دعت إدارة الغذاء والدَّواء الأمريكية (FDA) إلى تحديث لقاحات «كوفيد-19».. من أجل التصدي لمُتَحَوِّرَي «أوميكرون» الفرعيَّين «بي إيه.4» و«بي إيه.5».. لكن هل ستتمكن تلك الجرعات المُعزِّزة من مجاراة تطوُّر الفيروس؟ وعلى الرغم من أنَّ جرعات تلك اللقاحات تحمي على نطاقٍ واسع من حالات المرض الحادة...
بقلم تشارلز شميدت
أوصت إدارة الغذاء والدَّواء الأمريكية شركات اللقاحات بتحديث الجرعات المُعَزِّزة الخاصة باللقاحات المضادة لمرض «كوفيد-19»، من أجل استهداف مُتَحَوِّرات «أوميكرون» الجديدة، جاءت الدعوة إلى هذا التحديث استجابةً من الإدارة لتوصيات لجنتها الاستشارية المعنية باللقاحات والمنتجات البيولوجية ذات الصلة (VRBPAC)، التي أجرت تصويتًا عقب اجتماعٍ عام انعقد في الثامن والعشرين من يونيو، صوَّتت فيه اللجنة على تطوير جرعاتٍ معزِّزَة مُصمَّمة خصوصًا لمُتَحَوِّرات «أوميكرون»، لتأتي نتيجة التصويت 19 صوتًا مؤيدًا في مقابل صوتين معارضَين، وقد تُطرَح هذه الجرعات المُعَزِّزة الجديدة خريفَ العام الحالي، لكن حينها ربما يكون قد فات أوان منع الطفرة الحالية في عدد حالات المرض الناجمة عن مُتَحَوِّرَي «أوميكرون» الفرعيَّين «بي إيه.4» BA.4 و«بي إيه.5» BA.5 في الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
تستهدف اللقاحات الحالية السلالة الأولية لفيروس «سارس-كوف-2»، المُسَبِّب لمرض «كوفيد-19»، والذي ظهر لأول مرة في مدينة ووهان الصينية، لكن على الرغم من أنَّ جرعات تلك اللقاحات تحمي على نطاقٍ واسع من حالات المرض الحادة، فإنَّ "فاعليتها تتضاءل مع مرور الوقت على ما يبدو"، وفق قول بيتر ماركس، مدير مركز تقييم وبحوث المستحضرات البيولوجية، التابع لإدارة الغذاء والدَّواء، خلال اجتماع اللجنة الاستشارية الذي انعقد في أواخر يونيو، وإضافةً إلى هذا، فكل مُتَحَوِّر جديد نكتشفه يتبين أنَّه أقوى من سلفه في قدرته على العدوى، وفي شتى أنحاء العالم، تسببت مُتَحَوِّرات «أوميكرون» الفرعية في زيادة حالات العدوى، وزيادة عدد المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج بالمستشفيات، خاصةً في حالة كبار السن.
حاليًّا، تقتصر التَّحديثات المُخطَّط لها على الجرعات المُعَزِّزة الخاصة بلقاح الحمض النووي الريبي المرسال الذي طورته شركة «موديرنا» Moderna، والآخر الذي طورته شركة «فايزر» Pfizer بالتعاون مع شركة «بيونتك» BioNTech، وتُسابق هذه الشركات الزمن الآن لاختبار منتجاتها الجديدة وتحضير الملايين من الجرعات، التي ستحتاج إليها الحملة التي تخطط لها إدارة الغذاء والدَّواء للتَّطعيم بالجرعات المُعَزِّزة في فصل الخريف.
وفي هذا الصدد، تحدَّثت مجلة «ساينتفك أمريكان» Scientific American مع خبراء من الوسط الأكاديمي ومن صناعة اللقاحات، حول فرص النجاح في تطوير هذه الجرعات.
ما وجه الاختلاف في الجرعات المُعَزِّزة الجديدة؟
حتى يومنا هذا، تستهدف لقاحات «كوفيد-19» السلالة الأولية من الفيروس فقط، ووفقًا لتوصيات إدارة الغذاء والدَّواء، فبجانب تلك السلالة، ستستهدف الجرعات المُعَزِّزة الجديدة مُتَحَوِّرَي «أوميكرون» الفرعيَّين المُسمَّيين «بي إيه.4» و«بي إيه.5»، اللذين تسبَّبا في نحو 70% من حالات الإصابة الجديدة بمرض «كوفيد-19» في الولايات المتحدة من اليوم الثاني وحتى اليوم السابع من شهر يوليو، وبالإضافة إلى اختيار أعضاء اللجنة الاستشارية لهذَين المتحورَين، فقد رأوا أنَّ الحكمة تقتضي تعديل الجرعات المُعَزِّزة لتناسب السلالات المنتشرة حاليًّا، لكن دون التضحية بما توفره الجرعات المستهدِفة للسلالة الأولية من حمايةٍ من حالات المرض الحادة، وعن ذلك تقول أرتشانا تشاترجي، عميد كلية الطب بجامعة شيكاغو، وعضو اللجنة الاستشارية: "نثق بشدة بأنَّ اللقاحات الحالية ما زالت فعَّالةً للغاية، ولم نرغب في خسارة تلك الفاعلية"، لكنَّها أضافت أنَّه نظرًا إلى أنَّ هناك مُتَحَوِّراتٍ جديدةً تظهر كل ثلاثة أشهر أو أربعة، فليس هناك ما يضمن أنَّ المُتَحَوِّرين الفرعيَّين «بي إيه.4» و«بي إيه.5» سيظلان سائدَين عندما تبدأ حملة الخريف للتَّطعيم بالجرعات المُعَزِّزة.
هل يُمكِن استخدام الجرعات المُعَزِّزة المُصمَّمة خصوصًا لمتحورات «أوميكرون» في تطعيم مَن لم يتلقوا اللقاحات بعد؟
في ظل الظروف الراهنة، الإجابة هي لا؛ فهذه الجرعات مُصمَّمة للاستخدام كجرعاتٍ مُعَزِّزة فقط، وسيظل بإمكان مَن لم يتلقوا اللقاحات أن يحصلوا على اللقاحات الأساسية، المُصمَّمة بناءً على السلالة الأولية.
ما مدى فاعلية تلك الجرعات المُعَزِّزة؟
تقتصر الأدلة التي نُشِرَت للجمهور حتى الآن على ما كشفته شركة «موديرنا» وشركتا «فايزر» و«بيونتك» في البيانات الصحفية، والذي تعلَّق بالأخص بالجرعات المُعَزِّزة المُحَدَّثة التي تستهدف مُتَحَوِّر «أوميكرون» الفرعي الأول، المعروف باسم «بي إيه.1» Ba.1؛ فوفقًا للأدلة الأوَّليّة، تُنتج الجرعات مستوياتٍ من الأجسام المضادة المُحيِّدة (التي تساعد الجسم على مكافحة الفيروس) تزيد بمرتين عن مستويات الأجسام المضادة الناتجة عن اللقاحات الحالية التي توفرها تلك الشركات، بَيْدَ أنَّ هذه البيانات لا تكشف إلا جانبًا واحدًا من المسألة، لأنَّه "لا يوجد حدٌّ أدنى واضح لمستويات الأجسام المضادة المرتبطة بالحماية من المرض"، وفق ما أوضح عوفير ليفي، عضو اللجنة الاستشارية، ومدير برنامج اللقاحات الدقيقة في مستشفى بوسطن للأطفال، علاوةً على ذلك، فما زلنا نجهل إلى أي مدى يمكن أن توفر تلك الجرعات حمايةً إضافيةً من الخلايا المناعية المُسمَّاة بالخلايا التائية والبائية، وقد بدأت تلك الشركات في اختبار الجرعات المُعَزِّزة الثنائية التي تستهدف المُتَحَوِّرين الفرعيين «بي إيه.4» و«بي إيه.5»، لكنَّها لم تنشر أيَّ بياناتٍ للجمهور بعد.
كم تدوم فاعلية الجرعات المُعَزِّزة الجديدة؟
يَصعُب تحديد مدةٍ مُعيَّنة، فما دامت المُتَحَوِّرات الجديدة تتفرع من «أوميكرون»، يُمكِن إذًا للحماية التي توفرها تلك الجرعات أن تستمر مدةً طويلة، لكن إذا تفرَّع المُتَحَوِّر السائد القادم من سلالةٍ غير متوقعة، كما حدث مع المُتَحَوِّر «دلتا» ومُتَحَوِّر «أوميكرون» الأصلي، فستقل احتمالية الحصول على حمايةٍ طويلة الأمد من تلك الجرعات، ومع ذلك، فبعض الخبراء لا يرى مسوِّغًا لتطوير جرعاتٍ مُعَزِّزة مُصمَّمة خصوصًا لمُتَحَوِّرات «أوميكرون»، وذلك بناءً على الأدلة الحالية، يقول بول أوفيت، طبيب الأطفال في مستشفى الأطفال بفيلادلفيا: إنَّ هناك حاجةً إلى تطوير جرعاتٍ مُعَزِّزة مُصمَّمة خصوصًا لحماية الفئات المُعرَّضة لخطرٍ شديد هذا الخريف، لكنَّه يرى أنَّه ما دامت الجرعات الحالية تحمي من حالات المرض الحادة، ومن الحاجة إلى إيداع المرضى في المستشفيات، فإنَّها تفي بالغرض، وقد كان أوفيت واحدًا من عضوَي اللجنة الاستشارية اللذَين صوتا ضد تحديث الجرعات، وقال عن ذلك: "نتفق جميعًا على أنَّ المُكَوِّن الخاص بالسلالة الأولية ينبغي أن يكون موجودًا، لكن هل ستؤدي إضافة مُكَوِّنٍ خاص بمُتَحَوِّرات «أوميكرون» إلى تعزيز الأجسام المضادة بما يكفي لتقاوم المُتَحَوِّرات الفرعية القادمة؟ ما من دليلٍ على ذلك".
هل ستُتاح الجرعات المُعَزِّزة الجديدة لجميع الفئات العُمْريّة، بما في ذلك الأطفال الصغار؟
هذا لم يُحسَم بعد؛ ففي ردٍّ بالبريد الإلكتروني تلقته مجلة «ساينتفك أمريكان» Scientific American، كتب متحدثٌ باسم إدارة الغذاء والدَّواء: "استنادًا إلى البيانات التي ستقدمها الشركات المُصَنِّعة، تتوقع إدارة الغذاء والدَّواء أنَّها سيتسنى لها التصريح باستخدام الجرعات المُعَزِّزة المُعَدَّلة لتطعيم الفئات التي تُعتَبَر مناسبةً لتلقِّيها"، لكنَّ الإدارة رفضت تقديم مزيدٍ من التفاصيل بشأن عملية المراجعة التي تتَّبعها.
ما هي الخطوة القادمة؟
تزعم شركات «موديرنا» و«فايزر» و«بيونتك» أنَّها سيمكنها البدء في توفير الجرعات المُعَزِّزة الثنائية المضادة للمُتَحَوِّرَين الفرعيين «بي إيه.4» و«بي إيه.5» في شهر أكتوبر، ومع ذلك، تقول الشركات أيضًا إنَّها بحاجةٍ إلى مزيدٍ من المعلومات من إدارة الغذاء والدَّواء بشأن أنواع البيانات التي ستحتاج إلى تقديمها لتحصل على موافقة الجهات التنظيمية، يتعلق الغموض هنا بمقدار ما سترغب فيه الإدارة من البيانات الإكلينيكية، وعدد المشاركين في التجارب؛ فاللقاحات المتوافرة حاليًّا صُرِّحَ باستخدامها استنادًا إلى تجارب إكلينيكية واسعة النطاق، شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص، وهذه الجرعات المُعَزِّزة الجديدة تُحضَّر باستخدام التقنيات ومواد التصنيع نفسها، وتأملُ الشركات أن يُصرَّح باستخدام منتجاتها بناءً فقط على البيانات ما قبل الإكلينيكية، التي تُبَيِّن وجود مستوياتٍ كافية من الأجسام المضادة المُحيِّدة، وتوضح إليز ماير، المتحدثة باسم شركة «موديرنا»: "سيمكننا تحديد موعدٍ نهائي في شهر أكتوبر لو قبلت إدارة الغذاء والدَّواء بالبيانات ما قبل الإكلينيكية، ولم تحتج إلى البيانات الإكلينيكية التي كانت هي المعيار في إصدار تصاريح الاستخدام الطارئ السابقة"، وأضافت أنَّ أي معيارٍ غير ذلك "سيمثل تغييرًا في النهج التَّنظيمي".
اضف تعليق