الناتجة عن الخمول وقلة ممارسة الرياضة ولكن الفرق أن نسبة المدخنين انخفضت مقارنة بعدد الكسالى حول العالم مما يجعل التدخين أقل خطرا على صحة الفرد.
وقبل سنوات عدة فوجئ مختصون في هونغ كونغ من النتائج التي أظهرتها دراسة كانوا يجرونها عن الكسل والخمول عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 35 عاماً، إذ تبين لهم أن الكسل أكثر خطورة من التدخين، بعد أن تأكد أن عدد من يقضي عليهم الكسل في هونغ كونغ أكبر من عدد من يقضي عليهم التدخين.
فقد أظهرت الدراسة التي أجريت على سكان هونغ كونغ الذين توفوا في عمر يزيد على 35 عاماً، عام 1998 أن عدم القيام بأي نشاط بدني أدى إلى وفاة أكثر من 6400 شخص في العام، مقارنة مع أكثر من 5700 شخص توفوا بسبب التدخين. الأرقام والإحصائيات التي وصلت إليها الدراسة، لم تمر مرور الكرام على القائمين عليها، إذ فتحت الباب على مصراعيه لدراسات لاحقة عن ظاهرة الكسل، خاصة بعد أن أوضح أقارب نحو 25% من مجموع الوفيات التي حدثت لأشخاص في هونغ كونغ بعد سن 35 عاماً، أن أقاربهم المتوفين لم يقوموا بأية نشاطات بدنية خلال العقد الذي سبق وفاتهم. ويقصد بالنشاط البدني، أي شكل من أشكال النشاط أو التمرين الذي يتم خارج العمل.
الموت والخمول والسمنة
في السياق ذاته خلصت دراسة علمية إلى أن عدم ممارسة الرياضة يمكن أن تؤدي إلى وفاة ضعف عدد الأشخاص الذين تتسبب السمنة في وفاتهم في أوروبا. وقالت الدراسة، التي أجريت على أكثر من 300,000 شخص على مدى 12 عاما، إن نحو 676,000 شخص يموتون كل عام بسبب عدم ممارسة الرياضة، مقارنة بـ 337,000 شخص بسبب زيادة الوزن. وخلص الباحثون بجامعة كامبريدج إلى أن المشي لمدة 20 دقيقة يوميا له فوائد كبيرة.
وأشار خبراء إلى أن ممارسة الرياضة مفيدة للأشخاص من أي وزن، وأن السمنة والخمول مرتبطين ببعضهما البعض في غالب الأمر. ومع ذلك، فمن المعروف أن الشخص النحيف يكون أكثر عرضة للمشاكل الصحية إذا لم يمارس الرياضة، وأن صحة الشخص البدين الذي يمارس الرياضة تكون أفضل من صحة الشخص الذي لا يمارس الرياضة. وحاولت الدراسة، التي نشرت في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية، دراسة المخاطر النسبية للخمول والبدانة.
وتابع الباحثون 334,161 شخص أوروبي لمدة 12 عاما، وأجروا تقييمات لمستويات ممارسة الرياضة ومحيط الخصر وسجلوا جميع حالات الوفاة. وقال أولف إيكيلوند، أحد الباحثين القائمين على إجراء الدراسة "كان أكبر خطر للموت المبكر هو الخمول، وكان هذا المعدل ثابتا مع الوزن الطبيعي والوزن الزائد والسمنة المفرطة." وأضاف أن زيادة معدلات ممارسة الرياضة في أوروبا يمكن أن تساهم في خفض معدل الوفيات بما يقرب من 7.5 بالمئة، أو 676,000 حالة وفاة، لكن القضاء على السمنة يمكن أن يقلل معدل الوفيات بنسبة 3.6 بالمئة فقط.
وقال إيكيلوند "علينا أن نسعى جاهدين للحد من السمنة، لكني أعتقد أنه يتعين علينا الاعتراف بأن النشاط البدني يعد استراتيجية مهمة جدا للصحة العامة." وأضاف: "يتعين على الشخص ممارسة الرياضة لمدة عشرين دقيقة، أو المشي السريع وهو في طريقه للعمل أو العودة منه، أو أثناء استراحة الغداء، أو في المساء بدلا من مشاهدة التلفزيون." وتتشابه الأمراض الناجمة عن قلة النشاط والسمنة إلى حد كبير، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية. ومع ذلك، كان داء السكري من النوع الثاني أكثر شيوعا مع من يعانون من السمنة.
وعلقت باربرا دينسديل، من المعهد البريطاني لأبحاث القلب، على نتائج الدراسة قائلة: "هذه الدراسة تؤكد مرة أخرى على أهمية ممارسة النشاط البدني، حتى مع من يعانون من السمنة." وأضافت: "تغيير نمط حياتك يعد شيئا جيدا لصحة القلب، غير أن النشاط البدني دائما ما يكون أسهل دون تحمل الأعباء الإضافية للوزن الزائد." بحسب بي بي سي.
وطالب جون آشتون، رئيس كلية الصحة العامة، بإجراء بعض التغييرات لجعل ممارسة الرياضة أسهل. وقال "نحن في حاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية لتسهيل ركوب الدراجات وجعل شوارعنا أكثر أمانا." وأضاف "إذا ذهب عدد أكبر من الناس إلى العمل أو المدرسة بالدرجات أو سيرا على الأقدام، فسيحدث ذلك فرقا كبيرا في رفع مستويات النشاط البدني."
أقوى أسباب السرطان
الى جانب ذلك أشارت دراسة أمريكية حديثة أن الأشخاص الذين يبقون لفترات طويلة في وضع الجلوس يواجهون مخاطر عالية للإصابة بأمراض السرطان والبول السكري وارتفاع ضغط الدم. وقد تضمنت عينة البحث حوالي 60 ألف رجل ممن تتراوح أعمارهم بين 45 و65 عاما، تم سؤالهم عن عدد الساعات التي يقضونها جالسين كل يوم.
كما تم تقسيم العينة إلى مجموعات وفق ساعات الجلوس يومياً: أقل من أربع ساعات، من أربع إلى ستة ساعات، من ستة إلى ثماني ساعات وأكثر من ثماني ساعات. وقد وجدت الدراسة أن من يجلسون لما لا يقل عن ست ساعات باليوم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالبول السكري.
وفي هذا السياق كشف كاتب الدراسة ريتشارد روسنكرانز من جامعة ولاية كنساس، أنهم وجدوا زيادة مطردة في الإصابة بالأمراض المستعصية بين الرجال الذين يجلسون لساعات طويلة. ولكن المشكلة كما يراها الباحث أن الأشخاص الذين يجلسون أطول ساعات هم الأقل ممارسة للتمارين البدنية. وتمثل هذه الدراسة أهمية كبرى للأشخاص الذين يتطلب عملهم الجلوس طويلاً في مكاتبهم أو خلف مقود السيارة. وقد تم نشر هذه الدراسة بالجريدة الدولية للتغذية السلوكية والنشاط البدني.
الجينات الوراثية والوجبات السريعة
من جانب اخر أرجعت دراسة أمريكية الشعور بالكسل إلى جينات معينة قد تجعل الأشخاص أكثر ميلا للنشاط البدني وأكثر إقبالا على مزاولة الرياضة أو العكس، قد تجعلهم أكثر ميلا للخمول والكسل. وقام فريق من العلماء الأمريكيين بوضع عدد من الفئران تحت التجارب، اتسم بعضها بصفات وراثية متعلقة بكثرة النشاط البدني، فيما كان البعض الآخر ميالا للكسل.
واستنتج الباحثون أن الفئران التي كانت لديها جينات وراثية خاصة بالنشاط كانت أكثر حركة أثناء التجارب مقارنة بالفئران ات الجينات الخاصة بالكسل والخمول. وأشار فرانك بوث-المشرف على البحث- إلى إنهم حددوا 36 جينا من أصل 17 ألف جين في أحد أجزاء الدماغ، وقد يكون لها دور في التأثير على الميل لممارسة النشاط البدني. وأضاف أن هذا الأمر يشكل خطورة لتحديد الأسباب الأخرى للإصابة بالبدانة، ومن المفيد جدا معرفة ما إذا كان الشخص يفتقد وراثيا الدوافع لممارسة الرياضة، ما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالبدانة.
على صعيد متصل أظهرت دراسة أميركية حديثة، أن تناول الوجبات السريعة، يعزز الشعور بالكسل لدى الإنسان. وأنجز الباحثون الدراسة على فئران مخبرية، وتم فيها توزيع الحيوانات إلى مجموعتين، يقتصر النظام الغذائي لإحداهما على الوجبات السريعة. ولاحظ الباحثون تراجعا كبيرا في الحركة، وكسلا واضحا، لدى الفئران التي اكتسبت وزناً إضافياً نتيجة النظام الغذائي غير الصحي. وخلص الباحثون إلى أن الوجبات السريعة من أبرز محفزات السمنة، ووراء تراجع القدرات الإدراكية. وأكد الخبراء أن نمط العيش العصري، الذي لا تتخلله حركة كبيرة، يسهم في زيادة معدلات السمنة والإصابة بالسكري.
اضف تعليق