q
بعض أساليب التنفس يمكنها المساعدة على تحسين أسلوب الحياة بشكل عام، مثل تقليل التوتر ومنع الأرق والتحكم في المشاعر وتحسين القدرة على الانتباه، لكن من أين تبدأ؟ اذ يعمل التنفس مثل الطاقة الشمسية فيما يتعلق بالطريقة التي يستحثّ بها شعور الاسترخاء، إنها طريقة مجانية لتنظيم المشاعر...
بقلم Christophe André

بعض أساليب التنفس يمكنها المساعدة على تحسين أسلوب الحياة بشكل عام، مثل تقليل التوتر ومنع الأرق والتحكم في المشاعر وتحسين القدرة على الانتباه، لكن من أين تبدأ؟ اذ يعمل التنفس مثل الطاقة الشمسية فيما يتعلق بالطريقة التي يستحثّ بها شعور الاسترخاء، إنها طريقة مجانية لتنظيم المشاعر، طريقة لا تنضب وسهلة الاستخدام ويمكنك اللجوء إليها وقتما تشاء.

أثبت عدد متزايد من الدراسات أن أساليب التنفس تكون فعَّالة ومؤثّرة في مواجهة القلق المرضي والأرق، تؤثر هذه الأساليب في العوامل الفسيولوجية (بتحفيز الجهاز العصبي الباراسمبثاوي) والعوامل النفسية (بتشتيت الانتباه عن أفكار بعينها).

لأن هذه الأساليب آمنة وسهلة الاستخدام، إذا ثبتت صحتها علميًا فقد يؤدي ذلك إلى التوصية باستخدامها وممارستها على نطاق أوسع، عندما يولد الإنسان يُعلن دخوله إلى هذا العالم باستنشاقه الهواء، ويغادر عالمنا عند موته بزفره النفس الأخير (في حقيقة الأمر، كلمة "زفير" مرادفة لكلمة "الموت" في العديد من اللغات)، وعملية التنفس جوهرية للحياة فلا عجب أن البشر اكتشفوا أهميتها منذ قديم الأزل، ليس فقط للبقاء على قيد الحياة، وإنما كذلك لأداء الجسم والعقل وظائفهما، وبدأ البشر في التحكم في هذه العملية لتحسين الرفاهة.

منذ وقت طويل، من الألفية الأولى قبل الميلاد، اهتمَّت الديانة الطاوية في الصين والديانة الهندوسية، بـ"مبدأ حيوي" يتدفق عبر الجسد، نوع من الطاقة أو التنفس الداخلي، وكانت هاتان الديانتان تعتبران التنفس أحد تجليات هذا المبدأ، يطلق الصينيون على هذه الطاقة اسم "كي" Qi، ويطلق عليها الهندوس اسم "برانا" Prana (أحد المفاهيم الأساسية لليوجا).

وفي وقت لاحق بالغرب، استُخدِم المصطلح الإغريقي "نوما" Pneuma والمصطلح العبري "رواه" Rûah للإشارة إلى النَفَس وإلى الوجود الإلهي، وفي اللغات اللاتينية، تمثل كلمة "سبيريتوس" Spiritus الجذر اللغوي للكلمتين الإنجليزيتين "سبيريت" Spirit (روح( و"ريسبايريشن" Respiration (تنفس).

بالإضافة إلى ذلك، ظهر -قبل قرون- الكثير من النصائح بخصوص كيفية ضبط عملية التنفس والتأثير على الصحة والعقل، وكان أسلوب اليوجا المعتمدة على التحكم في التنفس (Pranayama) أوّل مذهب يضع نظرية تقول إن التحكم في التنفس طريقة من طرق إطالة العمر.

وفي العصر الحديث، خلال عشرينيات القرن الماضي، طوَّر الطبيب النفسي الألماني يوهانس هاينريش شولتز "التدريب الذاتي" كطريقة للاسترخاء، ويستند هذا الأسلوب جزئيًا إلى التنفس ببطء وعمق، ولا يزال على الأرجح أفضل أسلوب تنفس معروف اليوم في الغرب لتحقيق الاسترخاء، كما أن الأشكال المعاصرة من "تأمل اليقظة الذهنية" Mindfulness meditation تؤكد أهمية التمارين القائمة على التنفس.

في الواقع، تعتمد كل أساليب الاسترخاء أو الهدوء أو التأمل على التنفس الذي يعد القاسم المشترك الأصغر في جميع الأساليب المستخدمة لتهدئة الجسم والعقل، بالإضافة إلى هذا، تؤيِّد الأبحاث التي أجريت بخصوص أساسيات علم الفسيولوجيا والآثار المترتبة على تطبيق أساليب التحكم في التنفس أهمية وقيمة مراقبة وتنظيم عمليتي الشهيق والزفير.

كانت اليوجا والتأمل مصدرًا لإلهام العديد من تمارين التنفّس المستخدمة اليوم، وكان ممارسو اليوجا المعتمدة على التحكم في التنفس (Pranayama) أوَّل من قدم تصورًا نظريًا عن فوائد التحكم في التنفس، قبل عدة قرون.. Credit: Getty Images

التأثير على العقل

فهم مبادىء علم الفسيولوجيا يساعد على تفسير قدرة التحكم في التنفس على إحداث الاسترخاء، الجميع يعلم أن المشاعر تؤثِّر في الجسد، فعندما تكون سعيدًا –مثلا- ينفرج ركنا فمك بصورة تلقائية، وتتغضَّن حافتا عينيك في تعبير مميِّز ينم عن السعادة، وبالمثل، عندما يشعر المرء بالهدوء والأمان، أو يشعر بالراحة، أو عندما يشارك في تفاعل اجتماعي مبهج، يميل تنفسه إلى أن يكون أكثر بُطئًا وعمقًا، ففي هذه الأوقات يكون الإنسان تحت تأثير الجهاز العصبي الباراسمبثاوي الذي يتمخَّض عنه تأثير مسبب للاسترخاء، وبالعكس، عندما يشعر المرء بالخوف أو الألم أو التوتر أو عدم الارتياح، تتسارع أنفاسه وتصبح أقصر، وعندها ينشط الجهاز العصبي السمبثاوي، المسؤول عن ردود فعل الجسم المختلفة تجاه الضغوط، وما لا يعلمه الكثيرون أن هذه الآثار تنشأ في الاتجاه المعاكس أيضًا، أي إن حالة الجسم تؤثر بدورها في المشاعر، وأثبتت الدراسات أنه عندما يبتسم الوجه يكون رد فعل الدماغ مشابهًا، وعندها يستشعر المرء أحاسيس أكثر إبهاجًا، والتنفس على وجه التحديد، له قوة سحرية وتأثير خاص على العقل.

يظهر هذا التأثير جليًا على المرضى الذين يعانون من صعوبات في التنفس، عندما تكون هذه الصعوبات متفرقة وحادة قد تتسبب في نوبات هلع، وعندما تكون مزمنة فإنها تتسبب غالبًا في حالة من القلق المرضي المكتوم. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 60% من المصابين بداء الانسداد الرئوي المزمن يعانون من القلق المرضي أو الاضطرابات الاكتئابية، وغالبًا ما ترجع هذه الاضطرابات، بشكل جزئي، إلى المخاوف المتعلِّقة بتبعات المرض (هل هناك أي شىء يمكنه أن يكون أكثر إثارة للقلق والتوتر من المجاهدة لالتقاط بعض الأنفاس؟) غير أن العوامل الميكانيكية المحضة قد يكون لها دور كذلك؛ فالصعوبات التي يمرّ بها هؤلاء المرضى غالبًا ما تقودهم إلى التنفس بشكل أسرع، وهو ما لا يُحسِّن بالضرورة جودة إمدادات الأكسجين الذي يحصلون عليه، بل إنه قد يفاقم شعورهم بالقلق وعدم الراحة من الناحية الجسدية.

وقد يُسهم التنفّس السريع في نوبات الهلع، بل إنه قد يجعلها أشد خطورة عبر الدخول في حلقة مفرغة، فالخوف يتسبب في زيادة سرعة التنفس، وزيادة سرعة التنفس تتسبب في زيادة الخوف.

في عام 2005، لاحظ جيرج ألبيرس (الذي يعمل حاليًا في جامعة مانهايم في ألمانيا) وزملاؤه، وجود درجة واضحة من فرط التنفس اللاشعوري عندما يقود الأشخاص الذين يعانون من رهاب قيادة السيارات سياراتهم على طريق سريع (إذ قد لا يتمكَّنون من إيقاف السيارة إذا ما شعروا باضطراب شديد).

وسواء كان القلق المرضي نابعًا من مشكلات في التنفس أو غيرها من الأسباب، فيمكن التخفيف من حدته عبر عدد من أساليب التنفّس التي تستند في جوهرها إلى الأساليب الشرقية التقليدية (انظر: "ستة أساليب لتخفيف حدة التوتر"). على سبيل المثال، يعد تمرين "متابعة التنفس"، الذي يركّز الانتباه على التنفس، من أولى خطوات تأمل اليقظة الذهنية، في حين أن التنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف أسلوب مستمد من اليوجا، ويعتبر الجمع بين الأفكار التي تبث الطمأنينة والتنفس أسلوبًا من أساليب السوفرولوجيا (Sophrology)، وهي طريقة تركز على تحقيق الانسجام بين الجسم والعقل وتوظف تمارين مُستخدَمة في العديد من الأساليب الأخرى، بما يشمل اليوجا وتأمل اليقظة الذهنية.

إجمالًا، توضِّح الأبحاث أن هذه الأساليب تؤدّي إلى الحدّ من القلق المرضي، رغم أن هذا القلق لا يختفي بشكل كامل، فالتنفس بصورة أفضل أداة وليس ترياقًا شافيًا من كل الأمراض، وفي حين أكدت الدراسات السريرية صحة بعض الأساليب، فإن بعض الأساليب الأخرى لم تتأكد صحّتها بعد، غير أن جميع الأساليب التي نتناولها في هذا المقال تطبق مبادئ ثبتت فاعليتها، وتهدف إلى إبطاء التنفس أو تيسيره أو جعله أكثر عمقًا، وتستخدم التنفس نقطة ارتكاز أو بندول إيقاع لتشتيت الانتباه عن الأفكار السلبية.

التركيز على تدريب "اتساق القلب"

إذا نظرنا عن كثب إلى أحد الأساليب الشهيرة -تدريب "اتساق القلب"- سنعرف المزيد من تفاصيل الطرق التي تساعد بها تمرينات التنفس على تعزيز الشعور بالاسترخاء، بمساعدة الارتجاع البيولوجي، يحاول هذا الأسلوب تنسيق التنفس مع معدل ضربات القلب، مما يؤدي إلى تقليل معدل التنفس وتثبيته لإبطاء ضربات القلب ومساعدتها على الاستقرار.

تطوَّر هذا الأسلوب بناءً على فكرة أن التنفس البطيء العميق يؤدي إلى زيادة نشاط العصب الحائر، وهو جزء من الجهاز العصبي الباراسمبثاوي، يتحكم هذا العَصب في نشاط العديد من الأعضاء الداخلية ويقيس نشاطها كذلك، وعند إثارته، يسري الإحساس بالهدوء في الجسم لتباطؤ ضربات القلب وانتظامها، وتناقص ضغط الدم، وتراخي العضلات، وعندما يخبر العصب الحائر الدماغ بهذه التغيرات، يسترخي الدماغ هو الآخر، مما يزيد من شعور الهدوء والسكينة، وبناءً عليه، يعمل هذا الأسلوب بآليات بيولوجية عصبية وآليات نفسية على حد سواء.

ويمكن أن يؤدّي استقرار معدّل ضربات القلب، عبر ممارسة تدريب "اتساق القلب"، إلى التخفيف من حدة القلق المرضي بشكل كبير، وعلى العكس يجري -في بعض الأحيان- تشخيص المرضى الذين يعانون من تسارع ضربات القلب خطًأ بأنهم مرضى نوبات هلع، لأن تسارع ضربات القلب يؤثر في العقل.

عادةً ما تتضمن تدريبات "اتساق القلب" أخذ شهيق لخمس ثوانٍ، ومن ثمَّ الزفير للفترة نفسها من الزمن (دورة تنفسية مدتها 10 ثوانٍ)، وتساعد أجهزة الارتجاع البيولوجي على مراقبة الكيفية التي يساعد بها التنفس العميق المنتظم على إبطاء ضربات القلب وتنظيمها، وتعرض الأجهزة هذه المؤشرات على الشاشة (المسافة بين أي ضربتين من ضربات القلب على الشاشة لا تكون مساوية بالضبط للمسافة بين ضربتين أُخريين، إلا أن هذه المسافات تصبح أكثر اتساقًا باستخدام هذا الأسلوب).

وأكَّد العديد من الدراسات فاعلية هذه الأجهزة في التخفيف من حدة القلق المرضي، رغم أن الأجهزة يكون لها -على الأرجح- تأثير أكبر محفِّز لأداء هذه التدريبات (إذ إنها تجعل التدريبات تبدو أمرًا جادًا وحقيقيًا) مقارنةً بتأثيرها على الآليات الفسيولوجية نفسها، ولذا فإن ممارسة التنفس البطيء بنفس القناعة والالتزام يمكن أن يؤدِّي إلى النتائج نفسها.

وتنصح بعض أنواع تدريب "اتساق القلب" بقضاء وقت أطول في الزفير مقارنةً بوقت الشهيق (على سبيل المثال، 6 ثوانٍ من الزفير مقابل 4 ثوانٍ من الشهيق)، في الحقيقة، يزداد معدل ضربات القلب زيادة بسيطة عند الشهيق وينخفض عند الزفير، ولذا فإن إطالة المرحلة الثانية يكون لها على الأرجح تأثير مُهدّئ على القلب، ومن ثم على الدماغ، غير أن هذه الاحتمالية لا تزال في حاجة إلى تأكيد باستخدام الدراسات السريرية.

وتشير دراسات أخرى إلى أن التأثير العاطفي للتنفس -الذي يتم في تمرين "اتساق القلب" وأنواع أخرى مختلفة من التمرينات-ينبع، ليس فقط من التأثيرات التي تحدث على سطح الجسم -أي على الجهاز العصبي الباراسمبثاوي- ولكن أيضًا من التأثيرات التي تحدث على الجهاز العصبي المركزي، بل وربما يعمل التنفس على الدماغ نفسه مباشرة.

على سبيل المثال، في عام 2017، أثبت مارك كراسنو من جامعة ستانفورد، بالتعاون مع زملائه، أن مجموعة من العصبونات التي تنظّم وتيرة التنفس لدى الفئران («مجمع ما قبل بوتزينجر» Pre-Bötzinger complex في جذع الدماغ) تتحكم في جزء من نشاط «الموضع الأزرق» Locus coeruleus، وهي منطقة لها دور في عمليات الانتباه واليقظة والقلق، يمكن لأساليب التنفس أن تؤثر على مركز المشاعر هذا عن طريق تنظيم نشاط «مجمع ما قبل بوتزينجر».

وبعيدًا عن أي آثار مباشرة ناجمة عن التنفس البطيء، قد يلعب الانتباه إلى عمليتي الشهيق والزفير دورًا في استجابة الدماغ، في عام 2016، أثبت أنزيلم دول وزملاؤه، وكانوا جميعًا آنذاك في جامعة ميونخ التقنية، أن تركيز الانتباه يساعد على تخفيف حدّة التوتر والمشاعر السلبية، لا سيِّما عن طريق تنشيط القشرة أمام الجبهية الظهرانية الإنسية (وهي منطقة تنظيمية في الدماغ) وتقليل النشاط في اللوزة الدماغية التي تلعب دورًا في هذه المشاعر.

بالإضافة إلى هذا، يدفع الانتباه إلى التنفس معظم الأشخاص إلى إبطاء التنفس وتعميقه، وهو أمر له تأثير مهدئ كما أوضحنا سابقًا.

إن الموارد الإدراكية محدودة، ولذا عندما يركّز الأفراد على التنفس، فإنهم لا يفكّرون في الأمور التي تثير قلقهم، ويتعلّم الأشخاص الذين يمارسون تأمل اليقظة الذهنية أن يكونوا واعين للحظة التي يتحول فيها انتباههم بعيدًا عن التنفس ويعود إلى التركيز على مخاوفهم، ويدَرِّب هؤلاء الأشخاص أنفسهم على العودة، بشكل دوري، إلى التركيز على التنفس، إعادة تركيز الانتباه لها تأثير مهدئ على أي شخص، وتساعد على محاربة التفكير الاجتراري لدى المصابين بالقلق المرضي أو الاكتئاب، لا سيّما أولئك الذين يميلون بشكل خاص إلى الدخول في دائرة من الأفكار السلبية.

التوقيت الملائم لاستخدام أساليب التنفس

ما الوقت الأمثل لاستخدام أساليب التنفس البطيء؟ أحد الأوقات المناسبة هو نوبات التوتر المتفرقة، ومنها على سبيل المثال، قبل الخضوع لأحد الاختبارات، أو قبل دخول منافسة رياضية، أو حتى قبل حضور اجتماع روتيني في العمل.

في عام 2017، درس أشوين كاماث من جامعة مانيبال في الهند، بالتعاون مع زملائه، رُهاب الصعود إلى المنصة الذي يصيب بعض الأشخاص قبل إلقائهم خطابًا عامًا، قضى المشاركون في الدراسة، وجميعهم من طلاب الطب، 15 دقيقة في التمرين على التنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف، بمعنى أخذ شهيق ببطء عبر إحدى فتحتي الأنف وإخراج هواء الزفير عبر الفتحة الأخرى مع إغلاق الفتحة غير المستخدمة بالضغط عليها بالأصابع، وقد شعر المشاركون بتوتر أقل، إلى حد ما، لدى تحدثهم أمام الجمهور، مقارنةً بأفراد المجموعة الضابطة.

قد تساعد هذه التمرينات أيضًا على التعامل مع الأرق، ففي عام 2012 أفادت سوزان إم. بيرتيش من كلية طب جامعة هارفارد، هي زملاؤها، بناءً على بيانات استبيان، أن أكثر من 20% من الأمريكيين الذين يعانون من الأرق يمارسون تمرينات التنفس هذه كي يناموا بشكل أفضل.

في الواقع، قد يكون هؤلاء الأشخاص في طريقهم لاكتشاف شيء ما، ففي عام 2015، أثبتت شيريل يانج وفريقها بجامعة يانج-مينج الوطنية في تايوان أن 20 دقيقة من تمرينات التنفس البطيء (6 دورات تنفسية في الدقيقة) قبل الخلود إلى النوم تساعد على تحسين النوم بشكل هائل، في هذه التجربة خلد المشاركون الذين يعانون من الأرق إلى النوم بشكل أسرع، واستيقظوا عددًا أقل من المرّات ليلًا، وعادوا إلى النوم بشكل أسرع في المرّات التي استيقظوا فيها، في المتوسط، لم يستغرق المشاركون سوى 10 دقائق للخلود إلى النوم، وهو معدل أسرع ثلاث مرات تقريبًا من المعدل المعتاد، وعزى الباحثون النتائج إلى الهدوء الذي كان للجهاز الباراسمبثاوي دور في إحداثه، والاسترخاء الناتج عن التنفس المُركَّز.

لا تحقق أساليب التنفّس نجاحًا في حالات التوتر الحاد أو مشكلات النوم فحسب، بل إنها يمكن أن تساعد أيضًا على التخفيف من حدة القلق المزمن، وهي كذلك أساليب فعَّالة بشكل خاص مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مثل حالات الرُهاب والاكتئاب واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة.

في عام 2015، قدَّمت ستيفانيا دوريا وزملاؤها في مستشفى «فاتي بيني فراتيللي إيه أوفتالميكو» في ميلانو بإيطاليا 10 جلسات تدريبية، مدّة كل منها ساعتان على مدار أسبوعين، لـ69 مريضًا يعانون من القلق أو الاضطرابات الاكتئابية، تضمَّن التدريب مجموعة متنوعة من أساليب التنفس (مثل التنفس البطني، وتسريع وإبطاء وتيرة التنفس، والتنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف)، مع بعض تمرينات اليوجا، ولاحظ الباحثون انخفاضًا ملحوظًا في الأعراض عند نهاية البروتوكول، والأفضل من هذا أن التحسن استمرّ من شهرين إلى ستة أشهر لاحقة، مع جلسات متابعة مرة واحدة أسبوعيًا وبعض التدريبات المنزلية خلال هذه الفترة.

تساعد تمرينات التنفس أيضًا على مجابهة تراكم التوترات الجسدية الضئيلة المرتبط بالإجهاد، وينصح المعالجون بأداء هذه التمرينات بانتظام في أثناء اليوم، أو خلال فترات الراحة، أو الأوقات الفاصلة بين نشاطين: كل ما عليك فعله ببساطة أن تتوقَّف عمّا تفعله لتُعدِّل من وضع جسمك وتمنح نفسك بضع دقائق من التنفس الهادئ.

وغالبًا ما يقترح المعالجون "طريقة 365" وفيها تتنفَّس -لثلاث مرات في اليوم على الأقل- بمعدل 6 دورات تنفسية في الدقيقة (5 ثوانٍ من الشهيق و5 ثوانٍ من الزفير) لمدة 5 دقائق، على أن تمارس هذا الأمر كل يوم على مدار الـ365 يومًا في العام، بل وتشير بعض الدراسات إلى أن تمرينات النفس المنتظمة بإمكانها -بالإضافة إلى ما توفّره من راحة فورية- أن تجعل الأشخاص أقل عرضة للتوتر بإحداثها تعديلًا دائمًا في الدوائر الدماغية، ولكن، في تمرين قد يبدو متعارضًا مع البديهيات، يشجّع المرشدون بعض المرضى الذين يعانون من القلق على التنفس بسرعة وليس ببطء، كجزء من محاولة تدريبهم على التأقلم مع مشاعر القلق (انظر: "استنشق الهواء للتعامل مع نوبات الهلع").

لكن لماذا نُقصِر استخدام أساليب التنفس على المشاعر السلبية؟ إن هذه الأساليب جديرة بتجربتها في لحظات السعادة أيضًا، أي أن نأخذ وقتًا نشعر فيه بقيمة هذه اللحظات ونتذكرها، اختصارًا، يمكن القول إن أي شخص يمكنه التوقف عمّا يفعله ليتنفس بغرض الاستمتاع وأيضًا لتهدئة نفسه.

365: اسم يُطلق على أسلوب شائع ينصح به المعالجون لمواجهة تراكمات التوتر، وفيه يُنصَح بالتنفس بمعدل 6 دورات تنفسية في الدقيقة (5 ثوانٍ من الشهيق و5 ثوانٍ من الزفير في كل مرة)، وذلك لمدة 5 دقائق لـ3 مرات في اليوم على الأقل، على أن يمارس هذا التمرين يوميًا على مدار الـ365 يومًا في العام.

أسئلة مفتوحة

تشجّع الأساليب التقليدية والتجربة العملية على استخدام أساليب التحكم في التنفس، وتشير الدراسات العلمية بشكل متزايد إلى أن العمل بهذه الأساليب فكرة جيدة، غير أن الأمر يتطلب المزيد من الأبحاث، لا سيّما أن بعض الدارسات لم تتم في وجود مجموعات ضابطة.

ومع هذا يوجد استثناء واحد بارز لهذا الأمر، هو أن التركيز على التنفس ليس في أغلب الأحيان فكرة جيدة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من نوبة هلع ناجمة عن القلق على حالتهم الجسدية (أو ما يعرف باسم "القلق الباطني" Interoceptive anxiety)؛ ففي هذه الحالة، قد يؤدي التركيز على فسيولوجيا الجسم -مثل شدّ العضلات أو التنفس- إلى تفاقم نوبة الهلع ("الآن وقد انتبهت إلى الأمر، لا يبدو لي تنفسي منتظمًا، هل أتعرض للاختناق؟ ماذا سيحدث لو توقفت عن التنفس فجأة؟")، بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، يجب اختبار أساليب التنفس والعمل بها تحت إشراف معالج متخصص.

فيما عدا ذلك، بالنظر إلى شعور عدم الراحة والضيق الذي ينتابنا جميعًا بشكل متكرّر في حياتنااليومية، وإلى العواقب السلبية لهذا الشعور على صحتنا، سنكون جميعًا أفضل حالًا إذا ركَّزنا بشكل منتظم على الطريقة التي نتنفس بها، يمكن البدء بفترات قصيرة من التنفس الهادئ الواعي عدّة مرات خلال اليوم، فالتنفس يعمل مثل الطاقة الشمسية فيما يتعلق بالطريقة التي يستحث بها شعور الاسترخاء، إنها طريقة مجانية لتنظيم المشاعر، طريقة لا تنضب وسهلة الاستخدام ويمكنك اللجوء إليها وقتما تشاء.

في الواقع، أشعر بالدهشة من أن التحكم في التنفس ليس من بين الأساليب التي يُنصَح باستخدامها وممارستها بشكل أوسع، ربما لأنه يبدو أسلوبًا بسيطًا ومألوفًا وواضحًا بدرجة كبيرة لا تسمح باعتباره نوعًا من العلاج، وقد يفترض الكثيرون -في ظل ما يواجهونه من تعقيدات في تعاملهم مع تقلبات الحياة البشرية- أن الحلول البسيطة ربما لا تكون فعالة.

أو ربما تخيفنا هالة القدسية التي تحيط بعملية التنفس وارتباطها بالحياة، بل والموت على وجه الخصوص، في روايته «الرجل الذي يضحك» The Man Who Laughs التي صدرت عام 1869، كتب فيكتور هوجو: "الأجيال ليست إلا دفقات من الأنفاس تخبو وتنتهي، فالمرء يتنفّس ويطمح، ومن ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة!" في نهاية المطاف، نحن كبشر لا تستهوينا فكرة أننا لسنا إلا "دفقات من الأنفاس".

6 أساليب لتخفيف حدّة التوتر

نستعرض فيما يلي بعض أساليب التنفس شائعة الاستخدام، وللتمرين لما بين 5 و10 دقائق أن يخفّف من حدة نوبات التوتر المتفرقة، بل ويدرأ نوبات الهلع، ويمكن للممارسة الأكثر انتظامًا تقليل المستويات اليومية للقلق المرضي.

انتصاب القامة

وضع الجسم له أهمية كبيرة في التنفس: اجعل جسمك منتصبًا دون تصلب، وأرجع كتفيك إلى الخلف سواء أكنت جالسًا أم واقفًا، هذا الوضع يسهّل الحركة الحرّة لعضلات التنفس (عضلات الحجاب الحاجز وبين الضلوع)، كما أن الوضع الصحيح للجسم يساعده على التنفس بصورة صحيحة دون تدخل منك.

متابعة التنفس

مراقبة حركات الجهاز التنفسي: يجب أن تكون واعيًا بكل حركات الشهيق والزفير، ركِّز على الإحساس الذي تشعر به عندما يمرّ الهواء عبر الأنف والحلق، أو ركِّز على حركات الصدر والبطن، وعندما تشعر بتشتت أفكارك (وهو أمر طبيعي) حاول إعادة تركيز انتباهك على عملية التنفس مرة أخرى.

التنفس البطني

حاول التنفس "عبر المعدة" قدر الإمكان: ابدأ بالشهيق وانفخ بطنك كما لو كنت تملؤها بالهواء، ثم املأ صدرك بالهواء، وعند الزفير "فرِّغ" بطنك أولًا ثم صدرك. مراقبة واختبار هذا النوع من التنفس أسهل في وضع الرقود، مع وضع إحدى يديك على معدتك.

التنفس الإيقاعي

عند قرب نهاية كل عملية شهيق، توقف لفترة وجيزة وعد في ذهنك من 1 إلى 3 مع حبس الهواء قبل الزفير، ويمكنك كذلك العدّ مع عدم التنفس بعد الزفير، أو بين كل عملية شهيق أو زفير، غالبًا ما يُنصح بأسلوب التنفس هذا للمرضى الذين يعانون من القلق لتهدئة نوبات القلق لديهم، إذ إنه يساعد على إبطاء معدل التنفس بشكل مفيد.

التنفس التبادلي فيما بين فتحتي الأنف

تَنَفَّس الهواء ببطء، شهيقًا وزفيرًا، عبر إحدى فتحتي أنفك مع إغلاق الفتحة الأخرى بأصبعك، ومن ثم اعكس العملية واستمر في التبديل بين الفتحتين بانتظام، هناك العديد من الأشكال المختلفة لهذا التدريب، ومنها -على سبيل المثال- الشهيق عبر إحدى فتحتي الأنف والزفير عبر الفتحة الأخرى.

وتشير الأبحاث إلى أن الأمر الأكثر أهمية (بعيدًا عن إبطاء إيقاع التنفس) هو التنفس عبر الأنف، فالتنفس عبر الأنف له تأثير مهدّىء نوعًا للجسم بدرجة أكبر من التنفس عبر الفم.

التفكير في أمور مطمئنة خلال التنفس

مع كل نفس، أشغل عقلك بأفكار مُطمئنة ("أنا أستنشق الهدوء")، ومع كل عملية زفير تخيَّل أنك تطرد من جسدك مشاعر الخوف والقلق ("أنا أزفر التوتر"). أثبتت التجارب السريرية صحة هذا الأسلوب.

استنشق الهواء للتعامل مع نوبات الهلع

في حين أن التنفس البطيء يُهدّئ من روع الإنسان، يمكن للتنفس السريع جدًا أن يثير مشاعر التوتر والقلق، وتُستَخدَم هذه الظاهرة في جلسات العلاج السلوكي لتدريب المرضى الذين يعانون من القلق على مواجهة مشاعرهم بشكل مباشر، يُدرَّب المرضى على التنفس بشكل سريع، فيثيرون في نفوسهم -بشكل مصطنع- شعورًا مزعجًا بالقلق، ومن ثم يعتادون على هذا الشعور ويتعلمون وضعه في سياقه. هذا الأسلوب يجعل المرضى يدركون كذلك أن عادات التنفس السيئة تؤدي إلى تفاقم مخاوفهم.

اضف تعليق