مع حلول موسم الشتاء، تصبح الأيام أقصر وتشتد موجات البرد إيذانا بدخول فصل الشتاء. قد يسعد هذا الفصل الكثير من الأشخاص، لكن البعض الآخر قد يمثل له كابوسا. إذ يعتبر هذا الموسم عندهم مرادفًا للكآبة والمزاج السيئ، ويتعرض 10 إلى 20 بالمئة من سكان العالم لاكتئاب موسمي...
قد يشعر البعض بالضيق وانقباض النفس في فصل الشتاء، وهو ما يسميه خبراء النفس بـالاكتئاب الموسمي، وهذه المرحلة تعد البوادر الأولى لمشكلة الاكتئاب الشتوي. فما سبب الإصابة بهذا بالمرض وما هي أفضل وسيلة للتخلص منه؟
يتميز فصل الشتاء بطول الليل وقلة ساعات النهار، ما يجعل الحصول على الكم الكافي من الضوء في الشتاء صعبا، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعملون لساعات طويلة في المكاتب، فضلا عن أن ظهور الشمس يكون لفترات وجيزة في الشتاء، ما يدفع البعض للشعور بالانقباض والضيق.
فمع حلول موسم الشتاء، تصبح الأيام أقصر وتشتد موجات البرد إيذانا بدخول فصل الشتاء. قد يسعد هذا الفصل الكثير من الأشخاص، لكن البعض الآخر قد يمثل له كابوسا. إذ يعتبر هذا الموسم عندهم مرادفًا للكآبة والمزاج السيئ.
ويتعرض 10 إلى 20 بالمئة من سكان العالم لاكتئاب موسمي، بحسب الأطباء، وهذا اكتئاب يظهر خلال فصلي الخريف والشتاء ويحدث عند الأشخاص الحساسين لنقص الإضاءة. يتم تشخيصه عندما نلاحظ نوبات اكتئاب خلال فصلين -خريف أو شتاء- متتاليين على الأقل، وتتشابه أعراضه مع أعراض الاكتئاب الكلاسيكي. من بينها، الحزن من دون سبب واضح، مشاكل في التركيز والذاكرة، فقدان الثقة في النفس، القلق المستمر وأحيانا تصل بالبعض إلى الرغبة في الانتحار".
من ناحية أخرى، بينما يؤدي الاكتئاب الكلاسيكي إلى فقدان الشهية، يميل المصابون بالاكتئاب الموسمي إلى الإفراط في تناول الطعام خصوصا الأطباق الغنية بالسكريات. لذلك يقول: "غالبا ما يلاحظ زيادة في وزن المرضى بالإضافة إلى حاجتهم القوية للنوم".
ولا تزال أسباب الكآبة الموسمية في الشتاء محل دراسات علمية، لكن ما توصل إليه الباحثون، يفيد بأن السبب الرئيسي يرجع إلى قلة الضوء، حيث يؤثر ذلك على الساعة البيولوجية الداخلية التي تنظم العديد من وظائف الجسم من خلال دورات مثل اليقظة والنوم، وإنتاج بعض الهرمونات (السيروتونين والميلاتونين).
كيف نفهم اكتئاب الشتاء ونتعامل معه؟
مع دخول فصل الشتاء والطقس البارد، يبدأ كثير من الأشخاص بالشكوى من تغيُّر مزاجاتهم وحالاتهم النفسية تغيراً سلبيّاً ملحوظاً. لماذا يشعر الناس بالاكتئاب خلال فصل الشتاء؟
يعبّر الكثير من الناس عن اكتئابهم وتغير مزاجهم على حساباتهم في السوشيال ميديا وفي أحاديثهم مع أصدقائهم. جميعنا نمرّ بمثل هذا النوع من التغيُّر بشكلٍ أو بآخر. فقد نصبح أقلّ رغبةً بالقيام بأيّ شيء وأكثر كسلاً ونرغب بالبقاء في البيت تحت البطّانية دون فعل شيء سوى تناول الأطعمة اللذيذة والحلويات.
ولربّما سألت نفسك مراراً لماذا يجلب المطر واللون الرمادي للسماء معهما كلّ هذه المشاعر والخمول وقلة النشاط، ولماذا تستسلم لها بسهولة دون أدنى إرادةٍ منك. لكن لا داعي للقلق، فمثل هذه الحالة النفسية تُعَدّ أحياناً أمراً طبيعيّاً يأتي مع انخفاض درجاتِ الحرارة وحلول الشتاء. لكنها قد تصبح أحياناً أمراً جدّياً يستدعي التدخل والعلاج. لذلك من المهم لنا أنْ نفهم طبيعتها وأسبابها حتى نستطيع التعامل معها بسلاسة وسهولة.
يُعرَف هذا النوع من الاكتئاب باسم الاضطراب العاطفي الموسمي "Seasonal affective disorder"، أو باكتئاب فصل الشتاء أو الشجن الشتوي أو الاكتئاب الموسمي، ويحدث سنويّاً بشكلٍ دوريّ في الوقت نفسه من العام بدءاً من أواخر الخريف إلى أوائل الربيع، ويبلغ ذروته في فصل الشتاء.
وكما يلاحظ أكثرنا، فتتمحور أعراض اكتئاب الشتاء حول عددٍ من أعراض الكآبة والحزن والإحباط واليأس، أو الرغبة في البقاء في البيت والنوم لساعاتٍ أكثر، عوضاً عن الرغبة غير المنتهية في الأكل، لا سيما الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، إضافةً إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة العملية والاجتماعية ومشكلات النوم وصعوبة في التركيز واتخاذ القرارات. ووفقاً للدليل للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات والأمراض العقلية "DSM" فتتنوّع الأعراض المرتبطة بالاكتئاب الموسمي بدءاً من الإحباط والحزن الخفيف حتى الاكتئاب المرَضي الذي قد يحمل معه أحياناً أفكاراً انتحارية وفقدان الرغبة بالحياة.
كيف نفهم أسبابه؟
تعود فكرة أنّ صحتنا الجسدية والعقلية تختلف باختلاف فصول السنة وأشعة الشمس إلى زمنٍ قديمٍ جدّاً، إذ ذكرت إحدى الأطروحات أنّ جميع الكائنات نحو عام 300 قبل الميلاد كانت تميل إلى التكاسل وفقدان الطاقة في أوقات الشتاء، وهو وقت حفظ الأغذية وتخزين الأطعمة.
ترتبط هذه الفكرة مع تفسير علم النفس التطوّري الذي يقترح بأنّ الإنسان البدائي كان يميل إلى مثل هذا النوع من الاكتئاب في الشتاء كأسلوب لحفظ طاقة الجسم في أوقات البرد القارسة التي كانت ترتبط بالمجاعات ونقص الغذاء والنباتات ومصادر الصيد وغيرها. لذلك فمشاعر الحزن المرتبطة بذلك الموسم هي الطريقة المثلى لتجنُّب الموت والمجاعات، وذلك بالتركيز على الأطعمة ذات الطاقة العالية دون غيرها من جهة، وتكييف الجسم على الطاقة المنخفضة والأنشطة القليلة من جهةٍ أخرى، بهدف أنْ تكفل آليات الدفاع هذه بقاءه على قيد الحياة خلال مواسم الشتاء القاحلة، كما أنها تزيد إمكانية خصوبته في الربيع، ما يعني قدرةً أكبر على تمرير الجينات إلى الأجيال اللاحقة.
يوجد عديد من التفسيرات الأخرى، ولكنْ يرتبط معظمها بالساعة البيولوجية للجسم التي تؤثّر على سلوكياتنا ومشاعرنا المختلفة مثل الجوع والنوم والنشاط، وتعتمد أساساً على مستويات الضوء التي يتعرّض لها الجسم والضرورية لإنتاج هرمون الميلاتونين اللازم للعمليات الحيوية والذي يرتبط بدوره بمستويات هرمون السيروتونين، واحد من الهرمونات الأساسية المسؤولة عن حالة الشخص المزاجية والنفسية.
عديد من الأبحاث المخبرية أُجرِيَت على القوارض وتوصّلت إلى وجود علاقة مباشرة بهرمون السيروتونين وتعرُّض الجسم لكميات مباشرة من أشعة الشمس الطبيعية التي تأتي في مجموعة متنوعة من الأطوال الموجية الضوئية، وبشكلٍ خاصّ الطيف الأزرق الذي يلعب دوراً في إفراز هذا الهرمون من الخلايا العصبية في جذع الدماغ من جهة، ويتحكّم في إيقاعات الساعة البيولوجية لدينا من جهة أخرى. وتبعاً لأثر الشمس على الجسم والنفسية، فتزيد إمكانية الإصابة باكتئاب الشتاء في الدول البعيدة عن خطّ الاستواء أكثر من تلك التي تقع بالقرب منه وتتمتّع بساعات نهار طويلة مُنتظمة وأشعة شمس وفيرة طوال أيام السنة.
كما يمكننا القول إنّ النساء أكثر عرضةً لاكتئاب الشتاء من الرجال، نظراً إلى حقيقة أنّ الهرمون الأنثوي الرئيسي عند النساء "الاستراديول" يرتبط بناقل السيروتونين في الجسم، ومِن ثَمَّ، فتغيُّر نسبة هرمون الاستراديول خلال مراحل وأوقات معيَّنة مثل وقت الدورة الشهرية أو الإباضة أو في مرحلة ما بعد الولادة، يمكن أن تؤثر على كميات هرمون السيروتونين الذي يُنتِجه جسم المرأة، ومن ثمّ على حالتها المزاجية والنفسية.
كيف تتعامل معه؟
قد يكون اكتئاب الشتاء مشكلة حقيقية تتطلّب علاجاً جادّاً في حالات كثيرة وليس مجرّد مشاعر عابرة. ويُعَدّ التعرّض للضوء العلاجَ الرئيسيّ له، لكون غياب الضوء هو المشكلة الأساسية. مِن ثَمَّ فإنّ تعريض الجسم لكميات محددة من الضوء الساطع يمكن أنْ يُحدِث تغييراً في الموادّ الكيمائية بالدماغ، المرتبطة بالحالة المزاجية، لهذا السبب يركّز عديد من الدول التي تفتقر إلى طول ساعات النهار شِدَّةَ الضوء في الأماكن العامَّة، كوسيلة للحدّ من أعراض الاكتئاب الموسميّ المنتشرة بكثرة.
من جهةٍ أخرى حاول علم النفس في الآونة الأخيرة العثور على بدائل للعلاج بالضوء من خلال دراسة المدن والمناطق البعيدة عن خطّ الاستواء التي تفتقر بشكلٍ جدّي وحقيقي لأشعة الشمس معظم أيام الشتاء، مثل بعض المناطق في الدول الإسكندنافية.
يمكن أنْ نأخذ هنا مدينة ترومسو في النرويج كمثال، فقد أظهر عديد من الدراسات أنّ سكان المدينة لا يعانون الاكتئاب الموسمي والاضطراب العقلي في فصل الشتاء كما قد يتوقع الكثيرون، ويرجع ذلك إلى العقلية والثقافة التي يتعامل بها الناس وينظرون من خلال مرآتها إلى الشتاء وما يصاحبه من ظلامٍ وبردٍ قارس.
في الواقع، بالنسبة إلى عديد من السكان المحليين للمدينة، فإنّ سؤال "لماذا لا يشعر الناس في ترومسو بالاكتئاب خلال فصل الشتاء؟" ليس له معنى، نظراً إلى الثقافة التي تتعامل بعقلية إيجابية مع هذا الفصل ومِن ثَمَّ تقلّل خطر الإصابة بالاكتئاب أو أيٍّ من المشاعر والسلوكيات السلبية الأخرى.
يعني ذلك أنه من خلال تغيير فكرتك عن الشتاء يمكنك الحدّ من أعراض الاكتئاب التي تتزامن معه، مثل التركيز على الفاعليات الاجتماعية الدافئة والأطعمة الصحية الغنية بالطاقة لا تلك الضارة التي قد تؤدِّي إلى زيادة الوزن، ومِن ثَمَّ تزيد حدَّة المزاج السلبي والاكتئاب على مدىً أبعد.
إضافةً إلى ذلك، ينصح الأطباء والخبراء النفسيُّون بالتركيز على نمطٍ حياتيّ صحّي خلال الشتاء يتضمّن الاستيقاظ المبكّر للحصول على قدرٍ أكبر من الضوء قبل بدئك ليومك وعملك، واعتماد نظامٍ غذائيّ متوازن لا يحتوي على كثيرٍ من النشويات والسكريات، وممارسة الرياضة بانتظام لزيادة مستويات هرمون السيروتونين في الجسم.
ما هي كلمة السر؟
ربما يدفع صوت قطرات المطر المتساقطة على النوافذ الزجاجية في غرفة مظلمة البعض للشعور بالراحة والاسترخاء والرغبة في التأمل، لكنه شعور قد يتحول في لحظةٍ إلى مشاعر مغايرة مخنوقة بالصمت والكآبة والرغبة في الهروب بعيدًا عن أي شكل من أشكال الحياة الاجتماعية؛ بسبب غياب شمس الشتاء، التي تأتي على استحياء في كثير من بلدان العالم، تمامًا مثلما تختفي أضواء السيارات تحت المطر.
في هذا الإطار، تشير دراسة أجراها باحثون بجامعة كوبنهاجن الدنماركية إلى أن الإصابة بـ"الاضطرابات العاطفية الموسمية" في فصل الشتاء، ترتبط بعدم التعرض لـ"ضوء النهار" لفترات طويلة باعتباره من المضادات الطبيعية للاكتئاب التي تمنع "نقص معدلات هرمون السيروتونين في المخ عن مستواها الطبيعي".
وتوصلت الدراسة إلى أن ضوء النهار يُعَد مضادًّا طبيعيًّا للاكتئاب؛ إذ يؤدي الدور نفسه الذي تقوم به "مثبطات استرداد السيروتونين الاختيارية" (SSRI)، والتي تُستخدم عادةً كمضادات –وكعلاج- للاكتئاب واضطرابات القلق وبعض اضطرابات الشخصية وبعض حالات الأرق.
ويتكون "السيروتونين"، واسمه الكيميائي 5-هيدروكسي التريپتامين أو اختصارًا 5-HT، من حمض أميني يُعرف بـ"تريبتوفان"، وهو حمض مسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية والشهية والنوم، إلى جانب بعض الوظائف الإدراكية مثل الذاكرة والتعليم.
ويؤدي "السيروتونين" دورًا لا يمكن تجاهله في الشعور بالطمأنينة النفسية، ما دفع العلماء إلى اختراع جيل جديد من الأدوية التي تعمل على رفع مستواه في الدماغ؛ إذ يتسبب حدوث أي خلل في مستواه في الشعور بالتعب والدخول في مشكلات مع الآخرين والشعور بثقل في الذراعين أو الساقين والنوم لفترات طويلة واضطراب الشهية وزيادة الوزن.
لجأ الباحثون إلى "اكتئاب الشتاء الموسمي" بوصفه نموذجًا لمعرفة مدى التأثُّر بالاكتئاب الموسمي، مشيرين إلى أن "بعض الناس المهيئين جينيًّا للإصابة بالاكتئاب لديهم مرونة أكثر فيما يتعلق بالقدرة على مقاومته، ما من شأنه أن يساعد على فهم العوامل التي قد تمنع الإصابة به".
ضمت عينة البحث 23 متطوعًا (13 فتاة و10 ذكور) تتراوح أعمارهم بين 20 و32 عامًا؛ ولديهم عوامل وراثية تنتقل عبر "جين HTTLPR"، الذي يشير وجوده إلى تزايُد احتمالات الإصابة بالاكتئاب، وجميعهم من غير المدخنين ويمتلكون مرونة بيولوجية ودورة حياة يومية مستقرة منتظمة، ولم يسبق لأيٍّ منهم تلقِّي أي علاج للاضطراب العاطفي الموسمي، ولا يتضمن تاريخهم الطبي تعرُّضهم لاضطرابات عصبية/ نفسية سواء كانت سابقة أو موجودة وقت إجراء الدراسة.
خضع المتطوعون لنوعين من "مسح الدماغ"، هما: "التصوير المقطعي"، و"التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني"؛ إذ تم إجراء كل فحصٍ منهما مرتين في الشتاء بهدف قياس مستويات "السيروتونين" في الدماغ.
القدرة على التنظيم، توصل الباحثون إلى أن بعض الأشخاص الذين يُتوقع إصابتهم بـ"الاضطراب الموسمي العاطفي" بسبب امتلاكهم الجينات المسببة له، تحكموا في كمية نقل "السيروتونين"، ما يعني قدرتهم على تنظيم كميته التي تفرزها أدمغتهم، وبالتالي يجعل التحكم في الاكتئاب أكثر مرونة.
ووجدت الدراسة أن النساء اللاتي لديهن مرونة تساعدهن على التحكم في هذا الاضطراب يعملن على تنظيم "السيروتونين" في الدماغ، بحيث يتم ضخه بشكل أكثر في فصل الشتاء بمعدلات أكبر من الرجال، وهذا يعني أن مستويات السيروتونين بقيت دون تغيُّر خلال الانتقال بين الفصول، وذلك على الرغم من أن الاضطراب العاطفي الموسمي عادةً ما يؤثر على النساء (بصورة عامة) أكثر، مقارنة بالرجال، وبشكل عام، حافظ الأشخاص الذين يتمتعون بمرونة نفسية وبيولوجية على مستوى "السيروتونين" نفسه عبر الفصول، مما كوَّن لديهم مقاومةً لأعراض المرض.
ضوء النهار، تقول "بريندا ماكماهون" -أستاذة علوم الصحة والعلوم الطبية بجامعة كوبنهاجن، والباحثة الرئيسية في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": "إن الاكتئاب الموسمي ناتج عن عدم كفاية التعرُّض لضوء النهار، ما يؤدي إلى زيادة الاكتئاب السريري في الشتاء، وهذه الحالة أكثر انتشارًا في البلدان البعيدة عن خط الاستواء؛ إذ إن نحو 90٪ ممن يعيشون في كوبنهاجن يتأثرون بطريقةٍ ما باضطرابات في النوم أو اضطرابات الأكل والشهية".
وأفادت: "في حين تظهر أعراض "الاكتئاب السريري" في فصل الشتاء لدى 5% من سكان كوبنهاجن، وهو ما قد يعاني منه سكان مناطق أخرى تقع على خط العرض نفسه، مثل مدن جلاسكو وأدنبرة الإسكتلنديتين، وموسكو ونوفوسيبيرسك الروسيتين، وسيتكا الأمريكية"، موضحةً أن "الأعراض السريرية تختفي بشكل عام مع بداية فصل الربيع".
تضيف "ماكماهون" أن "الفريق البحثي قام بمسح الدماغ لتحديد كيفية تفاعُل الدماغ مع فصل الشتاء والاضطرابات العاطفية التي تنتاب البعض مع قدومه. وأردنا من خلال البحث معرفة السبب الذي يجعل بعض الناس متوائمين عاطفيًّا مع قدوم الشتاء بالرغم من أنهم مؤهلون لذلك جينيًّا، أما البعض الآخر فليس كذلك".
وتستطرد: توصلنا إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة تجاه اكتئاب الشتاء يمكن أن ينظموا أدمغتهم استجابةً لبيئة الشتاء، كما توصلنا إلى أن مستوى السيروتونين ينخفض بنحو 10٪ في فصل الشتاء مقارنة بالصيف، فضلًا عن انخفاضه بشكل ملحوظ لدى النساء.
وتوضح أن "هذه هي أول دراسة تتم عن طريق الدمج بين المسح الدماغي وعقد مقارنة بين الحالات التي ينتابها الاضطراب في مقابل الأشخاص المؤهلين جينيًّا ولكنهم يمتلكون مرونةً عصبيةً ونفسيةً تساعدهم في التغلب على الاضطراب".
وتشدد على أن الدراسات السابقة كانت تركز على عوامل الخطر والنتائج المرضية، لذا فإن هذه واحدة من الدراسات النادرة التي تركز على عوامل الحماية، وهو ما يسمى بـ"الطب النفسي الإيجابي"، ما قد يُترجم مستقبلًا في ابتكار وسائل أفضل لمنع الاكتئاب.
نتائج قاطعة، من جهتها، تقول "نانسي لبيب" -استشارية الطب النفسي- لـ"للعلم": "إن الدراسة كانت واضحة وقاطعة بأن هناك علاقة بين النواقل العصبية الكيميائية التي تستخدمها خلايا الدماغ للتواصل فيما بينها وبين الاضطرابات العاطفية الموسمية، وبالتالي ربطت بين تلك الاضطرابات والنواقل العصبية والإصابة بمرض الاكتئاب، والتحفظ الوحيد على الدراسة هو حجم العينة وطبيعتها بحيث لا يمكن تعميمها"، وأوضحت أن "الدراسة شددت على أن الاضطرابات العاطفية الموسمية مرض حقيقي، ويؤثر تأثيرًا ملموسًا على نمط حياة مَن يعانون منه، ولا بد من توعية المصابين بخطورته وحثهم على ممارسة الرياضة وشغل أوقات فراغهم والانخراط اجتماعيًّا، وبخاصة في وقت النهار، وتناوُل فيتامين "د"، وإذا استمرت الحالة لأكثر من 3 أسابيع فلا بد من اللجوء إلى الطبيب النفسي لتلقِّي العلاج المناسب".
بدورها، تقول "هويدا شكري" –استشارية علاج الأمراض النفسية والعصبية- في تصريحات لـ"للعلم": "إن الدراسة تضيء منطقةً جديدةً في الطب النفسي فيما يتعلق بقدرة المخ الطبيعي على مقاومة الاضطرابات العاطفية الموسمية والآليات التي يقوم من خلالها بذلك، وهو ما سيفتح الباب أمام استخدامات جديدة للأدوية وإستراتيجيات العلاج مع مَن يعانون من هذا الاضطراب"، وتضيف "شكري" أن "أهم ما يميز هذه الدراسة هو أنها دراسة طولية تجريبية؛ إذ تعتمد على المنهج التجريبي من أجل دراسة تأثير عوامل ومتغيرات معينة وبشكل متكرر خلال مدة زمنية طويلة نسبيًّا؛ فعلى النقيض من الدراسة المستعرضة، تعتمد الدراسة الطولية التجريبية على إجراء تجارب متكررة للموضوع نفسه، ومقارنة النتائج بعضها ببعض".
كيف تفرق بين اكتئاب الشتاء والاكتئاب الحقيقي؟
تتسبب الأحوال الجوية السيئة خلال فصل الشتاء في اعتلال المزاج والشعور بالكآبة فيما يعرف باكتئاب الشتاء، غير أن استمرار هذه المشاعر قد يشير إلى الإصابة باكتئاب حقيقي يستلزم الخضوع للعلاج النفسي.
وقالت الطبيبة النفسية الألمانية إيريس هاوت إن بعض الأشخاص يعانون من حالة نفسية ومزاجية سيئة خلال فصل الشتاء بسبب الظلام والغيوم والبرد القارس وهطول الأمطار، وأوضحت أن هذه الحالة تعرف طبيا باسم "الاضطراب العاطفي الموسمي"، وتعرف في اللغة الدارجة باسم "اكتئاب الشتاء".
ويحدث هذا الاضطراب بسبب قلة التعرض لضوء النهار، بما يؤدي إلى اختلال توازن الهرمونات، حيث تتسبب قلة التعرض لضوء النهار في زيادة إفراز هرمون "الميلاتونين" الذي يؤدي إلى الشعور بالتعب والخمول.
ومن الأعراض الأخرى للاضطراب العاطفي الموسمي، اعتلال المزاج وسرعة الاستثارة ونوبات الجوع الشديدة، ولمواجهة اكتئاب الشتاء، تنصح هاوت بالتنزه في ضوء النهار لمدة نصف ساعة يوميا، لأن ذلك يساعد الجسم على إفراز هرمون السعادة "”السيروتونين" الذي يعمل على تنشيط الجسم وتحسين المزاج.
من جانبه، قال الطبيب النفسي الألماني البروفيسور أولريش هيغيرل إنه إذا لم يفلح التنزه خلال ضوء النهار في مواجهة اكتئاب الشتاء، فينبغي حينئذ استشارة الطبيب، نظرا لأن هذه الأعراض قد تشير إلى أمراض عضوية مثل قصور الغدة الدرقية أو نقص فيتامين "بي12".
وأضاف هيغيرل أن هذه الأعراض قد تنذر أيضا بالإصابة باكتئاب حقيقي، خاصة إذا كانت مصحوبة بالحزن الشديد واليأس والشعور، بالذنب وإهمال الذات والدراسة أو العمل، وإهمال الهوايات والعلاقات الاجتماعية، وفي هذه الحالة، يتطلب الأمر الخضوع للعلاج النفسي، مع إمكانية تعاطي مضادات الاكتئاب، نظرا لأن عدم علاج الاكتئاب الحقيقي قد يدفع المريض إلى التفكير في الانتحار.
تجنب الاكتئاب الشتوي بـ 4 خطوات فقط!
حلّ فصل الخريف بألوانه الزاهية، ليليه الشتاء المميز بلونه الأبيض الناصع والبرد القارس المسبب للحزن والخمول عند أولئك الذين يعانون من "الإحباط الشتوي".
ويتجاهل البعض الآثار الجانبية السلبية التي يمكن أن يجلبها موسم الخريف والشتاء، ففي حال كنت عرضة للاضطراب العاطفي الموسمي، وهو شكل شائع من الاكتئاب الذي يحدث في الوقت نفسه كل عام، يجب عليك طلب المشورة الطبية المهنية.
ولكن يمكن للأشخاص اتباع بعض الخطوات الضرورية في هذه الحالات، وهي:
- العلاج بالضوء
يعد هذا العلاج بسيطا بالنسبة للذين يعانون من اكتئاب الشتاء أو "winter blues"، ويتمثل في الجلوس أمام صندوق ينبعث منه الضوء لمدة 30 دقيقة يوميا، أثناء تناول الطعام والقراءة أو مجرد الاسترخاء.
وتعد أفضل الصناديق تلك التي تحتوي على أنابيب الضوء الفلورسنت الأبيض، حيث ينبعث منها 10 آلاف لوكس من الضوء على الأقل، ومع العلاج المنتظم، شهد بين 50% و80% من المرضى في الدراسات التجريبية، تحسنا واضحا في الأعراض، وفقا للمنظمة الوطنية للأمراض العقلية، ويمكن لبعض المرضى أن يشهدوا تحسنا واضحا في أقل من يومين.
- الخروج إلى الهواء الطلق
تشير بعض الدراسات إلى أن مغادرة الأماكن المغلقة، يمكن أن يحسن مزاجك أيضا، ويقول الدكتور مارك سيرفيس، الأستاذ في الطب النفسي السريري ونائب رئيس قسم الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، يمكن للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الموسمي المعتدل أن يشهدوا تحسنا، من خلال زيادة الوقت الذي يقضونه خارج المنزل، ويوصي السيد سيرفيس بضرورة المشي صباحا، أو تناول وجبة الغداء في الخارج.
- تناول فيتامين د
تظهر الدراسات أن فيتامين (د) وكذلك بعض المكملات الغذائية، تلعب دورا هاما في تعديل وتحسين المزاج العام، وتوصي المعاهد الوطنية للصحة، البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و70 عاما، بضرورة الحصول على 600 وحدة دولية من فيتامين (د) يوميا، ويمكن العثور على فيتامين (د) في الأسماك الدهنية والفطر والحليب وحبوب الإفطار.
- ممارسة الأنشطة الرياضية
تشير إحدى الدراسات إلى أن ممارسة التمارين الرياضية لمدة 25 دقيقة يوميا، يمكن أن تكون فعالة في تحسين المزاج كالعلاج الضوئي اليومي.
اضف تعليق