q
عندما يتعرض الجسم لهجوم من "مسببات الأمراض"، تُسارع الخلايا برفع رد الفعل المناعي الطبيعي باعتباره خط الدفاع الأول في مواجهة تلك المسببات، لكن رد الفعل يختلف من خلية إلى أخرى؛ فعلى الرغم من أن رد الفعل المناعي يجب أن يكون فعالًا، إلا أنه في الوقت ذاته يجب أن يكون تحت السيطرة؛ لتجنُّب التدمير الذاتي للخلايا...

عندما يتعرض الجسم لهجوم من "مسببات الأمراض"، تُسارع الخلايا برفع رد الفعل المناعي الطبيعي باعتباره خط الدفاع الأول في مواجهة تلك المسببات، لكن رد الفعل يختلف من خلية إلى أخرى؛ فعلى الرغم من أن رد الفعل المناعي يجب أن يكون فعالًا، إلا أنه في الوقت ذاته يجب أن يكون تحت السيطرة؛ لتجنُّب التدمير الذاتي للخلايا.

وبالرغم من أن الآلية التي يتم من خلالها التحكم في رد الفعل المناعي ظلت غامضةً في كثير من جوانبها، إلا أن فريقًا من الباحثين في معهد "ويلكم سانجر" البريطاني وعدد من الجامعات الأوروبية تمكَّنوا من فك بعضٍ من طلاسمها.

ووفق الدراسة التي نشرتها دورية "نيتشر"، فقد استخدم الباحثون "الترانسكريبتوم" –والتي تضم كل جزيئات الحمض النووي الريبوزي مثل الرنا المرسال والرنا الريبوسومي والرنا الناقل وغيرها من أنواع الرنا غير المشفّر التي يتم إنتاجها في خلية واحدة أو تجمع من الخلايا- لفحص الخلايا الليفية للحيوانات الكبرى والقوارض التي تعرضت لعملية تحفيز مناعي، واكتشفوا وجود تصميم مذهل لرد الفعل المناعي الطبيعي، والذي يتم من خلاله التحكم في تطور نظام المناعة الطبيعي لدى الكائنات الحية.

وأشار الباحثون إلى أن "عملية نسخ الجينات المتباينة -بما فيها تلك التي تعمل على ترميز السيتوكينات (مواد مثل الإنترفيرون والإنترلوكين تفرزها بعض خلايا الجهاز المناعي) والكيموكينات (نوع من السيتوكينات تجذب كرات الدم البيضاء لموضع الالتهاب وتستدعي الخلايا المناعية إلى مواقع المرض للمساعدة في إصلاح التلفيات التي يُلحقها بالجسم)- تختلف من خلية إلى أخرى ولها محفزات خاصة. وفي المقابل، فإن الجينات المسؤولة عن تنظيم رد الفعل مثل عوامل النسخ تكون شبه موحدة داخل نفس السلالة، ويكون التنوع بين خلاياها ضئيلًا".

وأوضح الباحثون أن "التعبير الجيني المتميز عبر الأنواع يتطور كآلية للتنظيم الدقيق لبلوغ رد فعل فعال ومتوازن في ذات الوقت؛ إذ يمثل برنامجًا دفاعيًّا أساسيًّا في الخلية يقوم بتعديل نفسه بسرعة عند التعرض لإصابة في معظم أنواع الخلايا، بحيث يثبط تكاثر الميكروب أو الفيروس بينما يرسل إشارة تحذير للخلايا الأخرى".

ويشمل هذا البرنامج الدفاعي تعديل مسارات العديد من الخلايا، ومن بينها إنتاج السيتوكينات المضادة للفيروسات والالتهابات، وإعادة تنظيم الجينات التي تكبح مسببات الأمراض، وإحداث موت الخلية. ويُعد التطور السريع للجينات في سلالة الفقاريات من أهم خصائص استجابة نظام المناعة الطبيعي.

وهناك سمة أخرى مميزة لهذه الاستجابة، هي ارتفاع معدل عدم التجانس بين الخلايا المستجيبة، إذ يوجد اختلاف كبير بين خلية وأخرى من حيث الاستجابة للالتهاب. ولم يتوصل الباحثون بعد إلى الأهمية الوظيفية لهذا الاختلاف، والتي ستساعد في فهم نظام المناعة الطبيعي وكيفية تطوره.

وقد اعتمدت الدراسة على نوعين من الخلايا، هما الخلايا الليفية والخلايا البالعة الأحادية التي تبتلع الأجسام الغريبة، وذلك في أطوار مختلفة لدى الثدييات التي تعرضت للعديد من محفزات المناعة.

وتم استخدام الخلايا الليفية الجلدية التي يُعتمد عليها في الدراسات المناعية لمقارنة رد الفعل لدى المخلوقات كبيرة الحجم مثل الإنسان والقرود، ولدى القوارض مثل الفئران من خلال تعريضها لنوع من RNA عادة ما يُستخدم لمحاكاة الالتهاب الفيروسي؛ لأنه سرعان ما يستثير رد الفعل المناعي.

يقول "تزاتشى هاجاي" -الباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": "إن الجينات التي تختلف بسرعة في أثناء التطور، تتنوع في تعبيرها أو إنتاجها بين الخلايا الفردية داخل نفس السلالة، مما يوضح أن بعضًا من آليات الدفاع داخل أجسامنا تتطور، في حين يكون البعض الآخر مقيدًا بصورة أكبر، وتقوم مسببات الأمراض باستغلال هذه القيود لمهاجمة الخلية كجزء من سباق التسلح مع جهاز المناعة".

وفيما يتعلق باستفادة العلماء من نتائج الدراسة لتطبيقها في مجال رفع المناعة، يوضح "هاجاي" أن معرفة مدى اختلاف البشر والسلالات الأخرى فيما يتعلق بتأثرهم أو مقاومتهم للعديد من مسببات الأمراض، سيفيد على المدى الطويل في كشف المسارات الجديدة التي تتطور بشكل متفرد لمقاومة مسبِّبات الأمراض، وبالتالي في تطوير علاجات جديدة ضد هذه العوامل الممرضة".

ويضيف أنه "بالنسبة للمناعة المكتسبة، فإن الأمر يحتاج إلى دراسات مستقبلية لتحديد مدى تأثُّرها بتنوُّع التعبير الجيني عبر الخلايا والسلالات، ولكن نظرًا لنتائج الدراسة التي تفترض أن هذا التنوع موجود في تسلسل المادة الوراثية DNA، فإن الآليات العامة التي تحكم قدرة الجينات على التغير بين الخلايا والسلالات المختلفة ترجح أن النظام نفسه ينطبق على المناعة المكتسبة".

اضف تعليق