ينتشر متحوِّر أوميكرون بوتيرة سريعة في جميع أنحاء العالم، وقد فُرِضت قيود جديدة على السفر وسادت حالة من القلق المتزايد بعد ظهور هذه النسخة شديدة التحور من فيروس كورونا، التي رُصِدَت حتى الآن في أكثر من 60 دولة، ففي جنوب أفريقيا، التي اكتُشِفَت فيها لأول مرة طفرات أوميكرون...
بقلم تشارلز شميدت
ينتشر متحوِّر «أوميكرون» بوتيرة سريعة في جميع أنحاء العالم، وقد فُرِضت قيود جديدة على السفر وسادت حالة من القلق المتزايد بعد ظهور هذه النسخة شديدة التحور من فيروس كورونا، التي رُصِدَت حتى الآن في أكثر من 60 دولة، ففي جنوب أفريقيا، التي اكتُشِفَت فيها لأول مرة طفرات «أوميكرون» البالغ عددها 50 طفرة تقريبًا، تبيَّن أن المتحور يمكن أن يصيب أشخاصًا سبقت لهم الإصابة بنسخ أقدم من فيروس «سارس-كوف-2» ونجوا منها، وكذلك يمكنه إصابة الأشخاص الذين تلقوا اللقاح المضاد للفيروس.
يحاول العلماء حاليًّا وضع نموذج لتوقع مسار انتشار «أوميكرون» حول العالم بالاستناد إلى عامِلَين، العامل الأول هو قدرته الفطرية على الإصابة بالعدوى، أو الانتقال من شخص إلى آخر، والعامل الآخر هو قدرته على تفادي الأجهزة المناعية للبشر، يقول مارك ليبسيتش، عالِم الأوبئة بكلية تي إتش تشان سكول للصحة العامة بجامعة هارفارد في بوسطن: إن معرفة مدى إسهام كلٍّ من هذين العاملين في انتشار المتحور الجديد هو "ما سيتيح لنا التنبؤ بعدد الأشخاص الذين قد يصابون بالمتحور «أوميكرون» ومدى سرعة حدوث ذلك".
تعكس قدرة الفيروس على الانتقال قدرته على التكاثر داخل الخلايا البشرية والانتقال من شخص إلى آخر، ويوضح جيفري شامان -واضع نماذج الأمراض المعدية بكلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا- قائلًا: "يعتمد هذا على جميع أنواع العمليات الحيوية"، ويردف قائلًا: "هل يرتبط المتحور بالمستقبلات داخل الرئتين بسهولة أكبر؟ هل يتناثر من الأشخاص على نحوٍ مسبب للعدوى أكثر؟ وهل ينبعث منك بكميات أكبر فتصيب مزيدًا من الأشخاص؟"، أما قدرة الفيروس على تفادي الجهاز المناعي فتتمثل في قدرته على تجنُّب الأجسام المضادة التي من شأنها أن تتعرف عليه وتنبه الجسم إلى وجوده ليدمره، إضافةً إلى قدرته على مراوغة العديد من خلايا الجهاز المناعي.
تتمثل إحدى الخطوات المهمة لقياس سرعة انتشار فيروس ما في البدء بشخص مصاب وتقدير عدد الأشخاص الذين ستنتقل إليهم العدوى من هذا الشخص، وخلال أي جائحة قائمة، يحاول العلماء حساب هذا العدد بواسطة قيمة تُسَمَّى «عدد التكاثر الفعَّال»، ويُرمَز لها بالرمز Rt، يمثِّل المتغير «t» عدد حالات العدوى الثانوية، ويعتمد على تأثيرات مناعة الآخرين، وأنماط الطقس الموسمية، وتدخلات الصحة العامة، وغيرها من القيود التي تؤثر على انتقال الفيروس، يقول ليبسيتش: "عدد التكاثر الفعال Rtيمكن أن يتغير من دقيقة إلى أخرى وفقًا للظروف الواقعية التي يمر بها العالم"، ويضيف قائلًا: "إننا نستخدم Rt لتحديد مدى سرعة انتشار الوباء أو انحساره"، تعني قيمة R2 -على سبيل المثال- أن شخصًا واحدًا سيصيب اثنين آخرين، أما القيمة R5 فتعني أن الشخص سينقل العدوى إلى خمسة آخرين، مما يرفع أعداد الإصابات بسرعة أكبر.
وقد بدأت تقديرات Rt للمتحور «أوميكرون» تتضح مؤخرًا؛ فقد أعلن المعهد الوطني للأمراض المعدية بجنوب أفريقيا NICD، في التاسع من ديسمبر، أن قيمة Rt قد استقرت في ذلك البلد عند مستويات أقل من 1 بحلول مطلع شهر نوفمبر، مما يشير إلى أن حالات الإصابة كانت تنخفض في واقع الأمر خلال الفترة التي كان المتحور «دلتا» هو المتحور السائد فيها، وواجه فيها «أوميكرون» صعوبةً في التغلب على المناعة واسعة النطاق حينها بين السكان، غير أن قيمة Rt ارتفعت فجأةً في منتصف نوفمبر، وتتجاوز الآن 2 في معظم أنحاء البلاد، و2.5 في المقاطعات المكتظة بالسكان: جوتنج، وكوازولو-ناتال، ومبومالانجا، وفق العلماء بالمعهد فإن قيمة Rt مستندة إلى عدد الحالات المؤكدة مختبريًّا والبيانات الخاصة بأعداد الحالات التي تدخل المستشفيات، يقول كارل بيرسون، واضع النماذج الرياضية بكلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية، والذي يعمل عن كثب مع باحثين من جنوب أفريقيا: إن قيمة Rt في هذا الوضع تشمل متحورات أخرى إلى جانب «أوميكرون»، غير أن الزيادة المفاجئة في حالات الإصابة تنبئ بوجود المتحور الجديد في مزيج مع المتحورات الأخرى، وأنه السبب في ظهور الكثير من الإصابات الجديدة.
ومنذ تلك الفترة، أعلن علماء بوكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة وصول قيمة Rt إلى 3.7 للمتحور «أوميكرون» نفسه، وقد أُعلِنَ عن هذا الرقم المرتفع على نحوٍ مثيرٍ للقلق في بيان تقني صدر في العاشر من ديسمبر، ويستند جزئيًّا إلى البيانات التي تشير إلى أن معدَّل إصابات «أوميكرون» في المملكة المتحدة يتضاعف كل ثلاثة أيام، وقد كتب تريفور بيدفورد -واضع نماذج الأمراض المعدية بمركز فريد هاتشينسون للسرطان في سياتل- في مجموعة من التعليقات المفصلة على موقع «تويتر» يقول: إن حجم التهديد الذي يمثله «أوميكرون» بهذا المعدل أكبر بكثير مما يمثله المتحور «دلتا» من حيث عدد حالات الإصابة.
وأكد بِدفورد أنه لم يتضح بعد أي العاملين أكثر تأثيرًا في الانتشار السريع لـمتحور «أوميكرون»، هل هي قدرته الفطرية على الانتقال من شخص إلى آخر؟ أم قدرته على تفادي دفاعات جهاز المناعة؟ كما افترض أنه إذا كانت مجموعة سكانية معينة يتمتع أغلبها بمناعة ضد متحورات أخرى، فسينتشر «أوميكرون» سريعًا حتى لو كان لا يمتلك قدرة فطرية عالية على الانتقال؛ لأن الأجهزة المناعية لدى أفراد هذه المجموعة ستقضي على المتحورات المنافسة له.
تتزايد حاليًّا الأدلة الواردة من مصادر شتى على قدرة «أوميكرون» على تفادي استجابات الجسم الدفاعية، وإحدى الإشارات الدالة على ذلك أن «أوميكرون» يصيب مجددًا أشخاصًا سبقت لهم الإصابة بـالفيروس، وقد أعلن فريق بحثي بقيادة جوليت بوليام -عالِمة الأوبئة، التي تدير مركز التميز في النمذجة الوبائية والتحليل التابع للمؤسسة الوطنية للأبحاث NRF ووزارة العلوم والتكنولوجيا DST بجامعة ستيلينبوش بالقرب من كيب تاون في جنوب أفريقيا- في الثاني من ديسمبر، عن وقوع أكثر من 35 ألف حالة إعادة عدوى في البلاد ضمن 2.8 مليون شخص ثبتت مختبريًّا إصابتهم بفيروس «سارس-كوف-2» خلال الأشهر الثلاثة السابقة، وتوصلت دراسة أخرى أجراها فريق بقيادة ألكس سيجال -عالِم الفيروسات بمعهد الأبحاث الصحية الأفريقي في ديربان بجنوب أفريقيا- إلى أن الأجسام المضادة المُحيِّدَة في عينات دم تعود إلى أشخاص تلقوا لقاح فايزر-بيونتيك كانت أقل فاعليةً ضد «أوميكرون» مقارنةً بالمتحورات الأخرى بأربعين مرة تقريبًا.
وتقول سارة كوبي، عالِمة الأوبئة والأحياء التطورية بجامعة شيكاجو: إنه ليس من المؤكد ما إذا كانت التجارب التي أجراها مختبر سيجال تتنبأ بانخفاض الوقاية التي توفرها اللقاحات في الحياة الواقعية أم لا، لأن "الهروب من الجهاز المناعي لا يقتصر على الإفلات من الأجسام المضادة المحيِّدة، بل يتطلب أكثر من ذلك بكثير"، كما أن اللقاحات تنشِّط خلايا مناعية متخصصة تدمر الخلايا المصابة، لذا سيتعين على «أوميكرون» تفاديها هي الأخرى، تقول كوبي: "لا يمكن قياس مسألة الهروب من المناعة بدِقَّة في المختبر".
وخلال الأسابيع القادمة، سيعمل العلماء على مقارنة قيمة Rt لـلمتحور «أوميكرون» في مناطق ذات سجل إصابات ومعدلات تطعيم مختلفة، يقول شامان إنه لم يتضح بعد إلى أي مدى يمكن أن ينطبق ما رُصِدَ في جنوب أفريقيا على أماكن أخرى؛ فالولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- لم تشهد قَط موجة من الإصابات بسبب المتحور «بيتا»، في حين حدث ذلك في جنوب أفريقيا، وقد يغير تعرُّض سكان الولايات المتحدة الأمريكية لمتحورات مختلفة من استجاباتهم المناعية، ويضيف شامان قائلًا: "لقد انتقلنا مباشرة من المتحور «ألفا» إلى «دلتا»"، ويضيف: "وقد تُغير مثل هذه الأمور من النسبة السكانية المعرضة حاليًّا للإصابة بمتحور «أوميكرون» الجديد، سيتعين علينا فقط أن نراقب ما سيسفر عنه الوضع مع مرور الوقت".
اضف تعليق