في صفوف المتطوعين الأكبر سناً، انخفضت احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتحسنت القدرات الإدراكية وعاش هؤلاء لفترة أطول، وهذا ما عزاه مؤلفو الدراسة إلى زيادة نشاط المتطوعين ولكن أيضاً زيادة شعورهم بالسعادة وبالانخراط مع الآخرين، مما أدى إلى ظهور علامات تحسن في الوظائف الفيزيولوجية. قد يكون ذلك...
بقلم: ماريا لالي

كان محور آراء الدكتور مايكل موزلي في موضوع الصحة برمتها تقريباً على مبدأ اتباع عادات صغيرة سهلة التطبيق يستطيع المرء اعتمادها في حياته اليومية، ولها القدرة على إحداث تغييرات كبيرة في صحته.

فبدل وضع معايير عالية جداً وفرض تحديات صارمة على النفس، آمن الرجل أنه من خلال القيام "بشيء واحد" يومياً، تزداد فرص المرء في النجاح وفي إحداث تأثير أكبر على صحته مدى العمر. 

وفي سبيل تكريم المذيع المحبوب الذي توفي بشكل مأسوي في وقت سابق من هذا الصيف، خصصت "بي بي سي" يوماً لذكراه، ودعت مستمعيها ومقدمي البرامج فيها إلى أن يشاركوا مع الجميع كيف ألهمهم كي يفعلوا "شيئاً واحداً فقط"، وهو الاسم الذي أطلقه أيضاً على مسلسله الإذاعي الناجح جداً على القناة الرابعة.

وذهب مهيت باكايا من إذاعة "بي بي سي" الرابعة إلى أن "مايكل غيَّر حياة الناس. وقد ألهمت مدونته الصوتية على الإذاعة الرابعة كثيرين، لذلك اعتقدنا أنه من المناسب تخصيص يوم للتحدث عن الأثر الذي خلفه في حياة الناس".

وفي ما يلي نسأل ستة خبراء صحة عن أكثر نصيحة أثرت فيهم…

"سخروا قوة الجوع"

تيم سبيكتور أستاذ علم الأوبئة الجينية في جامعة كينجز كوليدج لندن ومؤسس برنامج التغذية الشخصي زوي:

"كان صديقي مايكل موزلي أول شخص يكشف ويروج فعلاً لفوائد الصيام. وبفضل كتابه، النظام الغذائي 5:2، الذي تحول بعد ذلك إلى عمله في مجال الصوم المتقطع وتقليص المدة التي نتناول الطعام أثناءها، جعل الصوم يبدو بسيطاً وفي متناول الجميع فعلياً".

"وشكل ذلك نقطة تحول حقيقية بالنسبة إلي. فمن خلال أسلوبه البسيط المدعوم بالعلم، ساعدنا لكي ندرك بأنه لا بأس في الشعور ببعض الجوع من وقت لآخر، وأن ذلك الشعور لابد سينقضي. قبل ذلك، كنا نخاف من الجوع، ويعود السبب إجمالاً إلى ثقافة تناول الوجبات الخفيفة التي عززها قطاع الصناعات الغذائية عبر تعليمنا بأننا في حاجة لوجبة خفيفة كي نتحمل رحلة ساعة بالقطار أو السيارة. في دول مثل إسبانيا وإيطاليا، لا يفعلون ذلك، بل ينتظرون وجباتهم الرئيسة ببساطة لكي يتناولوا الطعام". 

"قفوا على رجل واحدة"

وقال راسل فوستر أستاذ علم أعصاب النظم اليوماوي في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب "زمن الحياة: العلم الجديد للساعة البيولوجية وكيف يمكنها إحداث ثورة في النوم والصحة":

"كان الاستماع إلى حديثه، وهو ما فعلته مرات كثيرة عندما عملنا معاً على مدار السنين، أشبه بتجاذب أطراف حديث لطيف وممتع مع صديق يعلمك خلاله شيئاً مذهلاً إنما بسيط".

"وقد قال إن الوقوف على رجل واحدة لمدة 30 ثانية يومياً كفيل بتحسين صحتنا وحتى مساعدتنا على إطالة عمرنا، نظراً لكون الإصابات الناجمة عن الوقوع سبباً شائعاً للوفيات العرضية".

وشرح موزلي أن القدرة على التوازن على رجل واحدة مؤشر أساس لاحتمال عيش الإنسان لفترة أطول وفقاً لدراسة نشرتها المجلة الطبية البريطانية. وشرح أن ذلك يعود إلى أن فعل التوازن يمثل تحدياً إدراكياً للدماغ ويختبره بعدة طرق ويقوي عضلات الرجلين ويحسن التوازن مما يمنع سقوطنا عندما نكبر بالسن. كان موزلي نفسه يقف على كل رجل لمدة 30 ثانية بالتتابع مرتين يومياً أثناء تنظيف أسنانه.

ويقول فوستر "أقف على رجل واحدة الآن بانتظار أن يغلي الماء في الغلاية. وقد علمني كذلك أن أتناول نشويات أقل لذلك غالباً ما أستبدل البطاطا المسلوقة بسلطة غنية بالخضراوات. كان مفهومه، شيء واحد فقط، بسيطاً لأبعد الحدود إنما فعال للغاية".

"تطوعوا وساعدوا الآخرين"

الطبيبة النفسية الدكتورة ليندا بابادوبولوس:

"أحببت نصيحة مايكل حول مساعدة الآخرين، وهو أعلن أن فيها مساعدة للذات كذلك. تظهر الدراسات أن التطوع قادر على تحسين الصحة النفسية وخفض مستوى الكوليسترول والمساهمة في إطالة عمر المرء وإسعاده أكثر. وبصفتي طبيبة نفسية، أعلم مرضاي بأن ذلك كفيل بمساعدتكم على التحرر من مشكلاتهم الخاصة، ولو لفترة قصيرة".

"صحيح أن تخصيص الوقت للتركيز على الآخرين أمر رائع بالنسبة إليهم لكن من شأنه كذلك أن يسهم في إعطائنا شعوراً بالانتماء ويساعدنا على التواصل مع مجتمعاتنا وتكوين صداقات مما يخفف إحساسنا بالوحدة والعزلة".

وجدت دراسة نشرتها مجلة "ديدالوس" أنه في صفوف المتطوعين الأكبر سناً، انخفضت احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتحسنت القدرات الإدراكية وعاش هؤلاء لفترة أطول، وهذا ما عزاه مؤلفو الدراسة إلى زيادة نشاط المتطوعين ولكن أيضاً زيادة شعورهم بالسعادة وبالانخراط مع الآخرين، مما أدى إلى ظهور علامات "تحسن في الوظائف الفيزيولوجية".

وتضيف بابادوبولوس موضحة "قد يكون ذلك بسيطاً، مثل الاطمئنان على جيرانك المسنين أو الانضمام إلى رابطة أولياء الأمور والمدرسين في مدرستك أو مساعدة تلك الأم التي لديها مشاغل كثيرة في جلب أطفالها من المدرسة وإيصالهم إليها. جميعنا نعرف شخصاً في حاجة لمساعدة".

"والنصيحة الثانية التي اتبعها يومياً هي السير في الصباح الباكر، وهي ممارسة تحمل فوائد صحية متعددة. أظهرت الدراسات أن التعرض للضوء الطبيعي يساعد على تحسين مدة النوم ونوعيته عبر إعادة ضبط ساعة النظم اليوماوي [إيقاع الساعة البيولوجية]، فيما يساعدني المشي في ممارسة بعض الرياضة ويدفعني للخروج في الطبيعة أيضاً". 

"اقتنوا بعض النباتات المنزلية"

مليسا همزلي مؤلفة كتب الطهي التي صدر أحدث كتبها "صحي وحقيقي: (ابتعد عن الأطعمة المصنعة عبر وصفات يومية سهلة)" في 11 يوليو:

"أعجبت للغاية بنصيحة مايكل في شأن وضع النباتات في كل غرفة وليس لأسباب جمالية فحسب. بل لأسباب تبدأ بالخصائص العلاجية للون الأخضر، وتنتهي بتحسين نوعية الهواء، لا سيما لسكان المدن أمثالي حين يصبح التلوث أسوأ في الداخل من الخارج أحياناً".

فالنباتات المنزلية تمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأوكسجين، وهذا كفيل بتحسين نوعية الهواء. كما تحدث عن نتائج بعض الأبحاث التي وجدت أنها قادرة على تعزيز المزاج ومستويات الطاقة والإنتاجية والقدرات المعرفية والإدراكية في العمل. كما توصلت إحدى الدراسات إلى أنه حين يتسنى للموظفين أن يروا نبتة من مكاتبهم، يقدمون أداء أفضل بنسبة 19 في المئة في الوظائف التي تقتضي التركيز [الانصراف].

وتقول همزلي "أحب النباتات الخضراء الصالحة للأكل خصوصاً. وأبقي أصصاً صغيرة للأعشاب، فيها إكليل الجبل وريحان ونعنع في مطبخي، أستخدمها في الطهي وصناعة مشروبات الكوكتيل وصناعة شاي الأعشاب وأود أن أفكر بأن ذلك سيروقه أيضاً". 

"تقبلوا المياه الباردة"

مات روبرتس، مدرب شخصي للمشاهير:

"غالباً، تحدث مايكل عن المنافع الصحية للغوص في مياه باردة. وإذا كنتم لا تقطنون إلى جانب البحر أو نهر مناسب، لا شك أنه يمكنكم أخذ حمام بارد لطيف في المنزل، كما قال في إحدى المرات".

"وقد ثبت أن السباحة والغوص في المياه الباردة ممارسة مفيدة للغاية من الناحية الصحية، فهي تخفض مستويات الضغط النفسي مثلاً وتحسن المزاج وصحة الأوعية الدموية وتعزز نظام المناعة وتحمي الدماغ".

وجدت دراسة أصدرتها جامعة كامبريدج أن أحد البروتينات الموجودة في دم من يسبحون في المياه الباردة (ويسمى آر بي أم 3) قادر على إبطاء الإصابة بالخرف.

ويضيف روبرتس "من الفوائد الأخرى [للمياه الباردة] ارتفاع معدل الأيض بسبب رد فعل الجسم على البرد وحاجته للتحرك أكثر من أجل الحفاظ على الدفء في المياه الباردة. ولذلك أثر ضخم على اختلاف النبض، أي المدة الزمنية بين دقات القلب وعلى عمل العصب الحائر أو المبهم، وقد يكون ذلك مفتاح العيش لفترة أطول وبصورة أفضل".

"ويعد العصب الحائر المسار العصبي الأساس الذي يتحكم بمعظم وظائف الجسم. باختصار، تعريض النفس للمياه الباردة حيثما أمكن نصيحة صغيرة إنما قوية وكفيلة بترك تأثير قوي قد يغير حياتكم".

قسموا التمارين الرياضية إلى أجزاء صغيرة

الدكتورة فيديريكا أماتي عالمة غذاء ومؤلفة كتاب ما يجب أن يعرفه الجميع:

"جعل مايكل مفهوم تجزئة ممارسة الرياضة أمراً شائعاً، وهو مفهوم يقول إن تقسيم ممارسة التمارين اليومية إلى أجزاء صغيرة قد يكون أفضل للمرء حتى من جلسة طويلة في النادي الرياضي يجلس بعدها طوال اليوم (وأمتع أيضاً). أحب هذه النصيحة لأنها قابلة للتحقيق وأسهل للتطبيق في حياتنا المليئة بالمشاغل ويبدو أنها تشكل هدفاً واقعياً لمعظم الناس".

وقد يكون ذلك أفضل من الناحية الصحية كذلك. إذ وجدت دراسة من جامعة ألستر أن ممارسة تمارين قصيرة مرات متعددة لا تقل فائدة عن ممارسة الرياضة لجلسة طويلة وقد تحرق مزيداً من الدهون. وقالت ماري مورفي أستاذة التمارين الرياضية والصحة في جامعة ألستر لموزلي على مدونته الصوتية أن تجزئة ممارسة التمارين الرياضية تزيد عدد المرات التي نحفز فيها الأيض، بالتالي "يتحرك عمل الأيض بصورة أسرع قليلاً". وقد يفسر ذلك بحسب تعبيرها ما كشفته الدراسات عن الأثر الأكبر لممارسة التمارين الرياضية المجزأة على مستويات الدهون والكوليسترول في الجسم. 

"أنا أعطي أولوية لممارسة الرياضة كلما استطعت، سواء عبر صعود الدرج بدل استخدام المصعد أو إيصال الأطفال إلى المدرسة سيراً على الأقدام أو الرقص في المطبخ مع الأطفال أو القيام بتمارين القرفصاء ريثما يغلي المياه في الغلاية".

"من المهم التحرك كل يوم خلال النهار، لكي يظل المرء نشطاً وذلك يجسد جمال نصائح مايكل، فهي نصائح عملية يمكنها أن تخلف أثراً هائلاً على صحتنا لأعوام مقبلة، حتى لو كانت تتطلب تغييراً واحداً بسيطاً فقط".

© The Independent

اضف تعليق